أخنوش: الملك ملتزم بجعل القضية الفلسطينية قضية وطنية    قراءة في مذكرات أحمد الطالب المسعودي عن تجربته في المنفى والاعتقال في الجزائر    رئيس وزراء إسبانيا "يدرس" تقديم استقالته بعد فتح تحقيق ضد زوجته    "الكاف" يحسم مصير مباراة اتحاد العاصمة ونهضة بركان    الكاف: نهضة بركان ربحو USMA بثلاثية فالألي والروتور ملعوب فوقتو فبركان    مطارات المغرب تستقبل اكثر من 51282 رحلة جوية خلال اوائل 2024    وزير النقل… المغرب ملتزم بقوة لفائدة إزالة الكربون من قطاع النقل    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    برنامج "إحياء".. إطلاق طلب مشاريع في مجال الزراعة الإيكولوجية    توقعات بتأجيل كأس أمم أفريقيا المغرب 2025 إلى يناير 2026    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا بجهة طنجة    أخنوش يتحدث عن "ثورة غير مسبوقة" في البرامج الاجتماعية لحكومته "تضاهي الدول المتقدمة"    حملة أمنية غير مسبوقة على الدراجات النارية غير القانونية بالجديدة    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    جامعة الكرة: "لم نتوصل بقرار فوز بركان"    أخنوش: ما تحقق في نصف الولاية الحكومية فاق كل التوقعات والانتظارات    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    أمن طنجة يعلن الحرب على مقرصني المكالمات الهاتفية    جهة طنجة تناقش تدابير مواجهة الحرائق خلال فصل الصيف    بوساطة قطرية.. مفاوضات روسية أوكرانية مباشرة لأول مرة    المغرب سيكون ممثلا بفريقين في كأس العالم للفوتسال    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    الملتقى العالمي ل 70 امرأة خبيرة إفريقية مناسبة لتثمين الخبرة والكفاءة الإفريقية    تهديدات بالتصعيد ضد ّبنموسى في حالة إصدار عقوبات "انتقامية" في حقّ الأساتذة الموقوفين    ما قصة "نمر" طنجة؟    فساد في الموانئ: الناظور بين المدن التي شهدت إدانات بالسجن لمسؤوليها    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    الحكم على مغني راب إيراني بالإعدام بتهمة تأييد الاحتجاجات    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    أفلام متوسطية جديدة تتنافس على جوائز مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الارتفاع    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التربية الدينية وسؤال الهوية المغربية
نشر في هسبريس يوم 28 - 06 - 2016

لم يكن الجدال المفتعل حول مادة التربية الإسلامية بالجديد، وإنما شكّل محصلة حوار تربوي واجتماعي وسياسي قديم عرفه بلدنا المغرب منذ بداية التسعينات من القرن الماضي، وهو ينطلق من رؤية شمولية للدين لا ترى في التدين إلا سلوكا إنسانيا وحضاريا يؤثر صاحبه على الآخر المخالف ويترك بصماته في الواقع المتعدد الفئات، كما ينطلق من فكرة توحيد الثقافات والتطبيع مع بعض الكيانات التي وجدت نفسها منبوذة أو تحتل مساحات صغيرة جدا داخل المجتمع المغربي، والتي تريد أن تحظى بالتقدير والاعتبار، وإن كان الشعب المغربي يكن لها كل الاحترام بل يعمل على حمايتها وصون مكتسباتها، إلا أنها تسعى لأكثر من ذلك، ولا شك أن هذا الجدال الجديد القديم، يعكس جانبا ملتبسا من تحولات المغرب المعاصر في جانبه القيمي والعقدي،
خاصة في ظل الانفتاح المغربي على كل الحضارات والثقافات والديانات، ومع أن هذا الجدال يسير في اتجاه الاعتراف بكل الفئات، ولو ضمنيا من خلال حذف لفظ "الإسلامية" من "تربية" يرادُ لها أن تكون "إنسانية" لتركز على المشترك الإنساني وقيم الوسطية والاعتدال والتسامح وقبول المخالف، إلا أنه جدال يفصح عن كثير من عوائق التحديث المجتمعي، وخاصة لدى بعض الفئات التي تعتبر نفسها وصية على الإسلام والمسلمين وتقدم نفسها بأنها تحمي عقيدة المغاربة، والواقع أن المغاربة اليوم لا يحتاجون لمن يعلمهم دينهم وينبّههم لثوابت هويتهم الدينية والوطنية، فالإسلام متجذر في بنية المجتمع المغربي وأصيل في الوعي الجمعي للمغاربة، ومن ثم فتعاليم الإسلام جزء من بنية تفكير الإنسان المغربي، تتجلى في كثير من السلوكات الاجتماعية المرتبطة بالعادات والتقاليد وأيضا المناسبات الدينية والأعياد الوطنية، حيث يطغى الحضور الديني على مظاهر السلوك اليومي للمغاربة، ويظهر بجلاء في المواسم الدينية الكبرى مثل شهر رمضان وعيدي الأضحى والفطر، حيث يعمر المغاربة بيوت الله ويتهافت الشباب على أداء صلاة التراويح وباقي الصلوات جماعة في المساجد، كما تكثر أعمال الخير والإحسان والبر والتضامن والتعاطف بين المغاربة، وتصفو المعاملات ويتنفس المغاربة هواء روحيا جديدا خلال رمضان، تطبعه المحبة والسلام والرحمة بين العباد، إلى جانب إدخال السرور على الأهل والأبناء وإسعاد الأطفال بما تعرفه مناطق المملكة المغربية من عادات الاحتفال بأول صيام للطفل، وهذه المظاهر تؤكد الحضور الديني في المجتمع المغربي الأصيل،
والذي يتشبث بدينه الإسلامي ويعرف جيدا أنه أمان ورحمة واطمئنان، وهذا الشعور نجده عند فئات من الشعب المغربي لم يتعلم يوما في مدرسة ولم يشاهد قناة فضائية وإنما تربى على يد آبائه وأجداده أن الهوية المغربية تنهل من الإسلام الشيء الكثير، مما يجعل الخصوصية الدينية للمغاربة عميقة بالقدر الذي لا يؤثر على التلاميذ والطلاب إطلاق "التربية الدينية" على مادة كانت تسمى "التربية الإسلامية" بل إن كلمة "الدينية" في المخيال المغربي تحيل على الإسلام، انسجاما مع الآية الكريمة: "إن الدين عند الله الإسلام"، وهكذا لا خوف على الهوية المغربية من أي تهديد محتمل أو خطر قادم وراء تغيير لفظ "الإسلامية" واعتماد "الدينية"، بل ربما تؤثر هذه الأخيرة على سلوك الطلاب والتلاميذ إيجابيا فيتخلق سلوكهم بالقيم السامية والأخلاق النبوية، لتخرّج هذه المادة مواطنا صالحا يستمد معاييره الأخلاقية من قيم الدين الإسلامي المثلى، وأيضا لا بأس من أن ينفتح على بعض الثقافات والحضارات الإنسانية التي قامت على أساس القيم الدينية السمحة، والتي لا تتعارض مع الإسلام، فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم لإتمام الأخلاق، فقال: "إنما بعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق"،
حيث حصر رسالة الإسلام في إكمال فضائل الأخلاق، واقتضى ذلك قبول كثير من الأخلاق القديمة التي كانت سائدة في الجاهلية مثل إكرام الضيف والرحمة والتعاون والدفاع عن الوطن وحماية الشرف.. وغيرها من القيم التي وُجدت قبل الإسلام، وتم الاحتفاظ بها بعد مجيئه، ولم يرفض الإسلام إلا الأخلاق السيئة والقيم الهابطة مثل وأد البنات والاحتكار والسرقة والاعتداء والظلم.. ولذلك فإن الإسلام بتركيزه على الأخلاق، يصح أن نقول "التربية الدينية" وبهذا الاختيار الحكيم يكون لهذه التربية المفعول الإيجابي في المنهاج الدراسي ويتشبّع به التلاميذ في سلوكهم اليومي، لأن عبارة "الدين" قوية التأثير في نفوس المغاربة، ويحترمون المتدين، ويمدحون العابد والزاهد الذي يترفع عن الدنيا ويطابق فكره سلوكه، فلا يقول إلا ما يطبقه ويظهر في معاملاته.
هكذا، يتبين أن الهوية المغربية لن تتأثر بتسمية "التربية الدينية" بل يمكن أن تتقوى تلك الهوية وتنفتح على ثقافات أخرى مع التشبث أكثر بالثوابت الوطنية، ومنها إمارة المؤمنين، وسلوك الجنيد، والعقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، وأخذ الدين من علماء المغرب، لأن الخصوصية المحلية تؤثر في الفتوى والاجتهاد، ومن ثم فإن التركيز على ما هو ديني يمكن أن يخدم سلوك التدين وخاصة عند فئة الشباب الذين يمتازون بالحماسة الدينية والقدرة على التضحية في سبيل الدين والوطن والملك، وتلك خصوصيات تطبع هوية المغاربة في حرصهم على ما يقوي بلدهم المغرب ويعزز مكانته بين الشعوب في العالم، ولذلك نجد كل المغاربة يفخرون بانتمائهم للمغرب ويستغلون كل مناسبة للتعبير عن هذا الحب والولاء والتشبث بما يوحد المغاربة ويدرأ عنهم التفرقة القذرة،
ومما يؤكد وحدة الهوية المغربية تلك الجموع الغفيرة من المغاربة التي تخرج عن بكرة أبيها لاستقبال ملك البلاد حضرة السلطان محمد السادس نصره الله وأيده، كما ترامى إلى سمعها أن جلالته سيزور منطقة ما، ذلك لأن الملك هو راعي الهوية المغربية وحامي خصوصياتها، فلا خوف على دين المغاربة، ولن يفيد الجدال حول تدريس الإسلام أو تسميته بالدين وكفى، لأن هذه الهوية أصيلة وعميقة في وجدان كل مغربي، ولا يمكن اقتلاعها من أصولها أو محوها من المخيال المغربي، بل إن تسمية "التربية الدينية" تجعل فئات جديدة تلج الدين من بوابة التسامح والوسطية والرحمة، انسجاما مع الآية الكريمة: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
* باحث في التصوف والهوية المغربية،
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.