نيويورك تايمز: الصين تطرق أبواب المغرب باستثمارات ضخمة.. بوابة إلى أوروبا ورهان على المستقبل الصناعي    الحرب في كاشمير: من المستفيد الأول؟    رئيس موريتانيا يستقبل راشيد العلمي    إسرائيل ألقت 100 ألف طن متفجرات وأبادت 2200 عائلة وارتكبت نحو 12 ألف مجزرة في غزة    تطورات فاجعة فاس.. الحصيلة ترتفع وخمسة ضحايا من أسرة واحدة    ناصر الزفزافي يغادر السجن "مؤقتا"    أخنوش يحث الوزراء على تسريع وتيرة الحوار الاجتماعي القطاعي    محمد السادس في رسالة للبابا ليو الرابع عشر: المغرب أرض التعايش الأخوي بين الديانات التوحيدية    توقيف مروج مخدرات في محيط المؤسسات التعليمية بشفشاون    حملة مشتركة لتحرير الملك العمومي بميناء الحسيمة (صور)    ليبيريا تسعى للاستفادة من تجربة ميناء طنجة المتوسط    مع اقتراب الصيف.. وكالة تحذر من السباحة في سدود جهة طنجة تطوان الحسيمة    لطيفة رأفت تدخل على خط قضية "إسكوبار الصحراء".. والناصري يواجه اتهامات بالوثائق    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    تراجع عجز السيولة البنكية ب 9,28 في المائة من 1 إلى 7 ماي    ضواحي طنجة.. رجل أعمال أجنبي يحصل على 2 مليار سنتيم لمفرخة أسماك لم ترَ النور    افتتاح الجناح المغربي في المعرض الدولي للعمارة بينالي البندقية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    مجموعة برلمانية تدعو إلى بلورة استراتيجية وطنية شاملة ومندمجة خاصة بالذكاء الاصطناعي    نواكشوط: المنتدى البرلماني الاقتصادي الموريتاني المغربي ينطلق برؤية تكاملية وتنموية جديدة    علاء اللامي يكتب: ردا على المقولة المتهافتة «فوز مرشح ترامب» لباباوية الفاتيكان    باير ليفركوزن يعلن رحيل تشابي ألونسو نهاية الموسم    أخبار الساحة    ألونسو يعلن الرحيل عن ليفركوزن بعد موسم تاريخي بلا هزيمة    تحريض على القتل الممنهج والإعدام يورط هشام جيراندو في قانون الإرهاب    بنعلي: المغرب أحدث رسميا ثماني محميات بحرية موزعة على طول سواحله المتوسطية والأطلسية    السعودية تشارك في معرض الدوحة للكتاب ب 10 آلاف إصدار دعوي وتوعوي    الصويرة تحتضن الدورة الثالثة من المعرض الوطني للنزعة الخطوطية    بعد تتويجه بجائزة أحسن ممثل.. البخاري: المسار مستمر رغم المكائد    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. لوديي يستقبل وزير الدفاع بجمهورية كوت ديفوار    مهرجان ربيع الشعر الدولي بآسفي في دورته الثالثة يكرم محمد الأشعري    ندوة وطنية تكريما لسعيد حجي: المثقف والوطني    "انبعاثات" تضيء ليالي مهرجان فاس    أسرة أم كلثوم تستنكر استخدام الذكاء الاصطناعي لتشويه صوت "كوكب الشرق"    "نقابة FNE" تكشف تفاصيل الحوار    نائبة أخنوش تعتذر عن إساءتها لساكنة أكادير.. وممثل ال "العدالة والتنمية" في أكادير يطالب "الرئيس الغائب" بتحمل مسؤليته    صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي للمرة الثالثة    أجواء معتدلة غدا السبت والحرارة تلامس 30 درجة في عدد من المدن    نصف قرن في محبة الموسيقار عبد الوهاب الدكالي..    كوسومار تستهدف 600 ألف طن سكر    بدء منتدى برلماني موريتاني مغربي    سباق اللقب يشتعل في الكامب نو والكلاسيكو يحدد ملامح بطل الليغا    حكيم زياش يتصدر العناوين في قطر قبل نهائي الكأس    مباحثات حول هدنة في غزة جرت هذا الأسبوع مع الوسطاء    منتدى البحر 2025: رهانات حماية المحيطات والتنوع البيولوجي البحري محور نقاش بالجديدة    البطولة الاحترافية.. الجيش الملكي يتشبث بمركز الوصافة المؤهل إلى دوري أبطال إفريقيا    الذهب يصعد وسط عمليات شراء وترقب محادثات التجارة بين أمريكا والصين    "مؤثِّرات بلا حدود".. من نشر الخصومات الأسرية إلى الترويج للوهم تحت غطاء الشهرة!    عملة "البيتكوين" المشفرة تنتعش وسط العواصف الاقتصادية العالمية    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللصوص نوعان
نشر في هسبريس يوم 03 - 05 - 2017

لم يحدث وأن وقعت ضحية لعملية سرقة منذ حداثة سني، ولكن لكل شيء بداية وكانت البداية في الشهر الماضي وأنا أغادر مكتب المحامي مع زميل لي. استغل اللص انشغالي في الحديث مع رفيقي، ومدّ يده إلى جيب المعطف ونشل منه هاتفي المحمول. لم يكن الهاتف ذا قيمة مالية كبيرة، ولكن قيمته في كونه هدية من قريبة عزيزة على قلبي، ثم إنه كان سهل الاستعمال وشاشته لا تتعب بصري.
اعتدى عليّ شخص لا أعرفه ولا علاقة تربطني به. كان اعتداؤه مزدوجاً : استولى على شيء هو ملك لي، ثم أنه حرمني من جهاز أنا في أمس الحاجة إليه في تواصلي مع الناس. إنه النوع الأول من اللصوص : أشخاص يعيشون على فتات الناس، يسرقون جيوبهم وغسيلهم وأثاثهم وأشياء أخرى. أفعال تؤْذي ولكن ضررها محدود في الزمان والمكان، وعندما يسقطون في الفخ لا يرحمهم أحد، لا المارة ولا الشرطة ولا القضاء يُرمى بهم في السجون لمُدد قصيرة وبعد انقضائها يخرجون ليعاودوا الكرّة من جديد وهكذا دواليك. مهمّشون وقوارض يعيشون على فضلات المجتمع.
ومن المفارقات العجيبة أنه في نفس اليوم الذي سُرِق فيه مني هاتفي المحمول، كنت أغادر مكتب المحامي وقد استدعاني مع ثلّة من زملائي الأساتذة إلى مكتبه لمناقشة منطوق الحكم الذي أصدرته المحكمة الابتدائية في قضية رفعناها ضد زميلنا رئيس الجمعية الاجتماعية. وكانت التهم الموجّهة إليه هي : خيانة الأمانة والتزوير في محضر رسمي والعبث بأموال الجمعية. تُهم أثبتتها النيابة العامة بالدلائل والحجج القاطعة.
حكم القاضي بالتقادم. وقع هذا الحكم علينا كالصاعقة لم نصدّق أن القاضي حكم بالتقادم رغم أنه لا أثر له البتة. لم نرد أن نشك في نزاهة القاضي، ودفعنا بفرضية الخطأ في التقدير وعدم الفحص الجيّد لملف القضية. نصحنا المحامي بأن نحث النيابة العامة على الاستئناف قبل أن يفوت علينا الأجل المحدّد لذلك. ولكن بحمد الله وجدنا النيابة العامة قد فطنت لسوء تقدير القاضي وقامت بإجراءات الاستئناف. لقد استغل رئيس الجمعية ثقة المنخرطين وأعضاء المكتب الذي شكّله بنفسه ونهب أموال الجمعية وعندما طلبناه بردّ ما أخذه من أموال لم يأبه لنداءاتنا المتكرّرة مما دفعنا للجوء إلى القضاء.
لا وجه للمقارنة هنا بين اللص الذي سرق مني هاتفي المحمول ورئيس الجمعية الذي سرق أموالنا. فأما الأول فلصّ صغير، يقتات من جيوب المارّة وأثاث بيوتهم أو من غسيلهم المنشور على السطوح. ضرره قليل وغالبا ما تقبض عليه الشرطة ويحاسبه القضاء حسابا عسيرا بدون رحمة أو شفقة، وأما اللص الثاني فهو من طبقة اللصوص الكبار يعيش بيننا، ويحترمه الجميع ويقدّرونه. ماهر في التنكّر ولبس الأقنعة، يتقدّم الصفوف الأولى للمصلين في المساجد ويتصدّر المجالس للوعظ والإرشاد إذا ما دعي إليها. لسانه لا يتوقف عن ذكر الله والاستعاذة به من الشيطان الرجيم يبدأ كلامه بالبسملة وينهيه ب إن شاء الله، بذلته الرسمية الجلباب الأبيض والطاقية البيضاء والبُلغة ولحية مرخاة لا يفتأ يداعبها بأنامله. إنه يمثّل نوعا من اللصوص الجدد الذين تقمّصوا دور التقي الورِع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكثيراً ما يسقط الناس في فخ الثقة بهم فيسلبونهم أموالهم بدون وجه حق هؤلاء اللصوص الجدد منتشرون في جميع القطاعات ولا يستثنى منها قطاع التعليم بمختلف أسلاكه.
لهم شبكة من العلاقات تصلهم بأصحاب النفوذ مما يمكّنهم من الإفلات من العقاب وكثيراً ما يعجز القضاء على توجيه التهم إليهم ومحاسبتهم. هم أكثر الناس زيارة لبيت الله الحرام وبين كل حج وحج عُمرات وعُمرات يذهبون إلى الكعبة لكي يغسلوا عظامهم كما يقولون، وكأن الكعبة أصبحت مصبنة لغسل ذنوب هؤلاء وآثامهم. ومن يُدقّق في الأمر سيجد بأن الهدف من تلك الزيارات المتكرّرة إلى البيت العتيق هو هدف تجاري محض لقب واحد يجمعهم هو "سِيد الحاج" ومعه تنتفي باقي الألقاب الأخرى مهنية كانت أو غيرها. لا يتردّدون في دفع هبات مالية مهمة للمشاريع الخيرية لدرء غضب السلطات الدينية أو الإدارية الرسمية لكثرة معاملاتهم المشبوهة لقد اكتسبوا مهارات في فنون النصب والاحتيال حتى أصبحوا ينافسون غيرهم من اللصوص التقليديين الكبار بل وتفوقوا عليهم. كيف لا وقد جعلوا من الدين وثقة الناس بهم مطايا لقضاء مصالحهم. حتى الأحزاب لم يتركها هؤلاء بسلام. انتشروا في هياكلها وفي لجنها ومجالسها الوطنية، انتشار الوباء في جسم الإنسان، مستفيدين في ذلك من دروس الدعم التي وفّرها لهم اللصوص التقليديون الكبار ذوو التجربة الكبيرة في الانتخابات ودهاليز البرلمان. ويبدو أن الاستفادة كانت متبادلة بين هاذين الفرعين من اللصوص الكبار : أموال تضخّ في خزائن الأحزاب وسمعة طيبة مُفعمة بنفحات الدين الإسلامي الحنيف ونجاح مضمون في الانتخابات.
كل هذا مقابل برستيج المقعد البرلماني وقضاء المصالح وحصانة برلمانية من كل عقاب أو متابعة والناس على دين آبائهم يثقون في المرشّحين المتديّنين الأدعياء ويصوتون عليهم ولعل أكثر الأحزاب التي عانت وتعاني وستعاني من أذى هؤلاء الأدعياء هي تلك الأحزاب ذات المرجعية الدينية، إنها بقبولها لعضوية تلك الشرذمة من اللصوص تُعرّض نفسها ولا شك لانتقادات لاذعة من الناخبين الذين منحوهم أصواتهم ومن خصومها من الأحزاب المنافسة. ولكن سرعان ما ينكشف المستور ويظهر أولئك الأدعياء على حقيقتهم ولا يبقى من الزّيف إلا تلك الصورة المشوّهة والممسوخة التي حاولوا من ورائها خداع الشعب والقيادات الحزبية والوطن.
إنهم ليسوا كُثراً، أقلية قليلة من بين عشرات الملايين من المسلمين المغاربة الذين يحترمون تعاليم دينهم ويعملون جاهدين على الالتزام بها وحاشا أن نخلط بين هؤلاء اللصوص الملتحفين بالدين وغيرهم من المسلمين الآخرين وكم يؤاخَذُ تجار متديّنون وأرباب عمل ملتزمون وموظّفون سامون أتقياء بجريرة أولئك اللصوص الأدعياء. حتى أنه أصبح يُنظر إلى كل تقي ورعٍ على أنه متديّن دعيّ مزيّف وفي هذا إجحاف وظلم شديد لكل نزيه ملتزم بتعاليم دينه في هذا البلد.
إن أخطر عدّو يترصّد بلدنا ليس هو إرهابيو داعش ولا الحركات المتديّنة المتشدّدة الأخرى فهؤلاء قد خبرت مؤسساتنا الأمنية بفضل يقظة وحنكة رجالها كيف توقفهم عند حدّهم. ولكن الخطر الحقيقي يكمن في أولئك اللصوص الكبار بمختلف ألوانهم السياسية والإيديولوجية، الذين ينهبون خيرات البلاد ويمتصّون دم الشعب إنهم دولة داخل الدولة واجتثاثهم يتطلب منا جميعا اليقظة والحس الوطني والشجاعة على الوقوف في وجه المفسدين. وصدق الله العظيم إذ يقول :"إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.