منذ نهاية القرن 19، بدأت الصورة تتسلل إلى البلاط السلطاني بالمغرب؛ حيث أبدى السلطان المولى عبد العزيز ولعا شديدا بتقنيات التصوير من خلال استقدام مصورين فرنسيين، واقتناء آلات للتصوير استعملها لالتقاط صور لبعض حريمه. ومنذ الثلاثينيات من القرن 20، أصبحت الصورة تلعب دورا أساسيا في الحياة السياسية بالمغرب؛ حيث استخدمت صور الملك في إطار الصراع بين سلطات الحماية والحركة الوطنية. وبعيد الاستقلال، تحول البث التلفزي إلى آلية لنقل مختلف المراسيم المتعلقة بالاستقبالات الملكية والأنشطة التي يمارسها الملك، سواء من خلال تدشيناته للمشاريع أو ترؤسه للمجالس الوزارية أو قيامه بتعييناته للوزراء أو لسامي الموظفين أو من خلال تنقلاته وسفرياته إلى الدول الأجنبية؛ حيث تنقل مشاهد أعضاء الحكومة والمستشارين وكبار الشخصيات المدنية والعسكرية وهي مصطفة حسب الترتيب البروتوكولي للانحناء أمام الملك وتقبيل يده. ونظرا للتأثير السياسي لهذه الصور، فقد وظفت في تهييئ الرأي العام لعملية الخلافة على العرش؛ حيث كان المشاهدون المغاربة يلاحظون أثناء النقل التلفزي لخطب الملك الحسن الثاني كيف كان يتم التركيز على اللقطات التي يقوم فيها ولي العهد آنذاك سيدي محمد بدفع أو تنحية الكرسي الذي يجلس عليه والده قبل إلقاء خطبة أو بعد إنهائها. وبالتالي، فقد تحولت الصور الملكية، سواء الثابتة أو المنقولة، إلى آلية لتكريس الشخصنة والمركزة داخل النظام السياسي بالمغرب، بالإضافة إلى آلية لتكريس الشعبية السياسية للملك. الصور الملكية كتكريس للشخصنة السياسية لعبت الصورة، منذ بداية التسرب الأوروبي إلى المغرب دورا أساسيا في تكريس شخصنة السلطة في شخص الملك. لذا، فقد كان انتشار صور الملك محمد الخامس وتعليقها في البيوت المغربية يندرج في سياق تكريس الهوية الوطنية للبلاد، وتقوية الشرعية الشعبية للملك في مواجهة سلطات الحماية. كما كان يندرج أيضا في سياق التخليد السنوي لذكرى عيد العرش بما يصاحب ذلك من احتفالات شعبية وتعليق للأعلام الوطنية وصور الملك. ولعل إدراك سلطات الحماية خطورة التأثير السياسي لهذه الصور هو الذي دفعها، خاصة بعد الانقلاب العسكري للمقيم العام غيّوم على الملك محمد الخامس ونفيه خارج البلاد، إلى منع تعليقها ومعاقبة كل من يقوم بذلك. لذا شجعت فعاليات الحركة الوطنية، بما فيها حزب الاستقلال، المخيال الشعبي على تمثل "رؤية الملك محمد الخامس فوق السطوح، مما كان يثير سخط سلطات الحماية وإثارة بعض ردودها العنيفة". وقد تكرس هذا المنحى بعد الاستقلال؛ حيث أصبحت صور الملك محمد الخامس، وخاصة خلفه الملك الراحل الحسن الثاني، منتشرة في أنحاء المملكة، سواء بمفرده أو مع أفراد عائلته، مما دعم شعبيته وقوى من ركائزها، ودفع المؤسسة الملكية إلى تعيين مصور خاص كمحمد مرادجي والمصور الصيني لي ليرافقا الملك في مختلف تنقلاته وأنشطته ويلتقطا صورا تجسد تحركاته وتثبتها في أوضاع فوتوغرافية تكرس هيبته السياسية وكريزميته الزعماتية واتساع شعبيته، في وقت احتدم فيه التنافس حول اقتسام السلطة بالمغرب بين مكونات الحركة الوطنية والملك الحسن الثاني. وهكذا أصبحت صور الملك من الرموز السياسية الرسمية في المملكة؛ إذ كما تعلق راية البلاد فوق البنايات والمرافق العمومية، تعلق الصور الملكية على جدران المصالح والأقسام بالإدارات والوزارات المغربية، إضافة إلى تعليقها في مختلف الأماكن والمحلات العمومية، من مقاهي ومتاجر وغيرها. وقد ساعد انتشار الصور الملكية على نشر وتكريس كل القيم المخزنية، وهكذا تجسد الصورة الرسمية المعلقة في المؤسسات العمومية، خاصة على جدران حجرات الدراسة، السلطة في شخص الملك واحتكاره لكل وسائل الحكم بالبلاد. كما تجسد صورا أخرى للملك بين أفراد عائلته أو بمفرده دوره الأبوي وراعي الأمة. بالإضافة إلى ذلك، هناك صور أخرى تركز على مظاهر تتويج الملك وتربعه على العرش؛ سواء من خلال: - التركيز على ركوب الملك على جواده ومظلته في إشارة إلى القوة والمنعة. - التركيز على وضعية جلوس الملك ووراءه كرسي العرش كعلامة على استقرار الحكم واستتبابه. - التركيز على اللباس التقليدي أو السبحة والعربة واليد المرفوعة كإشارة لسمو المرتبة الدينية للملك على أساس اعتباره أميرا للمؤمنين. كما تشكل الصور المنقولة للملك عبر شاشة التلفزة أداة أخرى لهذه الشخصنة؛ حيث هناك طقوس مراسيمية لإخراج كل التحركات والزيارات والأنشطة التي يقوم بها الملك في إطار تلفزي مضخم ومثير. وعادة ما تعمل التلفزة بأدواتها وتقنياتها السمعية والبصرية التي تتطور باستمرار على إضفاء هالة من القدسية على شخص الملك، وبالتالي يصبح كل تحرك من تحركات الملك (زيارة إلى إقليم، تدشين مشروع، إعلان عن قرار…) عبارة عن حدث سياسي يتم تمجيده، وإلى مراسيم تلفزية تكرس شخصنة السلطة، وتركز على شخص الملك كوحدة مركزية لكل القرارات والمشاريع، مما يكرس ليس فقط حكما ملكيا مشخصنا بل حكما خاصا وفرديا. وإلى جانب مختلف هذه الصور التي تجسد دور الملك كأب "للجميع " ورب "الأسرة الكبيرة والصغيرة"، ودوره كأمير للمؤمنين من خلال لباسه التقليدي وسبحته وسجادته ومظلته وجواده، هناك صور أخرى تشبه إلى حد بعيد الصور المنتشرة في عدة دول أوربية، والتي تركز على بعض المناحي من وجه الملك، كعينيه اللتين لا تستقران على أي شيء معين، ويديه الموضوعتين على ركبتيه، علامة على القوة والمنعة والتعالي في وضع يشبه البورتريهات التي كانت ترسم لرؤساء أمثال لينين، أو أباطرة مثل الامبراطور قسطنطين؛ "حيث هناك ثبوت في تقاسيم الوجه بشكل لا يعكس أية حركة داخلية. والعينان واسعتان كأنهما غير مثبتان على أي شيء موجود أو مرئي، مما يعبر على الوضعية المتعالية للإمبراطور ووضعيته كحكم ومتحكم في القدر…". ومن خلال معالم بعض صور الملك التي يتم فيها التركيز على بعض حواس الملك، كإبراز أذنه كعلامة على أن "الملك يسمع كل شيء وعلى إلمام بكل ما يجري بأنحاء المملكة"، في حين إن التركيز على العينين واتساعهما دلالة على أن الملك على اطلاع على كل شيء والإيحاء بأنه فوق كل شيء، بينما إظهار اليدين رمز للقوة والمنعة بالإضافة إلى الحكمة والتبصر. الصور الملكية كتكريس للمركزة السياسية منذ بداية الستينات من القرن الماضي، أصبح البث الإذاعي والتلفزي يعبأ بشكل أساسي لنقل مختلف المراسيم المتعلقة بالاستقبالات الملكية والأنشطة التي يمارسها الملك، سواء من خلال تدشيناته للمشاريع، أو ترؤسه للمجالس الوزارية، أو قيامه بتعييناته، سواء لأعضاء التشكيلات الحكومية أو للموظفين السامين، أو تتبع تنقلاته، سواء داخل الوطن أو خارجه، يتم التركيز على الاستقبالات التي تخصص للملك، سواء أثناء زياراته إلى بعض مناطق المملكة؛ حيث تنقل صور الشخصيات السامية من رجال سلطة ونخب محلية وهي مصطفة لتقبيل يد الملك والانحناء أمامه، أو خلال تنقلاته وسفرياته إلى الدول الأجنبية؛ حيث تنقل مشاهد أعضاء الحكومة والمستشارين وكبار الشخصيات المدنية والعسكرية وهي مصطفة حسب الترتيب البروتوكولي للانحناء أمام الملك وتقبيل يده. كما تستخدم الإذاعة والتلفزة أيضا لنقل مختلف المراسيم المتعلقة بالاحتفالات التي تقام بمناسبة بعض الأعياد الدينية، كعيد الفطر وعيد الأضحى، وبعض الأعياد الوطنية كعيد الشباب وبالأخص عيد العرش الذي يتم فيه الحرص على النقل التلفزي لمراسيم حفل البيعة التي تكرس تتويج الملك وأداء فروض الطاعة والولاء من طرف النخبة السياسية، سواء الوطنية أو المحلية، للعاهل المغربي. وللإشارة، فقد وظفت هذه الأخيرة في تهييئ الرأي العام لعملية الخلافة على الملك؛ حيث كان المشاهدون المغاربة يلاحظون أثناء النقل التلفزي لخطب الملك الراحل الحسن الثاني كيف كان يتم التركيز على اللقطات التي يقوم فيها ولي العهد آنذاك سيدي محمد بدفع أو تنحية الكرسي الذي يجلس عليه والده قبل إلقاء خطبة أو بعد إنهائها. كما لاحظ المشاهدون المغاربة أثناء مراسيم التوقيع على وثيقة البيعة السرعة التي جذب بها الملك المتوج محمد السادس يده من يدي وزير الداخلية السابق الراحل إدريس البصري، الشيء الذي ألمح إلى الإقالة الوشيكة لهذا الأخير. الصور الملكية كتكريس للشعبية السياسية رغم مظاهر الهيبة السياسية التي حاول الملك الراحل الحسن الثاني أن يحيط نفسه بها من خلال الإجراءات الأمنية المشددة، والإصرار على إرغام الطبقة السياسية على إظهار فروض الطاعة والولاء، فقد حرص هذا الأخير على تدعيم شعبيته من خلال الزيارات الملكية للأقاليم وتوجيه خطب ملكية إلى "شعبه العزيز". كما التقطت للملك الراحل الحسن الثاني صور أقل رسمية؛ حيث التقطت له صور وهو حامل لبندقيته أو صور وهو يشرب كأسا من الشاي… لكن بقيت مع ذلك هذه الصور تتسم بغياب التلقائية ويغلب عليها الطابع السلطوي. لكن بمجرد تولي الملك محمد السادس العرش، ظهرت بعض مظاهر التخفيف من تعقيدات هذه المراسيم؛ وذلك من خلال تكريس صورة ملك القرب وتكسير العادات والتقاليد المخزنية. فإلى جانب شعار "العهد الجديد"، سوق الحكم صورة للملك ترتكز على القرب من الشعب ومختلف فئاته، خاصة شرائح الشباب والطبقات الفقيرة والمستضعفة. وتكريسا لصورة القرب هذه، شوهد الملك محمد السادس مرات عدة وهو يقود سيارته لوحده، ويتوقف أمام الإشارات الضوئية للمرور، ويدفع فاتورات حسابه في المقاهي والمطاعم التي يرتادها. بالإضافة إلى ذلك، اعتاد الملك محمد السادس في كل الزيارات التي يقوم بها إلى مختلف الأقاليم أن يتخطى الحواجز الأمنية التي تفصله عن الجماهير الشعبية التي تستقبله، ويحرص على مصافحة بعض الأيادي التي تمتد له، مما كان يزيد من عبء مهمة الحراس الخاصين المحيطين به لضمان أمنه والحفاظ على سلامته. وفي هذا السياق، وظفت الصورة لترسيخ هذا الجانب؛ حيث لجأ الحكم الجديد إلى ترويج صورة للملك الشاب وهو في أوضاع أقل رسمية وأكثر حميمية. فقد التقطت صور للملك وهو جالس بإقامته مع كلبه، كما التقطت له صور وهو يضع قبعة من القبعات الخاصة بفئة خاصة من الشباب المحب للموسيقى الشعبية، والتقطت له صور وهو يمارس رياضته المفضلة وهي التزحلق على الماء (جيت سكي). وكل هذه الصور كانت تباع، خاصة في بداية عهد الملك محمد السادس، لجماهير الشباب المغربي بأثمنة رمزية. كما سعى الحكم الجديد إلى تكريس صورة "ملك الفقراء" في الأذهان من خلال نقل صور يشرف فيها الملك محمد السادس على بعض الأعمال الخيرية والاجتماعية وتدشين دور الطالب وتقديم بعض الوجبات الغذائية في رمضان، واستقبال المعوقين، بالإضافة إلى الإشراف الملكي على تأسيس بعض المؤسسات الاجتماعية كمؤسسة محمد الخامس، ومؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية. وعموما، يبدو أن نظام حكم الملك محمد السادس قد ركز بشكل كبير على توظيف الصورة كآلية من آليات التواصل السياسي، سواء في رحلاته إلى الدول الأجنبية؛ حيث يتم الحرص على نقل صور الملك وهو يلتقط صورا مع بعض مواطني هذه الدول أو بعض مغاربة دول المهجر، أو على الصعيد الداخلي؛ حيث عادة ما تتناقل المواقع الإلكترونية صورا للعاهل المغربي مع بعض المواطنين، خاصة من الشباب، في وقت انتشرت فيه وسائل التكنولوجيا التصويرية العصرية، وفي مجتمع يولي للصورة أهمية كبرى ويستهلك بنهم شديد كل ما يتعلق بالمرئي. وهذا بالطبع ما يقوي من تأثير الصورة في المخيال السياسي لعموم المغاربة ويتحكم في سلوكياتهم واستبطانهم للسلطة وتماهيهم معها.