حضر اسم أسامة بنكيران، ابن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، في لائحة الانتخابات بمقاطعة الرباط-أكدال، كما حضر اسم ابنة بنكيران، سمية في المقاطعة ذاتها، ضمن الجزء الثاني من اللائحة المخصصة للنساء. بالقرب منهما، حضر اسم عاشور الداودي، ابن لحسن الداودي، القيادي داخل الحزب ذاته ووزير التعليم العالي. ليس بنكيران أو الداودي أو حزب العدالة والتنمية هي الجهة الوحيدة التي يدفع فيها القياديون بأبنائهم وأفراد عائلاتهم للمشاركة في الانتخابات الجماعية، ففي حزب الاستقلال، ليس الأمين العام للحزب، حميد شباط، هو الوحيد داخل أسرته الذي سيشارك، بل هناك نوفل شباط، ابنه البكر الذي ينافس في لائحة خاصة بمدينة تازة. كما يعرف الحزب عائلة انتخابية قويّة في سوس، هي عائلة علي قيوح التي ينتمي لها وزير الصناعة التقليدية السابق عبد الصمد قيوح، دون نسيان أن "الاستقلال" عُرف كثيرًا بآل الفاسي الفهري، الذين تبوأوا مناصب عديدة سواء داخل جماعاتهم أو على مستوى الوزارات والمؤسسات العمومية. ظاهرة العائلات الانتخابية تمتد منذ عقود في التاريخ المغربي، ولا تتوقف حدودها عند أحزاب معيّنة، بل تقريبًا تتكرّر عند كل المعسكرات الحزبية، بل وقد تتباين توجهات أفراد العائلة في اختيار الأحزاب التي يمثلونها، فإن كان عبد الواحد الراضي، أقدم رئيس جماعة بالمغرب، يحمل ألوان الاتحاد الاشتراكي الذي توّلى سابقًا تزعمه، فإن ابن أخيه، إدريس الراضي، يمثل حزبًا يختلف إيديولوجيًا عن الوردة هو حزب الاتحاد الدستوري، وهو الحزب ذاته الذي يمثله ابنه، ياسين الراضي، الذي وُصف عام 2011 ب"أصغر النواب سنًا داخل مجلس المستشارين". تمتد العائلات الانتخابية إلى أحزب أخرى، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري هو شقيق فؤاد العماري، عمدة مدينة طنجة. حزب التجمع الوطني للأحرار يشهد عائلة معروفة بأولاد تايمة، هي عائلة بوهدود بودلال، عمدة المدينة، إذ توجد ابنته أمينة بودلال على رأس جماعة الكفيفات، وللعائلة نفسها ينتمي مامون بوهدود، الوزير الصامت في الحكومة، دون إغفال العائلات الكثيرة المعروفة في الصحراء منها عائلة "آل الرشيد" التي تضم حمدي ولد الرشيد، عمدة مدينة العيون، المنتمي لحزب الاستقلال، فضلًا عن امتداد الظاهرة إلى رجال الأعمال، كعائلة ميلود الشعبي التي ترّشحت في أحزاب متعددة. توريث النضال، أو توريث المناصب، بين الكلمتين تظهر مساحة واسعة لما تسير عليه الانتخابات في بعض الجماعات المغربية، فإن كانت ظاهرة انخراط الأبناء في الأحزاب المناضلة الباحثة أوّلًا وأخيرًا عن مصلحة البلاد والمواطنين تبقى صحية بما أننا نتحدث عن عائلات تتقاسم همّ النضال والرّقي بالوطن ولا ترى في التزام الأب مثلًا مجرّد خيار شخصي، فإنه في المقابل، تظهر الظاهرة بعيدة عن النضال عند بعض العائلات التي تنتمي لأحزاب إدارية أو أخرى حادت عن مسارها، فأضحى الوالد يورّث المنصب لأبنائه طمعًا في تقاسم ما يأتي من كعكة السياسة. يشير أمين السعيد، باحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، إلى أن ظاهرة انتشار العائلات في الوسط السياسي المغربي تعود إلى الانتخابات الجماعية لعام 1963، عندما استعانت الدولة بعائلات الأعيان لأجل تثبيت نفوذ الأحزاب التي خلقتها، ومن ذلك أبناء الباشوات والقياد الذين كان يراهم المخزن خير سند له لمنافسة الأحزاب الوطنية، بيدَ أن الظاهرة انتقلت بعد ذلك إلى الأحزاب الوطنية بدورها، إذ رأت في العائلات الانتخابية عاملًا مساعدًا على تغطية المساحة الانتخابية وعلى تعزيز حضورها في المشهد المجتمعي. ويضيف السعيد في تصريحات لهسبريس أن الصراع بين الأحزاب السياسية كثيرًا ما تحوّل من التدافع حول برامج حزبية إلى "استقطاب عائلات انتخابية اشتهرت بقدرتها على التأثير في الرأي العام المحلّي، وهو ما أثر سلبيًا على العملية السياسية، ومنها اللائحة الوطنية للمرأة والشباب التي عجّت بأسماء مقرّبة من قياديين داخل الأحزاب، وساهم في إبعاد المواطنين عن المشاركة، لا سيما عندما يتأكدون أن المرّشح لا يتوّفر على أيّ كفاءة ولا قدرة له على تحمّل المسؤولية". بيدَ أن هذا الانتشار الكثيف للعائلات الانتخابية ليس أمرًا منبوذًا بشكل عام ، يشير السعيد، فعلى المستوى العالمي توجد أسر داخل الأحزاب نفسها في جلّ بلدان العالم، وأحيانًا يتوّفر أبناء زعماء الأحزاب على تجربة أكبر من غيرهم، لذلك يجب أن تكون "الكفاءة والمسؤولية واحترام الديمقراطية الداخلية" هي المعايير لاختيار مرّشحين عن الحزب سواء أكانوا ينتمون إلى عائلات القادة أو العكس، لأن "حرمان أبناء العائلات الانتخابية من الترّشح يمنع تكافؤ الحظوظ والمساواة في الحقوق، وهنا يتوقف الرهان على الأحزاب السياسية كي تختار الأفضل لتحمل مسؤوليات تدبير الشأن المحلي والعام".