برقية تعزية ومواساة من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان التشكيلي عفيف بناني    إدارة الدفاع: المنصات التي تعرضت للاختراق السيبراني هي تلك التي لم تخضع مسبقاً للافتحاص الأمني    نشرة خاصة.. موجة حر تصل إلى 48 درجة تضرب عدة مناطق بالمغرب ابتداء من الأحد    "إعلان طنجة" يحث على تسريع التحول للاقتصاد الأخضر وتحقيق الحياد الكربوني في المدن الأفريقية    تحالف أسطول الحرية: مسيرات تحلق فوق سفينة "حنظلة"    "كان" السيدات: المنتخب المغربي يواجه نيجيريا بحثا عن لقبه الأول في المنافسة    "كان السيدات" المنتخب المغربي يواجه نيجيريا بهدف التتويج بأول لقب قاري وتحقيق الإنجاز التاريخي    الدرهم يرتفع بنسبة 0,6 في المائة مقابل الدولار خلال الفترة من 17 إلى 23 يوليوز الجاري    بين تراجع المتعثر وارتفاع المعدوم.. البنوك المغربية تعدّل استراتيجيتها لتقليص المخاطر    تفوق على معايير الفيفا .. مسؤول بالكاف ينبهر بتطور ملعب طنجة الكبير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    وفاة الفنان زياد الرحباني نجل السيدة فيروز عن عمر يناهز 69 عامًا    أخنوش: تعميم تغطية التراب الوطني بشبكات الاتصالات حاجة ملحة لا تقبل التأجيل أو الانتظار    كيوسك السبت | افتتاح مكتب "الفيفا" بالرباط وسط أجواء نهائي كأس إفريقيا للسيدات    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير ضواحي بركان            وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني عن عمر 69 عاما        تخصيص 150 مليون درهم لإنشاء أكبر محطة طرقية للحافلات جنوب المغرب    الأخوان الشبلي يرفضان زيارة ممثلين عن مجلس حقوق الإنسان بالسجن ويتهمانه بالتواطؤ    رصد أصغر نوع من الأفاعي في العالم من جديد في بربادوس    استوديو إباحي داخل شقة بالمغرب... والمقاطع تُباع لمواقع عالمية    لقجع: تحديد ملاعب مونديال 2030 يخضع للتفاوض بين "الفيفا" والدول الثلاث    صور مزيفة بالذكاء الاصطناعي تجمع ترامب وإبستين تحصد ملايين المشاهدات    مقتل 8 أشخاص في هجوم بإيران    ""التوحيد والإصلاح" تستنكر قرار ضم الضفة الغربية وغور الأردن وتعتبره جريمة سياسية وأخلاقية    صحة: اكتشاف "نظام عصبي" يربط الصحة النفسية بميكروبات الأمعاء لدى الإنسان    تركيا.. حرائق الغابات تهدد المدينة الأثرية "بيرغي" جنوب البلاد    إيقاف ميسي وألبا لعدم مشاركتهما في مباراة كل النجوم (رابطة الدوري الأميركي)    بنك المغرب.. الودائع البنكية تبلغ 1275 مليار درهم في 2024    أخنوش: تعميم تغطية التراب الوطني بشبكات المواصلات حاجة ملحة لا تقبل التأجيل أو الانتظار    عصيد: النخبة المثقفة تركت الساحة فارغة أمام "المؤثرين وصناع المحتوى"    التجمع الوطني للأحرار يشيد بالحكومة ويجدد دعمه للوحدة الترابية ويدين العدوان على غزة    سجلماسة: مدينة وسيطية بتافيلالت تكشف عن 10 قرون من التاريخ    الكلية المتعددة التخصصات بالعرائش على مزاعم بيع النقط وتسجيلات مسلك الماستر    أخنوش: تعميم التغطية بشبكات المواصلات حاجة ملحة ولا تقبل التأجيل أو الانتظار    الملك يعزي أسرة الفنان الراحل عفيف بناني    غانا تخطف برونزية كأس إفريقيا للسيدات    للجمعة ال86… المغاربة يهبون لمساندة غزة ضد سياسة التجويع والإبادة    غزة تموت جوعا.. وفاة 9 فلسطينيين بسوء التغذية خلال 24 ساعة    ولد الرشيد يلتقي رئيس الجمعية الفيتنامية    تقرير رسمي يفضح أرباح شركات المحروقات في المغرب    العقوبات البديلة بالمغرب .. إرادة واعية تنشد عدالة إصلاحية    بعوض النمر ينتشر في مليلية ومخاوف من تسلله إلى الناظور    بلال ولد الشيخ: اللعب في بلدي كان حلما.. وسعيد بالانضمام لعائلة الرجاء        زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب جنوب المحيط الهادئ    2298 شكاية من زبناء مؤسسات الائتمان خلال سنة 2024    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    قمر اصطناعي إيراني للاتصال يصل إلى الفضاء    المشي 7000 خطوة يوميا مفيد جدا صحيا بحسب دراسة    ما المعروف بخصوص "إبهام الهاتف الجوال"؟        الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سور المعكازين .. "ساحَة فَارُو" التي يمّمت وجهها إلى الشارع
نشر في هسبريس يوم 10 - 11 - 2015

"لم يعد أحد ينظر إلى البحر"، يقول أحد الجالسين على سور المعكازين، ثم يستدير من جديد نحو البحر ويواصل: "هذا الأفق هو الذي كان يجلب الناس قديما.. الآن يهتمّون ببعضهم البعض أكثر من الطبيعة وهذه الزّرقة الرائعة".
يصطفّ عددٌ كبيرٌ من الجالسين على السور وهم يولون ظهرهم للبحر، غير مبالين بمشهد طبيعي خلفهم حبسَ أنفاسَ كثيرين مرّوا من هنا.
ليس من السهل أن تجد مكانا في سور "الكسالى" مساءً، إذ يمتلئ عن آخره بالزوار الراغبين في أخذ قسط من الراحة، أو ممن يقصدونه لعينِهِ من أجل الجلوس ومراقبة العابرين، وما أكثرهم في "بوليبار" طنجة، أو أيّ غايةٍ أخرى.
"دكّة" المعكازين
الحقيقة أن معلمة سور المعكازين في طنجة ليست سورا بالمعنى الحقيقي للكلمة.. فهي "دكّة" من الإسمنت مخصصة للجلوس يبلغ طولها عشرات الأمتار وارتفاعها بين 50 و70 سنتمترا، وقد تغير شكلها أكثر من مرّة على مدار تاريخ المعلمة التي بدأ تدشينها سنة 1911، وهي عبارة عن ساحة، دكّة، وحديقة.
لكنها، بعناصرها الثلاثة هذه، أصبحت تعرف عموما ب"سور المعكازين"، علما أن الاسم الرسمي لها هو "ساحة فارو"، والذي كان قد أطلق عليها في إحدى مناسبات الاحتفال بتوأمة مدينة طنجة وجزر فارو البرتغالية، التي عقدت سنة 1954.
يقول المؤرخ بن عبد الصادق الريفي: "إن سور المعكازين الحقيقي الأول هو الذي في الباحة الخلفية لفندق المنزه، والذي بني سنة 1928، وقد كان وصف "المعكاز" يطلق على المرشدين السياحيين الذين كانوا يقضون معظم وقتهم هناك، ينتظرون وصول بواخر السياح من جهة، وخروج زبائن فندق المنزه من جهة ثانية، فكان أن أطلق عليهم هذا الوصف.
وبعد التغير المعماري الكامل الذي عرفته المنطقة وقع ما يشبه الإزاحة للتسمية لتنتقل صعوداً نحو الهضبة التي تعلو الفندق، والتي تعرف حاليا بسور المعكازين".
هذا القول تعارضه أقوال مؤرّخين آخرين ترى أن أصل التسمية مرتبط بكون الهضبة كانت نقطة راحة وتجمع للقوافل القادمة من طريق فاس، محملة بالسلع من مختلف مناطق المغرب وبلاد السودان، قبل الذهاب إلى "السوق د برّا" من أجل البيع والشراء، إذ أعطت السلطات المخزنية سنة 1908 أوامرها ببناء سور لخدمة هؤلاء التجار، فكان تشييد سور قصير من طرف مقاول إسباني يدعى "بينيا"، فأطلق سكان طنجة تسمية "المعكازين" على من كانوا يجلسون هناك لأخذ قسط من الراحة.
زرابي وصور وأحلام
يقول المؤرخ بن عبد الصادق: "في الخمسينيات من القرن الماضي، كان سور المعكازين سوقا لبيع الزربية الطنجاوية، حسبما تظهر ذلك صور نشرت في مجلة "لايف"، وفي كتاب "بورتريه أوف طنجير" لروم لاندو سنة 1952".
وقبل انتشار ثورة آلات التصوير الرقمية والهواتف الذكية، كان سور المعكازين بمثابة مكان ممتاز لمُمْتهني التّصوير، الذين كانوا يلتقطون الصور التذكارية للزوار، وكم من أسرة كان مصدر عيشها هو هذا النشاط قبل أن تقضي الثورة الرقمية على كل هذا، ولا تبقي منه سوى بضع مُصوّرين يأتون من حين إلى آخر على مضض، في انتظار زبون قد لا يأتي.
ويُعرف سور المعكازين بأنه أفضل مكان يمكن من خلاله مشاهدة الجارة الإسبانية بوضوح، وكم من حالم بالهجرة كانت هذه الإطلالة هي دافعه، إذ تبدو القارّة العجوز في الأيام المشمسة واضحة بتفاصيلها، وكأنها على مرمى حجر.
الأحلام الأخرى التي تحملها الساحة هي أحلام عرسان طنجة الجُدد، الذين يأتي الكثيرون منهم لالتقاط صور تذكارية في الساحة، تخلّد لليلة العمر.
ووضعُ تلسكوب بالساحة يُمكّن الزوار من مشاهدة الجارة الإسبانية بتفاصيلها، وكأنها على بعد أمتار، مقابل دُريهمات معدودة، ما زاد ربّما من تغذية الحلم الأوروبي لدى البعض.
تغييرات .. وطرائف
عرف سور المعكازين عددا من التغييرات على مرّ تاريخه، وأعيدت تهيئته في عهد عدد من المجالس المنتخبة بطنجة، كان آخرها منذ بضع سنوات، إذ طالت التغييرات حديقة السور، وكذا مكان الجلوس الذي بقي إلى حدّ الآن غير مكتمل التجهيز، إضافة إلى المدافع الأثرية التي يشتهر بها سور المعكازين، والتي كانت قد تمت إدارتها لتواجه فوّهاتها جهة الجنوب، بعد أن كانت موجهة نحو البحر. هذا التغيير لم يدم طويلا، إذ تمت إعادة المدافع إلى وضعها الأصلي الذي ميّزها منذ سنين، بعد أن استنكر عدد من ساكنة طنجة الوضع الجديد الذي بدا مُنفرا.
وبخصوص هذه المدافع، يتداول الناس في طنجة قصّة طريفة - قد تكون صادقة وقد لا تكون - حين باع أحد "كسالى" سور المعكازين أحد هذه المدافع لسائح ساذج.
وتقول الحكاية إن سائحا وجد أحد المتسكعين متكئا على أحد المدافع الأثرية الموجودة بالساحة، فاعتقد أنه يبيعها، وعندما سأله عن السعر لم يتردد الآخر في تحديد سعر كبير، يبدو أنه ناسب المشتري فأدى الثمن لذلك المحتال الذي انطلق لا يلوي على شيء.
وانكشف الأمر عندما جاء السائح بشاحنة كبيرة ناويا نقل المدافع، ليفاجأ بالسلطات تمنعه وتسأله عن الحماقة التي ينوي ارتكابها، قبل أن تتضح الحقيقة وتصبح الحكاية أشهر من نار على علم.
ولازالت هذه المدافع إلى حدّ الآن عامل جذب لا بأس به لالتقاط الصور بجانبها أو فوقها من طرف الزائرين والسياح، نظرا لقيمتها الأثرية الواضحة، وشكلها المميز.
خُذني إلى "المعكازين"
تغيّرت أشياء كثيرة في سور المعكازين.. فمن الورود التي تملأ الساحة إلى رخام صلب لا جمالية فيه.. ومن مكان يضم مراحيض عمومية إلى حديقة عبارة عن مرحاض كبير للسّكارى والمشرّدين، رغم الاعتناء اليومي بها.
لكن المهمّ من كل هذا أن المعلمة لازالت تحمل الاسم نفسه. وإنك مهما تُهت في مدينة طنجة يمكنك في آخر المطاف أن تستقلّ سيارة أجرة وتطلب إعادتك إلى مركز المدينة.. إلى الأصل.. إلى "سور المعكازين" ببساطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.