أكد محمد بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، أن الصناعات الثقافية والإبداعية (ICC) تمثل اليوم 2.7 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مقابل 2.4 في المائة سنة 2022، موضحا أن هذا النمو يعكس خلق 140 ألف فرصة عمل ذات جودة وشمولية على الصعيد الوطني، فيما تعد هذه القطاعات أول مشغل للشباب على الصعيد العالمي. وأوضح بنسعيد، خلال كلمة له في افتتاح أشغال المناظرة الوطنية الأولى حول الإشهار، المقامة بالدار البيضاء تحت شعار "الوضعية الراهنة وآفاق المستقبل"، أن هذه الدينامية الاقتصادية والاجتماعية تعززها هذه المناظرة، التي تنعقد تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، وتشكل مرحلة حاسمة لبناء منظومة وطنية منظمة وشفافة ودينامية في قطاع الإعلانات. وأضاف الوزير أن الإشهار يشكل ركيزة أساسية للسيادة الرقمية والإعلامية للمملكة، ومصدرا رئيسيا لتمويل وسائل الإعلام الحرة والمستقلة، مبرزا أن قطاعا وطنيا قويا ومستقلا للإعلانات سيسهم في موازنة العلاقة مع الشركات متعددة الجنسيات، وتوجيه جزء من التدفقات المالية نحو الفاعلين المحليين. وأشار المسؤول الحكومي ذاته، في تصريح لهسبريس على هامش الحدث، إلى أن المغرب يهدف إلى رفع مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية إلى 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام في أفق 2030، مؤكدا أن الشباب المغربي، المتعلم والمبدع، يمثل رصيدا إستراتيجيا لتحقيق هذه الطموحات؛ كما شدد على أن هذه الرؤية تنسجم مع التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى ترسيخ ثقافة الإبداع والابتكار وتعزيز الرأسمال اللامادي للمملكة، موردا أن مخرجات هذه المناظرات ستتوج بخريطة طريق واضحة وطموحة للنهوض بقطاع الإشهار الوطني ودعمه كمحرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. تحصين السيادة الثقافية الوطنية أفاد عزيز خياطي، مدير الميزانية بالوزارة المنتدبة لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلفة بالميزانية، بأن "قطاع الإشهار يعد اليوم في صميم التحول الاقتصادي الذي يعرفه المغرب"، مبرزاً أنه يشكل في الوقت نفسه "مؤشرا على الحيوية الاقتصادية" و"أداة أساسية لترسيخ السيادة الثقافية الوطنية". وقال خياطي في كلمة ألقاها نيابة عن فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، خلال الجلسة الافتتاحية للحدث، إن "المغرب دخل مرحلة جديدة من التحول الهيكلي العميق، تتجلى في صعود الاقتصاد الرقمي، وتغير نماذج الإعلام التقليدي، وبروز المنصات الرقمية العالمية، وهو ما يفرض علينا التفكير جماعيا في تموقع بلدنا داخل سلسلة القيمة العالمية في مجالي الاتصال والإعلام". وشدد المسؤول نفسه في السياق ذاته على أن هذه المناظرة تشكل "دعوة إلى التعامل مع الإشهار ليس كسوق تجارية فقط، بل كقطاع إستراتيجي يتقاطع فيه الإبداع، والتكنولوجيا، والسيادة الوطنية"، موضحا أن اختلال موازين السوق بين الفاعلين المحليين والمنصات العالمية أدى إلى تحويل جزء كبير من القيمة المضافة إلى الخارج، مقابل تراجع العائدات المحلية. وأشار المصدر ذاته إلى أن المنصات العالمية "تستحوذ على أكثر من 80 في المائة من سوق الإشهار"، منبها إلى أن هيمنة الفاعلين الدوليين تجعل وسائل الإعلام الوطنية تواجه صعوبات متزايدة في تحقيق مداخيل مستدامة، وفي أداء أدوارها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. نزيف الاستثمارات الرقمية بالمغرب إلهام حراوي، مديرة وكالة الإشهارات والحلول الرقمية لدى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، قالت إن "الإشهار ليس مجرد مهنة تقليدية، بل هو رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والإبداع والابتكار، ولغة عالمية تربط بين العلامات التجارية والمواطنين؛ فهو يساهم في تشكيل التوجهات المجتمعية، ويواكب التحولات الكبرى، ويعكس طموحات الشعوب، بل ويستشرف المستقبل أحيانا". وأضافت حراوي، خلال كلمة ألقتها نيابة عن فيصل العرايشي، الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، أنه "من هذا المنطلق ظل القطب العمومي فاعلا رئيسيا في تطوير هذا القطاع، معتمدا مقاربة مبتكرة ومتكاملة تستجيب لحاجيات السوق الوطنية"، وزادت: "رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي عرفها السوق خلال السنوات الأخيرة فإن الابتكار وشفافية العمل وتطوير العلامات المغربية مكّنتنا من الحفاظ على موقعنا الريادي في بيئة إعلامية تنافسية ومعقدة". وشددت المسؤولة ذاتها، في كلمتها، على أن عملية إعادة هيكلة القطب العمومي المغربي تندرج اليوم ضمن رؤية إستراتيجية تهدف إلى توحيد الجهود من خلال إحداث وكالة واحدة للإشهار، قادرة على تدبير كل الوسائط العمومية بكفاءة عالية، مع الحفاظ على قيم الشفافية والحوكمة الجيدة. وتهدف هذه الخطوة، حسب المتحدثة، إلى المساهمة في بناء سوق إشهارية وطنية أكثر شمولا ومسؤولية، خاصة في ظل الطفرة الرقمية وهيمنة المنصات العالمية التي تستحوذ على أكثر من 80 في المائة من الاستثمارات الرقمية، مبرزة أن "إنشاء منصات مغربية رقمية قوية وأدوات لقياس الجمهور المحلي أصبح ضرورة ملحة لتعزيز السيادة الرقمية الوطنية"، وتابعت بأن "الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أطلقت سنة 2024 منصة رقمية مغربية مائة في المائة تحت اسم (فرجة)، تحقق اليوم نحو 4 ملايين تحميل، ما يجعلها منصة رائدة وواجهة لتراثنا السمعي البصري ومستقبلنا الرقمي؛ وهي ثمرة عمل داخلي وكفاءات وطنية أثبتت قدرتها على الإبداع والمنافسة". تضريب المنصات الشمولية الأجنبية شددت لطيفة أخرباش، رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، على أن "هذا اللقاء يشكل لحظة محورية للتفكير العميق والحوار الصريح حول الإشهار في المغرب"، موردة: "نحن بحاجة إلى إعادة بناء تصورنا لدوره في المنظومة الإعلامية الوطنية، بما يضمن إنصافاً وشفافيةً وجدوى أكبر". وأضافت أخرباش، في تصريح لهسبريس على هامش افتتاح المناظرة الوطنية الأولى حول الإشهار، أن "الإشهار ليس مجرد أداة مالية أو حصص سوقية، بل هو خطاب يصنع الرغبة ويؤثر في التمثلات والمعايير الاجتماعية، ومن ثم فهو مسؤولية أخلاقية بقدر ما هو رافعة اقتصادية"، مشيرة إلى ضرورة احترام مبدأ الفصل الصارم بين المضمون الإشهاري والمحتوى التحريري، لأنه يرتبط مباشرة بنزاهة الإعلام وأخلاقيات المهنة. وقالت رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري: "علينا تطوير إطار أخلاقي واضح ومحدث باستمرار لمواكبة التحولات التكنولوجية والمجتمعية، مع وضع حدود دقيقة لما يمكن قبوله أو رفضه في الفضاء العمومي"، مضيفة أن "سوق الإشهار يجب أن تدار بحكامة شفافة تضمن الولوج المنصف إلى الموارد الإشهارية لجميع الفاعلين، وتمنع التركز أو المس باستقلالية وسائل الإعلام". ونبهت المسؤولة ذاتها إلى أن "الانتقال الرقمي والاستثمارات المتزايدة في المنصات العالمية الكبرى مثل (غوغل) و(ميتا) و(تيك توك) أحدثت اضطرابات عميقة في السوق الوطنية، في غياب إطار تنظيمي منصف"، مشددة على أن فرض ضريبة عادلة على عائدات الإشهار الرقمي للمنصات الشمولية يمكن أن يساهم في إعادة توزيع القيمة لفائدة وسائل الإعلام الوطنية ودعم الإنتاج المحلي. وأكدت المتحدثة في السياق ذاته على أن حماية الجمهور المغربي، وخاصة القاصرين والفئات الهشة، من تجاوزات الإشهار الرقمي، تتطلب تقنينا صارما وتعزيز الشفافية والمسؤولية الاجتماعية، قبل أن تختم بالقول: "لم يعد من الممكن اختزال الإشهار في بعده الاقتصادي فقط، لقد أصبح رهانا سياديا حقيقيا. ومن خلال رؤية واضحة وتقنين فعال وحكامة شاملة يمكن للإشهار أن يكون قوة تحويل إيجابية للمنظومة الإعلامية المغربية، بما يواكب مشروع مغرب التنمية والحداثة والسيادة الذي يقوده الملك". وعلى مدى يومين ستشهد أشغال المناظرة الوطنية الأولى حول الإشهار مداخلات لثلة من الخبراء والمتخصصين والفاعلين في المجال، بهدف تسليط الضوء على أبرز التحديات التي يواجهها القطاع، وبحث السبل الكفيلة بتطويره وتأهيله، قبل أن تختتم فعالياتها بصياغة توصيات ترسم معالم خارطة طريق واضحة لتحديث القطاع، وتقوية تنافسيته، ومواكبته مع المعايير الدولية، مع تكريس السيادة الوطنية، وتبني رؤية شمولية ومستدامة، تعزز مكانة الإشهار كرافعة حيوية للاقتصاد الوطني وأساس للدينامية الإبداعية.