دخلت جوائز الأوسكار في دورتها 98 لعام 2017 من بوابة التنوع الثقافي والعرقي، لتفسح هوليود الطريق أمام المواهب السمراء والأقليات للتعبير عن ذواتها عبر لغة سينمائية تنسجم مع هويتها الثقافية والعرقية. "ضوء القمر": أحسن فيلم نكرر هذه العبارة: هل فيلم "ضوء القمر" هو أفضل فيلم في هذه السنة؟ يتكرر صدى هذا السؤال الاستنكاري بشكل غريب وبأمر لا يصدق داخل قاعة الجوائز وخارجها لما فيه من تجاوز للكثير من الوضعيات باعتباره فيلما أسود، ولما فيه من تحديات للرئيس الجديد رونالد ترامب المناهض للأقليات. بهذا تضع هوليود نفسها في مواجهة هذا الرئيس. وستكون هذه الجائزة بداية المواجهة في إنتاج سلسلة أفلام المواجهة سترى النور خلال ما تبقى من ولاية هذا الرئيس. يحكي "ضوء القمر"، للمخرج باري جينكينز، عن ثلاث مراحل نشأة شاب أسود يعيش في حي مضطرب نتيجة للفقر والمخدرات ويحاول شق طريقه في الحياة. حظي الفيلم بإعجاب النقاد والصحافة؛ إذ تنوعت عبارات الإشادة به بين "رفيع المستوى"، بحسب مجلة "فاريتي"، و"رائع"، وفقا ل"وول ستريت جورنال"، و"تحفة فنية"، على حد قول "نيويورك تايمز". فوز هذا الفيلم هو بمثابة رد أكاديمية هوليوود على سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ودليل منها على إيجاد فسحة للتنوع في الترشيحات التي أثارت الجدل في النسختين السابقتين في ما يخص أصحاب البشرة السمراء. داميان شازيل: أحسن مخرج كما كان متوقعا يفوز داميان شازيل، المخرج الشاب الأكثر حظا وحظوة بجائزة أفضل مخرج، وهي من أرفع الجوائز؛ إذ هي اعتراف صريح بموهبة هذا المخرج الشاب وعلو كعبه في الاخراج السينمائي. فوز المخرج هو تتويج لمشاركة الفيلم في 13 مهرجانا دوليا؛ إذ فاز فقط سنة 2016 ب13 جائزة دولية، ترجمت الشغف الإعلامي والمتابعات النقدية والاحتفاء الجماهيري الذي صاحب هذا المخرج وفيلمه "لا لا لاند" (مدينة النجوم). المخرج، ذو 31 عاما، له ثلاثة أفلام، وبمسيرة سينمائية متواضعة جدا منذ 2009؛ فيلمه للتخرج في جامعة هارفارد بعنوان "رجل ومادلين" (2009/ بالأبيض والأسود) يحكي قصة بالموسيقى والرقص، ثم فيلمه الغنائي الثاني "ويبلاش" (2014)، وفيلمه "لا لا لاند" ب14 ترشيحا، ضمنها أفضل مخرج في محاولة لتحطيم رقم الترشيحات بعد فيلم "كل ما يتعلق بحواء" 1950، و"تيتانيك" 1997. في الفيلم نجد كلا من الممثل رايان غوسلين، والممثلة إيما ستون التي فازت بأفضل ممثلة. الأول عازف جاز على البيانو والثانية ممثلة. ويبحث الاثنان عن تحقيق قصة حب غريبة وسط ظروف مستحيلة، وتحقيق حلم إثبات الذات في واقع اجتماعي واقتصادي صعب. بهذا تتحقق أمنية داميان شازيل، الطفل المدلل في هوليود، ومعها صعود مخرج هوليودي شاب. جوائز الأوسكار سمراء سجل أوسكار 2017 في نسخته 98 حضورا قويا للنجمة إيما ستون ذات 28 عاما، فهي من مواليد 1988، حضرت بقوة هذه السنة بأربعة عروض أفلام مقدمة لها في طليعتها فيلم "أغاثا كريستي" 2017. نالت الممثلة ايما جائزة أفضل ممثلة عن دورها في الفيلم الغنائي "لا لا لاند"، أو "مدينة النجوم". وبهذا تدخل هذه الممثلة الشابة مدرارات النجوم الكبار في هوليود، وسيتم تسليط الضوء عليها وعن حياتها الشخصية والفنية من خلال ما ستحظى به من مقابلات. كما فاز الممثل كيسي أفليك بجائزة أحسن ممثل عن فيلم "مانشستر في مواجهة البحر"، للمخرج كينيث لونيرجان. يسلط الفيلم الضوء على الألم الذي يشعر به لي تشاندلر، الذي يجسد دوره كيسي أفليك، الشقيق الأصغر للنجم بن أفليك، حينما يستعيد ذكرياته التي يضطر لمواجهتها لدى عودته إلى مسقط رأسه، مدينة مانشستر باي ذا سي، للعناية بابن شقيقه الذي يتوفى بشكل مفاجئ. فيلم عن صراع الأجيال، حينما يجد إنسان ما في مواجهة طفل ورعايته فقد كل الحنان والثقة فيما حوله. وبهذا الفيلم تترشح شركة التجارة الأمريكية عبر الإنترنت (أمازون) لأول مرة للأوسكار. للإشارة جاءت جوائز هذه السنة شبه منصفة؛ إذ منحت الممثلة السمراء فيولا ديفيز أفضل ممثلة في در ثانوي عن فيلم "أسوار" من إخراج دنزل واشنطن. تدور أحداث الفيلم في الخمسينيات بمدينة بيتسبرج الأمريكية، حيث يجسد واشنطن دور روي ماكسون، لاعب بيسبول سابق، ينتهي به المطاف كجامع قمامة يعيش مع زوجته وابنه ويحاول أن يتصالح مع ماضيه. كما حظي الممثل الأسمر ماهر شالا علي بأفضل ممثل ثانوي عن فيلم "ضوء القمر". وبهذا الفوز أصبحت ثلاث جوائز أساسية؛ جائزة أحسن فيلم، وهي من أرفع الجوائز على الاطلاق، وجائزتا أفضل ممثلة وأفضل ممثل في دور ثانوي، فاسحة المجال أمام مواهب وطاقات سمراء وأمام التنوع الثقافي. ينضاف إلى هذه الجوائز ذات التنوع الثقافي فوز الفيلم الايراني "البائع"، للمخرج أصغر فرهادي، بجائزة أفضل فيلم أجنبي غير ناطق باللغة الانجليزية. وهي الجائزة نفسها التي تحصل المخرج عليها عام 2013.
