احتضنت مدينة المهن والكفاءات بالعيون، الاثنين، الورشة الموضوعاتية الخاصة بالتعليم العالي والتكوين المهني، ضمن سلسلة الورشات التي تُنظم في إطار الدينامية التشاورية التي أعطى انطلاقتها والي جهة العيون الساقية الحمراء، بهدف بلورة رؤية تنموية مندمجة تستجيب لأولويات الساكنة وتواكب التحولات التنموية الكبرى التي تشهدها الأقاليم الجنوبية. وشكلت هذه الورشة محطة مهمة لإبراز مؤهلات الإقليم في مجالات التكوين الجامعي والمهني، واستعراض الأرقام والمعطيات التي يتضمنها التقرير الخاص بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي بالأقاليم الجنوبية. وقد عرفت الورشة تقديم عرض مفصل حول وضعية القطاع، أظهر مؤشرات دالة تخص ارتفاع عدد الطلبة بالجهة إلى 6 آلاف و331 طالبا، تتوزع نسبتهم بين 61 في المائة إناث و39 في المائة ذكور، إلى جانب تطور البنيات الجامعية الحالية التي تشمل كلية الطب والصيدلة بالعيون والمدرسة العليا للتكنولوجيا بالعيون والكلية متعددة التخصصات بالسمارة. كما أبرز العرض توزيع الأطر التربوية البالغ عددهم 90 أستاذا، إضافة إلى الطاقم الإداري الذي يتكون من 48 موظفا، فضلا عن تنوع المسالك المعتمدة؛ من دكتوراه الطب إلى مسالك الإجازة والماستر والتكوينات التكنولوجية والمهنية المتقدمة. وفي سياق النقاش، قدّم حميد الركيبي الإدريسي، مدير المدرسة العليا للتكنولوجيا بالعيون، مداخلة مفصلة، دعا خلالها إلى إحداث جامعة مستقلة بمدينة العيون باعتبارها ضرورة وطنية ملحّة لمواكبة الدينامية التنموية التي تعيشها الأقاليم الجنوبية. وأبرز الركيبي أن "العيون باتت، اليوم، مؤهلة لاحتضان قطب جامعي متكامل؛ بفضل ما تتوفر عليه من رصيد بشري، ومؤهلات اقتصادية، وموقع جغرافي استراتيجي، ووجود مؤسسات جامعية متقدمة". وشدد مدير المدرسة العليا للتكنولوجيا على أن جامعة العيون، في حال إحداثها، ستصبح رافعة مركزية للتنمية الجهوية، وستضمن عدالة مجالية في الولوج إلى التعليم العالي. كما ستخدم الأوراش الاستراتيجية المرتبطة بالاقتصاد الأزرق والطاقات المتجددة واللوجستيك والابتكار والحكامة والذكاء الاصطناعي. كما سجل المسؤول الأكاديمي سالف الذكر، خلال مداخلته، أن هذا المشروع من شأنه تحويل مدينة العيون إلى قطب إشعاع علمي إقليمي ودولي، عبر جعلها منصة للبحث الأكاديمي المتقدم ومختبرا مفتوحا لدراسة قضايا الصحراء والتنمية بالأقاليم الجنوبية. وأنهى الركيبي حديثه بالتأكيد على أن إحداث الجامعة سيتيح تطوير مجالات جديدة للمعرفة، وخلق بيئة بحثية متكاملة تستقطب الخبراء والباحثين، وتدعم الابتكار في القطاعات الاستراتيجية التي تعرفها الجهة، الشيء الذي سيعزز "مكانة العيون كمركز علمي مرجعي وواجهة للتميز في مجالات التنمية والترابية والبحث العلمي"، حسب تعبيره. وخلصت الورشة الموضوعاتية الخاصة بالتعليم العالي والتكوين المهني إلى التأكيد على ضرورة بلورة تصور استراتيجي شامل لإحداث جامعة مستقلة بمدينة العيون، باعتبارها رافعة أساسية لدعم المسار التنموي الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية. كما ناقش المشاركون في هذه الورشة أهمية بناء قطب جامعي متعدد التخصصات قادر على مواكبة حاجيات المنطقة وتطلعات شبابها، مع التركيز على تكوينات ذات قيمة مضافة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والطاقات المتجددة والاقتصاد الأزرق. كما شدّد الملتئمون في هذه المحطة العلمية على ضرورة الارتقاء بالمنظومة البحثية عبر تطوير بنيات مختبرية متقدمة، وإرساء مسارات تكوين مرتبطة بأولويات الجهة؛ بما في ذلك الدراسات الصحراوية والحوكمة والابتكار والذكاء الاصطناعي، لتكون الجامعة منصة علمية تعزز التنزيل الجهوي للنموذج التنموي الجديد. وفي هذا الإطار، برز توافق واسع حول إحداث أقطاب معرفية تستجيب لرؤية متكاملة لجامعة العيون المرتقبة؛ وذلك من خلال تطوير مؤسسات متخصصة في العلوم والتقنيات والهندسة البحرية واللوجستيك الأطلسي، إلى جانب مؤسسات موجهة لمهن الإعلام والتواصل والعلوم القانونية والحكامة، إضافة إلى مدرسة عليا موجهة لتخصصات الذكاء الاصطناعي والبيانات، وإنشاء حي جامعي يستوعب طلبة التعليم العالي والتكوين المهني. واعتبر المتدخلون في أشغال الورشة أن هذه البنية المؤسسية ستشكل قاعدة متينة لتأهيل الرأسمال البشري المحلي، ودعم إشعاع مدينة العيون كقطب جامعي إفريقي–أطلسي، قادر على إنتاج المعرفة وتوجيه البحوث نحو القضايا الاستراتيجية للأقاليم الجنوبية. كما توافق المشاركون على أن تطوير قطاع التعليم العالي والتكوين المهني يُعد محركا أساسيا لتحقيق التنمية المندمجة، وأن إحداث جامعة مستقلة بالأقاليم الجنوبية يمثل خطوة مفصلية لدعم الجهوية المتقدمة وترسيخ مكانة المغرب كقوة إقليمية في مجالات التكوين والبحث العلمي والابتكار. واختتمت أشغال الورشة بتأكيد جماعي على أن الطموح الجامعي والبحثي لمدينة العيون لا ينبغي أن يُطغى على الحاجة الملّحة لتقوية وتحديث قطاع "التكوين المهني"؛ ذلك القطاع الذي يستوعب أعدادا كبيرة من الطلبة ويحظى بطلب محلي وإقليمي متزايد، لكنه ما زال يواجه إشكالات هيكلية وإدارية متعددة. لذا، كانت الدعوة واضحة إلى تبنّي مقاربة متوازنة تربط بين بناء قطب جامعي رفيع المستوى وتنمية منظومة تكوينية مهنية قادرة على الاستجابة لاحتياجات سوق الشغل، عبر تأهيل المسارات وتقوية الشراكات مع القطاع الخاص وضمان حكامة شفافة ومرنة للتكوين المهني. كما دعا المشاركون إلى إدراج آليات للمتابعة والتقييم واشتغال موجه نحو القابلية للتشغيل والابتكار، حيث تُكمّل التكوينات المهنية والجامعية بعضها البعض في خدمة استراتيجية جهوية تنموية شاملة. وفي ختام هذه الورشة الموضوعاتية الخاصة بالتعليم العالي والتكوين المهني، أكد الفاعلون الأكاديميون أن "نجاح هذا المسار يتطلب إرادة سياسية وجهوية واضحة، تمويل مستدام، وإسهام فاعل للمجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين لضمان مخرجات تعليمية ومهنية تواكب تطلعات الساكنة وتدعم إنجازات الجهوية المتقدمة".