أمريكا تتعهد بتمويل مساعدات أممية    الإحصائيات تعترف للركراكي بالتميز    اتباتو يتتبع "تمرحل الفيلم الأمازيغي"    الكاميرون تتعادل مع كوت ديفوار        وسط قيود على المساعدات الإنسانية .. الأمطار تغرق خيام النازحين في غزة    الأقمار الصناعية تكشف تفاصيل جديدة عن البنية المعدنية الخفية في الأطلس الصغير    صندوق النقد الدولي يدعو المغرب إلى تسريع الإصلاحات الهيكلية دون المساس بشبكات الحماية الاجتماعية. ..أوصى بضرورة تعزيز المنافسة ورفع الإنتاجية والاستثمار في الرأسمال البشري    أخبار الساحة    كرة القدم نص مفتوح على احتمالات متعددة    اليوم بمجمع الأمير مولاي عبد الله .. المنتخب الوطني مطالب بالفوز على زامبيا للبقاء في الرباط وتبديد المخاوف    السودان تحقق فوزا مهما على غينيا الاستوائية في كأس إفريقيا    بحضور فوزي لقجع .. المنتخب المغربي يختتم الاستعداد لمواجهة زامبيا    جبال خنيفرة تلبس "الرداء الأبيض"    من واد غيس إلى الجماعات الهشة : عبد الحق أمغار يضع فلاحة الحسيمة تحت مجهر المساءلة البرلمانية    بوصوف: المخطوطات "رأسمال سيادي"    المهدي النائر.. ريشة تحيي الجدران وتحول الأسطح إلى لوحات تنبض بالجمال    عبد الكبير الركاكنة يتوج بجائزة النجم المغربي 2025    السينما والأدب: الخصوصية.. والحوار الممكن    روسيا ‬وجمهورية ‬الوهم ‬‮:‬علامة ‬تشوير جيوسياسي‮ ‬للقارة‮!‬    أمن العروي يطيح بسائق سيارة أجرة وبحوزته قرابة 5000 قرص طبي مهرب    ميناء طنجة المتوسط يخطط لتوسعة كبرى لمحطة المسافرين استعدادًا لمونديال 2030    فيضانات تجتاح جنوب إسبانيا بعد تساقطات ليلية كثيفة    تأخر الإشهاد ونقص السيولة يرجئان صرف منحة "الريادة" إلى مطلع 2026    نشرة إنذارية.. زخات رعدية محليا قوية وتساقطات ثلجية وهبات رياح أحيانا قوية يومي الأحد والاثنين    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    سلطات آسفي تدقق في لوائح المتضررين من الفيضانات لتفادي الإقصاء    بنسليمان.. انتخاب أحمد بلفاطمي كاتبا إقليميا لاتحاد المقاولات والمهن بإجماع المهنيين    مداخيل المغرب من صادرات الأفوكادو تتجاوز 300 مليون دولار خلال موسم واحد    تحسن نسبي مرتقب في الأحوال الجوية بالمغرب بعد أيام من الاضطراب الجوي        الحلم المغاربي حاضر في الرياضة غائب في السياسة    قرار حكومي يوسّع الاستفادة من منحة "مؤسسات الريادة" ويعدّل منظومة التحفيز    بعد خمس سنوات من التطبيع.. تقرير يكشف تغلغل إسرائيل في المغرب من الفلاحة إلى الأمن والتعليم والطاقة    عاصمة الرباط تنتظرها بطولات أكبر ..    بورما تجري أول انتخابات عامة منذ الانقلاب العسكري عام 2021    مدفوعة ب"كان 2025″ وانتعاش السوقين المحلية والأوروبية.. أكادير تقترب من استقبال 1.5 مليون سائح مع نهاية السنة    غموض الموقف المغربي والإماراتي يلفّ رفضاً عربياً وإسلامياً واسعاً لاعتراف إسرائيل ب"أرض الصومال"    عواصف عنيفة تحصد أرواحًا في السويد وتغرق دول الشمال في الظلام    "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" ترفض مشروع القانون المتعلق بتنظيم المهنة وتدعو إلى جمع عام استثنائي    الصين تفرض حد أقصى إلزامي لاستهلاك الطاقة للسيارات الكهربائية    أزيد من 2600 مستفيد من قافلة طبية متعددة التخصصات بخنيفرة    مصرع عشريني في اصطدام مروّع بين دراجة نارية وسيارة بطنجة    الخدمة العسكرية .. الفوج ال40 يؤدي القسم بالمركز الثاني لتكوين المجندين بتادلة    كأس إفريقيا .. نيجيريا تفوز على تونس و تعبر إلى دور الثمن    علماء روس يبتكرون مادة مسامية لتسريع شفاء العظام    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    تنديد واسع باعتراف إسرائيل بإقليم انفصالي في الصومال    انطلاق فعاليات مهرجان نسائم التراث في نسخته الثانية بالحسيمة    علماء يبتكرون جهازا يكشف السرطان بدقة عالية    من جلد الحيوان إلى قميص الفريق: كرة القدم بوصفها طوطمية ناعمة    روسيا تبدأ أولى التجارب السريرية للقاح واعد ضد السرطان    الحق في المعلومة حق في القدسية!    وفق دراسة جديدة.. اضطراب الساعة البيولوجية قد يسرّع تطور مرض الزهايمر    جائزة الملك فيصل بالتعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء تنظمان محاضرة علمية بعنوان: "أعلام الفقه المالكي والذاكرة المكانية من خلال علم الأطالس"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمات مصادرة*
نشر في هسبريس يوم 31 - 08 - 2010


"سوابق الهمم لا تخرق أسوارالأقدار"
ابن عطاء الله السكندري
تقديم:
انتهت المرحلة الإستئنافية كما بدأت .. في الفوضى. فوضى أثارها رئيس الجلسة حينما طلب من جميع المتابعين أن يخرجوا من القفص الزجاجي و يقترب منه. خلق الأمر حالة تداخلت فيها المباغتة بالمباغتة والاضطراب.
بدا وكأن هيأة المحكمة متخوفة من الكلمات الختامية للمتابعين، لذلك لجأت إلى هدا الأسلوب وحصرت تصريحات المتابعين في الجواب على السؤال:"هل عندك شيء جديد تضيفه؟"... هكذا تحولت الكلمة الأخيرة إلى استنطاق جديد.
كان المتابعون في بداية الأمر يدلون في ثوان بتصريحاتهم مباشرة للرئيس و بدون مكبر صوت، مما حال دون سماع الحضور الذي غصت به القاعة لتصريحاتهم، فارتفعت الاحتجاجات مذكرة بعلنية الجلسة.
تشبث المعتقلون السياسيون بتقديم كلماتهم الختامية و التزموا بالتركيز و الاختصار...غير أن الرئيس حال، بعد قبول، دون إتمام المصطفى المعتصم لكلمته ومنع ضدا على القانون المعتقلين السياسيين الباقين من إلقاء كلماتهم الختامية.
ضاق صدر المحكمة بالحقيقة، وكما بدأت هده القضية سارت... بخرق القانون و مصادرة الحقوق...
غير أنها لم تنته بعد...
نص الكلمة الختامية:
السيد الرئيس...السادة المستشارون
أود في البداية أن أتقدم بالشكر الجزيل المشفوع بالامتنان والتقدير إلى هيأة الدفاع نقباء أجلاء وأساتذة محترمين و إلى الهيآت الحقوقية الوطنية و الدولية وإلى الأحزاب الديمقراطية والشخصيات الوطنية والهيآت و المنظمات السياسية العربية و رجال و نساء الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والأصدقاء والصديقات بالمنتدى الاجتماعي المتوسطي واللجنة الوطنية للتضامن مع المعتقلين السياسيين الستة و إلى أعضاء وعضوات حزب البديل الحضاري وتنسيقية عوائل المعتقلين السياسيين الستة وإلى أسرتي الصغيرة و الكبيرة على التضامن والدعم و المساندة التي ما فتئوا وما زالوا يقدمونها لي طيلة ثلاثين شهرا من الإعتقال القسري و التعسفي.
السيد الرئيس
أؤكد لكم مرة أخرى أني بريء من كل التهم التي لفقت ضدي من طرف سلطات المتابعة، وإني إذ أنفي هده التهم أؤكد لكم أني استهدفت بسبب آرائي وأفكاري و معتقداتي مواقفي السياسية.
لذا أرجوا أن يتسع صدر محكمتكم الموقرة للإنصات لهده الكلمة الختامية عسى أن تساعدكم في تكوين قناعتكم الوجدانية.
أذكر محكمتكم الموقرة أني اضطررت، صحبة متابعين آخرين، إلى خوض إضراب مفتوح عن الطعام ومقاطعة المحاكمة بمعية دفاعي، ابتداءا من 22 مارس 2010 احتجاجا على غياب شروط المحاكمة العادلة. وقمت بتعليق هدا الإضراب و استأنفت مشاركتي في المحاكمة تسعة عشر يوما بعد ذلك؛ بعد ما أكد السيد وزير العدل لهيأة الدفاع و لتنسيقية عوائل المعتقلين السياسيين الستة أنه سيعمل على توفير شروط المحاكمة العادلة.
السيد الرئيس .. السادة المستشارون
أصرح و بكل أسف، أن المحاكمة اتجهت في مسار معاكس لهدا الالتزام إذ انتفت، في كل أطوارها، شروط المحاكمة العادلة. ليس فقط بسبب الخروقات التي شهدتها و ليس فقط لأن محكمتكم رفضت كل ملتمساتنا الأولية و دفوعاتنا الشكلية وسكتت عن التزوير الفاضح الذي طال الحكم الابتدائي (فضيحة الاستهلال) بل أيضا لأن محكمتكم لم تناقش الوقائع الحقيقة والتي كانت مناقشتها كفيلة بوضع الملف على سكته الصحيحة و إعطاء انطلاقة عملية لورش إصلاح القضاء.لأن الأمر لم يتعلق بمجرد تكييف أحكام وإصدار عقوبات بل كنا جميعا أمام لحظة تاريخية بامتياز، اخترتم مع الأسف، أن تديروا لها ظهركم. لذا أرى من واجبي، أن أثير انتباهكم إلى هده الوقائع التي كان يجب أن تولوها اهتمامكم وعنايتكم من أجل كشف الحقيقة و إحقاق العدالة.
يتعلق الأمر ابتدءا بطبيعة هده المحاكمة ثم بالسياسة سياقا و وقائع و أخيرا بالتعذيب الذي صرح أغلب المتابعين بأنهم تعرضوا له سواء بالمعتقل السري "تمارة" أو في ضيافة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية.
في طبيعة القضية
رغم أننا صرحنا مستندين إلى أدلة ملموسة، بأن المحاكمة التي نخضع لها هي محاكمة سياسية، و رغم أن ممثل الإدعاء لم يخف أنه خصم سياسي، خاصة حينما نازعنا في صفة المعتقل السياسي، ورغم تقارير و شهادات الهيآت الحقوقية الوطنية والدولية، ورغم الحيثيات التي صاحبت هده المحاكمة فإنكم لم تولوا الأمر أي اهتمام.ولو أن محكمتكم أولت هدا الأمر العناية الضرورية لتبين لها أننا لسنا أمام قضية جنائية بل محاكمة سياسية بامتياز. وكان هدا كفيل بأن يعطي لهده القضية برمتها مسارا آخر غير المسار الذي فرض عليه قسرا.
في السياسة كأفكار ووقائع
رغم أنكم لم تناقشوا طبيعة القضية، فإنه كان منتظرا من محكمتكم أن تناقش الوقائع السياسية الدولية و المحلية التي شكلت سياق هده المحاكمة باعتبارها وقائع حقيقية تضئ مناقشتها عتمة هده القضية. إذ أنه ليس بالإمكان محكمتكم البث فيما نسب إلينا من دون استحضار الصراع القائم بين العولمة المتوحشة و دعاة العولمة البديلة وآثاره على الدينامية السياسية ببلادنا. وأتصور أنه ليس بإمكانكم إصدار حكم عادل من دون استحضار الحزب الإقتصادي و الاجتماعي والسياسي الذي تسببت فيه استراتيجية الصدمة لمدرسة شيكاغو بقيادة ميلتون فريدمان MILTON FRIEDMAN ، وهو الحزب الذي طال مختلف أنحاء المعمور ابتداءا بدول أمريكا الجنوبية ومرورا بدول جنوب شرق آسيا، أوربا الشرقية، الاتحاد السوفياتي، جنوب إفريقيا وانتهاءا بالعراق ولم تسلم منه حتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. ولقد طالت ويلات هدا الحزب وطننا يوم قبلت حكومة مغربية تطبيق برنامج التقويم الهيكلي متسببة في هشاشة اقتصادية وتهميش اجتماعي غير مسبوقين. هشاشة و تهميش شكلا الوعاء الحاضن للتطرف.
لننصت إلى دافزون بوهلو DAVISON BUDHOO أحد أطر صندوق النقد الدولي وهو يتكلم عن برنامج التقويم الهيكلي.
إنه يعتبر أن التقويم الهيكلي كما يطبقه صندوق النقد الدولي، هو صيغة تعذيب جماعي"تكره حكومات و شعوبا تصيح من الألم على الركوع أمامنا، مهيضة الجناح مرعوبة وفي طريقها نحو التلاشي، تتوسلنا أن نبدي قليلا من التعقل و التعفف، لكننا نسخر منها ونستهزئ بها ليستأنف التعذيب أكثر من ذي قبل."(1)
كان منتظرا من محكمتكم أن تقف أيضا عند الصدمة التي تعرض لها بلدنا غداة أحداث 16 ماي الإجرامية وما تلى ذلك من وأد للانتقال الديموقراطي وتمرير لفانون الإرهاب و انقلاب على فلسفة العهد الجديد وتقطيع قسري للساحة السياسية و مصادرة للحقوق الدستورية لأحزاب سياسية استعصت على الترويض وإلقاء قياديها في السجن ومتابعتهم ومحاكمتهم بتهمة الإرهاب.
لو فعلت محكمتكم ذلك لسارت هده المحاكمة في وجهتها الصحيحة.
السيد الرئيس.. السادة المستشارون
إن إثارة هده الوقائع لها علاقة مباشرة بالقضية المعروضة على أنظاركم و بالدور المفترض للقضاء. فالقضاء هوالحكم المستقل الدي لا يتهيب من تفحص كل السبل التي يمكن ان توصله إلى الحقيقة.. القضاء هو صمام الأمن والأمان و التقدمو الرفاه.. القضاء ملاذ المظلومين وليس سيفا يسلطه الظالمون على رقاب خصومهم. و مع ذلك يجب أن نقر و بكل أسف، أن القضاء المغربي تورط في الانتكاسة الحقوقية التي شهدتها بلادنا خلال سنوات الرصاص. ورغم أن بلادنا قررت طي صفحة الماضي فإننا نلاحظ اليوم أكثر من محاولة للاتفاف على توصيات على توصيات لجنة الإنصاف و المصالحة على علاتها. وكأن عناك منيضيره أن تتصالح بلادنا مع نفسها و تاريخها. ونتساءل لماذا؟ ولمصلحة من؟ وتبدو معالم الجواب حينما نعي أن المصالحة ليست مجرد مفهوم نفسي اجتماعي بل هي مفهوم اجتماعي اقتصادي أيضا. يحدد ديسموند توتو رئيس لجنة الحقيقة و المصالحة بإفريقيا الجنوبية مفهوم المصالحة بقوله:
"المصالحة تعني بالنسبة لأولئك الذين نسيهم التاريخ أن يلمسوا أن هناك اختلافا نوعيا بين القمع و الحرية. بالنسبة إليهم الحرية تعني: الماء الصالح للشرب، الكهرباء، العمل الجيد، التمدرس لأبنائهم و الخدمات الصحية لهم ولذويهم. ما قيمة الانتقال إذا لم تتحسن نوعية حياة الناس؟ وإذا لم تتحسن فإن حق التصوبت لا يعني أي شيء"(2)
هذا هو الرهان التحدي اليوم، السيد الرئيس،وهو مدار الصراع اليوم ببلادنا، صراع بين الذين يريدون أن يكون المغرب بخيراته وثرواته لكل أبنائه وبناته ومن يريدون ويعملون على أن تكون هده الخيرات و الثروات حكرا على فئة محدودةمن المستفيدين المتحكمين في كل شيء.
هدا هو الرهان التحدي الدي يدور عليه الانتقال الديموقراطي . لأن الديموقراطية ليست تعددا حزبيا على المقاس وليست مجرد حق تصويت. الديموقراطية هي ممارسة سيادة الأمة، ممارسة لا تحقق إلا إذا وضع الشعب يده على خيرات و ثروات بلاده. إن الأمر لا يتعلق بعدد الأصوات و لا بعدد المقاعد في البرلمان ولا بعدد الوزراء في الحكومة، بل الأمر كل الأمر يتعلق بإعادة توزيع الثروةحتى يستفيد منها جميع المغاربة.
أترون سيدي الرئيس، لماذا أنا هنا؟ ولماذا تم حل حزب البديل الحضاري؟ أترون الآن كم هي صعبة مهمتكم؟
في وقائع الاختطاف و التعذيب(3)
صرح أغلب المتابعين بأنهم تعرضوا للاختطاف والتعذيب، و بالنسبة لهذه الوقائع بالذات لا يكن يتطلب الأمر مجرد مناقشة و الكشف عن أساليب التعذيب التي خضع لها المصرحون، بما في ذلك الصعقات الكهربائية، بل كان على محكمتكم أن تخضع هؤلاء لخبرة طبية نفسية. وإذا كان الجلادون يعمدون اليوم إلى استعمال أدوات لا تترك آثارا مادية واضحة على أجساد الضحايا كالعصا أو الصدرية الكهربائيتين فإن الآثار النفسية، والتي يمكن للطب النفسي أن يثبتها، تبقى موجودة تؤثر على نفسية و سلوك الضحايا . لقد أتبتت الدراسات العلمية في مجال في مجال معالجة مرض الفصام schizophrénie بالصعقات الكهربائية، خاصة تلك التي أجراها إيرون كامرون eren cameroun أواسط القرن الماضي بجامعة ماك جيل Mc Gill بكندا و التي اعتمدتها وكالة الاستخبارات الأمريكية لوضع كراس الاستنطاق و التعذيب، بينت هده الدراسات أن إخضاع المريض للصعقات الكهربائية يؤدي في النهاية إلى تفكيك بنية الشخصية وإخضاعه. نفس الشيء تمت ملاحظته عند الضحايا الأسوياء الذين تعرضوا للتعذيب إذ يتحولون إلى كائنات خائفة قلقة تعاني من الألم النفسي ومن الحيرة و التيه، كائنات طيعة ممتثلة لأوامر الجلاد و توجيهاته.
لو كلفت محكمتكم نفسها عناء عرض المتابعين الذين صرحوا بتعرضهم للتعذيب لخبرة طبية نفسية لتبين لكم كم هي كاذبة و بئيسة محاضر التحقيق الإبتدائي و التمهيدي و التفصيلي المنسوبة إليهم و التي اعتمدتها النيابة العامة و هيأة الحكم الابتدائي، في غياب أي دليل مادي يؤكد المنسوب إليهم، لإدانتهم و إدانتنا بمبرر "شهادة متهم على متهم"
السيد الرئيس..السادة المستشارون
أقدر أنه من الضروري أن نقف عند ما قاله ممثل الاتهام .فقد رافعت النيابة العامة يومي 25 و 28 يونيو 2010 و لم أجد أبلغ من وصف لهده المرافعة مما قاله المفكر الفرنسي Jean Claude Guillebaud :
"يبدو و كأن عنف الكلمات يعوض ضعف الأفكار . كلما كنا غير مقتنعين بقيمنا إلا و رفعنا أصواتنا [..] إن فراغ الأفكار يفضي إلى ضجيج الكلمات"(4)
لقد حاول ممثل الاتهام أن يستتر خلال مرافعته على بطلان المتابعة و انعدام الأدلة وعلى الوقائع الحقيقية بغلط الكلام. لذا أريد أن أقف و إياكم وبعجالة عند ثلاث ملاحظات:
-الملاحظة الأولى: لجأ الإدعاء إلى منهج الحكي عوض المرافعة القانونية و ذلك للتهرب من تقديم الأدلة والإثباتات على كل واقعة واقعة مما يؤكد انعدام الأدلة على ادعاءات ممثل سلطة الاتهام. إن الحكي قد يصنع قصة لكنه قطعا لا يصنع قضية جنائية.
-الملاحظة الثانية: لجأ الإدعاء إلى التهويل و التلويح بكلمة الإرهاب .. يمينا و يسارا، بما يكشف عن عجزه عن تقديم أي أدلة أو إثباتات على التهم الملفقة ضد المتابعين. و بالمناسبة فإن الاختيار الإسلامي الذي رماه ممثل الاتهام ب الإرهاب، شكل مرحلة مضيئة في تاريخ العمل السياسي ببلادنا، و يكفيه فخرا المساهمات النظرية التأسيسية و العملية التي ساهم بها في تطوير العمل السياسي وتكسير المنطق الطائفي الذي كان يحكمه. إذ لأول مرة في تاريخ العمل السياسي المعاصر ببلادنا، استطاع أن يبني جسرا تواصليا مع المدارس الفكرية و السياسية المخالفة. الاختيار الإسلامي أيها السادة، حمل راية الريادة وفتح باب العمل السياسي و النقابي الطلابي و العمل النسائي مشرعا أمام كل مكونات الحركة الإسلامية المغربية. الاختيار الإسلامي ليس تنظيما إرهابيا كما تدعي النيابة العامة، بل مدرسة رائدة في الفكر و السياسة أسست فكريا و عمليا و شرعيا للنضال الديموقراطي.
-الملاحظة الثالثة: نظرا لانعدام أية عملية إرهابية مرجعية يمكن ان يحيل عليها فإن ممثل النيابة العامة أحال على الصومال و يمن الحوثيين، رغبة منه في افتعال صدمة شعورية. وفي الحقيقة فإن رسالته وصلت لأن كل وسائل الإعلام التي غطت مرافعته بما في ذلك راديو BBC التقطت هدا التشبيه، مما يؤكد أننا كنا أمام حملة دعائية وليس أمام مرافعة قانونية. لكن أخطر ما في تشبيه المغرب بهذين البلدين هو تحقير الدولة المغربية و مؤسساتها، وتبخيس تاريخ المغرب و عمقه الحضاري. فهل أصبح المغرب بدولته العريقة و مؤسساته القوية و التحام شعبه بثوابته الوطنية مجرد صومال تخترقه النزاعات القبلية و المصالح العشائرية و يغيب فيه الأمن و تحكمه الفوضى؟ لماذا شككت النيابة العامة عبر هدا التشبيه،بقدرات المغرب و أمنه و استقراره؟ لمن توجه رسالتها و لمصلحة منن وهي تحيل على صورة بلد ضعيف منهوك القوى كادت مجموعة من خمس و ثلاثين شخصا أن تحوله إلى صومال جديد؟
السيد الرئيس..السادة المستشارون
لقد نشأت مند صغري على أن حب الأوطان من الإيمان و مازلت أومن أن هدا الوطن يستحق منا من التضحيات أغلاها، و ليس عندي ما أجود به سوى نفسي و حريتي و إني اتقدم بها قربانا من أجل عزة و كرامة هذا الوطن.
لقد علمتني جدتي الشريفة لامنانة بنعجيبة رحمها الله أن الحب لا يتحقق إلا إذا جعل المحب من رضى حبيبه مدار اهتماماته و انشغالاته. و رضى وطني أن يهنأ ابناؤه و بناته بالأمن و الرفاه و الاستقرار. من أجل هدا كرست ثلاثين سنة من عمري أنافح بكل الوسائل المشروعة كي يستعيد شعبي سيادته على نفسه وعلى خيرات وثروات هدا الوطن. ولا يمكن لعاشق فنى في حب وطنه أن يكون داعية عنف أو إرهاب.
السيد الرئيس..السادة المستشارون
إنني متفائل بمستقبل هدا الوطن ومؤمن بأنه سيتجاوز كل العراقيل و الصعوبات لأن أرضنا أرض معطاء و شعبنا شعب قوي نبيه أمين. إن اعترت مسيرته بعض الكبوات، فسرعان ما ينهض و يصل الماضي ب الحاضر ليبني مستقبلا زاهرا يحقق العزة و الكرامة و الرفاه للجميع.
السيد الرئيس..السادة المستشارون
حينما أضع رأسي على وسادتي أنام ملء جفني لأني مطمئن ببرائتي و لبرائتي. تتساوى عندي كل أحكام الإدانة أكانت ساعة سجنا أو إعداما. إني إذ أكلكم إلى ضمائركم أؤكد لكم، بعد ما عشته طيلة ثلاثين شهرا من الاعتقال التعسفي و المحاكمة الصورية أني لا أنتظر من محكمتكم أي شيء.
إنني أقف بباب سيدي ومولاي ، ربي الدي خلقني و رزقني و شملني بنعمه، صابرا و مصابرا راجيا فرجه و عفوه متوسلا قبوله و رضاه سائلا إياه أن يمن علي بحمده و شكره و أن يجعل هذا البلد آمنا مطمئنا يأتيه رزقه رغدا من كل مكان. فله العتبى حتى يرضى و لا حول ولا قوة إلا بالله.
لله الأمر من قبل و من بعد..وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
****
*نص الكلمة الختامية التي منع من إلقائها، أمام غرفة الجنايات الاستئنافية، الدكتور محمد الأمين الركالة.03 شعبان 1431 ه/16 يوليوز 2010 م
(1) Davison L . Budhoo, Enough Is Enough . Dear Mr.Camdessus...Open Letter of Resignation to the Managing Director of The International Monetary Fund, New Horizons Press, 1990, P2-27. Cité par Naomi Klein, La staratégie du Choc, LEMEAC /ACTES SUD,2008 p.317
(2) “ South Africa ;Tutu Says Poverty, Aids Could Destabilise nation” AllAfrica.com, le 4 novembre 2001. Cité par Naomi Klein, La staratégie du choc, op.cit ; p 238
(3) من أجل التوسع في هذه النقطة راجع
Naomi Klein, La staratégie du choc, op.cit ; p37-65
(4) Jean Claud Guillebaud, Le gout de l'avenir, Seuil, 2003 . P51


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.