منذ مدة والحديث لا يدور بين الناس في الجزائر وخارجها وعلى مواقع التواصل الاجتماعي إلا حول اختفاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون المفاجئ عن الأنظار. وقد ارتفعت وتيرة الجدل الواسع إثر الحادث المأساوي الذي أودى بحياة 18 شخصا وإصابة حوالي 23 آخرين بينهم حالتان حرجتان، جراء انحراف حافلة نقل عامة مساء يوم الجمعة 15 غشت 2025 من فوق جسر نهر وادي الحراش في العاصمة الجزائر وسقوطها في المجرى المائي، ولاسيما عند تنقل كبير الكابرانات "السعيد شنقريحة" يوم السبت 16 غشت 2025 إلى كل من المستشفى المركزي للجيش بعين النعجة والمؤسسة الاستشفائية المتخصصة "سليم زميرلي" بالحراش والمركز الاستشفائي الجامعي "مصطفى باشا" من أجل تفقد حالة المصابين. ففي ظل غياب أي بلاغ رسمي من لدن الدوائر المسؤولة حول سر هذا الاختفاء الغامض والمفاجئ، إن كان اختفاء إراديا أو قسريا، وتوالي الأحداث المتسارعة داخليا وخارجيا، ومنها احتجاجات المواطنين المحلية بسبب فاجعة غرق حافلة في مياه الصرف الصحي، وعدم حضور الرئيس مؤتمر "تيكاد 9" الياباني/الإفريقي، الذي شهد انتكاسة أخرى للدبلوماسية الجزائرية، بعد تأكيد وزير خارجية اليابان موقف بلاده الرافض للاعتراف بجبهة البوليساريو الانفصالية، باعتبارها كيانا غير عضو في الأممالمتحدة، تناسلت الحكايات وتباينت الآراء والأقوال، فمن قائل بأن الرئيس تبون في عطلة منذ 5 غشت 2025، ومن قائل إنه يخضع للعلاج خارج البلاد في ألمانيا بسبب وعكة صحية طارئة، ومن قائل بأنه تحت الإقامة الجبرية، وذهبت التكهنات حد القول بأن الرجل تمت تصفيته بإيعاز من شنقريحة الرئيس الفعلي للجزائر. وهو التضارب الذي أدى إلى حالة من القلق في أوساط المواطنين الجزائريين، الذين وجدوا أنفسهم فجأة بدون رئيس ولا يعرفون ما يجري خلف أسوار قصر المرادية... ومما زاد من حدة التوجس والتوتر في عرض الشارع الجزائري، هو ضعف الإعلام الرسمي وغير الرسمي الذي يبدو ألا حول ولا قوة له في نقل المعلومات الدقيقة لما يعاني من غياب الاستقلالية والحرية، والانتشار الواسع لقوات الأمن والجيش في العاصمة، وترويج بعض النشطاء لمقطع فيديو منسوب لإحدى القنوات الموالية للنظام العسكري، تعلن من خلاله عن وفاة الرئيس "تبون"، لاسيما أنه ظهر وكأنه "خبر عاجل" من مصدر إعلامي رسمي، لكن سرعان ما تبين أن الخبر مجرد إشاعة ولا أساس له من الصحة. بالإضافة إلى أن بعض المصادر تداولت على نطاق واسع شائعة أخرى عن حدوث انقلاب عسكري فاشل في القصر الرئاسي، وما إلى ذلك من التكهنات والأقاويل غير المؤكدة ولا الموثوق من صحتها... ثم إن ما ساهم في ارتفاع منسوب القلق والحيرة هو تزامن اختفاء الرئيس مع تحركات السفيرة الأمريكيةبالجزائر "إليزابيث مور أوبين"، التي أثار موقفها الداعم لتصريحات "مسعد بولس" كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تجديد دعم بلاده لمغربية الصحراء، كما ورد في جريدة الوطن الجزائرية المحسوبة على دوائر القرار، جدلا واسعا في صفوف النخب السياسية، وسط غياب أي رد فعل أو تعليق رسمي من مؤسسة الرئاسة، خصوصا مع تنامي الانتقادات الشديدة اللهجة للنظام الجزائري حول صرف ملايير الدولارات على قضية الصحراء من خلال الدعم المستمر لميليشيات البوليساريو الانفصالية، في وقت يتزايد الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء ودعم مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، إضافة إلى ما تشهده الجزائر منذ عدة عقود من أزمات اجتماعية واقتصادية خانقة، علما أنها تزخر بثروات طبيعية هائلة من نفط وغاز وغيرهما، غير أنه لا أثر لعائداتها على المواطنات والمواطنين الذين يشكون من التهميش والإقصاء والحرمان وارتفاع معدلات الفقر والبطالة... من هنا يتضح جليا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان صادقا حينما صرح عام 2023 إبان رفض عضوية الجزائر في مجموعة "البريكس" الاقتصادية، بأن السبب في ذلك يعود لكون الجزائر دولة "لا وزن ولا هيبة"، وعلى من سارعوا إلى توجيه انتقادات حادة له، أن يعيدوا حساباتهم من جديد، كيف لا وقلوب المواطنين الجزائريين تكاد تنفطر من شدة الحزن ليس فقط على ضحايا نهر وادي الحراش، ولا على ما وصلت إليه أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية من ترد، بل كذلك عن الاختفاء الغامض لرئيس الدولة "عبد المجيد تبون" الذي يجهلون السر في ذلك، ويخشون من أن يستمر التكتم عن مصيره طويلا...