بنك المغرب يُبقي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير عند 2.25%    المغرب يتفوق على إسبانيا ويصبح ثاني أكبر مورد للطماطم إلى الاتحاد الأوروبي    بنك المغرب يتوقع نسبة تضم في حدود 1% خلال 2025 ليتسارع إلى 1.9% في 2026    ماكرون يُجبَر على السير نصف ساعة بعد منعه من المرور بسبب موكب ترامب    وفاة المصور الصحفي مصطفى حبيس بالرباط    بمقر الأمم المتحدة.. 6 دول جديدة تعلن اعترافها بدولة فلسطين    تدشين مصنع لصناعة المركبات المدرعة القتالية WhAP 8×8 ببرشيد    حتى "الجن"، حاول الهرب من الجزائر    إنريكي أفضل مدرب ودوناروما أفضل حارس مرمى    بونو فخور بترتيبه بين أفضل الحراس    هل ظُلم أشرف حكيمي في سباق الكرة الذهبية؟    توقيع برنامج عمل لتكوين السجناء في الحرف التقليدية واتفاقية إطار لتنزيل قانون العقوبات البديلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    بوريطة يجدد بنيويورك في لقاء مع دي ميستورا تأكيد ثوابت المغرب بشأن قضية الصحراء    دعم مغربي رفيع المستوى يعزز مكانة مهرجان "مينا" السينمائي بهولندا    نجل فضل شاكر يكشف عن أغنية جديدة مع سعد لمجرد    المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة (دراسة)    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    صيادلة المغرب يعودون من جديد إلى التصعيد ضد وزارة الصحة..    سهرة فنية كبرى بمراكش تجمع سعيد الصنهاجي ويوسف كسو    اضراب وطني يشل الجماعات الترابية باقليم الحسيمة    للمرة الثانية على التوالي.. تتويج أيوب الكعبي بجائزة أفضل لاعب أجنبي في الدوري اليوناني    الجزائر بين الاعتقالات والهروب: صراع الأجهزة الأمنية يبلغ ذروته    وفاة عاملتين وإصابة 16 في حادثة سير يجدد المطالب بتحسين ظروف عمل العاملات الزراعيات    الذهب عند ذروة جديدة وسط رهانات على مواصلة خفض الفائدة الأمريكية    والد لامين جمال: حرمان ابني من الكرة الذهبية "أكبر ضرر معنوي يمكن أن يلحق بإنسان"    أيت منا يرد على احتجاج الرجاء بخصوص مشاركة الوردي في ديربي الأمل    نيويورك: الباراغواي تعترف بسيادة المغرب على صحرائه وتعتزم فتح قنصلية في الأقاليم الجنوبية    حقوقيون يستنكرون التضييق المتزايد على الحق في التظاهر والاحتجاج السلمي بالمغرب    وكالة الأدوية الأوروبية ترد على ترامب: لا صلة بين استخدام الباراسيتامول أثناء الحمل والتوحد        أكنوش: بنكيران يوظف الإشاعة لضرب حكومة أخنوش    مورو: تحديات الشيخوخة والديمغرافيا والإدماج الاجتماعي "مسؤولية جماعية"    فوز الشاعرة الإيفوارية تانيلا بوني بجائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي في دورتها 13    بوريطة يبرز من نيويورك مكانة المغرب ودور إمارة المؤمنين في صون الإرث النبوي.. في الذكرى ال1500 لميلاد الرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية    الشركة الجهوية المتعددة الخدمات للدار البيضاء-سطات تطلق مرحلة جديدة من خدمات القرب    رئيس مجلس جهة الشرق ورئيس جامعة محمد الأول يتفقدان أشغال إنجاز دار إفريقيا وتوسيع المركب الرياضي بجامعة محمد الأول بوجدة        غزة.. دول غربية تعرض المساعدة في علاج المرضى                توقيف فرنسي من أصول تركية بمطار محمد الخامس مطلوب دولياً في قضايا نصب وتبييض أموال    هدف حاسم لنايف أكرد ضد باريس سان جيرمان يلحق أول هزيمة للباريسيين هذا الموسم    عثمان ديمبلي بعد الفوز بالكرة الذهبية.. يشكر 4 أندية ويدخل في نوبة بكاء            الامم الأمم المتحدة.. المغرب يشارك بنيويورك في مؤتمر دولي حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية    الدكتور أومالك المهدي مديرًا جديدًا للمستشفى المحلي بأزمور... كفاءة طبية وإدارية لتعزيز العرض الصحي    حمزة عقاري ينال شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جداً بكلية الحقوق بالجديدة    الرميد يحذر من "انزلاق خطير" بعد أدعية لجيش الاحتلال في حفل يهودي بالصويرة    معرض "كريماي 2025" .. المغرب يفوز بكأس إفريقيا والشرق الأوسط للطاهيات    مستخلص الكاكاو يقلل من خطر أمراض القلب عبر خفض الالتهابات    دراسة: الإفطار المتأخر قد يُقلل من متوسط العمر المتوقع    الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السادة 'المُفتون' ... جنوا علينا أم تجنينا عليهم ؟
نشر في هسبريس يوم 18 - 05 - 2011


حوار هاديء عقب مقال صاخب
بداية أشكر كل الذين علقوا على مقالي السابق تحت عنوان : '' أيها الناس ، صدقوا عقولكم ووجدانكم ... لا تصدقوا « الفقهاء »!'' المنشور على موقع هسبريس بتاريخ 12/05/2011 . أشكر الذين قبلوا برأيي مرة واحدة.وأشكر الذين لم يوافقوني،لكن لم يجرحوني، مرتين ... وأشكر الذين جرحوني وأساؤوا إلي بأقوالِهم المشككة، وكلماتهم الحادة ، و عباراتهم القاسية... أشكرهم ،على الأقل،أكثر من مرتين. لأنهم فرضوا علي العودة إلى نفس الموضوع ، من أجل توضيح الرؤية أكثر.
قد يبدو أنه موضوعٌ ثانوي،ولكنه في الحقيقة موضوع رئيسي، ويستحق أن يتناوله بالدراسة والتحليل علماء وفقهاء ومتخصصون في العلوم الإنسانية ....لسبب واضح وجلي ، يتمثل في كون عصرنا ،أصبح فعلا عصر الفتاوى على مدار الساعة،وعلى كثير من القنوات وصفحات المجلات الجرائد ومواقع الأنترنيت وأمواج الإذاعات ...
وهذا يعني أن قطاعا عريضا من الناس يتشكل رأيُهم،وينبني دليلُهم،وتنمو مشاعرُهم وأذواقُهم بناءً على ما يتابعونه ويشاهدونه ويقتنعون به من فتاوى.وهو ما يستدعي إعادة النظر ومناقشة كثير من هذه الفتاوى . وحبذا لو نتحاور بهدوء ودون تعصب لرأي سابق،ودون الطعن في النوايا أو التنبؤ بالخلفيات الفكرية والثقافية... إن هذا ليس من الحوار في شيء.ومع ذلك فإن أملي لن يخيب أن نتحاور فعلا بكل اتزان ،ودون تشنج ،وبعيدا عن الأحكام الجاهزة، والعبارات المسكوكة، والطعن في النوايا وما تخفيه الصدور.وأكيد أن هذا أنسبُ وأسلمُ وأكثرُ انسجاما مع مباديء ديننا الحنيف وروحه وأخلاقه العالية...
أي فقهاء أعني ؟
واضحٌ أنني في مقالتي السابقة، وضعت كلمتي فقيه وفقهاء بين قوسين، كي يفهم القاريءُ الكريمُ أنني لا أعني كل الفقهاء، ولا أعني الجهابذة منهم ،الذين لهم مكانتهم وعلمهم ورأيهم. نضعهم فوق رؤوسنا ونفتخر بإنجازاتهم وأعمالهم الجليلة .إن قصدي فقط ثلة من الفقهاء الذين يسمون مجازا فقهاء وما هم بفقهاء.
وواضح أنني بدأت أولاً بتحديد مواصفاتهم وأحوالهم ،التي لا تستقيم ومفهوم الفقه،بأي معنى من معانيه،لغة أو اصطلاحا.وزيادة في الاحتياط، وبعيدا عن شخصنة الموضوع، لم أذكر أي إسم بعينه ولن أذكره الآن أيضا،لأن المراد هو نقدُ فكرِ لا سبُّ أشخاص،وتصويبُ منهج لا ذمُّ أفراد ،وجلاءُ حقائقَ لا بثُّ ضغائن .
أُذكِّر بهذه الملاحظات التي وجب ، وأرجو مرة أخرى، أن تتبادر إلى ذهن كل قارئ ، كي يكون على بينة مما يود أن يقوله، أو على أي أساس يعارض، أو حتى وهو يسب ويشتم أيضا.المهم أن يكون عارفا بقصدي كما هو، لا كما يتمثله أو يريد أن يُكَيِّفه.
الكتابة حين تكون عملا انقلابيا
لم تكنِ اللغة يوما محايدة ولن تكون ، ولم تكن الكتابة التي تروم التغيير يوما ما جامدة ولن تكون .الكتابة معاناة وانفعال صادق ،وبوح بما في الأعماق .ليس مطلوبا منا أن نمضغ نفس العبارات، ونتلو نفس المزامير ،ونردد كل المواويل القديمة... إن الكتابَ قد يُلخَّصُ في فصل واحد، وإن الفصلَ قد تُلخصُه عبارة،والعبارةُ قد تصبح جملة،والجملة قد يُختزل معناها في كلمة واحدة.
ليس هذا اجترارا وتكرارا لكلام منمق في قالب جميل. بل هي الحقيقة.ولذلك وُصف الرسول ص بأنه أوتي جوامع الكلم .وكثيرا ما رددنا أن خير الكلام ما قل ودل.لقد حاولتُ جاهدا تكثيف العبارات في مقالتي السابقة،كي لا أطنب أكثر من اللازم.لكن يبدو أن بعض الناس لا يقبلون إلا بما تعودت عليه آذانهم واستساغته أفهامهم.
إن فترة تاريخية سبقت مجيءَ الإسلام ،عُرفت بأحداثها وحروبها وشعرها وأمثالها، أصبحت ملخصة في كلمة الجاهلية.وبلال بن رباح اختزل مواجهته البطولية لصناديد قريش، وهي المواجهة التي كتبت حولها مئات القصائد والكتب والمقالات. بل نستطيع القول ، إنه اختزل تسبيح الكون كله بسماواته وأراضيه،بمجراته وأفلاكه ، في كلمة خالدة : أحد .. أحد .وفاجعة الحسين بن علي وآل بيت النبي ص ، عنوانها كلمة ،هي كربلاء.وقصة شعبِ بطولاتُه تحاكي الأساطير ،ونضالاتُه لا تتوقف، ودماؤه تروي الأرض العطشى ... وكل حكاية هذا الشعب الفلسطيني المجاهد تختزلها كلمة نكبة...
إن الكلمة قادرة أن تختزل تاريخا طويلا ، وأن تترجم طوفانا من المشاعر والعواطف ،وأن تحدث دويا هائلا ، حين تكون صادقة صريحة ، ومتحررة من ضغط القواميس المحنطة، ومعبرة عن وجهة نظر حقيقية.ويزداد هذا الدويُّ، ويتضاعف الصخبُ ،حين تكون الكلمة مُخالفة لما هو مألوف ومعتاد .وتلك هي الحكاية ، وبداية الانقلاب في المفاهيم والدلالات والإيحاءات .ونحن ،في كتاباتنا وإبداعاتنا وثوراتنا ،مطالبون أن نعطي الكلمة حقها،وأن نتعامل معها بالصدق والحق المطلوبين.
إن هذا هو مرادي ،وأمام هول الصدمات،وأمام غرابة القضايا المطروحة،أعذروني إذا كان ردي صاخبا،وكلماتي قاسية،وعباراتي ناقدة. ومع ذلك يبقى هذا المراد شرفا بعيدا لا أستطيع، في ضعفي وقلة حيلتي، أن أدعيه. ويبقى القصدُ أيضا تهمة شاهدة على قوة انحيازي ومحاولة اختياري، لا يمكن أن أبرأ منها.إن قصدي أن نسعى كي نفكر جميعا بصوت مسموع، ونضغط أكثر على الجرح،لكي نحس بالوجع والألم ،وفي نفس الوقت نستشعر حجم ثقل المسؤولية الملقاة علينا ، وجسامة الرسالة التي ينبغي أن نتحملها بقوة. " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " صدق الله العظيم .
لقد ضربتُ أمثلة محدودة ومعبرة، وأملي أن تنطلق (النار) لالتهام بقايا الزبد الجاف الذي لا يُجدي نفعا ، ولكي نقتبس جذوة من تلك (النار) لنرى كثيرا من الآراء والأفكار والمسلمات في ضوء الحقيقة الساطع،وعلى هدى وبصيرة من توجيهات هذا الدين العظيم ، التي تدعو إلى إعمال العقل،وتُعلي من قيمة العلم والعلماء ،والمعتبرين وأولي الألباب.
أنا لست مفكرا ولا مثقفا ولا عالما ولا صحفيا .... أنا فقط واحد من الناس أمسك بلحظة التوهج القوية،وأغتنم برهة الغضب الساطع، كي أشارككم بعض الأفكار. دعوكم من كلام كبير في غير محله، وحبذا لو نستفيد من بعض المواقف التحررية، ولحظات الإبداع ،وتجاوز التقديس والتعظيم في تاريخنا...كما في القصة التي نحفظها ولا نعمل بها : ''أخطأ عمر وأصابت امرأة ''...
نعم امرأة تصيب... ونملة تنصح ... وغُراب يعلم الإنسان الأول
عمر الفاروق والخليفة الثاني .. وما شئنا من أوصاف،ومع ذلك يخطيء،ويقر هو بهذا الخطأ .لكن امرأة...من عموم الناس ...هكذا نكرة ... ومع ذلك تصيب .فهل هو قانون عام، أم هي حكاية نرددها، ونفتخر ببطلها، ثم نلغي كل إمكانية للقبول بها ،فكيف بمعاودتها أوتكرارها ؟.
إنما أصابت امرأة، لأن الله حباها بالقدرة على حسن الفهم ،والقدرة على المقارنة والتحليل ،والوصول إلى أفضل الأجوبة. بعبارة أخرى شغَّلت المادة الرمادية التي في مخها ، لتصل إلى نتيجة مخالفة لما وصل إليه خليفة المسلمين ،وهو من هو في عقله وترجيحه وسياسته.وكانت عندها الجرأة كي تدلي برأيها،دون وجل أو خوف أو تهيب.وهذا هو المهم.
ومن قبلُ ، (قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) ،ومرة أخرى فهي نملةٌ هكذا نكرة،من عموم النمل.لكنها نصحت قومها ودلتهم على الرأي الصواب.
ومع البدايات الأولى لنزول الإنسان على وجه البسيطة، يحكي لنا القرآن هذا المشهد الخالد، (فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ ) ، وهذا غراب ،مرة أخرى ترد الكلمة نكرة،يُعلِّمُ إبن آدم كيف يدفن أخاه ويواري سوأته.إن في هذا دلالاتِ ودروساً لمن يريد أن يشغل عقله، ويرتقي في مدارج التعلم والمعرفة السليمة.ولكل من ألقى السمع وهو شهيد.
وأحب أن أذكر بأن القرآن ليس كتاب أساطير، وأزلياتِ تروى، كي تشبع نهَم القاريء وتلهفه إلى سماع الحكايات والأعاجيب،لتغذية خياله الجامح .بل هو ، كما وصفه الله عز وجل ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ).فلا مجال لحكيِ لمجرد الحكي، ولا لأساطير للإلهاء. فماذا نستفيد نحن ؟
إذا كانت امرأة تصحح فكرةً قالها الخليفةُ، ونملةٌ تدل النمل على سبيل الخلاص، وغرابٌ يعلم الإنسان كيف يدفن أخاه الإنسان. أليس من العدل أن نتصور أن الله سبحانه وتعالى وهب كلَّ إنسان القدرة على التمييز والتمحيص والمقارنة والتعقل وممارسة كل الأفعال الواعية بمفرده ؟ ألم يقل ديكارت :( العقل هو أعدل الأشياء توزعا بين الناس )؟ سيقول أناس لماذا حشر ديكارت في موضوع ديني،ألم تقل نملة في القرآن ما قالت ونحن نقرأ قولها،تعبدا وتدبرا ،تأملا وخشوعا ؟ ثم ما معنى أن كل إنسان يتحمل مسؤوليته بنفسه ولوحده (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )؟ ألا يفترض أن يكون واعيا عاقلا قادرا على التمحيص واختيار ما يقتنع به ؟
إن الفقيه ، في نهاية المطاف ، مجرد دال على الطريق . وهذا حين يتحصن بالتقوى ضد كل زيغ،وبالمعرفة الصادقة ضد الوهم الزائف.بعيدا بالطبع عن كل أنواع السلط والسلطات ... وفقط في مجال تخصصه،وليس هنا وقت ومجال تحديد هذا التخصص.أما الموقف أو القناعة التي يتبناها الإنسان، فهي بوازع من عقله ،وهي بتوافق مع نداء وجدانه. وإلا فلماذا يحاسب على اختياراته وقراراته ومواقفه بمفرده ؟؟؟
وأعود كي أسوق بعض الأمثلة عن فتاوى ، لا يمكن لأي عاقل مسؤول أن يقبلها، كي يتجلى الموضوع أكثر فأكثر.ولكي يتحمل كل إنسان مسؤولية اعتقاده ومسؤولية مواقفه الخاصة ، ومسؤولية مواقفه تجاه الآخرين وخاصة من يخالفونه الرأي. وهي مجرد أمثلة على كل حال .
1-إن المرأة ( مجرد افتراض ،لأن بعض الفتاوى لكائنات افتراضية) إذا تجرأت ،وأرضعت رجلا راشدا ، تكون قد ألغت عقلها وارتكبت خطأ فادحا. ولا أحد سيلغي عقله كي يقبل أو يسمع حجتها بأن فقيها أفتاها في ذلك.
2-والفقيه الذي أفتى حاكمَ مصر السابق ، بجواز بناء الجدار الفولاذي لحصار مليون ونصف المليون من الناس في قطاع غزة،ذنبهم الوحيد أنهم يناضلون من أجل التحرر،في وجه عدو غاشم، هذا فقيه لن يصدقه عاقل.إن النصوصَ التي استند إليها هذا الرجل، لتبرير جريمة الحرب لرئيسه ، هي أول ما يدان به في الدنيا والآخرة.
فكل إنسان عنده ذرة عقل واحدة لن يقبل بإبادة شعب بأي مبرر وبأية حجة.وإن الجريمة تتضاعف حين يكون المبرر مستندا إلى دين الله.هذا تقَوُّلٌ على الله عز وجل ،واستغلالٌ بشع للإسلام. فقولوا لي بربكم،هل يعقل أن يدرس الإنسان عقودا طويلة ويؤلف الكتب والموسوعات ويحوز الألقاب والجوائز ،فقط ليصبح أهلا كي يفتي بمحاصرة شعب أعزل؟.هل جرائم الإبادة والحصار يمكن أن يوجد لها سند في دين الله ؟ ولا نقول هذا الكلام لأن المحاصرين فلسطينيون ومسلمون عرب... بل هي جريمة بغض النظر عن دين الشعب وملة الضحايا،سواء كانوا مسيحيين أو سيخا أو بوذيين .فالظلم محرم والإبادة جريمة حرب مدانة .
3- والفقيه الذي قد يشحن شبابا أغرارا بمعسول الكلام ، كي يزين لهم القيام بعمليات انتحارية ضد الأبرياء.سواء منهم الأجانب أو أبناء الوطن.ويفتيهم أن مثل هذه العمليات القذرة والجبانة هي نوع من الجهاد والتضحية بالنفس ،وبعدها تفتح لهم أبواب الجنان،وتتلقاهم الحور العين بالأحضان ... إن من يجرؤ على إباحة سفك الدم البريء... الدينُ من فعله براء،وفتواه لغو و محض هُراء.
4- والرجل إذا حدث أن ضاجع '' جثةَ من كانت زوجته على قيد الحياة''- مجرد تذكير أن الإنسان=نفس+جسد- يكون قد تنازل عن إنسانيه بمحض إرادته وأتى أمرا خبيثا ،لأن الله عز وجل يقول (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) والعقل يقول أن هذا مجال تخصص الطبيب، ولا ينبغي لغيره أن يحشر أنفه في موضوع لا يمكنه أن يفيد فيه شيئا.
للأسف، مطلوبٌ الوقوفُ .. ثم الوقوفُ عند هذه الأمثلة لتوضيح القصد من أن الإنسان مطالب أن ينحاز إلى ما يمليه عقله، ويوحي به وجدانه، لا أن يسمع قول هذا ''الفقيه'' أو ذاك ''العالم''. فالأمر، في بعض المواضيع المطروحة للإفتاء والنقاش كتلك الأمثلة أعلاه، لا يحتاج عبقرية فريدة وقدرة خارقة في التفكير والتنظير. بل يحتاج تشغيل الإنسان لعقله في حدود طاقته ، كي يعرف الجواب الصحيح. لكن الغريب أن ترى بعض الناس،باسم الدين،يجادلون في هذه البديهيات ويستميتون في الدفاع عن الأفكار الغريبة،لا لشيء سوى أن من قالها يسمي نفسه فقيها، أو خبير نوازل.
أهذا هو الفقه يا سادة ؟
وإلى أي قاع سحيق سوف تنزل بنا مثل هذه النوازل ؟
العقل ... ثم العقل ...ثم العقل
إن دين الله عز وجل، نزله عل رسوله المصطفى ص كي يبلغه للناس كافة . فهو دين موجه إذاً للناس لسبب واحد هو قدرتهم على الفهم والتلقي الواعي والعاقل .وبعدها ، كل واحد يتخذ الموقف الذي يراه صائبا . دون إكراه أو إرغام (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) . وهذا دليل ثان على أن العقل هو المرجح وهو أداة الاختيار. فلو كان الاقتناع تحت التهديد وبسلطان الإكراه ، لكان معنى ذلك أن العقل لا دخل له، ولا قيمة له أصلا.وأخيرا فإن المشترك بين الناس قاطبة هو نعمة العقل،لذلك فهم المخاطبون بالدين وحدهم دون بقية الكائنات الحية على وجه هذه الأرض ( الله أعلم بباقي العوالم ) .ولن يستهويهم الخطاب القرآني ببلاغته وفصاحته، كما هو الشأن بالنسبة للعرب وفطاحلة اللغة على الخصوص،وإنما يتقبلون القرآن والإسلام بقدر ما يخاطب فيهم عقلهم ووعيهم وتفكيرهم.وما سوى ذلك،فهو خارج دائرة اهتمامهم وقدرتهم على الاستيعاب.
وفي الختام،إن دعوتي وإلحاحي على ترجيح العقل في قبول أو رفض الفتاوى، وغيرها من كافة أنواع الخطاب الإنساني،هو أولا : أخذا بتعاليم الإسلام،الذي لا يفرض شيئا على الصغير ولا على الأحمق ولا على المجنون حتى يفيق.وثانيا:لأن الإنسان مكرم،وأول أسباب تكريمه هو عقله،فإن سقط العقل انتهى الإنسان.وثالثا : سيكون من الظلم، بل من الإجرام ،في حق المسلمين أن نطلب منهم إلغاء عقولهم،وتسليم القياد لمجموعة من ''الفقهاء'' و'' المفتين'' كي يتحكموا في مصيرهم،في حين تُعلي باقي الأمم من شأن العقل وتسن النظم التربوية وتضع المناهج التعليمية،لتنمية هذه الموهبة والسمو بها وجعلها ترتاد كل الآفاق،لاكتشاف السنن ولمواصلة الخلق والإبداع ولتطوير التكنولوجيا والنهوض بالعلوم وبكل مناحي الحياة.فهل يعقل أن نبقى عالة على غيرنا ؟،وهل يعقل أن نلغي عقولنا في عصر سمته العقل ؟
لا أقول هذا تعالُماً ، ولا تعالياً ، ولا تفاخراً بل غيرة على هذه الأمة وامتثالا لتعاليم هذا الدين العظيم.وأريح قراء النوايا والملامح ،و كل من يحب أن يطعن في نيات الآخرين،على لسان الإمام الشافعي رحمه الله :
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
وليس بعد ذلك إلا التشبث بسلطان العقل ،لأنه دليلنا على الله.فاللهم زدنا بك تعلقا ، وزدنا لدينك تعقلا .آمين
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.