بابوا غينيا الجديدة تجدد تأكيد دعمها لمغربية الصحراء، ولسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية، وللمخطط المغربي للحكم الذاتي    بالأمم المتحدة، المغرب يعلن استضافة الرباط لأول مؤتمر حول ضحايا الإرهاب في إفريقيا    قيوح يحشد لتمكين المغرب من مقعد دائم بمجلس المنظمة العالمية للطيران    زامبيا تجدد تأكيد دعمها لسيادة المغرب على صحرائه    المغرب يخطط لاستقطاب مليون سائح سنوياً من خلال " السياحة الخضراء"    طنجة.. أزمة الصرف الصحي ومياه الأمطار تُهدد منطقة "أوف شور بلازا" ودعوات عاجلة لوالي الجهة للتدخل    إسبانيا ترسل سفينة لإنقاذ رعاياها بعد استهداف "أسطول الصمود" قبالة اليونان والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي يدينان الهجمات        ب20 مليار درهم.. الملك محمد السادس يُطلق مشاريع سككية بالدار البيضاء    استطلاع: 78% من المغاربة يعتبرون التغير المناخي تهديدا حقيقيا.. والجفاف في صدارة التحديات    شريط فيديو يستنفر أمن مراكش ويقود لتوقيف شخصين متورطين في حيازة أسلحة بيضاء    جيش إسبانيا يساعد أسطول الصمود            شيشاوة.. مصرع 5 أشخاص 4 منهم من أسرة واحدة اختناقا داخل "مطمورة" للصرف الصحي    سوريا تكشف عن سجن سري جديد تحت الأرض في ريف حمص    الحسيمة تتصدر المدن الأغلى وطنيا في أسعار الاستهلاك    مونديال أقل من 20 سنة.. وهبي: جئنا بطموحات كبيرة ونسعى للجاهزية الكاملة لمواجهة إسبانيا    عمر عزيمان يتوج بالجائزة الدولية "ذاكرة من أجل الديمقراطية والسلم"    "لامورا..الحب في زمن الحرب" للمخرج الراحل محمد اسماعيل يدخل سباق القاعات السينمائية    وفد اقتصادي أمريكي يزور ميناء طنجة المتوسط لتعزيز التعاون مع المغرب    مدرب جيرونا يشيد بأداء أوناحي بعد تألقه أمام بلباو    "الشمعة" تدافع عن تصويت الجالية    TV5MONDE تحتفي بالفرنكوفونية المغربية في سهرة ثقافية خاصة    مهرجان "عيطة بلادي" يكشف تفاصيل نسخته الأولى في الدار البيضاء    الصراع مستمر بين المغرب وإسبانيا على استضافة نهائي مونديال 2030    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تطلق قسما إخباريا حول الذكاء الاصطناعي ضمن منصتها الرقمية    بزشكيان: إيران لا تريد أسلحة نووية    سناء العلوي… من تكريم وزان إلى لجنة تحكيم سلا    قراءة في مسرحية «عيشه ومش عيشه»: «الوجود الإنساني لا يفهم إلا في ضوء تناقضاته»    تقرير: "آلية تعديل الكربون الأوروبية" ستؤثر على صادرات المغرب وتدفع نحو تسريع إزالة الكربون من الاقتصاد الوطني    المغرب يجدد بنيويورك تأكيد دعمه لحل الدولتين بشأن القضية الفلسطينية    أخنوش: دينامية الدعم الثابت لمغربية الصحراء تفرض إنهاء هذا النزاع المفتعل    6 روايات عن العائلة إلى المرحلة النهائية من جائزة "بوكر"    مؤسسة الدوحة للأفلام تسلط الضوء على الأصوات الفلسطينية في مهرجان الدوحة السينمائي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    توقيف حركة السير بعدد من المحاور الرئيسية يوم 28 شتنبر الجاري بالدار البيضاء    استئنافية طنجة تدين "البيدوفيل الألماني" وشريكه المغربي ب12 سنة سجنا نافذة        سباق الفضاء الثاني .. الولايات المتحدة تتقدم نحو القمر    منظمة الصحة العالمية: لا علاقة مؤكدة بين الباراسيتامول والتوحد            نزيف الطرق متواصل.. 33 قتيلا و3058 جريحا في أسبوع واحد    دراسة: تلوث الهواء قد يضر ببصر الأطفال    سفيرة المغرب في فرنسا سميرة سيطايل بالكوفية الفلسطينية وفي بيت سفيرة فلسطين في باريس.. بعد اعتراف الرئيس الفرنسي بدولة فلسطين            الدفاع الجديدي يعلن رسميا استقبال الرجاء بملعب الزمامرة    دراسة: غثيان الحمل الشديد يرفع خطر الإصابة بأمراض نفسية    ترامب يسخر من الأمم المتحدة: كل ما تقوم به هو صياغة رسائل شديدة اللهجة لكنها مجرد كلمات فارغة            المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة (دراسة)    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعريب الحياة العامة مقترح مكانه الطبيعي سلة المهملات
نشر في هسبريس يوم 19 - 10 - 2010

عاد مقترح قانون تعريب الإدارة والحياة العامة ليطلّ من جديد على لجنة العدل والتشريع بالبرلمان المغربي، والذي كان مقررا أن تبث فيه اللجنة المذكورة يوم 11 أكتوبر 2010، و الذي أجّل النظر فيه من جديد إلى أجل آخر، فبعد كل النقاش السياسي والفكري و اللغوي والقانوني الذي عرفه هذا الموضوع قبل عشر سنوات ثمّ قبل عامين، يبدو أن أصحابه ما زالوا لم ييأسوا من تقديمه و اقتراحه لإفساد التوافق الوطني حول ضرورة النهوض باللغات الوطنية و خاصة منها الأمازيغية التي عانت على مدى 45 سنة من الإستقلال من كل أنواع الإقصاء والتهميش والسلوكات العنصرية. نصّ المقترح يعود إلى سنة 1998، وقد أعاد أصحابه اقتراحه عن عمد محتفظين بنفس الصيغة القديمة دون الأخذ بعين الإعتبار لأي من التطورات التي عرفها المغرب ما بعد حكم الملك الحسن الثاني، حيث لا تتحدث الوثيقة المقترحة إلا عن لغتين بالمغرب لغة رسمية هي العربية ينبغي التمكين لها وحدها في الإدارة والفضاء العام وبحرفها الآرامي وحده أيضا دون غيره، ولغة أجنبية ينبغي ملاحقتها والتشطيب عليها من كل مكان، ولهذا يقترح أصحاب المشروع الحكم بالغرامة ما بين 1000 و10000 درهم على كل من استعمل لغة غير العربية أو حرفا غير الحرف العربي في "الإعلانات والملصقات التي تضعها المرافق والمؤسسات العمومية وشبه العمومية والجمعيات والشركات والمحلات التجارية أو الصناعية أو المهنية أو الخاصّة" ويدعو المقترح إلى مضاعفة هذه الغرامة في حالة العود.
وطبعا خوفا من حرمان أنفسهم وأبنائهم من مالكي الشركات ومن المتعاملين مع الأجانب من حقهم في استعمال اللغة الأجنبية الفرنسية دعوا من باب الإحتياط إلى ما يلي:" يمكن السماح بكتابة ذلك عند الحاجة بلغة أجنبية إلى جانب اللغة العربية، بشرط أن تكون الكتابة باللغة العربية أكبر حجما و أبرز مكانا" وهو ما يعني في النهاية الحفاظ على الإزدواجية الخالدة، مع ترسيخ المنع الكلي لاستعمال اللغة الأمازيغية وحرفها تيفيناغ في الإدارة واللافتات وواجهات المحلات والشركات والمؤسسات والفضاء العام عموما، لأن القانون المذكور لا يعترف بوجود لغة أخرى لدى المغاربة غير العربية الكلاسيكية.
أصحاب المشروع لا يبدو لديهم أي تعاطف مع اللغة الوطنية الأمازيغية العريقة، اللغة الأصلية لسكان المغرب منذ آلاف السنين، قبل مجيء العربية من المشرق بقرون طويلة، اللغة التي صمدت كل هذا التاريخ بعد أن انقرضت معظم اللغات التي شاركتها الفضاء المتوسطي والعالم القديم، انقرضت الفرعونية والسريانية والفينيقية والبابلية والبونيقية واللاتينية و الكنعانية وغيرها كثير، وبقيت الأمازيغية شاهدة على تاريخ عريق، هذا الإرث الثمين المشترك لجميع المغاربة لا يبدو أنه يهم أصحاب التعريب المطلق للحياة العامة، فما يشغلهم أكثر هو الإنتقام لأحقاد قديمة، دون أن ينتبهوا إلى أنهم منغمسون حتى العنق في تناقضات مثيرة للسخرية، فهم حريصون على إيجاد مقاعد لأبنائهم لدى البعثة الفرنسية حتى يتقنوا لغة موليير ويتمكنوا عبرها من الإستئثار بمناصب النفوذ والثروة، دون أن يتوقفوا رغم ذلك عن المناداة بالتعريب الشامل في بلد يعرف الجميع أنه متعدد اللغات و الثقافات.
من جهة أخرى لا يبدو أن أصحاب المشروع الأخرق يتذكرون وجود قرار للدولة المغربية يخصّ الأمازيغية منذ سنة 2001، فلطالما استعملوا ظهير 16 ماي 1930 الذي أطلقوا عليه من باب التحريف والتغليط الإيديولوجي "الظهير البربري" من أجل حرماننا من حقوقنا اللغوية والثقافية الأمازيغية، حيث جعلوا من مطالب الأمازيغية في التعليم والإعلام والدستور امتدادا للظهير الإستعماري القديم، مستغلين انعدام أية مرجعية قانونية أو سياسية للأمازيغية في دولة ما بعد الحماية، وهكذا أصبحت اللغة الأكثر عراقة للمغاربة مجرد مؤامرة أجنبية، وأصبح التعريب المطلق مطلبا وطنيا.
لكن اليوم أصبح للأمازيغية ظهيرها الوطني أيضا، وهو الظهير الذي نسخ ظهير 1930 وكل ترسانته الإيديولوجية المهترئة التي تشكلت من حوله وارتبطت بذكره، وأعطى الأمازيغية مكانتها كأحد أسس الشرعية السياسية بالمغرب، وهو ظهير 17 أكتوبر 2001، و الذي يعتبر الأمازيغية "مسؤولية وطنية" ويرى " ضرورة إعطاء دفعة جديدة لثقافتنا الأمازيغية باعتبارها ثروة وطنية تشكل مصدر فخر واعتزاز لجميع المغاربة".
كل هذا يجعل مقترح قانون تعريب الحياة العامة المطروح على أنظار لجنة العدل والتشريع بالبرلمان فارغا من أي محتوى جدّي، ومدعاة لإثارة الصراع والضغائن والفتن، لأنّ نتيجته الحتمية هي تكريس عنصرية لغوية صارخة في الفضاء العام، حيث يعني ضمن ما يعنيه منع أزيد من 600 جمعية أمازيغية من استعمال لغتها في اللافتات و الدعوات و العلامات وداخل القاعات العمومية، و منع العديد من أرباب المقاهي والمحلات التجارية و الشركات و الفنادق التي شرعت في الكتابة بالأمازيغية في واجهاتها من فعل ذلك بحكم القانون، و كذا الأحزاب السياسية التي رأت في الكتابة بالأمازيغية في واجهاتها مظهرا يعكس التنوع الخلاق الذي عاش عليه المغرب منذ القدم، كما يعني منع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية نفسه وهو من المؤسسات العمومية، من الكتابة في المجال العام بالأمازيغية و بحرف تيفيناغ، الحرف الذي تمّ تبنيه رسميا بقرار من الدولة منذ 10 فبراير 2003 ليكون الحرف الرسمي لكتابة اللغة الأمازيغية في كل المجالات والتدريس به في التعليم، وهو الحرف الذي لقي توافقا وطنيا من طرف الأحزاب السياسية التي تمّ إعلامها بهذا الأمر من الديوان الملكي في ذلك الوقت، والتي لم يتحفظ منها على القرار إلا حزبان إثنان هما حزب الإستقلال وحزب العدالة و التنمية وهما يشكلان أقلية صغيرة في المشهد السياسي الوطني، كما يمثلان التيار المحافظ الذي لا يتمتع بوضوح الرؤية المستقبلية لأنه مشغول بالماضي أكثر من المستقبل، كما يعاني من جمود عقائدي لا يراعي التحولات المتلاحقة التي عرفها المجتمع المغربي على مدى عقود.
لقد ظل المغرب بلد التنوع و التعددية الخلاقة منذ آلاف السنين، كما أنّ جميع بلدان العالم اليوم حريصة على إظهار مكوناتها المختلفة والإنفتاح على الأجنبي في فضاءاتها العامة، مما يجعل الدعوة إلى التعريب المطلق خيارا شاذا، حيث لا يتحقق حتى في بلدان الخليج حيث "العرب الأقحاح"، فبالأحرى أن تتم الدعوة إلى ذلك في المغرب، البلد الذي لا يفصله عن أوروبا إلا 13 كلم.
قد لا تسعف الروح الوطنية والرياضية أصحاب الإقتراح بأن يقوموا بسحبه وتجنيب أنفسهم كل ما قد ينجم عن ذلك من حرج و صراع، وهو ما يقتضي من أعضاء اللجنة التي تتولى مناقشة هذه الوثيقة أن يرفضوا بشكل حاسم و نهائي هذا المقترح الغريب عن السياق المغربي وعن الإختيارات الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.