يَعيشُ محمد النضى منذ سنة 2008 داخلَ أسوار السجن المحلّي بمدينة سلا، بعْدَ متابعته بتهمة ارتكاب جريمة قتْل، رُغمَ أنّ المحكمةَ أمرت بإيداعه مستشفى الأمراض العقلية، كوْنُه يعاني من مرض نفسي مزمن، غيْرَ أنّ عدم توفّر الأسّرة داخل مستشفى الرازي بمدينة سلا، حالَ دون ذلك. وحسبَ مُراسَلةٍ توصّلتْ بها عائلة محمد النضي، المعتقل بالسجن المحلي بسلا، تحت رقم 46037، من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فقد توصّل المجلس بجواب من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، جوابا على الشكاية التي وضعتها عائلة السجين لدى المجلس. ويُفيد ردّ الوكيل العامّ للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط أنّ النيابة العامّة توصلت برسائل من طرف مدير السجن المحلي بسلا، مفادها أنّه سبق أن وجّه مراسلات إلى مدير مستشفى الرازي للأمراض العقلية والنفسية بسلا، حوْل السجناء المحكومين بانعدام المسؤولية، ومن بينهم السجن محمد النضي. وكانَ ردّ مدير مستشفى الرازي للأمراض العقلية والنفسية بسلا –بحسب ردّ الوكيل العامّ للملك باستئنافية الرباط على مراسلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان- أنّ إيداع السجين محمد النضي بالمستشفى المذكور مُتعذّر، بعلّة عدم توفّر أسرّة شاغرة. عدمُ توفّر أسرّة شاغرة لاستقبال السجناء المحكومين بانعدام المسؤولية في مستشفى الرازي بسلا، جعل إدارته تُدْرجُ السجين محمد النضى ضمن لائحة الانتظار الخاصّة بالمودعين قضائيا، رغم أنّ السجين يعيش وضعا مُزريا داخل السجن المحلي بسلا، بحسب ما صرح به أحد أفراد عائلته لهسبريس. وتقول المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج جوابا على مراسلة عائلة السجين، الداعية إلى تنفيذ المقرر القضائي بإيداع ابْنها في مستشفى الرازي بسلا، أنّ المندوبية وجّهت السجين المعنيّ إلى مستشفى الرازي، تنفيذا لقرار المحكمة القاضي بانعدام مسؤوليته، ولمْ يتمّ إيداعه بالمستشفى لعدم توفّر الأسرّة، وتسجيل اسمه في قائمة الانتظار. وأكّدت المندوبية العامة لإدارة السجون أنها "تسهر وبصفة منتظمة على إشعار النيابة العامة، وكذا إدارة المستشفى المذكور (مستشفى الرازي بسلا)، بأسماء السجناء الذين لم تنفّذ الأحكام الصادرة في حقهم، والتي تقضي بإيداعهم بمستشفى الأمراض العقلية قصد إيجاد حلّ لوضعية هذه الفئة من السجناء". غيْر أنّ مُراسلات المندوبية العامّة لإدارة السجون لا تجد طريقها إلى التفعيل، في ظلّ انعدام أسرّة شاغرة بمستشفى الرازي، وتُطالبُ عائلة السجين محمد النضى بالتدخّل العاجل لنقل ابنها إلى المستشفى، وقال أحد أفراد عائلته إنه "يعيش وضعا مأساويا داخل السجن"، وأضافَ أنّ القمْل ينتشر في كافة أنحاء جسده، وصارَ يأكلُ من القُمامة، في ظلّ غياب أي رعاية صحيّة. وتُوكّد الخبرات الطبيّة التي أمرتِ المحكمة بإجرائها (تتوفّر هسبريس على نسخ منها)، أنّ السجين محمد النضى أنه يعاني، قبل وأثناء ارتكاب الجريمة، من اضطرابات عقلية خطيرة مثل انفصام الشخصية مع مفهوم الخطورة، وعدم القدرة كليا على الفهم والعوز، بحسب الخبرة التي أجراها الطبيب الكولونيل محمد زكرياء بشرة. وتُضيف الخبرة الطبيّة أنّ المتهم، وفْق نتائج الخبرة، يعتبر غير مسؤول فيما يتعلق بالوقائع المنسوبة إليه، وأنّ حالته العقلية الراهنة تتطلّب رقابة طبيّة نفسية مستمرّة التي يحكمها قانون الاحتجاز القضائي؛ وتنحو الخبرة الطبيّة التي أجريت للمتهم في مستشفى الرازي في نفس الاتجاه. وتقول الخبرة التي أجراها الدكتور جلال رفيق، وهو الطبيب الرئيس بمستشفى الرازي بسلا، وطبيب اختصاصي في الأمراض النفسية، إنّ الفحص السريري الذي أجراه على محمد النضى، البالغ من العمر حوالي أربعين سنة، بيّن أنّه يعاني من مرض ذهاني مزمن من نوع انفصام الشخصية. وتضيف الخبرة الطبية أنّ المعني بالأمر كان يعاني أثناء ارتكاب الجريمة من اضطرابات ذهانية لها علاقة بظهور المرض الذي تطوّر منذ سنة 2011، والمتمثل في اضطرابات ينتج عنها تدهور كبير في القدرات العقلية للفرد، وخاصة القدرة على التمييز، والتي تجعله غير مسرول عن الأفعال المنسوبة إليه. ولَمْ تفْلح عائلة السجين محمد النضى، في إيجادِ مكان لابنها داخل مستشفى الرازي للأمراض العقلية والنفسية، رغم المُراسلات الكثيرة التي وجّهتها إلى وزارة العدل والحريات، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمندوبية العامّة لإدارة السجون، وطرْقها أبواب البرلمان وتساءل أحد أفراد العائلة "هل عدم توفّر الأسرة داخل مستشفى الرازي يعتبر تبريرا مقنعا ليموت الإنسان في السجن؟". وأضاف لمتحدّث أنّ السجين يوجد في المرتبة 13 ضمن لائحة الانتظار التي وضعتها إدارة المستشفى، الذي لا يتوفر سوى على 15 سريرا، علما أنّ المساجين الذين يُحالون على المستشفى هم من محكومي الجنايات، والذين يقضون سنوات طوالٍ داخل السجن، "وهذا معناه أنّ ابْننا سيقضي سنوات وسنوات داخل السجن قبل أن يجد سريرا شاغرا للعلاج في مستشفى الرازي"، يقول المتحدث. وتُطالبُ عائلة السجين محمد النضى الجهات المسؤولة بالتدّخّل العاجل لإيجاد سرير لابنها داخل مستشفى الرازي، خصوصا وأنّ حالته تتطوّر من سيّء إلى أسوأ داخل سجن الزاكي بسلا.