برقية تعزية ومواساة من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الشوبي    أخنوش يطلق من الداخلة "مسار الإنجازات": أنجزنا في 4 سنوات ما عجزت عنه حكومات متعاقبة    الوافي: بنكيران لا يواكب المرحلة    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    وصول 17 مهاجراً إلى إسبانيا على متن "فانتوم" انطلق من سواحل الحسيمة    العد التنازلي بدأ .. سعد لمجرد في مواجهة مصيره مجددا أمام القضاء الفرنسي    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    الدرهم يرتفع بنسبة 0,18 في المائة مقابل الأورو    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    مؤسسات فلسطينية في اليوم العالمي لحرية الصحافة: نشهد أكثر مرحلة دموية بتاريخ الصحافة    الإمارات وعبث النظام الجزائري: من يصنع القرار ومن يختبئ خلف الشعارات؟    تير شتيغن يعود لحراسة مرمى برشلونة بعد غياب 7 أشهر بسبب الإصابة    دار الطالب بأولاد حمدان تحتضن بطولة مؤسسات الرعاية الاجتماعية    الإقبال على ماراثون "لندن 2026" يعد بمنافسة مليونية    العصبة تفرج عن برنامج الجولة ما قبل الأخيرة من البطولة الاحترافبة وسط صراع محتدم على البقاء    الملك محمد السادس يبارك عيد بولندا    الأزمي: لم تحترم إرادة الشعب في 2021 وحكومة أخنوش تدعم الكبار وتحتقر "الصغار"    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    منحة مالية للاعبي الجيش الملكي مقابل الفوز على الوداد    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    المغرب يطلق مشروعا كبيرا مع الولايات المتحدة لتصنيع مقاتلات F-16    استقدمها من علبة ليلية بأكادير.. توقيف شخص اعتدى على فتاة جنسيا باستعمال الضرب والجرح بسكين    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينهي تحضيراته استعدادا لمواجهة نيجيريا وسط شكوك حول مشاركة الزبيري وأيت بودلال    "هِمَمْ": أداء الحكومة لرواتب الصحفيين العاملين في المؤسسات الخاصة أدى إلى تدجينها    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    كيوسك السبت | الحكومة تكشف بالأرقام تفاصيل دعم صغار الفلاحين و"الكسابة"    ألمانيا تهتز على وقع حادث دموي في شتوتغارت.. سيارة تدهس حشداً وتصيب 8 أشخاص    كبرى المرافئ الأميركية تعاني من حرب ترامب التجارية    الموت يغيّب المنتج المصري وليد مصطفى    زيارة صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت تعزز "العلاقات الممتازة" بين الولايات المتحدة والمغرب (الميداوي)    قصف منزل يخلف 11 قتيلا في غزة    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    حين تصبح الحياة لغزاً والموت خلاصاً… "ياقوت" تكشف أسراراً دفينة فيلم جديد للمخرج المصطفى بنوقاص    أشغال تجهيز وتهيئة محطة تحلية مياه البحر بالداخلة تبلغ نسبة 60 بالمائة    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين يتجه المغرب بين تطلعات مجتمعه وتجاوبات نخبه ودولته؟
نشر في هسبريس يوم 15 - 01 - 2010


تقديم:
ما هي الرهانات الحقيقية للمغرب؟ وهل حقا بلادنا في طريقها نحو تعزيز الإصلاحات الأساسية؟ وهل المؤشرات السياسية تدل على ذلك؟ ثم كيف حال "مجتمعنا المدني "؟ هل هو في طريقه نحو تصليب مكانته باعتباره مؤسسة مستقلة ورافعة أساسية من رافعات الإصلاحات الأساسية؟ ما هي الخلاصات الأساسية التي ينبغي أن نستقيها من مجمل التطورات والأحداث والتوقعات والمفاجآت التي تجري في المغرب؟ هل فعلا وقف الفاعل السياسي "دولة ونخبة سياسية" على مكامن الإعاقات التي تحول بين البلاد وبين نهضتها وتطورها وتنميتها؟ وهل تجاوب هذا الفاعل السياسي يرتقي إلى مستوى تطلعات المجتمع وقواه الحية؟ تلك أسئلة فرش لموضوعة هذه الورقة، والهدف هو فتح نقاش سياسي ينسجم مع حجم الوعي بما يجري وما تؤول إليه الأوضاع في المغرب...
توضيح حول مفردة الفاعل السياسي
وتعني في تقديري المنظمات ذات الطابع السياسي، وكذا الأحزاب السياسية ثم الدولة بمؤسساتها المتفرعة عنها، باعتبارهم العناصر الأساسية في العملية السياسية عموما، فالمنظمات ذات الطابع السياسي قد نحصرها في الجمعيات الوطنية الوسيطة أي السياسية ، والأحزاب السياسية التي تشتغل في الحقل السياسي وتشارك في الانتخابات، وفي تسيير الجماعات المحلية، وفي التمثيل في البرلمان، ...
أما الدولة، فنعني بها كل مؤسسات اتخاذ القرارات الرسمية والمنصوص عليها في الدستور المغربي.
أولا حول التطلعات المجتمعية
ثمة تطلعات مجتمعية منبعثة من عمق معانات المجتمع، وتحقق هذه التطلعات يشكل في تقديري شرطا أساسيا لإنجاز النهضة الشاملة للبلاد، ودونها تظل شعارات التنمية والنهضة والإصلاح شعارات فارغة المحتوى قابلة للتوظيف السياسوي، ولتبرير استمرار التخلف والاستبداد والظلم، وكل الكوابيس المجتمعية المعيقة للتقدم والنهضة والتحرر.
وفي تقديري قد نختصر هذه التطلعات في العناوين التالية:
-تطلع من أجل الحق في الكرامة الإنسانية:
فالكرامة الإنسانية هي التي تأتي بالعمل والوظيفة والخبز والقوت اليومي والاستقرار الاجتماعي، ودونها لا مذاق إنساني لكل ما يأتي من "مكاسب"، ولهذا الغرض كانت "الكرامة" عنوانا مرجعيا و قيميا في تقديري لكل هذه التطلعات المجتمعية، وحين يكون المواطن مكرما، يعني ذلك في تقديرنا:
- أن يحظى بحق عيش آدمي كريم،
- أن يعامل معاملة المواطن الإنسان الذي كما عليه واجبات، فله حقوق،
- أن تحترم إرادته، ويحظى بحق التعبير عن رأيه بعيدا عن كل ترويع له ولا ابتزاز ولا تهديد ولا قمع،
- أن يحظى بقدرة شرائية كافية لسد رمق عيشه بعيدا عن فتنة التذلل لكسب قوته اليومي،
(يقر تقرير 50 سنة من التنمية البشرية "أن نسبة الفقر التي كانت تتجاوز 50% سنة 1960، قد تراجعت بشكل ملحوظ لتنحصر حاليا في 14.2% إلا أنه بالنظر للنمو الديموغرافي فإن العدد المطلق للفقراء استقر في خمسة ملايين في المعدل المتوسط من بينهم ثلاثة أرباع من الفقراء يتواجدون بالعالم القروي)
- أن يحظى بحقه في توزيع عادل للثروات والشغل وسلطة القرار، بعيدا عن كل تهميش أو إقصاء أو إهانة أو تذليل،
- أن يحظى بحق البراءة ما لم تثبت إدانته وحق المحاكمة العادلة،
- أن يحظى بحق التطبيب وحق التعليم وكل ما يجعل منه مواطنا ذا قيمة إنسانية أولا وقبل كل شيء،
(في استطلاع للرأي لإحدى مؤسسات استطلاع الرأي المشهورة CSA-TMO أجرته في 2002 أظهرت أن نسبة القضايا الوطنية التي تشغل بال المغاربة هي بالترتيب الشغل 31%، يليها محاربة الفقر 15%، يليها حماية الحقوق والحريات 14%، يليها محاربة الرشوة ونهب المال العام 13(%
• تطلع نحو إصلاح مؤسساتي حق:
وعلى رأسه إصلاح يعطي لحق الاختيار الانتخابي معنى، ولقيمة التداول معنى، إذ ما معنى أن يختار المجتمع من له أصلا صلاحية ضيقة جدا في تدبير اختياراته وبرامجه التي على أساسها انتخب؟ وما معنى أن لا تترك للمجتمع كل الصلاحية في تنظيم نسيجه، باعتبار ذلك حق أسمى يتوخى منه فرز توجهاته وتوسل حاجياته ومتابعة تحولاته ومتطلباته وتركه يولد بشكل تلقائي تعبيراته؟...وهذا لن يتأتي في تقديري إلا بتوفر ثلاث شروط أساسية:
1. انتخابات حرة حيث الحق في التنظيم مضمون، والحق في المشاركة مضمون، بعيدا عن أية إرادة لرسم خارطات انتخابية وحزبية على المقاس،
2. انتخابات نزيهة حيث الحق في حماية صوت المواطن من التلاعبات والتزوير، ذلك أن مطلب النزاهة، هو أن تنعكس اختيارات المواطينن انعكاسا شفافا على صناديق الاقتراع، وتصبح الإرادة المجتمعية المعبر عنها في الانتخابات، هي الإرادة العليا في الانتخابات بعيدا عن صنع إرادات مفبركة على المقاس، ضدا على ما تختاره الإرادة المجتمعية،
3. انتخابات ديمقراطية حيث الحق في أن تعكس هذه الانتخابات الإرادة الحقيقية للمجتمع، من خلال تمكن من حظي بثقته الانتخابية أن ينفذ برنامجه الانتخابي بكل ديمقراطية، وهذا لن يتأتي في تقديري إلا ب ثلاث أمور:
• بمنح مؤسسة الحكومة المنبثقة من الأغلبية صلاحيات أوسع في تنفيذ برنامجها الذي وعدت به ناخبيها، تجسيدا لمبدأ لا سلطة بدون مسؤولية ولا مسؤولية بدون محاسبة،
• بمنح البرلمان المنبثق من هذه الانتخابات صلاحيات أوسع في الرقابة وفي التشريع وفي التقويم وفي التقرير،
• بمنح المؤسسات المحلية و الجهوية المنتخبة أيضا، كل صلاحيات التدبير المحلي بعيدا عن كل وصاية من خارجها،
• تطلع نحو الطي النهائي لصفحة الماضي ومنها :
1. عدم العودة إلى كل ماله علاقة بالصفحات السوداء في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من اختطافات والمحاكمات الجائرة وتعذيب ومحاكمة الآراء، (نفس استطلاع الرأي احتلت فيه نسبة قضية الحفاظ على الحرية المرتبة الثالثة بنسبة 14% ضمن القضايا الوطنية التي تشغل الرأي العام)
2. عدم العودة إلى كل ماله علاقة بالانتهاكات الجسيمة للإرادة الشعبية المتمثلة في تزوير الانتخابات، ورسم خارطة انتخابية على المقاس الرسمي،
3. عدم العودة إلى كل ما له علاقة بالانتهاكات الجسيمة لثروات البلاد، ومنها النهب الجسيم للمال العام دون محاسبة ولا مراقبة ولا متابعة للناهبين، هذا النهب الذي كان وقعه الاجتماعي غاليا، مع التقويم الهيكلي ومسلسل الخوصصة وإعادة جدولة ديون البلاد بشروط سياسية واقتصادية مملاة من لدن المؤسسات النقدية الدائنة.
)يصنف تقرير منظمة الشفافية الدولية لسنة 2008 المغرب في المرتبة 80 وفي سنة 2009 تراجع تصنيفه درجات أخرى باحتلاله المرتبة 89، كما يكشف الستار في تقرير 2009 عن أهم القطاعات التي تستشري فيها ظاهرة الرشوة حسب استطلاع أجرته المنظمة وهو القطاع العام(الموظفون) (agents publics/fonctionnaires) ب 62% و قطاع العدل ب 19%. وأما في استطلاعها حول المجهودات الرسمية المبذولة لمحاربة الرشوة ف نسبة 64% يقولون أن المجهودات غير فاعلة
• تطلع نحو تجديد علاقة تصالح النخب السياسية مع المجتمع ومنه:
1. التقدم بنقد ذاتي جريء لهذه النخب التي تركت مواقعها الأصيلة جريا وراء مصالحها الفئوية أو الشخصية،
2. تجديد المصداقية المجتمعية التي فقدت من قبل هذه النخب السياسية، (والمصداقية أن تقول ما تفعل وتفعل ما تقول).
3. تجديد مفهوم العمل الحزبي الذي ظل حبيس النخبة و مريديها بعيدا عن أي تواصل مجتمعي،
4. ربط الأوصال المجتمعية مع شرايين المجتمع، وبث روح الأمل فيه من جديد، من حيث تفعيل مؤسسات التأطير والتعبئة والتثقيف والعمل الاجتماعي،
5. التأسيس لنموذج للتعايش المجتمعي المدني المبني على ثقافة التناصت والحوار، بدل ثقافة التصامم السائدة، ذلك لأن المواطن أضحت عنده ساحة السياسة والعمل السياسي، ساحة صراع ومصالح فئوية وشخصية وتملق ومكر وخداع،
6. تجديد آليات فرز الزعامات والنخب، من أجل بروز وجوه جديدة تمتلك قدرا من المصداقية، ومستعدة للتفاني والتضحية.
(نفس استطلاع الرأي السابق ذكره يرصد نسبة المنتمين إلى الأحزاب في 5% وكذا نسبة المتعاطفين 16% ، وكذا تؤكد المعطيات الرسمية في رصدها لدرجة قدرة الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات على تعبئة الناس في الحملات الانتخابية حيث لم يتعد حسب هذه الإقرارات معدل الحضور في تجمع انتخابي 300 فرد على الأكثر).
ثانيا حول درجة التجاوب مع هذه التطلعات المجتمعية
1. درجة التجاوب الرسمي على مستوى الدولة:
هل ارتقت الأوراش الإصلاحية التي عملت الدولة على تدشينها إلى مستوى التطلعات المجتمعية؟)تشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة، تنصيب هيئة تشرف على المجال السمعي البصري ، وإعادة هيكلة الحقل الديني، ثم إصدار مدونة الأسرة وإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية...) وهل تجاوب معها المجتمع إيجابيا أم أنه لم يكترث بها نظرا لمحدودية تأثيرها على أوضاعه المزرية؟
إذا ما قسنا هذه المبادرات مع مستوى التطلعات المجتمعية ، فسنجد أنها تظل محدودة وغير مترابطة التأثير بشكل شامل في المجتمع، ذلك أنها تجيب جزئيا على مشكل هو في عمقه مؤسساتي ودستوري وسياسي، كما جرى ذكره من قبل، فالإصلاح له ترتيب، والترتيب أن يتم تدشين الإصلاحات السياسية والمؤسساتية والدستورية، بحيث توضع عربة الإصلاح في سكتها الحقة، ومادامت الانتخابات ليس لها معنى سياسي، تنبثق منها حكومة مسؤولة وقادرة على تنفيذ برنامجها السياسي والانتخابي الذي وعدت به أغلبيتها، وبرلمان مسؤول يراقب ويحاسب ويشرع ويقرر، ومادامت المحاسبة التي هي أساس الحكامة الجيدة غائبة، بحيث لا يتمكن ناهبو المال العام من الإفلات من العقاب، كما يعترف التقرير التركيبي 50 سنة من التنمية البشرية بالمغرب وآفاق 2025 في بعض من فقراته بذلك حيث يؤكد قائلا: "إن المحاسبة أو تقديم الحسابات وكذا تطبيق العقوبات الإدارية أو السياسية أو القضائية أو الانتخابية المترتبة عن نتائج تلك الحسابات لم تتحول بعد عملة متداولة في بلادنا، وفي المقابل فإن الإحساس بالإفلات من العقاب شجع على التلاعب بالمال العمومي..." ، ومادامت شروط انطلاق إصلاح مؤسسي ودستوري لم تنضج القناعات بها، فستظل مختلف الأوراش الإصلاحية على إيجابياتها محدودة المدى والتأثير، هذه المحدودية التأثيرية أقرها ضمنيا تقرير الخمسين سنة بوضوح تام حينما عبرت بعض فقراته أن: " الأشواط المتبقية على طريق التنمية البشرية ما تزال طويلة : فالمغرب يحتل اليوم الرتبة 124 في سلم مؤشر التنمية البشرية، في الوقت الذي يحتل فيه الرتبة 108 على مستوى معدل الدخل الفردي. وبإمكان مواطن النقص المتعددة أن تشكل حصيلة سلبية ثقيلة، قابلة لأن تعيق، في أية لحظة، مجهود التصحيح."
ولا يفوتنا أن نسجل هنا أن التجاوب الرسمي مع هذه التطلعات كان أيضا في شق آخر سلبي، مع عودة الحديث عن الاختطافات وعن المحاكمات غير العادلة، والتقارير الحقوقية عن ذلك لا زالت تأتينا تباعا، (تقرير منظمة العفو الدولية لسنة 2009، وتقرير منظمة مراسلون بلاحدود لذي ترصد حال حرية الصحافة وتصنف البلدان بحسب هامش حرية الصحافة المتاحة فيها، هكذا صنف المغرب في المرتبة 122 في سنة في تصنيف سنة 2008، وتراجع تصنيفه درجات على المرتبة 127 في تصنيف سنة 2009، تقريرا المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وكذا هيومان رايتش مع جمعية عدالة حول محاكمة المعتقلين السياسيين الستة فيما أصبح يعرف الآن بقضية خلية بليرج، وما شابها من خروقات، بحيث أن "المحكمة لم تعط وزنا لمزاعم عن الانتهاكات الخطيرة التي أثرت سلبا على حق المتهمين في محاكمة عادلة: الأهم من ذلك، أنه قد ظهرت ادعاءات بأن الشرطة عرضت للتعذيب العديد من المتهمين لإعطاء وتوقيع التصريحات التي جرمتهم، وآخرين زورت المحاضر ضدهم، وأن الشرطة احتجزتهم في الحراسة النظرية لأكثر من 12 يوما التي يسمح بها القانون" على حد تعبير التقرير الأولي لمنظمة هيومان رايتش وجمعية عدالة المنشور في 29 دجنبر 2009.)، ومنع أو حل بعض الأحزاب بإحالتها إما للقضاء الإداري أو بصدور قرار حكومي (حزب الأمة وحزب البديل الحضاري مثالا على ذلك.)، و التضييق على بعض الصحف ومحاكمة بعض الصحفيين والحقوقيين، والتدخل العنيف لتفريق بعض المظاهرات والذي يخلف جرحى ومصابين، مع الإشارة أن معظم هذه المظاهرات كانت ذات طابع اجتماعي صرف، (أحداث سيدي إيفني، حركات المعطلين حاملي الشهادات العليا الاحتجاجية،...).
2. تجاوب النخبة السياسية
يمكن أن نرصد تجاوب النخبة السياسية من الأحزاب والهيئات السياسية مع هذه التطلعات في العناصر التالية:
• على مستوى التواصل، ظلت الصورة التي يحتفظ بها المواطن على الأحزاب السياسية أنها أحزاب موسمية، حيث أنها تظهر فقط في المواسم الانتخابية، إذ أن جل هذه الهيئات السياسية ظلت حبيسة مقراتها، وتراجع نشاطها التعبوي القريب من المواطن في الأحياء،
• على مستوى الالتحام مع المجتمع في ما يخص همومه وقضاياه، وهو تحصيل حاصل انقطاع التواصل التي ذكرنا، إذ أصبح من السهل أن لا نستغرب لرد فعل جل الأحزاب حيال قرار للزيادة في الأسعار مثلا، أو حيال تضامن جلهم الفعلي مع حركة المعطلين الاحتجاجية، أو حيال قرار يمس القدرة الشرائية للمواطن،...
• على مستوى التجديد الحزبي الداخلي، ظلت أغلب نفس الوجوه المعتادة زعامات للأحزاب، حتى رغم شيخوختها البيولوجية وكذا التواصلية، وهذا جعل المواطن يصاب باليأس من الأحزاب والعمل الحزبي، إذ أن استمرار نفس الوجوه دون تجديد يشجع على تجميد دماء الأحزاب داخلها، بحيث تصبح كائنا يردد فقط مقولاته التاريخية ويفتخر بمناضليه وبزعاماته، إن التدبير الديمقراطي الداخلي الرتيب الذي تغيب فيه الحيوية وإرادة التجديد، يجعل التجاوب مع التطلعات المجتمعية المتمثلة في انبثاق قوى شريفة تحتضن هموم المجتمع وتصرفها إلى برامج ورؤى وتصورات وتناضل من أجل تنزيلها، تجاوبا ضعيفا إن لم أقل منعدما،
• توالد أحزاب من رحم أحزاب، نتيجة ضيق صدر الاختلاف الداخلي، وهيمنة منطق "أرض الله واسعة"، في تدبير هذا الاختلاف، وهنا لابد أن أشير إلى أن التعددية الحزبية المعاشة هي تعددية لا تعكس تنوعا في التصورات، وهي أيضا لم تنبثق من رحم المجتمع، بالشكل الذي يمكن القول أن ديناميكية المجتمع كانت مولدة لها، وإذن القول بنهاية التاريخ السياسي وبلوغ المغرب فترة إشباع حزبي وسياسي بناء على تبرير "كثرة الأحزاب"، هو قول مجانب للصواب في تقديري، ذلك أن الذي يمنح مصداقية لوجود أقطاب سياسية هو الفرز السليم في الساحة، المبني على أساس انتخابات حرة نزيهة وديمقراطية كما ذكرت سابقا،
خلاصات على سبيل الختم:
إن ما ذكرناه ليس تحبيطا وتيئيسا لوضع، بل هو دعوة للتأمل الهادئ في ما يجري في بلادنا، وإن ما ذكرناه ليحمل في طياته رافعات أيضا للانطلاق في رهانات إصلاحية حقيقية، وقد نلتقط بعض الإشارات التي تبين أن ثمة مخاض يبشر بإشراقات فلا يعدم الفضلاء ولا يعدم الخير في هذه البلاد:
• بروز بعض المبادرات على مستوى المجتمع المدني والتي كان لها وقع على مستوى تأثيرها، وهذه المبادرات إما ذات طابع احتجاجي اجتماعي (تنسيقية مناهضة الغلاء)، أو ذات طابع احتجاجي سياسي (التكتل السياسي لمناهضة قانون الأحزاب في صيغته القديمة مثلا وكذا لمناهضة عتبة الترشيح في الانتخابات...)، أو ذات طابع أممي وقومي(المجموعة الوطنية لمساندة الشعبين العراقي والفلسطيني)، أو ذات طابع تضامني (لجان للدعم أو للتضامن مع بعض الصحفيين أو بعض التشكيلات السياسية المطالبة بحقها في التنظيم، ...)، وكل هذه المبادرات تنبئ بأنه لازال في بلادنا عروق تنبض بهموم وقضايا المجتمع، وهي في طريقها إلى التشكل من جديد، وإعادة بناء نسيج القوى المناضلة والشريفة،
• اشتغالات بعض المنظمات الحقوقية المغربية في الميدان، وتصديها أو فضحها للعديد من الخروقات المرتبطة بإرادة العودة إلى ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان،
وفي تقديري ثمة ثلاثة رهانات مؤشرة على قياس تحول إصلاحي منشود وهي :
1) الرهان على تطلعات المجتمع وتصريفها إلى برامج ورؤى وتصورات سواء من الوجهة الرسمية أو من الوجهة الحزبية والهيئات والمنظمات المدنية،
2) الرهان على وضع قطار الإصلاح على سكته الصحيحة والبدء بإصلاحات مؤسساتية ودستورية وسياسية، تعطي للانتخابات معنى وللبرلمان معنى وللحكومة معنى وللعملية السياسية برمتها معنى، وللبرامج الانتخابية معنى، وللتنمية الراشدة معنى،
3) الرهان على الفرز السليم للتعبيرات المجتمعية، بعيدا عن كل إرادة لصنع خرائط سياسية أو حزبية على مقاس معين، وهذا لن يتأتي إلا:
• بانتخابات حرة تعطي للحق في التنظيم معناه الحقيقي، ويكون القانون خادما لهذا الحق وليس مناقضا له،
• بانتخابات نزيهة تعكس إرادة المجتمع بشكل شفاف،
• بانتخابات ديمقراطية تعطي لهذه النزاهة معنى سياسي يتوافق مع إرادة الانتقال إلى دولة المجتمع المعبرة عن اختياراته وإرادته،
وعلى أمل تحقيق ذلك أقول تصبحون على إصلاح له معنى والسلام.
والله ولي التوفيق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.