في السنوات الأخيرة، شهدت حركة الهجرة غير النظامية انطلاقا من السواحل المغربية تحولا لافتا؛ إذ باتت شبكات تهريب المهاجرين تبتعد تدريجيا عن بعض النقط الساحلية التقليدية المعروفة في شمال المملكة لتتجه نحو الشواطئ الصغيرة في الوسط والجنوب لتنفيذ عملياتها، مستغلة طبيعة هذه الفضاءات الساحلية وصعوبة الولوج إليها، في محاولة للتخفي وتجنب الكشف أمام الدوريات الأمنية المعززة على الشواطئ الكبرى. ويبدو أن اختيار هذه الشواطئ "الهامشية" من طرف شبكات تهريب البشر ومنظمي "رحلات الموت"، بل وحتى عصابات تهريب المخدرات في بعض الأحيان، لم يكن اعتباطيا، بل كان نتيجة طبيعية لواقع أمني جديد فرضته السلطات الأمنية المغربية على الحدود الشمالية للبلاد، ما أدى بهذه الشبكات إلى البحث عن طرق بديلة "أقل مراقبة"، معتمدة على استخدام قوارب يمكن نشرها بسرعة وسهولة، وعلى استراتيجية التنفيذ في الساعات المبكرة من النهار. هذا التحول فرض على جهاز الدرك الملكي تعزيز حضوره الميداني في هذه المناطق عبر مقاربة أمنية استباقية تقوم على الرصد والتتبع الدقيق لتحركات هذه الشبكات، ما أدى إلى تقليص هامش المناورة لديها وإحباط عدد من محاولات الإبحار السري نحو الضفة الأوروبية، وبالتحديد نحو جزر الكناري الإسبانية. على سبيل المثال، تمكنت مصالح الدرك الملكي بإقليم تيزنيت، بجهة سوس-ماسة، على امتداد السنوات القليلة الماضية، من إحباط محاولات عدة لتهريب المهاجرين عبر مجموعة من النقاط الساحلية الصغيرة الواقعة بالنفوذ الترابي لهذا الإقليم، على غرار نقاط "أكلو" و"الخنابيب" و"سيدي بونوار"، حيث أسفرت هذه العمليات عن توقيف عدد من المشتبه فيهم المرشحين للهجرة غير النظامية ومصادرة المعدات المستعملة في هذه المحاولات. وحسب معلومات استقتها هسبريس من مصادر مطلعة، فإن "عناصر الدرك الملكي التابعين لسرية تيزنيت واعون تماما بتحولات أنماط وأساليب تهريب المهاجرين، ويواكبون هذا التحول برفع مستوى اليقظة الأمنية وتكثيف المراقبة لكل الشواطئ والنقاط الساحلية، خاصة غير المأهولة، من الحدود مع مركز ماسة إلى غاية مركز مير اللفت، بالتعاون والتنسيق الدائم مع السلطات المحلية وكذا وحدات القوات المساعدة المنتشرة على طول هذا الشريط الساحلي، التي صارت هي الأخرى تستعين بكاميرات متطورة في عملها لتعزيز المراقبة". وأوضحت مصادر الجريدة أن "مصالح الدرك الملكي بالإقليم تقوم بشكل يومي بدوريات ليلية ونهارية في جميع المناطق المشبوهة، مع تكثيف التواجد الأمني في الشواطئ والنقاط النائية التي قد تُستغل لتهريب المهاجرين"، مؤكدة أنه "تم أيضا تعزيز المراقبة على الطرقات المؤدية إلى السواحل، بهدف إحباط أي محاولة لنقل مرشحين للهجرة غير النظامية أو معدات مخصصة لهذه العمليات إلى إحدى النقاط الساحلية". في هذا الصدد، أشارت المصادر ذاتها إلى أن "عمليات تعزيز وتشديد المراقبة على طرقات السير أسفرت مؤخرا عن توقيف مركبة تحمل مرشحين للهجرة ينحدرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء"، مشددة على أن "هذه التدابير الاستباقية تأتي ضمن استراتيجية شاملة للدرك الملكي بالإقليم لحماية السواحل وضمان الأمن المحلي ومنع استغلال الشواطئ في جميع الأنشطة غير القانونية". وإلى جانب هذه المقاربة الأمنية الاستباقية، يراهن عناصر جهاز الدرك الملكي بإقليم تيزنيت على تعزيز التعاون مع مختلف المتدخلين في منظومة الأمن المحلي، بما في ذلك بناء علاقات ثقة مع السكان المحليين بما يجعلهم شركاء فاعلين في حماية أمن السواحل التي تعد مصدر رزق للعديد منهم عبر الإبلاغ عن أي تحركات مريبة.