الركراكي يرفع إيقاع "أسود الأطلس"    مؤتمر نصرة القدس و"معا للقدس": أية قوة يتم إرسالها لغزة يجب تحديد ولايتها بواسطة مجلس الأمن بالتشاور مع الشعب الفلسطيني    دعم المقاولات الصغرى بالمغرب .. "الباطرونا" تواكب والأبناك تقدم التمويل    47735 شكاية وصلت مجلس السلطة القضائية والأخير: دليل على اتساع الوعي بالحقوق    مقترح عفو عام عن معتقلي حراك "جيل Z"    الحموشي يتقلَّد أرفع وسام أمني للشخصيات الأجنبية بإسبانيا    "لارام" تدشن أول رحلة مباشرة بين الدار البيضاء والسمارة    اتفاق مغربي سعودي لتطوير "المدينة المتوسطية" بطنجة باستثمار يفوق 250 مليون درهم    تحيين مقترح الحكم الذاتي: ضرورة استراتيجية في ضوء المتغيرات الدستورية والسياسية    انتخابات العراق: ما الذي ينتظره العراقيون من مجلس النواب الجديد؟    هجوم انتحاري خارج محكمة في إسلام آباد يودي بحياة 12 شخصاً ويصيب 27 آخرين    ماكرون يؤكد رفض الضم والاستيطان وعباس يتعهد بإصلاحات وانتخابات قريبة    الوالي التازي: المشاريع يجب أن تكون ذات أثر حقيقي وليست جبرا للخواطر    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب وإيران في نهائي "الفوتسال"    مونديال أقل من 17 سنة.. المغرب يتعرف على منافسه في الدور المقبل    شراكة بين "اليونسكو" ومؤسسة "المغرب 2030" لتعزيز دور الرياضة في التربية والإدماج الاجتماعي    الرصاص يلعلع بأولاد تايمة ويرسل شخصا إلى المستعجلات    مديرية الأرصاد الجوية: أمطار وثلوج ورياح قوية بهذه المناطق المغربية    الرشيدي: إدماج 5 آلاف طفل في وضعية إعاقة في المدارس العمومية خلال 2025    إطلاق طلب عروض دولي لإعداد مخطط تهيئة جديد في 17 جماعة ترابية بساحل إقليم تطوان وعمالة المضيق-الفنيدق    بنسعيد في جبة المدافع: أنا من أقنعت أحرار بالترشح للجمع بين أستاذة ومديرة    "رقصة السالسا الجالسة": الحركة المعجزة التي تساعد في تخفيف آلام الظهر    "الفتيان" يتدربون على استرجاع اللياقة    استئنافية الحسيمة تؤيد أحكاما صادرة في حق متهمين على خلفية أحداث إمزورن    التدبير‮ ‬السياسي‮ ‬للحكم الذاتي‮ ‬و‮..‬مرتكزات تحيينه‮!‬ 2/1    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    مراكش تحتفي بعودة السينما وتفتح أبوابها للأصوات الجديدة في دورة تجمع 82 فيلما من 31 دولة    والآن سؤال الكيفية والتنفيذ .. بعد التسليم بالحكم الذاتي كحل وحيد    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترامواي وإعادة هيكلة المجال البيضاوي
نشر في هسبريس يوم 03 - 03 - 2016

عرفت الدار البيضاء توسعا عمرانيا كبيرا نتيجة ضغط مختلف أنواع الهجرات عليها، واستفحال البناء العشوائي، وعجز السلطات المحلية على التحكم في هذا التوسع العمراني.
وقد تمثلت بعض مظاهر هذا العجز في عدم توفير السلطات المحلية لشبكة نقل عصرية وحديثة لتسهيل الربط بين مختلف جهات الدار البيضاء، حيث أن وسائل النقل العمومي المتوفرة من حافلات، وطاكسيات ( صغيرة وكبيرة) لا تمكن من ضمان سيولة نقلية ناجعة تمكن من إدماج مختلف الأحياء الجديدة أو الهامشية في المنظومة الحضرية للمدينة، كما لا توفر انسيابا في تحرك السكان بين وسط المدينة وأطرافها بسبب بعد المسافة، ومحدودية القدرة الاستيعابية لوسائل النقل المتوفرة، وارتفاع ثمن النقل، وغياب أبسط شروط السلامة والراحة.
وأمام هذا الوضع ارتأى المسؤولون بمدينة الدار البيضاء وأمام صعوبة حل معضلة النقل على صعيد هذه المدينة في وقت يسير الشروع في إنجاز أول خط للترامواي بغية التقليص من مشاكل حركة السير والمساهمة في إدماج أحياء ذات كثافة سكانية كبيرة في محيطها الحضري، بالإضافة إلى المساهمة في إعادة تأهيل وسط المدينة.
- التخفيف من أزمة النقل
تبرز أهمية هذا المشروع أكثر من خلال الأرقام الخاصة بالنقل الجماعي على صعيد الدار البيضاء والتي جاءت في دراسة أنجزها مجلس جهة الدار البيضاء الكبرى أظهرت أن وسائل النقل العمومي لا تشكل سوى30 في المائة من وسائل النقل المستعملة, حيث أن حصة النقل الجماعي عبر الحافلات تراجعت من18 في المائة (1975 ) إلى13 في المائة (2004 ), مقابل ارتفاع نسبة الاعتماد على سيارات الأجرة من1 في المائة (1975 ) إلى15 في المائة (2004 ) ونسبة التنقل سيرا على الأقدام من51 في المائة إلى53 في المائة خلال الفترة نفسها.
ووصفت الدراسة شبكة النقل الجماعي بكونها تعاني من نقص عددي وضعف في الجودة علاوة على أنها تتمركز في الطرق الرئيسية وتشكل عبئا ماليا إضافيا على السكان الذين ينفقون15 مليار درهم على النقل سنويا.
كما أوضح مصدر من شركة (الدار البيضاء للنقل) وهي الجهة التي تم إحداثها مؤخرا من أجل الإشراف على إنجاز شبكة للنقل الجماعي ذي المسارات الخاصة, أن "نسبة النقل الحضري لا تتجاوز13 في المائة وأنه لابد من إجراءات استعجالية للرفع من نسبة مستعملي وسائل النقل العمومية لتضاهي المدن الكبرى, التي تصل بها هذه النسبة إلى40 في المائة".
بالإضافة إلى ذلك ، فحركة النقل بالدار البيضاء عادة ما تعرف عدة اختناقات مرورية في ساعات الذروة رغم كل الإصلاحات التي شملت توسيع بعض الشوارع الكبرى للمدينة وإعادة هيكلتها ، و فتح بعض الأنفاق كالنفق الأرضي بشارع الزرقطوني، والنفق الأرضي بشارع إبراهيم الروداني ... مما يشل حركة السير ويفاقم من حدة التلوث بمدينة صناعية وخدماتية بحجم العاصمة الاقتصادية.
ولعل هذا الوضع المتفاقم والتي عكسته هذه الأرقام هي التي حثت المسؤولين بالبدء بإحداث خط ترامواي أول بكلفة تصل إلى4 ,6 مليار درهم في إطار شبكة للنقل المكثف بكلفة إجمالية تصل إلى45 مليار درهم, تشمل خمس خطوط ترامواي ، حيث يطمح هذا المشروع, الذي ستساهم الدولة في تمويله (2 ر1 مليار درهم) والمديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية (5 ,1 مليار درهم), ومجلس المدينة وشركاء آخرين (900 مليون درهم) إلى الرفع من حصة النقل العمومي بالمدينة لتنتقل من13 في المائة إلى21 في المائة . فإنجاز هذا المشروع يساهم بلا شك في التخفيف من أزمة النقل في المدينة التي تنعكس من رداءة وسائل النقل العمومي وتهالك جل الأسطول المتحرك من الحافلات وسيارات الأجرة الصغيرة وسيارات الأجرة (شبه الكبيرة )، وبطء حركة السير، وغياب شروط التنقل المريح واللائق ، والتلوث …فالقدرة الاستيعابية لمقطورات الترامواي ، وسرعة تحركها ، وتوفرها على مختلف شروط التنقل المريح و الكريم وغير الملوث ، سيساهم بلا شك في التخفيف من أزمة النقل من خلال ربطه بين مختلف أحياء المدينة سواء كانت شعبية أو متوسطة أو راقية بمختلف مرافق المدينة وشوارعها وساحاتها العمومية .
وقد انطلق أول خط من شبكة الترمواي ، من مقاطعات سيدي مومن، التي توجد بها كثافة سكانية تصل إلى 300 ألف نسمة، وبالضبط قرب المركب الرياضي الجديد بالمنطقة، المزمع إنشاؤه في غضون السنوات المقبلة، مروراً بمقاطعات سيدي البرنوصي، ومولاي رشيد والحي المحمدي (كريان سنطرال)، ثم محطة القطار (كزا فوياجور)، لخلق الانسجام بين جميع وسائل النقل بالعاصمة الاقتصادية، وصولا إلى الأحياء التاريخية بوسط المدينة، بساحة الأمم المتحدة، من خلال شارع محمد الخامس الشيء الذي أرجع الحيوية لقلب المدينة من خلال إضفاء رونق جديد على هذا الشارع التاريخي ، حيث تم تبيض كل واجهات الدور والشقق ذات الطابع الأوربي المتميز ، وسمح ببعث الحيوية الترويجية والتجارية التي فقدها لسنين بعدما تحول جزء من نشاطه التجاري إلى حي المعاريف. وسيواصل خط "الترامواي" طريقه في اتجاه الجهة الغربية للدار البيضاء، عبر شارع الحسن الثاني، ثم شارع عبد المومن، وعند شارع أنوال، لينقسم الخط إلى خطين، خط سيتجه نحو الحي الحسني والقطب الحضري أنفا، أما الخط الثاني فسيتجه نحو مجمع الكليات، وذلك لكثرة الطلب على وسائل النقل بالمنطقة.في المرحلة الأولى من إنجاز المشروع، التي ستمتد على طول 28 كيلو مترا، لن يتجاوز زمن الرحلة من سيدي مومن، إلى وسط المدينة، 25 دقيقة، بحيث قسمت مراحل إنجاز المشروع على أربع مراحل، التي ستكون على المدى البعيد، إذ أن المرحلة الثانية ستربط بين سيدي البرنوصي ومقاطعات الفداء مرس السلطان، على طول 19 كيلومترا.وستربط المرحلة الثالثة بين سيدي عثمان والفداء مرس السلطان، وصولا إلى قلب المدينة، على طول 14 كيلومترا، أما المرحلة الرابعة والأخيرة من المشروع فستربط بين مقاطعات سباتة وعين الشق وصولا إلى ليساسفة، على طول 15 كيلومتراً) . بالإضافة إلى ذلك ، فإن استعمال الترمواي سيقلص من المدة المستغرقة ، إذ من المتوقع ألا يتجاوز زمن الرحلة من سيدي مومن، إلى وسط المدينة 25 دقيقة .
- إدماج الأحياء الهامشية في المجال الحضري
عرفت الدار البيضاء بسبب الهجرة ، ميلاد العديد من الأحياء الشعبية الطرفية التي تبعد عن وسط المدينة بعدة كيلومترات الشيء الذي أدى ليس فقط إلى عدم انسجام عمراني ، بل أيضا إلى تباين في المنظومة الفكرية والثقافية والسلوكية لسكان الدار البيضاء، فأصبحت الدار البيضاء عبارة عن (دار بيضات متعددة )لا من ناحية السلوك أ واللغة المستعملة ، أو العقلية ، أو النمط المعيشي . ولعل تفجيرات الدار البيضاء ليلة 16 ماي 2003 ، قد جسدت هذا الخلل الحضري الذي تعاني منه مدينة الدار البيضاء. فهذه التفجيرات لم تعكس فقط فكرا متطرفا، بل عكست أيضا الفجوة الفكرية والثقافية التي تفصل بين وسط المدينة وأطرافها، حيث أن إقدام شبان من حي طرفي على تفجير مجموعة من البنايات داخل وسط المدينة يحمل حقدا وكرها لسكان هامش لا يحسون بأي انتماء نفسي أو فكري أو مادي لهذه المدينة ، ويعتبرون أنفسهم خارج هذا المجال الحضري المشترك ، فهم كمن يعيشون (انفصاما مجاليا) يدفعهم إلى تخريب جزء من مدينة عاشوا وترعرعوا فيها تحت تبريرات دينية مختلفة كالتكفير والجهاد . ولا يقتصر هذا الشعور بالانفصام المجالي على هذه الشريحة بل يطال كل الفئات التي تعيش على أطراف مدينة الدار البيضاء ، الشيء الذي يظهر من خلال الأعمال التخريبية التي تقوم بها بعض جماهير الشباب من محبي الوداد والرجاء عندما يحجون لمشاهدة بعض المباريات في ملعب محمد الخامس ، حيث يعمدون إلى تخريب كل الممتلكات التي تصادفهم في طريقهم من تكسير زجاج الحافلات ، وسيارات الأجرة ، والسيارات الخاصة التي تتحرك وسط المدينة .
من هنا ، فإن إنجاز مشروع الترامواي التي سيربط بين مختلف أحياء الدار البيضاء قد يخفف من الشعور بهذا الانفصام المجالي المستشري خاصة بين سكان الأحياء الهامشية ، كما أنه سيقوي من شعور الانتماء بين سكان الدار البيضاء سواء من خلال الربط المجالي أو من خلال التواصل المجالي.
- فعلى مستوى الربط المجالي، من المنتظر أن يمر الترمواي بأغلب المجمعات السكنية للدار البيضاء، حيث سينطلق من مقاطعات سيدي مومن، مرورا بمقاطعات سيدي البرنوصي، ومولاي رشيد والحي المحمدي (كريان سنطرال)، ثم محطة القطار (كزا فوياجور)، ، وصولا إلى الأحياء التاريخية بوسط المدينة، بساحة الأمم المتحدة، من خلال شارع محمد الخامس، مما سيسمح لهذه الساكنة الطرفية بالاندماج بشكل كبير في وسط المنظومة المجالية للدارالبيضاء الكبرى.
- أما على مستوى التواصل المجالي ، فإن الترامواي, الذي, سيمكن من نقل أزيد من200 ألف راكب يوميا ، في بداية اشتغال خطه.
الأول ، سيجعل شرائح مختلفة من سكان الدار البيضاء يلتقون يوميا في أوقات محددة وفي مجالات مشتركة كمحطات الترمواي وعرباته ، مما سيكرس وشائج الشعور بالانتماء إلى نفس المدينة . فالتنقل اليومي لسكان المدينة بين أطراف هذه المدينة المتباعدة الأطراف بالترامواي سيسهل من عملية التلاقي اليومي بين سكان المدينة بمختلف مشاربهم وعقلياتهم مما سيقرب من الفجوة الثقافية والفكرية وحتى النفسية التي تسود حاليا بين سكان هذه المدينة والتي ترجع بالأساس ليس فقط للتباعد المجالي بين سكان مختلف أحياء المدينة ، بل بالأساس إلى الأفكار المسبقة التي يكونها سكان الأحياء القديمة للمدينة (درب السلطان ، المدينة القديمة ، الحبوس ، عين الشق ...) حول سكان الأحياء الطرفية والهامشية التي عادة ما ترتبط بضعف التمدن ، والهجرة ، والسلوكات غير اللائقة ، واللغة الخشنة والعنف في الوقت الذي يكون سكان هذه الأحياء الهامشية صورة سلبية أخرى حول سكان هذه الأحياء العتيقة تتمثل في الاكتظاظ السكني ، والتلوث ، والغرور أو الإحساس بالتفوق متولد عن الشعور بالتأصل و التجذر في المدينة . وبالتالي ، فإن التنقل اليومي لسكان مختلف هذه الأحياء و تلاقيهم في وسيلة نقل عمومية مشتركة ستقلص بلا شك من مختلف هذه الأفكار المسبقة والنمطية و ستساهم في خلق نقاشات وتعارفات يومية ستساهم في التعارف المتبادل وتكرس من الإحساس من الانتماء المشترك لنفس المدينة.
- إعادة تأهيل وسط المدينة
تشهد مدينة الدار البيضاء ، في الآونة الأخيرة عدة أوراش تهدف إلى إعادة تأهيل هذه المدينة ، حيث تم الشروع في إعادة تصميم بعض الشوارع الكبرى ( كشارع أنفا ، والمسيرة ، والزرقطوني...) وإعادة بناء المحطة السككية للميناء ، و إعادة توسيع كورنيش عين الذئاب وتجميله ، و الشروع في إنجاز المارينا إلى غير ذلك من الأوراش. لكن في الوقت الذي يتم فيه الاهتمام بإنجاز هذه المشاريع، هناك إهمال شبه تام لوسط المدينة بشوارعها ومحلاتها التجارية ومقاهيها و فنادقها .فعلى الرغم من التوسع الكبير الذي عرفه وسط المدينة ، حيث أصبحت تخترقه عدة شوارع كبرى ( شارع المقاومة ، و شارع باريس ، وشارع الجيش الملكي و شارع الموحدين ) ، و ترتفع فيه عدة مؤسسات فندقية عالمية ( إبيس ، ريجنسي ، شيراتون ... ) ومؤسسات بنكية ، بالإضافة إلى برج الأطلس الذي يحتضن مقر عدة مؤسسات إعلامية ، وخدماتية ، ... ويطل على أهم المراكز التجارية للعاصمة الاقتصادية كالميناء و ( درب عمر ) ، فما زال هذا الفضاء يعاني من نقص كبير في التجهيزات والبنى التحتية : فالإنارة العمومية ما زال لم يتم تجديدها ولم يتم تغييرها بشكل يتلاءم والطبيعة العمرانية والهندسية والوظيفية لهذا الفضاء.
بالإضافة إلى ذلك ، يعاني هذا الفضاء من اختراقه من طرف العديد من سيارات الأجرة الكبيرة التي تنقل العديد من سكان الأحياء الطرفية كالبرنوصي ، و سيدي عثمان ، وحي الفلاح ، وحي عادل ... لتحط بهم الرحال داخل ساحة الأمير مولاي عبدالله ، أو بين أزقة شارع محمد الخامس ، أو قرب فندق ريجنسي بما يرافق ذلك من اكتظاظ ، واحتكاك ، وتسيب.
وبالتالي ، فإن خط الترمواي الذي اخترق شارع محمد الخامس قد ساهم بلا شك في إعادة تأهيل هذا الفضاء من خلال إعادة تجديد بنياته التحتية ، أو من خلال تنظيم التنقل بين جنباته ، أو من خلال تجميله.
فقد شرع ، بالموازاة مع وضع سكة الترمواي بتحويل الشبكات تحت الأرضية ، الخاصة بالماء الصالح للشرب، والكهرباء، والهاتف، والألياف البصرية . كما واكبت هذه الأشغال مشاريع جانبية أخرى، من تخصيص فضاء خاص للراجلين بشارع محمد الخامس، وإيجاد دينامية جديدة للتجارة بوسط المدينة، وتأهيل المجال العمومي على طول ممرات الترامواي، وإعادة تأهيل الساحات العمومية، وخلق ممرات خضراء جديدة، وإعادة هيكلة شبكة النقل الحضري، بتنظيم شبكة الحافلات، وإعادة النظر في شبكة تاكسي الأجرة .
لكن لضمان تجول آمن ومطمئن لمرتادي هذا الفضاء البيضاوي العريق والسماح لهم بالتحرك بكل حرية واطمئنان بين جنباته ومحلاته من الضروري العمل على توسيع أ رصفة وسط المدينة واتخاذ إجراءات لمنع مرور السيارات الخاصة و سيارات الأجرة ( خاصة ما يسمى بالكبرى ) في أزقة هذا الفضاء و تبليط كل الأزقة التي تخترق ساحة الأمير مولاي عبدالله ، وشارع إدريس الحريزي ، وكذا الأزقة المؤدية إلى شارع محمد الخامس ، مما سيسمح بأن يتوفر وسط أكبر مدينة في المغرب على رصيف يليق بحجمه وذلك على غرار بعض المدن العملاقة كاسطنبول ، أو شنغاي . ولعل توسيع مثل هذا الرصيف سيسمح بتدشين حركة تجارية واقتصادية وترفيهية في هذا الفضاء ، إذ أن هذا التوسيع ، سيسمح بفتح عدة محلات تجارية ومؤسسات مالية وبنكية ، كما سيحول هذا الفضاء إلى قبلة سياحية وترفيهية من خلال فتح العديد من المقاهي أوالمطاعم وأماكن ترفيهية مما سيعزز موقع المدينة كقطب ترفيهي ضخم خاصة بعدما توفير وسيلة نقل ملائمة يمكن استعمالها من قبل جميع الفئات الاجتماعية .
وفي انتظار إنجاز باقي خطوط شبكة الترامواي بالدار البيضاء, تكبر انتظارات ساكنة المدينة في أن تساهم هذه هذه الشبكة في إنقاذ القلب الاقتصادي للمملكة من اختناقات حركة السير ، وإكراهات الامتداد العمراني الواسع ليعود لهذه المدينة ألقها وإشعاعها الثقافي ، والاقتصادي ، والحضاري.
فمشروع الترمواي ، لا يمكن أن يعتبر مشروعا تقنيا فقط ، بل هو مشروع شمولي يرتبط برؤية تنموية تطمح إلى أن تعيد للعاصمة الاقتصادية للمملكة موقعها كقاطرة للاقتصاد الوطني ، وكوجهة تعكس البعد الحضاري والمعماري المغربي الأصيل المنفتح على المعاصرة, وأيضا كفضاء حضري منسجم قادر على تحقيق التوازن بين الهوامش والمركز .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.