أكد أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، عبد الجليل الحجمري، أن "التفكير في الترجمة ضمن أفق الاستشراق لا يقتصر على العودة إلى الماضي لفحص ما قيل أو ما أُنجز، إنما يقتضي، في الآن ذاته، مساءلة الحاضر واستشراف المستقبل معاً"، عبر اختبار جملة من الأسئلة من قبيل: "كيف يمكن للترجمة أن تتحرر من أحكام التمثل؟ كيف نعيد قراءة الاستشراق بعيدًا عن ثنائية الإدانة والتبرير، لنفتح بدلًا من ذلك أفقاً نقدياً يتيح إعادة النظر في مسارات المعرفة ذاتها؟". وأشار الحجمري، في كلمة تفتتح أشغال الندوة الدولية حول "الترجمة في سياق الاستشراق- نظرة جديدة"، إلى الترجمة في هذا السياق "بوصفها فضاءً يلتقي فيه الفهم والتأويل، وتتشابك فيه موارد المعرفة والرغبة في السيطرة"، وتابع: "إذا كانت الظروف الماضية حملت إلينا ترجمات كان أثرها حاسماً في تشكيل صورة الأدب العربي واللغة العربية والفكر الإسلامي في أذهان القراء الغربيين فإننا اليوم، في هذا الزمن المتشابك الذي يتجاوز الحدود واللغات، مدعوون إلى مساءلة هذا الأفق الجديد، ومن منظور آخر مغاير". وشدد أمين السر الدائم لأعلى مؤسسة فكرية وطنية أثناء انطلاق المؤتمر الذي تنظمه الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة، التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، على ضرورة مواصلة طرح السؤال: "كيف نستطيع، من موقعنا الراهن، أن نعيد صياغة علاقتنا بالترجمة بحيث تتحول إلى فعل نقدي مقاوم لإعادة إنتاج الصور النمطية؟"، لكنه أورد: "لا تعني إعادة التفكير في هذا الإرث القطيعة معه، بقدر ما تدعونا إلى تحويله إلى موضوع للبحث والتفكيك". وأردف مدير المدرسة المولوية سابقاً بأن "الغاية هي استعادة النقاش حول طبيعة طالما شغلت الفكر العربي والغربي على حد سواء، علاقة ترتبط بالكيفية التي أسهمت بها الترجمة في إعادة تشكيل صورة الشرق داخل الوعي الغربي، والتحولات العميقة التي فرضها الاستشراق على حركة الأفكار وتداول المعارف عبر اللغات والثقافات". وتطرق المسؤول الأكاديمي المغربي، في كلمة تلاها بالنيابة عنه منسق الهيئة الأكاديمية العليا للترجمة عبد الفتاح الحجمري، إلى "أهمية اليوم لنفكر من جديد في الأبعاد المعرفية والفلسفية لهذا التداخل، ومن ضمنها سؤال المستقبل"، وتساءل: "كيف يمكن للترجمة، في علاقتها بالاستشراق، أن تنتقل من مجرد أداة للتمثيل أو للتمثّل إلى أفق للتواصل، ومن خطاب للسلطة إلى فضاء للحوار المتكافئ بين الثقافات؟". واعتبر المتحدث أن النقاش "لا يروم استعادة سؤال قديم، وإنما اقتراح رؤية جديدة تعتبر الترجمة مجالاً لصناعة المعنى، وأفقاً لإعادة التفكير في ما راكمه الخطاب الاستشراقي من صور ومنقولات وسرديات"، مبرزا أن "الترجمة فعل نقدي يفتح إمكانات الحوار، ويكشف مواضع الالتباس ومظاهر الهيمنة، كما يتيح إمكانية إعادة صياغة العلاقة بين الذات والآخر على نحو أكثر وعياً وتكافؤاً". وذكر الحجمري أن التداول في الموضوع "يتيح لنا أن نعيد مساءلة الماضي بما فيه من إرث ثقيل، وأن نستشرف المستقبل بوعي نقدي لا يجعل من الترجمة جسراً متجدداً للتفاهم، وإنما أداة لإعادة إنتاج الصور النمطية أو تكريسها ونقض هذه الإعادة"، موضحاً أن "الترجمة مثلت، منذ لحظتها الأولى في الاحتكاك بين الشرق والغرب، أفقاً مزدوج الملامح". ومضى أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة شارحاً أن هذه الترجمة "كانت من جهة قناة عبرت منها المعارف والعلوم والآداب، ففتحت أبواب الفضول والاكتشاف، وأيقظت في القارئ الغربي شغف التعرف على عوالم أخرى؛ كما كانت من جهة ثانية أداة لإنتاج التمثّلات وترسيخ أشكال من الهيمنة الرمزية التي جعلت الشرق موضوعاً للنظر، لا شريكاً في الحوار". وأكد المسؤول ذاته أن "الاستشراق كان التجسيد الأبرز لهذا الوجه المزدوج، إذ لم يقف عند حدود الوصف والنقل، بل مارس صناعة متواصلة للصور الذهنية وإنتاجاً للمعارف، سُرعان ما غادرت فضاء الفكر، لتغدو قوة نافذة في تشكيل السياسات، وإملاء التصورات، وتوجيه الأحكام".