توقيع اتفاقية شراكة بين الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة والمديرية العامة للأمن الوطني    دعم غامض للمصحات الخاصة يجر وزير الصحة إلى المساءلة البرلمانية    بركة يتحدث بلسان الحقيقة والمسؤولية لجيل يبحث عن الثقة    اسرائيل تستمر في احتجاز عزيز غالي ومغربيين أخرين    "الجمعية" تعقد لقاء مع بوريطة بشأن استمرار احتجاز غالي وبن الضراوي في السجون الإسرائيلية    فيفا يطرح تذاكر مباريات كأس العالم ابتداء من 20 درهماً    الركراكي يهنئ لاعبي المنتخب المغربي على انجازاتهم الفردية رفقة أنديتهم    ماتيوس: بايرن هو الأفضل في أوروبا    مونديال كرة القدم لأقل من 20 سنة (ثمن النهائي).. نزالات قوية لتأكيد التفوق والعبور إلى دور الربع    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية واسعة للتحسيس والكشف المبكر عن سرطاني الثدي وعنق الرحم    استئنافية الرباط تؤيد حبس الناشطة ابتسام لشگر سنتين ونصف    بايتاس: مطالب "جيل زد" تحظى بمتابعة الحكومة والإصلاحات الاجتماعية مستمرة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم        النيابة الإسبانية تطالب ب50 سنة سجنا لمغربي متهم بتنفيذ هجوم إرهابي            فوز ثلاثة علماء بجائزة نوبل في الفيزياء    أداء إيجابي في بورصة الدار البيضاء    وزارة النقل توضح موقفها من خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية    كيوسك الثلاثاء | إصلاح المدرسة العمومية رهين بانخراط الطاقات التربوية الخلاقة    إسرائيل تطلق نشطاء وتحتفظ بمغربيين    استقالة الحكومة وإصلاح شامل للتعليم والصحة والقضاء.. شباب "جيل زد" يبسطون الخطوط العريضة لمطالبهم    محكمة تونسية تطلق سراح مواطن حُكم عليه بالإعدام بسبب انتقاده للرئيس    مولودية وجدة يحقق فوزه الأول وشباب المحمدية يتعثر    مقاطع تعذيب تُروَّج ضد الأمن الوطني ومصدر أمني يكذب ويكشف الحقيقة    67 قتيلا حصيلة انهيار المدرسة في إندونيسيا مع انتهاء عمليات البحث    تقرير غوتيريش يوصي بتمديد ولاية "المينورسو" ويكشف موافقة أممية على بناء ملاجئ عسكرية مغربية في الصحراء    المفوضية الأوروبية تشيد بتوقيع الاتفاق الفلاحي المعدل مع المغرب    المغرب ‬وجهة ‬سادس ‬أكبر ‬ناقل ‬بحري ‬في ‬العالم ‬لفتح ‬خط ‬تجاري ‬جديد    المغرب ‬يصوب ‬التوجهات ‬الفلاحية ‬لأوروبا.. ‬حين ‬تتحول ‬الحقول ‬المغربية ‬إلى ‬رئة ‬غذائية ‬لبريطانيا ‬ما ‬بعد ‬البريكست    من باريس إلى الرياض.. رواية "جزيرة القارئات" الفرنسية بحرف عربي عبر ترجمة مغربية    مباحثات إسرائيل و"حماس" "إيجابية"    حركة "جيل زد" تلجأ إلى سلاح المقاطعة للضغط على أخنوش    انطلاق "دوري الملوك" في السعودية    عمدة مدينة ألمانية يقترح إشراك التلاميذ في تنظيف المدارس    طقس حار في توقعات اليوم الثلاثاء بالمغرب    جدل بتطوان حول ميزانية 2026 بين الأغلبية والمعارضة    ارتفاع الذهب إلى مستوى قياسي جديد وسط الطلب على الملاذ الآمن    جيل Z اخترق الشارع، والإعلام .. ودهاليز الحكومة    هذا الموريسكي .. سر المخطوط الناجي (2)    دراسة: التدريبات الرياضية تقلل الإحساس بالجوع    الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"        أهم نصائح التغذية لشهر أكتوبر    دار الشعر بمراكش تنظم الدورة السابعة لمهرجان الشعر المغربي        عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    "الأشبال" أمام كوريا في ثمن "المونديال"    نادية صبري مديرة جديدة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    دراسة: فحص بسيط يكشف عن خطر الإصابة بالخرف قبل عقود من ظهور الأعراض    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب    منح جائزة نوبل في الطب لثلاثة علماء عن أبحاثهم في مجال التحكم في الجهاز المناعي    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام السياسي ليس شريكا ديمقراطيا
نشر في هسبريس يوم 15 - 07 - 2011

تميز تعامل النظام الملكي مع معارضيه الذين طالبوه بالمحاسبة وإعادة السلطة للشعب، على مدى مائة سنة، بالكلمة أو بالسلاح، بتصفيتهم سياسيا أو جسديا. كانت البداية مع العلماء والمجاهدين مطلع القرن العشرين، ثم ثنى باليسار والجيش، أواخر الخمسينيات وبداية السبعينيات، ثم ثلث بالحركة الإسلامية ورجال الأعمال، منتصف السبعينيات ومطلع الثمانينيات، وختم سياسات التصفية بالشعب المغربي، شعب "نعم" و"لا" على حد سواء، عام 2011.
لم يستهدف وحدة المغاربة في التاريخ المعاصر سوى فرنسا الاستعمارية عام 1930، حينما استصدرت الظهير البربري المشؤوم لتقسيم المغاربة إلى عرب وبربر، مثلما تفعل اليوم مهنئة النظام على "دستور ملكي" دق إسفين العداء بين المغاربة وزرع بذور الفتنة حول وثيقة الدستور، التي تعد، في الأنظمة الديمقراطية، أرقى تعبير عن إرادة الشعب ووحدته وقبوله العيش في ظل دولة موحدة. سبق لفرنسا الاستعمارية أن نفذت، بالتعاون مع السلاطين العلويين المتعاقبين، خلال النصف الأول من القرن الماضي، سياسات تقسيم المغرب إلى نافع وغير نافع وإلى بلاد المخزن وبلاد السيبة.
لقد فجرت هذه المؤامرات الاستعمارية والمخزنية على الشعب المغربي ودينه ووحدته العديد من الثورات، كانت أولاها ثورة الجيلالي الزرهوني، الملقب ب"بوحمارة" وثورة العلامة الشريف محمد بن عبد الكبير الكتاني، صاحب البيعة المشروطة وشهيد السلطان المعزول عبد الحفيظ، وثورة المجاهد القائد الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، وثورات الريسوني ، والمجاهد الحاج محمد سلام والمقاوم الشهيد احمد أكوليز، الملقب ب"شيخ العرب"، والشهيد عدي وبيهي والشهيد عباس المسعدي، وقافلة من الشهداء والمناضلين الأموات والأحياء، مدنيين وعسكريين، الذين طالتهم يد الغدر والاغتيال المخزنية وحلفائها من الغرب.
ليس في قاموس النظام الملكي، منذ السلطان إسماعيل حتى اليوم، مفهوم العيش والبناء المشترك ولا أدبيات الحوار واحترام إرادة الشعب أو قيمة الأمان، وإنما قامت الملكية، كما هي جميع الملكيات في العالم، على أن المواطنين هم رعايا "جلالة الملك"، وأنه إذا منح لهم شيئا فذلك تفضلا منه على رعيته، فتُعلَن تلك المنحة يوم عيد وطني، وإذا خطب فيهم سمي خطابا تاريخيا. لم يثن الملكيات، التي استطاعت البقاء حتى الآن، عن استبدادها وحكمها المطلق باسم الدين والحق الإلهي، سوى القوى السياسية والاجتماعية التي حملت مشروع إصلاح حقيقي والثورات الشعبية.
إن المتأمل في مسار الأحداث منذ ميلاد حركة شباب 20 فبراير، وردة فعل النظام والقرارات التي تلتها، والتعبئة التي قامت بها أجهزته، ودخول الملك شخصيا ساحة الصراع، ابتداء من فرض لجنة المنوني وآلية معتصم السياسية والاستقواء بالأحزاب المرتشية والزوايا ورعاع المجتمع وتحديد تاريخ الاستفتاء التأكيدي والانتخابات المقبلة وملابساتها دون اعتبار للشعب والقوى الحية الوطنية الصادقة، كل ذلك يشبه حفلة وداع أو سياسة الأرض المحروقة قسمت المجتمع المغربي إلى نصفين.
أراد النظام أن يقول للمطالبين بالتغيير والمؤيدين لملكية مطلقة على حد سواء، بل وللعواصم الغربية الحليفة، أن استقرار المجتمع المغربي ودوام مؤسساته ودولته رهين بملكية مهيمنة على جميع السلطات الدستورية بدعوى مواجهة "الغول" الإسلامي وإيقاف مد شباب الثورة العربية، ملكية تسود وتحكم بدون مساءلة أو محاسبة. إنها نفس السياسات التي اعتمدها الرئيس المخلوع حسني مبارك حتى آخر رمق في السلطة وقبله وبعده طواغيت عربية عفى عنها الزمن، انكشفت عوارتها وظهرت ماسكة بتلابيب عروشها كأنه مِلك خاص والناس مجرد خدم ورعايا.
لا يدرك النظام أن الذين يطالبونه اليوم بتقديم حساباته أمام الشعب و الانسحاب لترك الحكم لرئيس حكومة منتخب من قبل الشعب يحاسبه ويسائله، أنهم غير مستعدين لتقديم أي تنازل إضافي أكثر مما قدمته الأحزاب على مدى حكم الحسن الثاني. لم يعد لهذا الشعب وقواه الوطينة الجديدة ما يخسره وهذا هو سر الحرية التي يتحرك بها اليوم وطبيعة الشعارات التي يرفعها.
ليس من مصلحة الملكية أن تكون في مواجهة مع هذه الأغلبية التي ستزداد شكيمة وتنظيما وصلابة في مطالبها، وإذا كانت اليوم تطرح سقفا معتدلا، فقد تضطر، مع عنادها وترددها، إلى رفع مستوى هذا السقف. إننا نسمع صوت الشعب والشباب في مقدمته، قبل وبعد الاستفتاء، ونقرأ شعاراته، ونرى إصراره مع عدم احترام النظام لإرادته واختياراته السياسية والدستورية وإمعانه في المكابرة واطمئنانه لأحزاب باعت آخرتها بدنيا النظام وعواصم غربية حليفة تمده بكل أنواع التمكين السياسي والدعائي والاستخباراتي والأمني والاقتصادي. لقد بدأت الشعارات تحوم حول رمز النظام، بل أشارت إليه بالبنان والحناجر في العديد من المدن الالمغربية، مثل "لا لحاكم يهدر المال العام" و"جلالة الشعب يخاطبكم" و"إما تكاد ولا خوي لبلاد".
أهذه هي الشعارات التي كان ينتظرها النظام أو أحزابه الضالة والمضلة. لقد بح صوت الشعب وأعيته الوعود الكاذبة منذ استقلال باهت دفع أجدادنا من أجل نيله كاملا، في الأحراش والجبال، ثمنا غاليا من أرواحهم وحرياتهم، فأتى أحفاد النظام ونخبته السياسية والبورجوازية والإقطاعية وأكلوا الأخضر واليابس وتركوا لشبابنا قوارب الموت والسجون وغُربة الوطن والهجرة والدعارة والسياحة الجنسية والبطالة المستدامة.
لم يعد للشعب المغربي وحركته الشبابية، بعد أن أكد الملك عدم رغبته في بناء نظام سياسي ديمقراطي الكلمة الفصل فيه للشعب، سوى الشارع كملاذ أخير لمطالبته بالتنحي كليا عن ممارسة أي مسؤولية تنفيذية أو تشريعية أو قضائية أو دينية، وترك مهام إدارة شؤون الدولة لرئيس حكومة منتخب ديمقراطيا ولبرلمان قوي للقيام بواجباته ولقضاء مستقل لحماية القانون والمواطن والمؤسسات من الشطط والفساد.
يجب على شباب حركة 20 فبراير ألا يحيدوا عن هذه الاستراتيجية التغييرية وعن هذا المطلب السياسي الوطني وأن يوسعوا من دائرة فعلهم اجتماعيا ليشمل الطبقة الوسطى، ويجعلوا الطبقة الفقيرة قاعدة مشروعهم المجتمعي والسياسي ومصدر شرعيتهم النضالية، وعليهم ألا ينشغلوا بالأسئلة الملغومة التي يطرحها هذه الأيام بعض الصحفيين والفاعلين السياسيين المحسوبين على النظام.
ليس لحركة 20 فبراير أجندة زمنية، حتى تحاسب عما أنجزته أو يغرر بها بأنها أنجزت الكثير، وعليها أن تعطي الفرصة للنظام ليطبق "إصلاحاته الدستورية" ثم تتخذ آنذاك الموقف المتطلب. شباب الحركة لديهم دفتر تحملات وعهدة من الشعب ومن إحساسهم بالمسؤولية التاريخية التي ألقتها الأقدار على كاهلهم. على الحركة وقيادتها الشابة أن تحتاط من بعض الأبواق التي تعمل على تضخيم قوتها أو الادعاء بأن زخمها قد تراجع وأن تعاطف الشارع المغربي قد قل بسبب وجود السلفيين أو العدليين أو اليساريين في صفوفها. عليها أن تبقي وتقوي تحالفتها مع كل شرفاء الوطن، بصرف النظر عن انتماءاتهم الفكرية والسياسية، ولكن عليها أيضا أن تضع لها تنظيما قياديا موازيا ولجان عمل وموقع إلكتروني خاص بقراراتها وتحركاتها وبياناتها وبرنامجها السياسي والاجتماعي وبتطلعاتها نحو بناء مغرب الغد، مغرب بدون استبداد.
لقد أكدت الأحداث والوقائع، منذ الاستقلال، أن المؤسسة الملكية لم تكن جادة في خيار الديمقراطية، وإنما كانت مجرد مناورات سياسية مارسها الملك الحسن الثاني طيلة فترة حكمه الاستبدادي الغارق في التقاليد البالية، وسار عليها الملك محمد السادس، راهنت من خلالها دائما على ربح الوقت، يوما بيوم، وعلى خلق الفرقة داخل صفوف الأحزاب والحركات، بل داخل الحزب الواحد، وانتهجت سياسات الانشقاق وخلق أحزاب إدارية موالية لها،لإضعافها والتدخل في شؤونها التنظيمية والتحكم في مساراتها وضرب مصداقيتها الحزبية والسياسية لدى الشعب وقواعدها.
على النظام الملكي أن يعرف، بعد سقوط العديد من الأنظمة الاستبدادية الصديقة والشقيقة، بأن أقصر طريق للمشنقة هو اعتلاء أو الحفاظ على كرسي السلطة بالغصب وضدا على إرادة الشعب، من زين العابدين الهارب إلى علي صالح المحروق، ومن مبارك المعزول إلى القذافي المخبول وبشار الجراح.
لم يعد ممكنا العيش اليوم في المغرب بكرامة وديمقراطية ومواطنة إلا مع حاكم ديمقراطي يحترم إرادة الشعب، صاحب السلطة والشرعية الأصلي، كما لم يعد ممكنا العيش في المغرب في ظل حكم مطلق استبدادي، يريد أن يوهم المواطن البسيط والرأي العام الدولي الرسمي بأنه يمثل استثناء عربيا، وبأنه يمكن للاستبداد والديمقراطية أن يتعايشان، كما جربت أمريكا فكرة التعايش بين الاحتلال والديمقراطية في العراق وأفغانسان، تجربة أنجبت أشرس مقاومة ضد الاحتلال وديمقراطيته، سيكتب التاريخ عنها بأنها كانت إحدى الأسباب المباشرة في سقوط الإمبراطورية الأمريكية، كما تنبأ بذلك منذ سنين، وفي كلا الحالتين، الكاتب الأمريكي بول كنيدي، "صعود وسقوط القوى العظمى"، والكاتب الفرنسي جون بيير تيكوا، "محمد السادس، آخر ملوك الدولة العلوية".
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.