في الأسابيع الأخيرة، خرج جيل زِدْ (Z) ضد الفساد وانهيار قطاعي الصحة والتعليم. هؤلاء الشباب، المولودون في عالم رقمي ومتصل بالعالم، كسروا حاجز الصمت وتجرأوا على المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن فشل كثير من القطاعات. ومع ذلك، بدل الاستماع إلى شكواهم، اندفع الكثيرون فوراً لتوجيه الاتهامات لهم بأنهم مُختَرَقون، أو يخدمون أجندات أجنبية. هذه الظاهرة ليست جديدة. إنها جزء من رد فعل متكرر: بعد كل تظاهرة ضد الفساد والسياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة، نبحث عن كبش فداء — عدو خارجي، مؤامرة أجنبية، أو يد خفية يُزعم أنها تريد زعزعة استقرار البلاد — كما لو أن المغرب بلد موز وليس دولة ذات مئات السنين من الوجود، وواحدة من أقدم الملكيات في العالم. من الأسهل دائماً إلقاء اللوم على الآخرين بدل مواجهة الحقيقة المؤلمة: فشلنا محلي المنشأ. إنه نتاج عقود من سوء الإدارة والفساد وتدمير الجدارة والمحاسبة بشكل ممنهج. ما هو أكثر إحباطاً هو أن هذا السرد الإنكاري يغذيه باستمرار بعض الصحفيين، وأشباه المفكرين، والمتثاقفين. هؤلاء المدافعون عن الأمة المزعومون جعلوا مهمتهم تبرير أخطاء الحكومات المتتالية ومهاجمة أي شخص يجرؤ على انتقاد السياسات الحكومية الفاشلة. يملؤون الفضاء العام بالشعارات الوطنية الفارغة ونظريات المؤامرة، محولين التفكير النقدي إلى خيانة، ويُسْكِتون أي شكل من أشكال المعارضة بشعارات رخيصة. بدلاً من أن يكونوا ضمير المجتمع، أصبحوا مهدئات له. بدلاً من تنوير الرأي العام، يقومون بتوجيهه. لم يعودوا يسائلون الحكومة، بل يحمونها. لقد تحول دورهم من محاسبة أداء الحكومات إلى البحث عن أعذار لفشلها — سواء كان ذلك في النظام التعليمي المتداعي، أو في الصحة، أو في نقص البحث والابتكار، أو في أزمة البطالة، أو في غياب الإصلاح الحقيقي. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، الصورة ليست أفضل. حشد من المؤثرين، غالباً بلا معرفة أو عمق، يعملون كمتحدثين غير رسميين عن الرداءة. أصبحوا محللين استراتيجيين بدون شواهد ويفهمون في كل شيء. خرجت جحافل منهم يهاجمون الشباب المطالب بالإصلاح، ووصل ببعضهم إلى وصفهم بالخونة، واتهامهم بخدمة مصالح أجنبية بدون أي دليل. هذه الأصوات لا تدافع عن المغرب؛ بل ربما تدافع عن امتيازاتها والوضع القائم الذي يغذيها. المأساة أن هذه الثقافة من تقديم الأعذار أصبحت درعاً يحمي المسؤولين الفاشلين، بل وحتى الفاسدين. طالما يمكن إلقاء اللوم على الأعداء الأجانب لكل فشل، فلن تكون هناك محاسبة أبداً. وطالما يقال لنا إن «هُم» لا يريدون للمغرب النجاح، فلن نسأل أبداً لماذا «نحن» نستمر في الفشل في تحقيق النجاح بأنفسنا. ومع ذلك، سيكون من الظلم تمجيد شباب جيل زِد دون الإشارة إلى نقاط ضعفهم. أغلب هؤلاء الشباب قد لا يمتلكون الخبرة السياسية أو الرؤية الاستراتيجية لتجاوز متاهات السياسة الوطنية المعقدة. غضبهم حقيقي، لكن طرقهم أحياناً يمكن أن تفتقر إلى التنظيم. ومع ذلك، بدل مهاجمتهم أو السخرية منهم أو اتهامهم بالخيانة، أو العمل لجهات أجنبية، يجب أن نرشدهم. يجب أن نعلمهم كيف يوجّهون طاقاتهم، كيف ينظمون أنفسهم، وكيف يرفعون أصواتهم بشكل فعّال دون الوقوع في الفوضى أو الاستغلال. إن دور الأجيال الأكبر — المفكرين، المعلمين، والصحفيين النزهاء — ليس إسكات الشباب، بل توجيههم. انفعال الشباب ليس جريمة؛ إنه عرض لمجتمع طالما رفض الاستماع. أسوأ رد فعل هو شيطنتهم بدل تعليمهم. إن مشكلتنا ليست في المؤامرات الأجنبية، بل في رفض مواجهة الواقع. إنها راحة الإنكار، الخوف من الحقيقة، وعبادة الرداءة. الشباب المحتجون ليسوا أعداء للأمة؛ بل هم الأمل الأخير لها. إنهم يمثلون الجيل الذي يرفض أن يرث الصمت والفساد والأعذار. الوطنية الحقة ليست صرخة دفاع أعمى عن أي وضعٍ قائم، بل هي صوتٌ يطالب بالإصلاح والانضباط والتميز. إن أردنا فعلاً أن يتقدّم المغرب، يجب أن نوقف هذا الخلق الدائم للأعذار. يجب أن نعيد دور الصحفي والمفكر والمثقف إلى ضمير المجتمع، ونعيد للميدان السياسي ثقافة المساءلة، ونحرّم تداول الأكاذيب والتقليل من قيم النقد. ختامًا، إن القوة الحقيقية للأمم لا تكمن في شجب الآخر عند كل فشل، بل في قدرة أبنائها على الاعتراف بالخطأ وتصحيحه. أمّا إذا أردنا أن نعيش في وطنٍ جامدٍ تحرسه الأعذار وتُخنق فيه المبادرة، فلن يبقى للمجتهدين مكان. إن أردنا أن نبني دولةً تستجيب لتطلعات شبابها، فعلينا أن نعلّمهم، ننتقد بصدق، وننقذ الوطن من مقولةٍ واحدةٍ قاتلة: ليس ذنبنا، ذنب الآخرين. -أستاذ باحث في علوم الطب الحيوي – معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، جامعة حمد بن خليفة