وضعت الصناديق الزجاجية الشفافة أخيراً أثقالها، من أوراق التصويت، في أول انتخابات بلدية وجهوية في المغرب، تحت مظلة دستور 2011، والذي أتى في سياق رياح الربيع المغربي الناعم، ومن لافتات إسقاط الدستور القديم والحكومة والاستبداد والبرلمان. وفي هذه المرة، تواصل الانتخابات في تقديم الجديد، بالرغم من نظام انتخابي دقيق، ولا يسمح لأي حزب سياسي بالاكتساح، إلا أن الناخبين هذه المرة شمروا على سواعد المشاركة، وهذا ما عكسته الآراء التي يعج بها موقع التواصل الاجتماعي الأزرق اللون، والواسع الانتشار والتأثير مغربيا. وجديد انتخابات الجمعة الرابع من شتنبر، حصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي، على أكثر عدد من الأصوات من الناخبين المغاربة، وفي تقديري هذا رقم قياسي وتاريخي، في الانتخابات المحلية، بمليون و800 ألف صوت، وسط دعوات بارزة في مواقع التواصل الاجتماعي من المقاطعين سواء من المنتمين حزبيا أو إيديولوجيا أو من المواطنين الغاضبين. فحزب العدالة والتنمية الإسلامي، نجح في إقناع المغاربة بالتصويت لصالحه، وسط حكومة يرأسها تتخذ قرارات تضيق على المواطنين، وفي ظل معارضة تستهدف رئيس الحكومة، وتتناسى معارضة المشاريع والمخططات والقرارات الحكومية، أو على الأقل هكذا يعتقد كثير من المغاربة. والرابح الثاني انتخابيا محليا في المغرب، حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، الذي بقي أولا في عدد المقاعد التي حصل عليها، كما في محليات 2009، ما يعني أن ماكينته الانتخابية لا تزال محافظة على رشاقتها، ولها مناصرين بين المغاربة. ومن وجهة نظري، أعطت هذه الانتخابات "ثنائية حزبية جديدة"، ستتقوى أكثر خلال الأعوام المقبلة، حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، في مواجهة "خصم سياسي" هو حزب العدالة والتنمية الإسلامي، ما سيخلق "تقاطبا ثنائيا" يدور في فلك هذين الحزبين، إلا من اختار أن يظل بعيدا عن منطق هذه اللعبة السياسية. ومرة أخرى، يسجل المغرب هدفا في شباك العزوف الانتخابي، فمن قرابة 15 مليون مغربي، مسجلين في اللوائح الانتخابية، صوت أكثر من 53٪، بالرغم من استمرار حزب الأوراق اللاغية، التي يرتكب فيها الناخب خطأ، أو يوقع الناخب على موقف سياسي بجملة أو بكلمة، أو بالتشطيب على كل رموز الأحزاب السياسية. ومن قراءتي، ووسط الانهماك الكلي للأحزاب السياسية المغربية، في خياطة التحالفات لتكوين مجالس الجماعات القروية، ومجالس المدن، ومن سيكون العمدة، ووسط ترقب لنتائج جيل جديد من الجهوية المغربية، كنظام لتقطيع المغرب إداريا إلى 12 إقليماً، فإن الرأي العام المغربي ينتظر جيلا جديدا من المتخبين القادرين على هندسة مشاريع تطور المدن، وتقلل من عزلة القرى، وترفع النفايات عن المدن الكبرى، وتمكن المواطنين من أحياء قابلة للعيش، تقل فيها الجريمة، وتكثر فيها خضرة الأشجار، وتقل فيها غابات المربعات الإسمنتية؛ لم يعد المغرب يتحمل جيلا جديدا من الباحثين النهمين، عن الاغتناء الفاحش، عبر النجاح في صناديق الانتخابات. وتتحمل الأحزاب السياسية المغربية، مسؤوليتها كاملة، حيال الناخبين، إلا إذا قررت أن تدفن رأسها في الرمال كالنعامات، فالمغاربة لا يملكون إلا سلاحا انتقاميا واحدا؛ إما تصويت عقابي ومستمر، كما يحدث مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليساري، ومع حزب الاتحاد الدستوري اليميني، أو انتصارا لحزب الورقة اللاغية انتخابيا، أو التصويت خارج الصنايق، برفض المشاركة في صندوق يمثل رمز الديمقراطية الأساسي عبر العالم. ومرة أخرى، تصر الرباط على تقديم "صورة إيجابية" أمام العالم، على إصرارها على احترام إرداة الناخبين، وبالرغم من استمرار ممارسات انتخابية سلبية، تحتاج إلى تلاقي كل الإرادات، بما فيها المواطن، للقضاء نهائيا على كل ما يدخل في خانة "لفساد الانتخابي"، فلا تزال كل الأحزاب في حاجة إلى "تراكم زمني" لتقديم نخب انتخابية جديرة بصوت المواطنين، قادرة على الجلوس في قاعة التحكم في المدينة أو القرية، لإنتاج التغيير وليس ملأ الكراسي. أعتقد أن الانتخابات المحلية لها أهمية كبرى، في المغرب الراهن، لأنها تنتج إما فاسدين يمصون دماء المدينة والوطن والمواطن، ويتحولون إلى أثرياء بفضل الانتخابات أو يتحصن ثراءهم وينمو، أو الأمل الذي فتحه المغاربة جماعة، في اليوم الرابع من الشهر التاسع في السنة الجارية، بالبحث عن التغيير وسط وجوه جديدة، لها حلم قابل للتحقق، لمدن ولقرى جديرة بالمغاربة، لأن مدنا مغربية كثيرة هي مجرد إشاعات أو قرى كبيرة تفتقد القيم الحديثة للتمدن. ففي مغرب اليوم، يبدأ التغيير من المحلي والجهوي، لأن زمن الرباط أولا، أصبح من الماضي.