تشكل الولادة حدثا يثير مخاوف المقبلات على الوضع لما يصاحبها من تغييرات فيزيولوجية وأمراض تظهر خلال مراحل تكوّن الجنين، قد تودي بحياة المرأة الحامل والجنين وسط مجتمع لازال يؤمن بزيارة الطبيب حتى الأيام الأخيرة قبل الوضع دون الحاجة إلى متابعة صحتهما معا طيلة 9 أشهر، إلى جانب غياب الوعي وصعوبة الولوج إلى العلاج وطول مواعيد الاستشارة الطبية. في هذا الصدد، قالت الطبيبة أم كلثوم حرتي إن "الجلوكوز ضروري ومهم لتكوّن الجنين لإمداده بالطاقة والمساهمة في نموه؛ لذلك فالتغيرات الهرمونية عند الحامل تجعل خلايا جسمها أقل استجابة للأنسولين". وأضافت أنه في بعض الأحيان "لا يستطيع البنكرياس مواكبة زيادة الطلب على الأنسولين في فترة الحمل، كما أن انخفاض الاستجابة للأنسولين قد تؤدي إلى مقاومة خلايا الأم لهذا الهرمون، وبالتالي زيادة معدل السكر في الدم؛ وهو ما يعرف بسكر الحمل، أو (diabete gestationnel) عند الأخصائيين"، مشيرة إلى أن سكر الحمل يعتبر من بين أحد أخطر مضاعفات الحمل التي تهدد حياة المرأة الحامل وسلامة الجنين ونموه الطبيعي. وشددت الدكتورة حرتي على أن أعراض المرض المذكور قد تكون غير واضحة لأنها تشبه، في كثير من الأحيان، أعراض الحمل العادي، ملخصة بعضا منها، التي اعتبرتها بمثابة ناقوس خطر لبداية المرض، في "الشعور بالعطش" و"زيادة الحاجة للتبوّل"، خاصّةً أثناء الليل، مع "فرط في الأكل و"تنمل يطال الأطراف" و"ظهور أعراض العياء والتعب". وعن طرق تشخيص المرض، طالبت الطبيبة المستقرة بالديار الكندية النساء الحوامل والمقبلات على الوضع ب"ضرورة إجراء اختبار لمعرفة نسبة السكر في الدم خلال الفترة الممتدة من الأسبوع 24 إلى غاية الأسبوع 28؛ وهو الاختبار الذي يرتكز على إعطاء السيدة الحامل مشروبا يحتوي على 50 غراما من السكر وقياس معدل السكر في الدم بعد مرور ساعة"، فإذا كانت النتائج عالية، تضيف أم كلثوم، يستوجب الأمر إجراء اختبار "تحمل الجلوكوز (glucose tolerance test) من خلال قياس معدل السكر قبل الأكل، ومعاودة قياس نسبة الجلوكوز بعد شرب محلول يحتوي على 100 غراما على مدى فترات زمنية، ساعة ثم ساعتين وثلاث ساعات". وأكدت الدكتورة أن أضرار سكر الحمل لا تؤثر على الأم فقط، وإنّما تمتد إلى جنينها وهو يكبر في رحمها، وأحياناً تبقى إلى ما بعد ولادته، مبرزة أن تعرّض الجنين لمستويات عالية ومركزة من جلوكوز في الدم، يؤدي بطريقة مباشرة إلى التأثير على نموّه الطبيعي كما يعيق تنفّسه. وإلى جانب الأخطار المذكورة سلفا، شددت حرتي على أن مرض السكري غير المشخص أو غير المتوازن قد يؤدي إلى عيوب وتشوهات خلقية تطال الجنين، أو موته قبل ولادته، كما قد يكون مسؤولا عن الإجهاض التلقائي أو المبكر، وقالت: "السكر الزائد في الجسم يعبر إلى الجنين؛ ما يجعله يفرز مستويات عالية من الانسولين الذي يمكن أن يكون بمثابة هرمون نمو وقد يتسبب في نمو الجنين بشكل مفرط"، وتسمى هذه الظاهرة ب "عملقة الجنين" (MAcrosomie)، وهي الزيادة التي ترفع من احتمال إصابة الجنين في كتفه خلال خروجه من المهبل. كما يمكن أن يؤدي سكر الحمل، تؤكد الطبيبة الشابة، إلى حدوث ولادة مبكرة قبل اكتمال نمو الجنين بشكل كامل وطبيعي، مستحضرة في هذا السياق عواقب أخرى بعد مرحلة الولادة تمتد إلى الرضيع، فمن الممكن أن تصيبه السمنة أو مرض السكري في طفولته. أما بخصوص أضرار سكر الحمل على الوضع الصحي للمرأة الحبلى، فلخصتها الطبيبة ذاتها في ارتفاع ضغط الدم، وزيادة خطر تعفن المسالك البولية، مع احتمال عودة ارتفاع السكري بحمل آخر مستقبلاً، لافتة إلى أنه في أغلب الأحيان يختفي سكر الحمل بعد الولادة، كما يبقى احتمال تطور سكر الحمل إلى مرض السكري من النوع 2 واردا، مشيرة إلى أن التاريخ والسجل المرضي للحبلى يرفعان احتمال وقوع هذا التطور (أي تطور سكر الحمل إلى مرض السكري من النوع 2 بعد الولادة). وأوردت الطبيبة المغربية أن ارتفاع نسبة الجلوكوز في الدم خلال فترة الحمل يضاعف من نسبة الخضوع لعملية جراحية قيصرية، كما يؤدي إلى تفاقم مشاكل صحية أخرى متعلقة بشبكية العين وأمراض الكلى. وبالإضافة إلى ذلك، فإن سكري الحمل هو أحد عوامل الخطر لارتفاع ضغط الدم خلال فترة الحمل، وهو ما يسمى ب"الرجاج" أو تسمم الحمل، وهي المضاعفات التي يمكن أن تتسبب في وفاة الأم والجنين على حد سواء. ودعت الطبيبة المقبلات على الوضع إلى "ضرورة تخفيض السعرات الحرارية في حالة السمنة وتقسيم السعرات الحرارية اليومية بين ثلاث وجبات رئيسية، وثلاث وجبات خفيفة، مع ضرورة أن يشتمل النظام الغذائي على 30 بالمائة إلى 40 بالمائة سعرات حرارية من الدهون غير المشبعة المتواجدة في زيت الزيتون والمكسرات كالجوز واللوز وفي بذور النباتات مثل الفول والأفوكا، إلى جانب الابتعاد عن الحلويات والأطعمة المشبع بالدهون والزيوت". وشددت الطبيبة أم كلثوم على أن الحمية الغذائية تشكل أول خطوة في مرحلة للعلاج، ناصحة بأكل الحبوب الكاملة كالخبز الأسمر وعدم تجاوز ثلاث فواكه في اليوم. وفي غياب موانع الولادة، نصحت المقبلات على الوضع اللواتي يعانين من سكر الحمل بضرورة القيام بنشاط بدني منتظم، مقترحة تخصيص 30 دقيقة ثلاث إلى خمس مرات في الأسبوع لممارسة الأنشطة الرياضية كالسباحة والمشي. وفي حالة لم يجد النظام الغذائي مفعولا، تضيف الطبيبة المواظبة على المشاركة في حملات طبيبة خيرية، ولم يتم التوصل إلى النتائج الإيجابية المرجوة بعد 7 إلى 10 أيام من القواعد الغذائية ونمط الحياة، يصبح العلاج بالأنسولين ضرورة ملحة. لا يمكن تحديد مشكلة الإصابة بسكر الحمل بشكل حتمي، غير أن الوقاية تبقى خيرا من العلاج، تؤكد حرتي، وتضيف أن للتغذية السليمة والتمارين الرياضية، والحفاظ على وزن الجسم الطبيعي قبل الحمل، دور حاسم في تقليل خطر الاصابة، حتى لو كان هنالك تاريخ لسكر حمل في الماضي. ولتفادي الإصابة بسكر الحمل، أوصت أم كلثوم بنات جنسها باتباع نظام غذائي متوازن بمساعدة أخصائي حمية وتغذية لتحديد الوجبات الرئيسية والوجبات الخفيفة المرافقة، مع الحرص على زيارة الطبيب خلال مراحل متفرقة من الحمل من أجل إجراء فحص سريري يمكن من خلاله معرفة نسبة الجلوكوز في الدم، والابتعاد عن الاجهاد والتوتر والتعب للحفاظ على صحة نفسية متوازنة.