شجرة الأركان في يومها العالمي رمز للهوية والصمود والتحدي الأمازيغي المغربي .    الوساطة السعودية تنجح في وقف التصعيد الباكستاني الهندي    وهبي: طموح أشبال الأطلس لم يتغير وهدفنا أبعد نقطة في كأس إفريقيا    وجدة: تفكيك شبكة لترويج المؤثرات العقلية    جمعية الشعلة تنظم ورشات تفاعلية للاستعداد للامتحانات    مراكش تحتضن أول مؤتمر وطني للحوامض بالمغرب من 13 إلى 15 ماي 2025    المحامي أشكور يعانق السياسة مجددا من بوابة حزب الاستقلال ويخلط الأوراق الانتخابية بمرتيل    البابا ليون الرابع عشر يحث على وقف الحرب في غزة ويدعو إلى "سلام عادل ودائم" بأوكرانيا    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    الحزب الشعبي في مليلية يهاجم مشروع محطة تحلية المياه في المغرب للتستر على فشله    مشروع النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود إلى الواجهة بميزانية أقل    فرنسا تعزز حضورها التنموي في مدن الصحراء المغربية باستثمار ضخم    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    الحرس المدني الإسباني يوقف صيادين مغربيين بتهمة تهريب مهاجرين    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    موعد الحسم.. هذا توقيت مباراة المغرب وسيراليون في ربع نهائي كأس إفريقيا    شاهد.. سائحات يطلبن من لامين يامال أن يلتقط لهن صورة دون أن يعرفن من يكون    رفع تسعيرة استغلال الملك العام من 280 إلى 2400 درهم للمتر يغضب المقاهي ويدفعها للإضراب    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    "كان" الشباب... المنتخب المغربي يختتم تحضيراته استعدادا لمواجهة سيراليون    كلاسيكو الأرض.. برشلونة يسعى لحسم الليغا وريال مدريد يبحث عن إحياء الأمل    بوتين يقترح إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول انطلاقا من 15 ماي    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    القاهرة.. تتويج المغرب بلقب "أفضل بلد في إفريقا" في كرة المضرب للسنة السابعة على التوالي    زيلينسكي: روسيا تدرس إنهاء الحرب    تحريك السراب بأيادي بعض العرب    غ.زة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم    أجواء احتفالية تختتم "أسبوع القفطان"    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    طقس الأحد: زخات رعدية بعدد من المناطق    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب جنوب البيرو    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    بعد فراره لساعات.. سائق سيارة نقل العمال المتسبب في مقتل سيدة مسنة يسلم نفسه لأمن طنجة    الأشبال: الهدف التأهل إلى المونديال    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    التعاون الفلاحي يتصدر إعلان نواكشوط    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هَلْ نَنْتَحِرُ جَمِيعَا ؟... لِتَرْتَاحُوا !!!
نشر في هسبريس يوم 29 - 09 - 2016

ها هو طفل يضع حدّا لحياته بنواحي مدينة "آزرو" لأن أمه لم تستطع توفير لوازمه الدراسية ولأنه أحس ب "الحكرة" في وطن لا يضمن أدنى شروط العيش الكريم لفئة عريضة من أبنائه...هذا ليس شابا عاطلا أو كهلا خمسينيا يئس من الحياة !!! هذا مجرد طفل !! أتعلمون ما معنى أن ينتحر طفل ؟؟؟ الأطفال لا تؤرقهم مشاكل الكبار...أحلامهم صغيرة كأجسامهم. أليس هذا الطفل الفقير يحلم بمحفظة بسيطة تضم أدواته الدراسية كباقي التلاميذ ليتجنب الإحراج أمام أستاذه و نظرات زملائه في القسم؟ بلى، كان هذا المطلب البسيط كافيا ليدفعه للانتحار، وليته ما فعل...
مفارقة بحجم ظلم هذا البلد، ففي الوقت الذي ينتحر فيه طفل فقير بسبب "اللوازم الدراسية" يخرج علينا مرشحون انتخابيون يجوبون الأزقة تسولا للأصوات وقد تركوا أبناءهم في أحسن المدارس الخاصة، ومنهم من يدرس أبناءه خارج البلد، هذا إن لم يكونوا محسوبين على بلد آخر من الأساس، فقد انتبهوا إلى مسألة "التجنيس" وصاروا يسارعون للحصول على جنسيات "غربية"، فإن لم تكن لهم فعلى الأقل لأبنائهم، صاروا يسفّرون زوجاتهم الحوامل ليلدن في بلدان أوروبا وأمريكا ضمانا لتجنيس أبنائهم. وكيف لا يفعلون وهم لا يثقون في مؤسسات هذا البلد كلّها، فهم أدرى بهشاشتها وفسادها منا جميعا.
لقد انتحر الكثيرون على طول تاريخ الفساد بهذا البلد التعيس، لكن الوقع هذه المرة كان شديدا، إنه طفل، "بُرْعُم" صغير يفترض فيه ما ليس فينا من أمل وحب للحياة. طفل لا يعلم أن بهذا البلد معطلين حاملين لمختلف الشهادات؛ من شهادة الحياة إلى شهادة الدكتوراه، لا يعلم أن بهذا البلد مرضى فقراء يهانون على أبواب المستشفيات العمومية يتأوهون دون أن يبالي بهم أحد؛ فقد صار صوت أنينهم مألوفا لا يثير أحدا، تماما كصوت البواخر التي تستنزف ثرواتنا السمكية في عمق البحار وكصوت الشاحنات التي تنقل الرمال والجواهر من مقالعها، وكصوت القطارات التي تنقل المعادن النفيسة لا تكاد تتوقف أبدا...كل هذه الأصوات صارت متشابهة في بلد لا يعلو فيه صوت على صوت الفساد.
نعم، إنه الفساد الذي ينخر هذا الوطن من رأسه حتى أخمص قدميه، السرطان اللعين الذي ينهش اقتصاد البلد، لا مكان للفقراء البسطاء في هذا الوطن، هم مجرد نسمات، أرقام إحصائية فقط يتسولون بها المعونات والهبات والقروض، يلجؤون للفقراء فقط ليجمّلوا ديمقراطيتهم المزعومة كلّما حلّ موعد "مهزلة الانتخابات"، وأي ديمقراطية هذه التي يستأثر فيها عشر عدد السكان بالثروة، مقابل طبقة فقيرة واسعة تحت عتبة الفقر وفوقها، وحتى الطبقة الوسطى خططوا لتفقيرها منذ زمن، وخصوصا في الخمس سنين الأخيرة، في أفق تحويل بلدنا لنظام إقطاعي يملك فيه قليل من الأغنياء كل شيء، ولا يملك فيه ثلّة من الفقراء أي شيء، حتّى أنفسهم !!
وطن جلّ ما فيه يدفع للانتحار، ولحسن الحظ أن للدين دورا قويا في كبح جماح هذه الممارسة "الانقراضية"، فلو لم يكن الدين يتوعد المنتحر بعذاب أليم في الآخرة جزاء على عدم قبوله قدر الله في الدنيا؛ لربّما كنّا أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة تهدد وجودنا. وهذا لا ينفي وجودها، إنما يؤكد دور الدين في كبحها فقط. المصيبة أن الله بريء من هذا القدر الظالم الذي نعيشه في هذا البلد، فالله بريء من الفساد الاقتصادي والسياسي، بريء من نهب خيرات هذا البلد وتفقير أبنائه، بريء من الاستبداد والظلم والقمع. الله بريء من كل هذا وغيره. وهو الملجأ الوحيد لمقهوري الوطن، أليس المغاربة يعبّرون دائما "عندنا الله" كلّما أحسوا بغربة في وطنهم !! بلى، فقد صدق من قال أن الأغنياء لم يتركوا للفقراء غير الله، وعلى منواله نقول أن "المستبدين لم يتركوا للمقهورين غير الله" يستنجدون به، فليس عيبا أن تكون غنيا من عرق الجبين، العيب أن تصبح مستبدا تجمع بين المال والسلطة وتستعبد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا على حد قول "عمر بن الخطاب".
إن هذا الطفل بعفويته التي قادته للموت، يعيش في داخل نسبة كبيرة من مقهوري هذا الوطن، وأكيد أنهم فكروا في الانتحار مرّات ومرّات من هول الضغط النفسي المزمن الذي يعيشونه، منهم من أقدم على فعله ومنهم من لازال ينتظر ساعته.
ماذا يفعل طالب درس بجد واجتهاد وكله أمل في تحصيل عمل يعين به أسرته، أسرته تعقد أملها عليه وهو يعقد أمله على دولة فاشلة، هو لم يخلف وعده مع أسرته لكن وطنه أخلف الوعد معه ورمى بأحلامه في القمامة. لقد صار فجأة معطلا، ليس عن العمل. بل عن الحياة كلها، فقد الأمل في كل شيء...ماذا ينتظر منه المستبدون بهذا الوطن، إنه ليس أحد أبنائهم أو أبناء أعيانهم، هو ابن وسط فقير وجوده خير منه العدم بالنسبة لهم. إنهم ينتظرون بروز الطفل بداخله بعفويته واندفاعه ليضع حداّ لحياته فيريح ويستريح !!
يدفعون أبناء الوطن دفعا للانتحار، فقد يصيحون يوما من أبواق منابرهم أن الانتحار شهادة في سبيل الله والوطن "للفقراء فقط" ما دام هؤلاء عالة على وطن في قبضة زمرة من الفاسدين يقتسمون خيراته في دائرة ضيقة لا تسع غيرهم. يفعلون كلّ شيء خارج هذا الوطن؛ يستثمرون ويدرسون ويعالجون...أما هنا، فينهبون فقط، لا ينقصنا إلا لافتات ضخمة عند مداخل البلد البرية والبحرية نكتب عليها في إطار "الشفافية" هذا وطن للنهب !!
والحال هذه، لا يسعنا إلا توجيه رسالتين، واحدة للسماء نطلب فيها أزكى الرحمات على كل من وضع حدّا لحياته جراء احساسه ب"الحكرة" في هذا الوطن، ومنهم روح هذا الطفل الذي أدمى قلوبنا، ورسالة أخرى لأحياء هذه الأرض الطاهرة:
نحن أصحاب هذا الوطن وليس هؤلاء الزمرة من اللصوص: دعونا ننبذ فكر الانتحار... دعونا نتشبث بالحياة على هذه الأرض... هذه أرضنا، نحن منها وهي منّا، دعونا نفضح اللصوص ونصرخ في وجوههم بحقوقنا كأصحاب أرض وليس كلاجئين فيها... سنعيش حياة واحدة في جميع الأحوال؛ انتحرنا أم استمرينا، فلنحياها إذا ضدّا عليهم...
ملحوظة: هذا واقعنا بكل أسف، وواقعة الطفل المنتحر نقطة انطلاق فقط، فحتى وإن كان قد انتحر لأسباب أخرى فهذا لا يمس مشروعية كتابة هذا المقال البثة، لأننا نتحدث عن واقع مغربي عام وليس عن حالات معزولة.
[email protected]
https://www.facebook.com/rachid.sociologie.7


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.