محمد إنفي لقد أوحى لنا بهذا العنوان ما راج، بشكل واسع، في الجزائر عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهو كله مليء بالحقد والضغينة وعبارات التشفي والشماتة في المغاربة إثر فاجعة مدينة آسفي. وليس هذا فقط؛ فقد رفعوا من متمنياتهم الخبيثة ورددوا أدعية بالسوء والشر على المغرب والمغاربة، ويدعون الإسلام. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على طبيعة التنشئة الاجتماعية الفاسدة في جارتنا الشرقية؛ كما يدل على نوع التربية التي لقنها النظام الجزائري بواجهتيه المدنية والعسكرية، إلى الأجيال المتعاقبة منذ 1962 إلى نهاية 2025. وكنا نود أن نقف عند هذا الموضوع لتبيان الفرق الشاسع في التنشئة الاجتماعية والتربوية والأخلاقية بين المغرب والجزائر. لكن احتضان بلادنا لبطولة كأس أمم إفريقيا لكرة القدم من 21 دجنبر 2025 إلى 18 يناير 2026، أبرز لنا وجها آخر من هذه التنشئة، فوجدنا أنفسنا أمام مناسبة، والمناسبة شرط، كما يقول الفقهاء، تحتم علينا تأجيل الحديث عن "أخلاق" التشفي والشماتة إلى وقت لاحق والاهتمام بالآني أو المستجد الحالي بمناسبة النسخة الخامسة والثلاثين لبطولة أمم إفريقيا لكرة القدم.. والمقصود، هنا، ليست البطولة في حد ذاتها بل سلوك البلد المنظم (المغرب) والبعثات الرياضية الأربع والعشرين التي حلت بترابه. ومن المعروف عن المغرب أنه بلد مضياف وبلد حضارة؛ والمغاربة معروفون بالكرم وحسن الضيافة والترحاب. وتجسيدا لهذا العرف وهذه التقاليد الجميلة، أعدت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، وبدون شك بتنسيق مع السلطات المحلية، برنامجا خاصا باستقبال البعثات الأفريقية في مطارات المدن الست التي ستجري فيها المباريات الإقصائية بين فرق المجموعات الست. وأول شيء يسترعي الانتباه، هو جودة وفخامة وسائل النقل الموضوعة رهن إشارة البعثات الرياضية؛ ونفس الشيء بالنسبة لظروف الإقامة، حيث خُصص لكل بعثة فندق من الطراز العالي. أما عن جودة الملاعب، فحدث ولا حرج. ومن الملاحظ أن كل البعثات، إلا بعثة واحدة، قد انبهرت بالاستقبال الرائع الذي خُصص لكل واحدة منها. والكل كان مسرورا وألسنتهم تلهج بالشكر والثناء على حسن الاستقبال وعلى كرم الضيافة وعلى التنظيم الجيد وروعة الجلسة الافتتاحية، إلا بعثة الجزائر، برئاسة السيد وليد صادي وزير الرياضة، رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، فقد ظلت وفية لأخلاق الزريبة وملتزمة بتوجهات النظام العسكري، القاضية بإظهار الغل والحقد والعداء تجاه كل ما هو مغربي. وهكذا، نجح النظام البغيض في جعل جزء كبير من مكونات الشعب الجزائري، مريضا بعقدة المغرب. وصدق من وصف الجزائر بالمارستان. وقد بدأت حكاية البعثة الجزائرية في الحافلة الخاصة بها (ونحن على يقين بأن مثل هذه الحافلة لن تحلم بها بلاد الزريبة)، لما صعد إليها السائق وحياهم بتحية الإسلام، فلم يردها عليه أحد لا بأحسن منها ولا بمثلها، كما راج في مقاطع فيديو في اليوتيوب وفي شبكات التواصل الاجتماعي. ولما وصلوا إلى الفندق (وهو مصنف خمس نجوم) بمدينة الأنوار، الرباط، عاصمة المملكة المغربية، القريب من ملعب مولاي الحسن المخصص لمباريات الفريق الجزائري، تجاهل أعضاء الوفد حفل الاستقبال المنظم على شرفهم، فأبانوا بأنهم بدون شرف وبدون أخلاق. بعد ذلك، خرج شخص اسمه كمال مهوي المعروف بعدائه للمغرب ككل أبواق النظام وأتباعه، لينقل الأجواء إلى القناة التي يشتغل فيها (ولعلها النهار أو الشروق)، فقدم صورة مغايرة تماما للواقع، حيث وصف الفندق المصنف خمس نجوم بالعادي ووصف محيطه والبنيات التحتية في العاصمة بالعادية كذلك، ونفس الشيء بالنسبة للملاعب، واعتبر البطولة نفسها عادية كالتي نظمت سابقا في دول إفريقية أخرى. وقد أضاف الجمهور الجزائري لمسة خاصة على "التميز" أو الاستثناء الذي انفردت به البعثة الجزائرية، حيث ساهم في هذا التميز البليد وليد صادي لما رمى التذاكر على الجمهور أمام الفندق، فوقع التدافع على التذاكر وحصلت فوضى كبيرة. وهذه الواقعة تكذب كل ما قيل عن نفاذ التذاكر؛ ويبدو أن الاتحادية الجزائرية هي التي سحبت التذاكر ودفعت بأبواق الإعلام الرياضي وغير الرياضي لاتهام المغرب بحرمان الجمهور الجزائري من تشجيع فريقه. ودخول الجمهور إلى الملعب لم يحترم مطلقا المنظمين وأحدث فوضى كبيرة لم تحدث في أي ملعب آخر. لقد قفز العديد منهم كالقردة على السياج الموضوع في جنبات المدخل إلى الملعب. خلاصة القول، لقد شكلت الجزائر، ببعثتها الرياضية وجمهورها، نقطة سوداء في البطولة الأفريقية بشهادة حتى بعض الجزائريين أنفيهم والذين غاظهم ما وقع. لكن هذا السواد مجرد نقطة في بحر أمام إشادة رئيس الفيفا ورئيس الكاف وإشادة صحف عالمية بالجلسة الافتتاحية والتنظيم الجيد والبنيات الرياضية الفخمة والأمن وغير ذلك من الإيجابيات التي أحرقت دم الجزائريين الحاقدين عن المغرب، وفتحت أعين جزائريين آخرين كانوا ضحايا دعاية النظام العسكري وذبابه الإليكتروني وإعلام "الزيكو" (إعلام المجاري) . مكناس في 28 دجنبر 2025