الملك محمد السادس يستقبل بالرباط عددا من السفراء الأجانب    الصحافة تحترق في طنجة تيك    حجز 1600 كيلو غراما من المخدرات بالصويرة مرتبطة بشبكة دولية للتهريب    الناظوركوت المغربي يواصل تألقه العالمي رغم أزمة الحوامض.. وأكثر من 300 ألف طن في موسم واحد    الكوكب المراكشي يحقق حلم الصعود ويعود إلى القسم الأول من البطولة الاحترافية    قانون جديد يقترب: الحكومة تتحرك لوضع حد ل"التفاهة" بالمنصات الاجتماعية وحماية القيم    بحضور خبراء وأكاديميين.. انطلاق فعاليات الدورة العلمية بالمدرسة العليا للتكنولوجيا بالناظور    فضيحة جديدة تهز الجامعة المغربية.. اعتقال أستاذ جامعي بسبب تلاعبات ورشاوي    وزارة النقل واللوجيستيك توقع ثلاث شراكات نوعية مع مؤسسة البحث والتطوير والابتكار في العلوم والهندسة    1.2 تريليون دولار.. توقيع صفقات ضخمة بين قطر وأميركا    ليلى بنعلي تجري مباحثات مع نظيرها التنزاني لتعزيز التعاون في مجال الطاقة (فيديو)    15 سنة سجنا للرئيس الموريتاني السابق ولد عبد العزيز بتهم تتعلق بالفساد    الحسيمة.. حادثة سير خطيرة قرب قنطرة واد غيس (صور)    عامل إقليم الحسيمة يودع 59 حاجًا متوجهين إلى الديار المقدسة    الملك يستقبل عددا من السفراء الأجانب    الرشيدية .. تخليد الذكرى ال 69 لتأسيس القوات المسلحة الملكية    3.65 مليار درهم قيمة صادرات الصيد الساحلي في 4 أشهر    براهيم دياز يغيب عن مواجهة مايوركا بسبب ألم في العضلة الضامة و10 لاعبين فقط جاهزون للمباراة    الملك يسحب تدبير دعم الفلاحين من وزارة الفلاحة بعد فضيحة "الفراقشية"    بنسعيد:الإصلاحات التي عرفها المجال الإعلامي ساهمت في توفير مرتكزات متكاملة لتطوير مختلف مكوناته    إطلاق حملة توعوية لتفادي الغرق في سدود جهة طنجة-تطوان-الحسيمة    الناخب الوطني لأقل من 20 سنة: "عازمون على المشاركة في المونديال ونحن أبطال إفريقيا"    نهضة بركان يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة سيمبا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مهرجان «يالطا» بروسيا ينحني لصوت مغربي… والدارجة تسرق الأضواء    عامل العرائش يدشن افتتاح معرض العرائش للكتاب    "ربيع المسرح" في تارودانت يكرّم الفنانين الحسين بنياز وسعاد صابر    معهد صروح للإبداع والثقافة يسلط الضوء غلى المنجز الشعري للشاعر عبد الولي الشميري    منيب: تحقيق التنمية يتطلب محاربة الفساد والاحتكارات والمضاربات    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    الملك محمد السادس يوجه هذه الرسالة إلى الحجاج المغاربة    15 % من المغاربة يعانون من متلازمة القولون العصبي والنساء أكثر عرضة للإصابة بها من الرجال    جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة بمناسبة انطلاق موسم الحج    رسميا.. حكيمي يمتلك نادي "سيوداد دي خيتافي" ويشارك في انتداب اللاعبين    استنفار الدرك الملكي بعد العثور على 20 كيلو من الكوكايين على شاطئ    "النباوي" يجري مباحثات مع النائب العام رئيس المجلس الأعلى للنيابة العامة بجمهورية الرأس الأخضر    صرخة فنانة ريفية.. اعتزال "مازيليا" بسبب الوسخ والاستغلال في كواليس الفن    ترامب: سوريا "أبدت استعداداً" للتطبيع    وزارة التربية الوطنية تفرض عقودا مكتوبة لتنظيم العلاقة بين التعليم الخصوصي والأسر    مجلس فاس يقر عقدا مؤقتا للنقل الحضري ويستعد لاستلام 261 حافلة جديدة    وداعا فخامة الرئيس    لجنة العدل والتشريع بالنواب تصادق على مشروع قانون المسطرة الجنائية    باناثينايكوس يتردد في صفقة أوناحي    المغرب يستضيف مؤتمر وزراء الشباب والرياضة للدول الفرنكوفونية    المخرج روبرت بينتون يفارق الحياة عن 92 عاما    دياز في قلب مشروع المدرب الجديد لريال مدريد    ردا على طرد موظفين فرنسين من الجزائر.. باريس تستدعي القائم بالأعمال الجزائري وتتوعد بالرد بالمثل    رُهاب الجزائر من التاريخ    الإمارات تُجدد حضورها في موسم طانطان الثقافي بالمغرب: تظاهرة تراثية تجسّد عمق الروابط الأخوية    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    المغرب في تصنيف التنمية البشرية لعام 2023: نقطة جيدة وانتظارات قوية    كسوة الكعبة المشرفة ترفع 3 أمتار    الأمم المتحدة تدعو مجلس الأمن إلى التحرك "لمنع وقوع إبادة" في غزة    عندما تتحول القرارات السياسية من حسابات باردة إلى مشاعر مُلتهبة    حكم جديد.. 3 ملايين ونصف تعويضاً لسيدة عضها كلب    أزمة دواء اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب.. يفاقم معاناة الأسر في صمت    دراسة من هارفارد: شرب الماء الكافي يعزز التركيز الذهني ويقلل التعب والإرهاق    الأغذية فائقة المعالجة تهدد بأعراض "باركنسون" المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا أعدموك يا سيد؟ لماذا لم ينصفوك يا قطب؟
نشر في هسبريس يوم 27 - 08 - 2010

﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾. (سورة الأحزاب: آية 23 )
في أحد أيام شهر غشت من عام 1952 نظم رجال الثورة حفل تكريم لسيد قطب، فقد كان سيد من محركي الثورة ورجالها البارزين وان لم يكن من الضباط والجيش، وقام يومها سيد قطب وألقى كلمته فقال: لقد كنت في عهد الملكية مهيئا نفسي للسجن في كل لحظة وما امن على نفسي في هذا العهد أيضا، فأنا في هذا العهد مهيأ نفسي للسجن ولغير السجن أكثر من ذي قبل. حينها قام عبد الناصر فرد على كلام سيد بصوته الجهوري قائلا له: أخي الكريم سيد والله لن يصلوا إليك إلا على أجسادنا جثثا هامدة، ونعاهدك باسم الله بل نجدد عهدنا لك أن نكون فداءك حتى الموت!!. ومرت على ذلك اليوم أربعة عشر سنة صدقت خلالها فراسة سيد وأثبت خلالها جمال عبد الناصر أن لا عهد للطغاة والسفاحين فوجد سيد نفسه بين أيدي جمال عبد الناصر وزبانيته ليذيقوه صنوف العذاب ويحملوا جسده المريض فوق ما يتحمله الرجال إلى أن أمر الذي عاهده باسم الله أن يكون فداه حتى الموت بإعدامه يوم الاثنين 29 غشت 1966 . متى كان للطواغيت والسفاحين وعبدة الكراسي والمجنونين بالسلطان من عهد، إنهم لا يتورعون عن قتل شعب بأكمله إذا لم يكن هذا الشعب في صفهم ولا يوافقهم على باطلهم ولا يناصرهم على فسادهم وظلمهم، فكل همهم أن يبقى الكرسي ويبقى السلطان ولو استعملت لأجل ذلك كل السبل والطرق فلا مبادئ ولا أخلاق ولا ثوابت ولا عقائد فكل الذي يؤمنون به أن الغاية تبرر الوسيلة.
كان جمال عبد الناصر وعبيده يحبون سيد قطب عندما كان ينتقد الملكية ويدعو إلى الإصلاح ويلهب الحماس بمقالاته النارية وكانوا يحبونه ويتبنون أفكاره وآراءه الإصلاحية، وبعد أن صدر كتابه العدالة الاجتماعية زاد إعجابهم به فاتخذوه مرشدا وقائدا للثورة فكان جمال عبد الناصر وباقي الضباط الأحرار، الذين كان كثير منهم بما فيهم جمال عبد الناصر من الإخوان في البداية حتى وقفوا على أرجلهم، يحضرون إلى بيته ويعقدون معه الاجتماعات ويتدارسون معه سبل إسقاط النظام وإحلال نظام إسلامي عادل محله. ولم يكن حينها سيد قطب قد انظم إلى جماعة الإخوان المسلمين ولكن توجهه الإسلامي في الإصلاح كان واضحا وجليا في كتبه ومحاضراته فكانت دعواته الإصلاحية على منهاج الإسلام من منطلق فردي ذاتي بعيدا عن الأحزاب والجماعات منذ منتصف الأربعينيات إلى أن اقتنع أخيرا بالانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين وكان ذلك في بداية 1953.وحتى عنما فرغ من كتابه العدالة الاجتماعية سنة 1947 ، الذي ظن الكثيرون أنه أهداه لشباب الإخوان المسلمين والذي طبع سنة 1949 أثناء تواجده بأمريكا، لم يكن سيد قطب يعرف آنذاك عن الإخوان المسلمين إلا القليل حتى سافر إلى أمريكا في ربيع 1948 وأقام فيها لمدة عامين فهناك بدأ عقله يتفتح على فكر الإخوان بعد اغتيال مرشدها، وقد علق حسن البنا على الكتاب قائلا: هذه أفكارنا وكان ينبغي أن يكون صاحبها واحدا منا. وهو ما حدث فعلا فقد أصبح سيد قطب واحدا منهم بعد ذلك.
لقد اتهموك يا سيد بالتكفير وبالتطرف والعنف وكل علتهم أنهم لم يفهموا كلامك ولم يحملوا معالمك وظلالك على مقصودك منهما فقالوا عنك انك تكفيري ونصبوك رائدا لمدرسة التطرف والإرهاب ينفرون الناس من كتبك ويحذرونهم من أفكارك، ولكن علتك أنت يا سيد أنك ولدت سيدا للإسلاميين وقطب المفكرين والأدباء، ولدت كذلك وأكثر من ذلك في زمن كثرت فيه دعاوي الإلحاد وتعالت فيه أصوات العلمانيين وأسندت فيه الأمور إلى الشيوعيين وعباد الأوطان وقويت فيه شوكة الذين يبيتون للقوميات والأعراق سجدا، فلما رفعت صوتك لتسمعهم وقلت: اللهم إن هذا منكر، يا مسلمين إن ما أنتم فيه جاهلية ونظام الإسلام يجب أن يطبق وذلك لن يتحقق إلا بالفهم الصحيح لعقيدة الإسلام وفهم معنى لا اله إلا الله محمد رسول الله، قلت: يا مسلمين اتركوا الجاهلية وعيشوا بعقيدة لا اله إلا الله، اجعلوها تعيش فيكم وعيشوا لها واجعلوها الكلمة التي تحرككم وتسير عيشكم وتقود كل جوانب حياتكم. قلتها بغضب لله وغيرة على دين الله فجاءت كلماتك وكتبك مدوية كالرصاص، مزلزلة كالبركان، جارفة كالطوفان، فظلمك من لم يفهمك واتهمك من لم يقرأك وجار عليك من لم يعرفك، ولم ينصفك ويعدل فيك إلا القليل ممن عرفوا سيد الأديب وسيد المصلح وسيد المفكر والحركي وسيد المعذب في السجون.
عرض عليه جمال عبد الناصر وقادة الانقلاب منصب وزير الثقافة وعكفوا عليه بالإغراءات ولكنهم أرادوا سيدا أن يكون عبدا لهم يخدمهم ويزكي فسادهم، لقد طلبوا مستحيلا فكيف للسيد أن يصبح عبدا. وبعد أن أفرج عنه من السجن بعفو صحي بوساطة الرئيس العراقي عبد السلام عارف سنة 1964 لما اشتد عليه المرض وأنهك التعذيب جسده عرضت عليه حكومة العراق أن يعمل لديها خبيرا في التربية والتعليم ومناهجهما ولكنه رفض واثر البقاء في مصر مواصلا رسالته مع علمه بما ينتظره إن هو استمر في دعوته وأن الطواغيت لن يكفوا عن إزعاجه ومطاردته هو وإخوانه والزج بهم في السجون. ولكن أمثال سيد قطب لا يردعهم السجن وان طال ولا يخيفهم التعذيب مهما اشتد بل إن ذلك يزيدهم عزما وثباتا ولا يصدهم عن الدعوة والصدع بما يؤمنون أنه حق، ففي السجن وتحت وطأة السياط وأشكال التعذيب أكمل تفسيره في ظلال القران وكتب كتابه معالم في الطريق، وهذا الدين، ومقومات التصور الإسلامي، ومشكلات الحضارة، وخصائص التصور الإسلامي، والمستقبل لهذا الدين، وهي أقوى كتبه وأكثرها انتشارا وتأثيرا. كان قد حكم عليه في أول اعتقال سنة 1954 بالسجن خمسة عشر عاما مع الأشغال الشاقة قضى منها عشر سنوات ثم خرج بعدها بسبب المرض ولم يلبث إلا شهورا قبل أن يعدموه في الاعتقال الثاني سنة 1966 ويقتلوه بتهمة تدبير مؤامرة لاغتيال جمال عبد الناصر وقلب النظام، ولكن الأفكار والمبادئ والعقائد لا تموت وان مات أصحابها وقتلوا. رحل سيد قطب بجسده ولكن روح أفكاره وأرائه لازالت حية. تخلصوا من جسمه ولكنهم لم يستطيعوا التخلص من نتاج ذلك الجسم.
إن الذين قتلوك حيا يا سيد، والذين قتلوك حقيقة، والذين يريدون قتلك ميتا، والذين ينتسبون إليك ويتقولون عليك ما لم تقله ويدعون باسمك إلى ما لم تدع إليه، كل أولئك هم فيك مخطئون ولا أحد منهم أنصفك. كان على الجميع أن يقرؤوا كلامك قبل أن يعدموك ويقتلوك ويظلموك:"إننا لم نكفر الناس! وهذا نقل مشوه، إنما نحن نقول إنهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة، وعدم تصور مدلولها الصحيح، والبعد عن الحياة الإسلامية إلى حال تشبه حال المجتمعات في الجاهلية.. وانه من أجل هذا، لا تكون نقطة البدء في الحركة الإسلامية هي قضية إقامة النظام الإسلامي، ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية، فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية، أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس" لماذا أعدموني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.