تعيش مدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء المغربية، على إيقاع انتعاشة اقتصادية غير مسبوقة بالتزامن مع انطلاق مباريات المنتخب الوطني في نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب 2025"، حيث باتت الأمسيات الكروية موعدا يوميا لاجتماع العائلات الصحراوية داخل المنازل والمقاهي والفنادق وفضاءات المشاهدة العمومية، في مشهد يعكس حجم التفاعل الشعبي مع هذا الحدث القاري الكبير. ووفق ما رصدته جريدة هسبريس الإلكترونية، فقد تحوّلت ساحة المشور والقرية الرياضية بمنطقة المشجعين إلى مركزين نابضين بالحياة يستقطبان مئات المتابعين، الشيء الذي خلق رواجا تجاريا ورفع مؤشرات الاستهلاك داخل المدينة، وساهم في تعزيز الحركة الاقتصادية لفائدة المهنيين والحرفيين والأنشطة المرتبطة بقطاع الترفيه. الحركية نفسها شملت النقل العمومي؛ إذ يسجَّلُ ارتفاع مهم في الطلب على سيارات الأجرة وحافلات النقل الحضري قبل انطلاق المباريات وعند نهايتها، بفعل التنقل الكثيف للجماهير صوب فضاءات العرض العمومي ثم العودة إلى الأحياء السكنية، الأمر الذي ضاعف من إيقاع العمل داخل هذا القطاع الحيوي. كما وجد تقنيو إصلاح أجهزة البث الفضائي فرصة لزيادة نشاطهم خلال هذه الفترة، وقد أكد تقني متخصص بالعيون أن الطلب على تحديث برامج الباقات الأجنبية وتحسين جودة البث ارتفع بشكل كبير، مقابل تراجع نسبي في الإقبال على خدمات القنوات الأرضية. وقال التقني ذاته، الذي آثر عدم ذكر اسمه، في حديث مع هسبريس، إن "العديد من الأسر باتت تعتمد حلولا تقنية حديثة لمتابعة المباريات بجودة أفضل داخل منازلها، ما خلق حركية تشغيلية جديدة في هذا المجال". وأوضح المتخصص في إصلاح اللاقطات الهوائية وبرامج البث التلفزي أن الطلب أصبح يشمل تحديث الباقات وعناوين القنوات وتهيئة البرامج الحديثة الخاصة بالبث عبر تحسين جودة استقبال القنوات الرياضية الأجنبية التي تنقل المنافسات، مشيرا إلى أن "الأسر باتت تبحث عن حلول تضمن متابعة المباريات بجودة عالية وبث مستقر، سواء عبر الأقمار الاصطناعية أو التطبيقات الرقمية التي تعمل بالإنترنت". ولفت المتحدث ذاته إلى أن الخدمات المرتبطة بالقنوات الأرضية الوطنية عرفت تراجعا كبيرا مقارنة بما قبل، مرجعا سبب ذلك إلى "تغيّر عادات المشاهدة ورغبة المتابعين في الحصول على نطاق أوسع من القنوات الرياضية العالمية، الشيء الذي جعل المهنيين في القطاع يواكبون هذا التحول بتطوير عروضهم التقنية لتلبية الطلب المتزايد". وخلص المصرح لهسبريس إلى أن هذا النشاط الموازي للحدث الكروي القاري أسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي داخل المدينة، مشددا على أن "كرة القدم خلقت حركية تشغيلية في مهن تقنية مرتبطة مباشرة بمتابعة المواطنين للمباريات داخل منازلهم". ولا يقتصر هذا الحضور الجماهيري على السكان المحليين فقط؛ إذ تسجّل الجالية الإفريقية المقيمة بالعيون حضورا واسعا لتشجيع منتخبات بلدانها، ما يضفي طابعا احتفاليا متعدد الثقافات داخل فضاءات المشاهدة الجماعية، ويثري الطلب على الخدمات المرتبطة بالضيافة والأنشطة الموازية للفرجة الكروية. وتبرز هذه المؤشرات الاقتصادية، وإن لم تظهر بعد في بيانات رسمية، أن العيون قادرة على تحويل التظاهرات الرياضية الكبرى إلى لحظات رواج اقتصادي تدعم مكانتها كقطب حضري رئيسي بصحراء المغرب، وتفتح آفاقا أوسع أمام اقتصاد الخدمات والسياحة الداخلية خلال السنوات المقبلة.