حزب التقدم والاشتراكية يدين الهجوم الإسرائيلي على إيران ويحذر من تداعيات إقليمية ودولية خطيرة    نهضة بركان يبلغ نصف نهائي الكأس    باريس سان جيرمان يكتسح أتلتيكو مدريد برباعية نظيفة في افتتاح مونديال الأندية    طاقم تحكيم برازيلي لمباراة الوداد ضد مانشستر سيتي            الهجمات الإسرائيلية تقتل 224 إيرانيا    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    نشرة انذارية: زخات رعدية محليا قوية ومصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة اليوم الأحد بعدد من المناطق    لدغات الأفاعي تتواصل.. تسجيل حالة جديدة بإقليم الحسيمة    العثور على الصندوق الأسود الثاني للطائرة الهندية المنكوبة    برنامج مباريات كأس العالم للأندية لكرة القدم يوم غدٍ الإثنين    مخاطر الحرب الإسرائيلية الإيرانية تعجل بارتفاع سعر النفط وتفاقم المضاربات    نتائج الباكلوريا المرضية بجهة الشرق جاءت نتيجة عدة عوامل..    الوداد يضم مدافعا برازيليا ويلتقي سفير المغرب بأمريكا    ترامب ينفتح على وساطة بوتين    مقتل رئيس الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني    نجلاء موزي تمثل المغرب في بكين بعد فوزها بالنسخة ال24 لمسابقة "جسر اللغة الصينية"    "عبد الحفيظ دين" يناقش أطروحته لنيل الدكتوراه في القانون الخاص بكلية الناظور    المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة يحتفي بشخصيات بارزة من عالم الفن السابع    المغرب يحتفي بيوم إفريقيا في لاس بالماس على خلفية التعريف بالتراث    مسافرون يتفاجؤون بفرض 10 كلغ كحد أقصى لحقيبتين يدويتين بمطار العروي    "العدالة والتنمية" يدق ناقوس الخطر إزاء تفاقم المديونية ويحذر من اختلالات جديدة في إعادة تشكيل القطيع    انتخاب سعاد لبراهمة رئيسة جديدة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان.. وهذه لائحة المكتب المركزي    عزيزة داودة يكتب: موريتانيا في مواجهة التحديات الأمنية والدبلوماسية وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية في الساحل    حب الملوك بصفرو : 101 سنة من الاحتفاء بالكرز والتراث المغربي الأصيل    المغاربة على موعد مع حر شديد .. والأرصاد الجوية تبسط الأسباب والتدابير    برادة يكشف نتائج "الكفاءة المهنية"    "أرباب كريمات" ينادون بالتصدي لأعطاب قطاع سيارات الأجرة في المغرب    تسريب بيانات حساسة يفتح عين "دركي البورصة" على اختلالات خطيرة    التعادل مع إنتر ميامي يحزن الأهلي    إيران تعلن اعتقال "عميلين للموساد"    بعد غيابه لقرن من الزمان.. كزناية تحتضن مهرجان التبوريدة    ريدوان وبيتبول يبدعان في أغنية مونديال الأندية    فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    "أزطا أمازيغ" تطالب بترسيم فعلي للأمازيغية ووقف التمييز    فرينش مونتانا يشعل حفل افتتاح مونديال الأندية بأمريكا بإطلالة بقميص المنتخب المغربي بخريطة المغرب كاملة    الرئيس الصيني يعيد نسج خيوط طريق الحرير: دينامية صينية جديدة في قلب آسيا الوسطى    المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين لجهة الدار البيضاء سطات بالجديدة    إيران تقصف معهد وايزمان الإسرائيلي للعلوم    الدار البيضاء.. توقيف شخص متورط في سرقة بالعنف باستخدام دراجة نارية    تحطم طائرة مروحية تقل 6 أشخاص شمال الهند    المغرب يعزز موقعه في سباق الطاقة النظيفة: اتفاقية استراتيجية مع شركة صينية لإنتاج مكوّنات بطاريات السيارات الكهربائية    ماذا يفعل تحطُّم الطائرة بجسم الإنسان؟    قصة "حصان طروادة" المعتمَد حديثاً في المملكة المتحدة لعلاج سرطان خلايا البلازما    الحجاج يواصلون رمي الجمرات في أيام التشريق، والسلطات تدعو المتعجّلين للبقاء في المخيمات    الحج 2025: السوريون يغادرون من دمشق لا المنافي بعد 12 عاماً من الشتات    بنهاشم يثمن تحضيرات نادي الوداد    من حكيمي إلى بونو .. 31 أسداً مغربياً يشعلون ملاعب مونديال الأندية    16 دولة تدق ناقوس الخطر لمواجهة التغيرات المناخية على خلفية مؤتمر "كوب 30"    الولايات المتحدة تُعد قائمة حظر سفر جديدة تشمل 36 دولة بينها ثلاث دول عربية    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي على وقع الانخفاض    مهنيو و فعاليات الصيد البحري بالجديدة يعترضون على مقترحات كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب    تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من روح الشهيدة 'خيرة ' إلى ضمير الفنانة 'شاكيرا'
نشر في هسبريس يوم 13 - 05 - 2011

أتحفتنا وأبكتنا في الوقت نفسه الزميلة الصحافية المقتدرة "لكبيرة ثعبان" بروايتها لقصة "الشهيدة" الشابة "خيرة" 27 سنة، المنحدرة من جبال أزيلال الشامخة، تلك الجبال التي قدم شيوخها الكثير من دماءهم وأبناءهم لتحريرها من براثين الاستعمار، قبل أن يدنسها اليوم واقع الحال من الخدمات والمرافق والمصالح العمومية البئيسة.
الزميلة لكبيرة "وراتنا وجهنا في المرآة" وهي التي تخبر المنطقة بكل تفاصيلها الجغرافية وتمفصلاتها التاريخية، حيث حكت أن شابة في مقتبل العمر إسمها "خيرة أو عرفة" وليس "بثينة الفاسي" أو "نهيلة الماجيدي" أو "رميساء بنجلون" وغيرها من أسماء أولائك، ذنبها الوحيد أنها مغربية فقيرة مرتبطة بتراب غياهب جبال أزيلال الصلدة، تزوجت ذات يوم على طريقة ومسار من سبقها من الأمهات والعمات والخالات والأخوات هناك، فأنجبت بلطف الله وقوته ثلاثة أبناء قبل أن ترحل إلى الآخرة في الحمل الرابع بعد رحلة دنيوية بدون رحمة ولا شفقة بحثا عن مكان تضع مولودتها فيه كإنسانة وكمخلوقة قال في حقها الله عز وجل "وكرمنا بني آدم" قبل أن يذلهم مسؤولو هذا البلد الأمين.
قطعت الشابة القروية الفقيرة خيرة 122 كيلومتر والتي تتحول بسبب وعورة تلك الجبال إلى مئات الكيلومترات وهي تتألم، بحثا عن مستشفى عمومي يأويها لتضع فيه مولودها الرابع.
هكذا مشت رفقة زوجها بداية من دوار الإقامة "تيغلوين" 12 كيلومتر على الأقدام حتى جماعة "آيت محمد" حيث دار الولادة، وبعد استراحة بدار الولادة هته الفارغة على عروشها بهذه الجماعة لمدة خمس ساعات دون جدوى، نصحوها بالرحيل نحو المستشفى الإقليمي لأزيلال، فتم نقلها على بعد 24 كيلومتر بواسطة سيارة أجرة كبيرة، وبعد أخد ورد في هذا المستشفى "الخربة المهجورة" مع الممرضة الوحيدة بالمستشفى نصحوها بالتوجه صوب المستشفى الرئيسي ببني ملال هذه المرة، أي قطع 86 كيلومتر آخر مليء بالمنعرجات في رحلة مجهولة انطلقت من ساعات الصباح الأولى حتى منتصف الليل، وبعد وصولها وجدت جميع الأسرة على اتساخها وقلتها مملوءة فنامت "خيرة" المسكينة بعد هذه الرحلة الطويلة على "الدص" طيلة الليل وهي تتوجع.
في اليوم الموالي تدهور بشكل كبير وضع خيرة الصحي، فنصحوها بالتوجه مثل "كولية ديال السلعة" نحو البيضاء، لكن زوجها المواطن المغربي العاطل والفقير لا يتوفر على تكاليف الرحلة، فاقترح وجهة مراكش مع أدائه مصاريف البنزين لسيارة الإسعاف العمومية ياحصرة، وقبل أن تغادر أغمي عليها وأعادوها للمستشفى لتلد بعملية قيصرية طفلة صرخت صراخ الكبار وبحرارة على واقعنا المرير، قبل أن تدخل "خيرة" الشهيدة الإنعاش ثلاثة أيام كاملة فتخرج منه جثة هامدة، وتغرق بعده نحن وهم والكل في إنعاش آخر أعراضه موت الضمير وبرودة الإحساس وجمود الغيرة الوطنية في بلد يقيم الدنيا ولا يقعدها ويفتخر بانتمائه لأسرة بني البشر التي تحترم كرامة وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا.
ختام القصة أنه قبل "خيرة" بلحظات أحيلت ثلاث نسوة حوامل في سيارة إسعاف واحدة على مستشفى بني ملال، في منظر يشبه نقل النعاج يوم السوق".
إن مثال الشابة البريئة "خيرة 27 سنة" وأمثال حالتها الكثر بالمنطقة والذين يسقطون يوميا بسبب فقر مستشفياتنا العمومية وغياب أبسط وسائل الإنقاذ والتحرك والإسعاف الضامنة لكرامة بني جلدتنا بتلك الربوع، ليطرح أكثر من علامة استفهام حول مختلف شعارات المواطنة التي نحملها.
ما يحل بتلك المنعرجات لأولئك الناس الطيبين كارثة وطنية بامتياز والكارثة بحسب كل الشرائع السماوية وبحسب انتمائنا الوطني تفرض علينا التآزر، بل حتى نص الدستور يفرض على البلاد عامة واجب التضامن في مثل هذه الكوارت التي تضرب البلاد.
حالة خيرة وضعتني في حالة صعوبة فهم كبيرة إن لم أقل حد الهبال والشقيقة، إذ كيف لعاقل لم يجن أو لصبي لم يشب وهو يرى صورة شهيدة الاستهتار "خيرة" وقبلها مشهد مقطع من الفيديو يصور نساء مغرب القرن الواحد والعشرين وهن يسعفن على "البرويطة" في مستشفى عمومي بتنغير، وفي الوقت نفسه يرى بلاده تستعد لتبذير ملايين الدراهم من مال خيرة وأخواتها من المغاربة للرقص على إيقاع الموازين، أي رقص تريدون؟ ماعدا إذا كنتم تريدوننا أن نرقص رقصة الديكة المذبوحة من شدة الألم؟.
فقلبنا الذي يبكي الدم لهذه المشاهد الإنسانية لن يسامح قلوبكم الصلدة وهي تحتفي وتبذر ملايير الدراهم من أموال هؤلاء الفقراء على نغمات رقص شاكيرا الكولومبي ومختلف إيقاعات العالم ونحن هناك نموت ونتضرع على مختلف إيقاعات الحكرة والمهانة والذل.
دبي والشارقة و الدوحة إذا استقطبوا شاكيرا جات معاهم، أما نحن في مغرب المفارقات والاستبداد الثقافي، مغرب العكر على الخنونة، بدل أن نستقدم شاكيرا لتطربنا يجب أن نستقطب أمثالها لتعزينا في أنفسنا أو على الأقل لتتضامن مع قاطني براريكنا في دوار "الدوم" و"الحاجة" و"الشيشان" على بعد 10 أمتار من منصة الرقص.
فسواء شاكيرا أو باقي الفنانين العالميين ذوي الحس الرقيق لو علموا لحال "خيرة" لبكوا بذل الدمع دما ولتبرعوا من مالهم الخاص لبناء مستشفيات عمومية محترمة تليق ببني آدم في تلك الجبال، أما وإسراركم هذا فلا يسعنا سوى الشكوى إلى الله والهمس في أذانكم "شحال قدكم تغطيو الشمس بالغربال شحال ما طال الليل تيجي النهار".
*صحافي بالشروق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.