أوَ أطاح فقط بالباشا؟ بمنظور البناية فحسب، يشهد كل من ولجه والصور الملتقطة له بأنه تحفة معمارية باذخة. تحفة تعكس ثراءين: ثراء المال، وثراء الذوق، أو "العشق" كما عبّر مالكه. أما كلفته المادية فيقدّرها المالك بستة عشر مليار سنتيم. وقد استغرق بناؤه – تحت أنظار جميع الأجهزة الإدارية المختصة – ست سنوات. أما نهايته فمأساوية بكل المقاييس: أغارت عليه جرافات السلطة فسوّته بالتراب، جاعلةً منه أثراً بعد عين. لستُ مولعاً بالقصور ولا بدخولها حتى في الأحلام؛ وحتى حينما ترد في خاطري – عفواً – "أشفق" على قاطنيها؛ لأن بذخهم السعيد – إن كان سعيداً – قد يحجب عنهم حال غالب الناس أينما كانوا في هذا العالم الفسيح، وهم يكابدون ويحرقون أعمارهم من أجل لقمة العيش فحسب، فكيف بالسكن؟ "وما عاش مَنْ فُرِشَتْ له لسبات"، كما قلتُ شعراً؛ فما عاش من لم يتألم، ولم يشعر بألم الناس. على أيّ، الناس أحرارٌ فيما يعشقون. لستُ قصورياً، ومع هذا آلمني هدم قصر بوسكورة، ليس لشموخه المعماري وحده الذي دُكَّ بالجرافات، ولا لما أُحرق فيه من مال فحسب، بل للمسطرة الإدارية التي أُعطي على أساسها الترخيص، ثمّ نُقضت وهُدم. هل إدارتنا متخلفة إلى هذا الحد؟ هل بلغ بها الارتجال والتهافت حدّ تخريب رأس مال استثماري بهذه الأهمية؟ وهل وصل الأمر إلى تخويف رأس المال – وهو جبان كما يصفه الاقتصاديون – حتى لا يقبل على الاستثمار في بلادنا إلا متهورٌ أو مجازف؟ وكيف ستبدو إدارتنا أمام الخارج، وقد انتشرت أخبار الهدم – المتخلف – في كل الأصقاع فور وقوعه؟ أسئلة كثيرة دارت بخاطري وأنا أتابع "أمَّ المعارك" المعمارية التي لم يُسبق لها مثيل في بلادنا. أقولها بلا مواربة: مهما كان التجاوز الذي صدر من الشاب الهادئ صاحب المشروع، فلن يرقى إلى مستوى الإخلال بالقانون الذي ارتكبته المصالح الإدارية المعنية. أأنزل القصر جاهزاً من السماء في ليلة واحدة حتى تبادر الإدارة بالهدم؟ أَمُنع المسؤولون من تنفيذ القانون والمشروع في مرحلة الأساسات؟ أمُُنع وهو يوسّع أو يعلو الصرح أكثر مما هو مسموح في الرخصة المُسلَّمة له؟ أكتفي بهذه الأسئلة لأنتقل إلى الجزاء: حتى الساعة، جرى التصريح بإعفاء باشا بوسكورة من مهامه. فقط.. فقط.. فقط! أهذا كل ما يُقابل تخريب مشروع سياحي كبير؟ أوَ تستهين الإدارة بالزلل الحاصل إلى هذه الدرجة؟ لا يهم من يجب أن يُعفى من مهامه ودرجته في السلم الإداري، فهذا لن يفيد المستثمر ولا الرأي العام ولا رأس المال النشط في شيء. المطلوب: تفصيل النازلة: لماذا حصلت بالكيفية التي رآها الجميع؟ طمأنة الاستثمار الوطني والأجنبي إلى أن بلادنا بلد مؤسسات، تربط حقاً المسؤولية بالمحاسبة. أما مجرد إعفاء الباشا، وربما بناءً على طلبه، فهذا لا يكفي. الباشا لا يهدم قصراً ب 16 ملياراً، ولا حتى العامل، وهما مطالبان في مهامهما بتنمية مناطق نفوذهما. وليس من المنطق أن تهدم دولة قصراً وهي لم تحل بعد كل مشاكل السكن العشوائي. ثم وهي مقبلة على استحقاقات رياضية يحضرها ضيوف كبار. حتى المالك صرّح بما يؤلم ويُخجل: "لو طلبوا مني أن أهبه للدولة لفعلت"، أو ما في معنى هذا الكلام. لا أعرف هذا الشاب، ولا أعرف تفصيل ما صدر منه واستوجب عقابه، ومع هذا أكبر فيه هدوءه وامتثاله التام. على الله العوض، نعم، لكن على الإدارة أن ترفع عنه ما لحقه من غبن، وترفع عنها ما نالها من حرج جراء ما حصل.