يعتبر المال العام الترابي أداة أساسية في بناء ودعم التنمية المحلية بالجماعات الترابية ،لذلك فحماية هذا المال ومراقبته من لدن أجهزة الرقابة أمر ضروري وبالخصوص جهاز القضاء المالي لما يشكله من جهاز محايد في المراقبة ،وله من الوسائل المهمة ما تجعله أهم جهاز في الرقابة المالية الترابية. إن البحث في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية أمر مهم لاستجلاء الأدوار الأساسية للقضاء المالي .حتى نتمكن من نبين ما يتطلع إليه المغرب في توطيد رقابة القضاء المالي على الجماعات الترابية. وأن الحديث عن المستجدات التي أتت بها هذه القوانين التنظيمية يحيل إلى أهم مستجد في مجال الرقابة على مالية الجماعات الترابية ،وهو الحساب الإداري وما وقع له من تعديلات وتغييرات مست جوهره وكنهه. إن الحديث عن تعديل وتغيير الحساب الإداري في القوانين التنظيمية يجعل التساؤل أكثر حدة في ما الغاية من هذا التعديل؟ البحث في هذا السؤال يمكن الانطلاق فيه من دور الحساب الإداري ،الذي يشكل أداة سياسية ،لذلك فهو لا يخلو من اعتبارات سياسوية وانتخابوية أو حزبية أو مصلحية أو قبلية،فإنه في إطار جعل المحاسبة هي الأصل ،بل يجب أن تنتظر رفض المصادقة على الحسابات الإدارية حتى نخضعها لرقابة المحاكم المالية ،بل يجب تفعيل دور الرقابة المالية على كل الحسابات لقطع الطريق على كل تواطؤ بين المنتخبين هدفه التلاعب بالأموال العمومية لأن التجربة أثبتت أن بعض المجالس صادقت على حساباتها الإدارية ورغم ذلك توبع مسيروها من بعد ذلك أمام القضاء بتهم سوء تسيير المال العام. هذا وحسب مجموعة من الباحثين والممارسين في هذا المجال يرون أن تعديل هذا الحساب الإداري أمر منطقي لما يعاني منه من عدة إشكالات مست مختلف مراحله. مرحلة الحساب الإداري الأول والذي يكون فيه ستة أشهر للرئيس السابق وستة أشهر للرئيس الجديد فخلال هذه المرحلة يكون إشكال للأعضاء الجدد ،لأنهم لم يراقبوا إنفاق هذه السنة كاملة وحتى تنفيذ ستة أشهر المتبقية ،يبقى غير ذي جدوى على اعتبار أن الميزانية تصرف تقريبا بكاملها ولا يبقى كثيرا لصرفه .فهنا تخضع المصادقة لمعيار تشكيلة المجلس الجديد وعلاقته بالرئيس السابق ،يعني هل الرئيس السابق ينتمي لنفس الهيئة السابقة أم أنه ضمن هيئة معارضة وبالتالي إذا كان ضمن الهيئة فسيصوت على الحساب الإداري أو سيرفض في حالة العكس. مرحلة الحساب الإداري في السنتين المواليتين فخلال هاتين السنتين يكون الحساب الإداري قريبا من أهدافه الرئيسية ،ذلك أنه يكون المجلس أداة مراقبة ومحاسبة حقيقية للرئيس باعتباره الآمر بالصرف ،ويكون مختلف الأعضاء متحلين بالواقعية والجدية في مناقشة الحساب الإداري ،تبقى فقط بعض التشنجات التي يمكن أن تقع للرئيس مع أي عضو والذي يجد في الحساب الإداري مناسبة لتصفية الحساب مع الرئيس من خلال محاولة جاب بعض الأصوات لرفض الحساب الإداري. مرحلة الحساب الإداري قبل سنة الانتخابات البرلمانية فهذه المرحلة أيضا يغلب عليه طابع تسييس الحساب الإداري وذلك من خلال محاولة بعض الأعضاء بمناسبة الحساب الإداري الضغط على الرئيس إما لثنيه على الترشح مقابل تمرير الحساب الإداري إذا كان ينوي الترشح أو مساندته خلال هذه المرحلة لهيئة ينتمي إليها أغلب الأعضاء داخل المجلس. أما الحساب خلال السنة المتبقية : فإن السنة الأخيرة يبقى منها 6 أشهر فقط هنا يكون الحساب الإداري عبارة عن محاسبة شعبية للرئيس من طرف الأعضاء ،ذلك أنه إذا كان عموم السكان مرتاحون ،فإنه يتم التصويت على الحساب الإداري. إن إلغاء القوانين التنظيمية الجديدة للحساب الإداري يجعل الرؤساء غير خاضعين للرقابة والمحاسبة الداخلية للمجالس ،ما يعد مؤشرا غير مقبولا على عدم الاعتداد بالمبادئ الكبرى المتصلة بالتنزيل السليم لدستور فاتح يوليوز 2011 في جوانبه الرائدة والمجسدة لمفاهيم الحكامة الجيدة والتي كان الهدف منها تنزيل مبدأي المسؤولية والمحاسبة. إن التفحص الدقيق والعميق للقوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية يمكننا استنتاج مجموعة من المستجدات التي أصبح يضطلع بها القضاء المالي حيث نجد أن المشرع المغربي قد أعطى للمجالس الجهوية للحسابات دورا في مراقبة مالية الجماعات الترابية وفق المادة 214 من القانون التنظيمي للجماعات ،أنه تخضع مالية الجماعات لمراقبة المجالس الجهوية للحسابات طبقا للتشريع المتعلق بالمحاكم المالية. وهذا ما لا يوجد في الميثاق الجماعي حيث لا يتدخل المجلس لحساب المرفوض والمداولة المتعلقة بهذا الرفض والمستندات المثبتة التي قدمها المحاسب المعني بالأمر يصدر المجلس رأيه حول شروط تنفيذ ميزانية الجماعة داخل أجل شهر واحد من تاريخ عرض الأمر عليه وبناء على الآراء التي يبديها المجلس يقرر وزير الداخلية أو الوالي أو العامل الإجراءات التي يجب اتخاذها (المادة 144 من مدونة المحاكم المالية).فمن خلال القانون التنظيمي الحالي يتبين أن المجالس الجهوية تقوت اختصاصاتها بحيث أصبحت تتدخل بشكل مباشر ،تحت مسمى التدقيق السنوي. فعلى العموم يمكن القول بأن تقارير التدقيق ستكون أكثر واقعية وشمولية من الحساب الإداري ،خصوصا أن انجازها سيكون من طرف أجهزة مختصة وخارجية تتمتع باستقلالية تامة عن الجماعة. بل أكثر من ذلك فالتدقيق سيشمل جميع جوانب العمليات المالية والمحاسبية ،عكس الحساب الإداري الذي كان يبين النتيجة العامة للنفقات والمداخيل فقط. المراجع المعتمدة: - محمد يحيا :" المغرب الإداري " مطبعة اسبارطيل طنجة الطبعة الخامسة مع آخر المستجدات 2016 . - عادل وناصر / أحمد السكسيوي :" مكانة القضاء المالي على ضوء القوانين التنظيمية الجديدة " مجلة العلوم القانونية ،سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية ،العدد الرابع 2015 . الرشدي الحسين :" حذف الحساب الإداري وتعويضه بالتدقيق أية فعالية ؟ " مقال منشور بتاريخ 25 أكتوبر 2015 على الموقع www.marocdroit.com . - القوانين التنظيمية الجديدة المتعلقة بالجماعات الترابية .