تعرف حديقة الحسن الثاني بمدينة الجديدة حركية دائمة لنشطاء اللقاءات الأدبية والندوات الفكرية، ومنظمي المعارض الثقافية والتربوية، والباحثين عن أنواع المجلات والروايات، والمهتمين بمطالعة المراجع والموسوعات، وعشاق الغوص في بحار العلوم وعوالم الكتب والمقررات، إذ يقصدون مكتبة شُيّدت وسط الحديقة، أطلق عليها اسم "المكتبة الوسائطية إدريس التاشفيني". وأُحدثت المكتبة الوسائطية في إطار مشروع شبكة القراءة العمومية الذي أطلقته وزارة الثقافة، والرامي إلى تحديث بنيات القراءة العمومية. وتسهر على تدبير المرفق لجنة محلية في صفة "جمعية أصدقاء المكتبة"، بموجب اتفاقية شراكة محدثة بين وزارة الثقافة والجماعة الحضرية للجديدة، وسفارة فرنسا بالمغرب. وتناط باللجنة المشتركة مهمة التعريف بالمكتبة، وتوسيع دائرة إشعاعها، والمساهمة في حل المشاكل التي قد تعترضها. قاصدُ المكتبة الوسائطية ادريس التاشفيني يحسّ، مع أولى الخطوات داخل فضائها، بأن فئة من مثقفي هذا الزمان لازالوا ملتزمين بصداقة الكتب ومعاشرتها، ومتشبثين بحبّها ومُجالستها والنيل من معينها، مستغلين ما يتوفر عليه المرفق من مراجع تشفي غليل بعض الروّاد، لكنها لا ترقى إلى تطلعات وانتظارات فئة أخرى من عشاق المطالعة المرتبطة ببعض العلوم والمستجدات. ونظرا لتواجد المرفق وسط حديقة عمومية، يشتكي رواده من الضوضاء الناتجة عن تجمع الشباب وبعض تلاميذ المؤسسات التعليمية وراء الفضاء الثقافي من أجل تدخين المخدرات ومعاقرة الخمر، وتنتهي تجمعاتهم، في غالب الأوقات، باشتباكات عنيفة وكلام قبيح. حسن عطاري، الكاتب العام لجمعية "أصدقاء المكتبة الوسائطية ادريس التاشفيني"، أشار إلى أن المرفق في حاجة إلى إصلاحات في بنيته التحتية، بعدما تضررت جدرانه وأسقفه بفعل عامل الرطوبة من جهة، والمياه الجوفية التي أثرت على أساسه من جهة ثانية، مع ضرورة توسيع المكتبة وتوفير فضاءات خاصة بالندوات واللقاءات والعروض، حتى لا يضطر منظموها إلى مضايقة رواد المكتبة، أو برمجتها خارج أوقات العمل. وإلى جانب حاجة المكتبة إلى إصلاحات جذرية، أكّد عطّاري أن إدارة المرفق في حاجة إلى ميزانية ذاتية من أجل إجراء الإصلاحات الطفيفة التي تظهر بين الفينة والأخرى، مشيرا إلى أن تراكم الحاجيات البسيطة من شأنه تعميق الإكراهات والمشاكل، وينتهي بتهالك البنايات وضياع الفضاء، مستدركا بأن عامل إقليمالجديدة زوّد المكتبة، في وقت سابق، بكتب بلغت قيمتها الإجمالية 80 ألف درهم، في وقت توفّر البلدية موظفين لتدبير شؤونها، رفقة آخرين تابعين لوزارة الثقافة. وعن نوع الكتب المتوفرة، أوضح الكاتب العام للجمعية، في تصريح لهسبريس، أن العلوم تتطور بشكل متسارع، سنة بعد أخرى، في وقت تضم المكتبة كتبا يمكن اعتبارها غير مواكبة للمستجدات العلمية التي تستأثر باهتمام الزوار عموما، والطلبة بشكل خاص، ما يفرض على الجهات المعنية تزويد الفضاء الثقافي بمزيد من الكتب والمراجع الجديدة، تهم تخصصات ومجالات علمية مختلفة. أما عبد الله سليماني، مسيّر المكتبة الوسائطية، فأشار إلى أن المرفق يحتوي على أكثر من 17 ألف عنوان، ما بين كتب ورقية، وأوعية رقمية، باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، ويتوفر على مساحة 520 مترا مربعا مخصصة للقراءة، وثلاثة فضاءات أساسية، تتمثل في "فضاء الطفل"، و"فضاء الفتيان"، و"فضاء الكبار"، مجهزة بمعدات وتجهيزات مكتباتية عصرية، تم جلبها من فرنسا لكي تتلاءم وتطلعات الرواد. وأشار سليماني إلى أن عدد زوار المكتبة يبلغ حوالي 30 ألفا سنويا، 85 في المائة منهم من الشباب دون 30 سنة، وتحتضن أكثر من 50 نشاطا ثقافيا في كل موسم، مضيفا أن وزارة الثقافة زوّدت المرفق ببرنامج جديد لتدبير الرصيد الوثائقي، وعمليات تسجيل الرواد وإعارة الكتب، وهو برنامج يمكن من الاطلاع على قائمة الكتب المتوفرة بالمكتبة عبر الإنترنيت، ويسمح، عن بعد، بحجز الكتب المرغوب في إعارتها. وعمّا أسماها مسيّر المكتبة "الإكراهات"، أشار سليماني، في تصريح لهسبريس إلى أن الكتب تتعرض لمحاولات سرقة عديدة، إذ أحبط الجهاز الإلكتروني المثبت عند بوابة المكتبة مجموعة من المحاولات؛ في حين يطلق بعض اللصوص أرجلهم للريح مباشرة بعد سماع رنين الجهاز المنبّه، مضيفا أن إدارة المكتبة تتنبّه أحيانا إلى إقدام بعضهم على رمي الكتب من نوافذ المراحيض بهدف سرقتها، أو ببتر أجزاء من المراجع التي لا يُسمح بإعارتها، ما يفرض التعجيل بوضع كاميرات للمراقبة داخل الفضاء. وأكّد سليماني أن البناية خضعت لإصلاحات طفيفة أواخر أبريل الماضي، على نفقة جمعية أصدقاء المكتبة الوسائطية، وذلك قُبيل تنظيم الدورة الثانية من معرض كتاب الطفل، إلا أن مشكل الرطوبة يفرض نفسه على الفضاء، خاصة على مستوى الممرات المؤدية إلى المرافق الصحية، ومخازن المكتبة، وبعض الجدران الخارجية، مشيرا إلى أن جذور بعض الأشجار تساهم في تدهور قنوات الصرف الصحي المتقادمة، ما يتسبب، بين الفينة والأخرى، في اختناقها وانبعاث روائح كريهة تؤذي الرواد والموظفين.