لم تعد تخفى على أحد العلل التي أصابت المدارس العمومية بالمملكة؛ فالفضاءات التربوية تئن منذ زمن تحت وطأة داء لم تنفع معه ترقيعات الجهات الوصية على القطاع، لتتدهور بنياتها التحتية وتتحول من سيء إلى أسوأ، والتأكيد يأتي من تقارير المنظمات الدولية التي تضع المدرسة والتعليم المغربي في أسفل الترتيب. تشمل البنية التحتية للفضاءات التعليمية جميع مكونات المدرسة، من مبان وساحات ومراحيض ومكتبة وأدوات التدريس ومعدات المختبر، ولا تقتصر فقط على فضاء المدرسة الداخلي والخارجي. أما تعريفها الشامل، فهي بصفة عامة مجموعة من العناصر الهيكلية المترابطة التي توفر إطار عمل يدعم الهيكل الكلي للتطوير. بناء مفكك ومواد مسرطنة على مدى أسبوع كامل، تواصلت هسبريس مع فاعلين مدنيين وجمعويين ينحدرون من جماعات ترابية بعيدة أجمعوا على كون وضعية المدارس بمناطقهم متأزمة شكلا ومضمونا وتتدنى مردوديتها، مؤكدين ضعف البنية التحتية لبعض منها، وتآكل هياكل مبان أخرى، وتكسر زجاج نوافذ ببعضها، ونهب ممتلكات بعض منها من طرف اللصوص في العطل البينية، والأمرُّ من كل هذا كون البعض الآخر يفتقد إلى مرافق صحية. عبد الصمد الدكالي، الكاتب الإقليمي للفدرالية الديمقراطية للشغل بوزان، قال في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: "أغلب المؤسسات التعليمية التابعة للمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي بوزان متهالكة، خاصة تلك المتواجدة بالجماعات الترابية البعيدة عن أعين وعدسات الإعلام". وشدد الفاعل النقابي على كون "البناء المفكك في الإقليم أصل وغيره استثناء، لاسيما بالعالم القروي" مؤكدا في الوقت نفسه أن "جل فرعيات الإقليم تتضمن أقساما وفصولا دراسية يعود تاريخ بنائها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي؛ وذلك بالرغم من كل المجهودات الكبيرة التي بذلت وما تزال مستمرة من طرف المسؤولين الإقليميين للوزارة المتعاقبين على تدبير القطاع بالإقليم الجبلي". وأبرز الفاعل النقابي ذاته أن التساقطات المطرية الأخيرة "عرت واقع هذا النوع من البنايات التي بات وجودها يشكل خطرا كبيرا وأصبحت قنابل وشيكة الانفجار على رؤوس مرتفقيها، ليس فقط بسبب تآكلها وإمكانية انهيارها على التلاميذ أو تفكك سقوفها بفعل الرياح، ولكن بسبب احتوائها على مواد مسرطنة وانتهاء مدة صلاحية بعضها منذ 30 سنة، بحسب ما أكده مهندسون وتقنيون ووفق شهادات المختصين". وأشار المسؤول الإقليمي للفدرالية الديمقراطية للشغل بوزان إلى التبعات الصحية لهذا النوع من البناء على الأطفال التلاميذ والأسرة التعليمية، مستحضرا في هذا الباب "إصابة أستاذتين بنوع خاص من الشلل طال الجهاز الحسي الحركي وتضرر العظام في المؤسسة التي تضم فصولا من هذا النوع من البناء"، على حد قوله. وكشف المتحدث أن الجماعة الترابية عين دريج لوحدها يبلغ عدد الأقسام القابلة للتفكيك بها 46 قسما، موزعة ما بين مركز الجماعة والعزابة، بالإضافة إلى 6 أقسام من أصل 9 المتواجدة بمؤسسة جعفر بن عطية. أما بجماعة أسجن، القصية بحوالي 9 كيلومترات عن حاضرة دار الضمانة، يضيف المسؤول النقابي ذاته، فالبناء المفكك يغلب على المجموعات المدرسية ويشكل أكبر نسبة بحوالي 30 قسما مستعملا حاليا، منها 5 أقسام بمدرسة المسيرة و4 من أصل 5 بالغويبة العنصر، و3 من 4 بجماعة بريكشة. وقال الدكالي: "بمجموعة مدارس بني محمد يوجد أكثر من ثلي الأقسام من هذا النوع. أما بالنسبة للجماعات البعيدة عن المركز، خاصة تلك التي كانت تابعة لنيابة سيدي قاسم كجماعة ونانة سيدي بوصبر تروال امزفرون، فمعظم أقسامها يحتاج إلى الهدم". وبخصوص جماعات زومي ومقريصات وبوقرة، فعدد الأقسام من هذا النوع من البناء فيها كبير، يقول عبد الصمد، مضيفا: "ليست لدي أرقام مضبوطة أو تقريبية، وأرى كلشي مهترئ"، وفق تعبيره، مطالبا الجهات الوصية على القطاع ببناء فضاءات تربوية تعليمية وفق معايير تحترم الإنسان وحقوق الطفل ومبدأ المساواة بين أبناء القرى وأقرانهم في المدن. من جانبه، قال نور الدين عثمان، الكاتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بوزان، إن البنيات التحتية للمؤسسات التعليمة في الإقليم، وخصوصا في العالم القروي، "تبقى دون المستوى المطلوب من أجل ضمان تعليم جيد للتلاميذ، خاصة القرويين، وضمان كرامة المدرس، وتوفير ظروف أحسن للاشتغال للجميع". وفي مقابل التنويه الذي أبداه الفاعل الحقوقي بالمبادرات والأوراش التي أطلقتها المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي من أجل النهوض بهذا القطاع الحيوي والاستراتيجي؛ وذلك بتوسيع فضاءات استقبال التلاميذ وخلق مؤسسات تعليمية جديدة وإطلاق حملات تزيين ورسم جداريات بالفضاءات التعليمية، فإنه يعتبر أن "هذه المجهودات تظل غير كافية لأن المشكل أكبر من كل هذا"، على حد قوله. وأكد الفاعل الحقوقي أن العديد من المؤسسات التعليمية في الإقليم "تفتقد إلى أبسط الشروط الضرورية، ووضعيتها مزرية ومهترئة؛ ذلك أن الكثير من المؤسسات التعليمية لا تتوفر على سور واق أو بالأحرى غير مسيجة، مما يجعلها عرضة لدخول الغرباء وفضاء مستباحا لممارسة كل شيء لمن هب ودب". واستحضر كاتب فرع العصبة المغربية لحقوق الإنسان بإقليموزان افتقار أغلب المؤسسات التعليمية بالبوادي إلى الماء وإلى الربط بشبكة الكهرباء، مشيرا إلى "غياب مراحيض ومرافق صحية تقي المتمدرس والمدرس حرج قضاء حاجياتهم البيولوجية". مبادرات وأوراش يكتسي المنظر الخارجي والداخلي لمبنى المدرسة ومرافقها وهياكلها دورا مهما في تحبيب الفضاء التربوي للتلاميذ وكل رواده والعاملين فيه، وكذلك المجتمع، ويعزز ولاءهم وانتماءهم له. وتعد تصاميم المدارس بالشكل الصحيح والسليم خطوة كبرى في اتجاه الوفاء بمتطلبات وأهداف الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم في ما يتعلق بالرفع من مستوى التعليم المدرسي ومخرجات المدرسة العمومية المغربية بوجه عام، لأن تحقيق أهداف التربية والتعليم مرتبط ببيئة العملية التعليمية والفضاء الذي تجري فيه. مريم البقيدي، أستاذة التعليم الثانوي في اللغة الإنجليزية بإحدى الثانويات بنيابة وزان، واحدة من النقط المضيئة بالمديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، سخرت إمكاناتها واضطلاعها بمهمة التدريس كأساس عملها. وعملت على طلاء وصباغة حجرة الدرس حيث تدرّس، وبث جو من المرح مع تلاميذها. ويحسب للأستاذة الشابة الصبر والمثابرة في سبيل تجويد فضاء الاستقبال؛ إذ عمدت إلى صباغة الفصل الدراسي بمساعدة أساتذة المادة ودعم من المديرية لتزيينه وغرس قيم التعاون بالمؤسسة التعليمية. "لا تتوانى المديرية الإقليمية للتعليم بوزان في تقديم الدعم المادي والمعنوي للمقترحات الهادفة من أجل تطوير وتحسين البنيات التحتية بالمؤسسات التعليمية والأقسام الداخلية"، يقول مصدر مسؤول لهسبريس، مشيرا إلى أوراش أطلقتها نيابة التعليم في إطار برنامج "داخليتي" 2017 و2018، قصد تحسين ظروف استقبال المتعلمين تماشيا مع الخطب الملكية في مناسبات عدة الرامية إلى إعطاء توجيهات وخطط للنهوض بهذا القطاع الحيوي. وتطرق المصدر ذاته إلى الجهود التي تبذلها الوزارة الوصية لتوسيع وتجويد العرض المدرسي، مستحضرا تخصيص الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة طنجةتطوانالحسيمة اعتمادات مالية مهمة لتأهيل البنيات التحتية على مستوى إقليموزان. وهو المجهود الذي تجسد في البرنامج المادي برسم 2018 من خلال تعويض المفكك: 73 حجرة دراسية، وتأهيل الفضاءات الخارجية للمؤسسات التعليمية، 14 مؤسسة ابتدائية و6 ثانويات إعدادية و3 ثانويات تأهيلية، إلى جانب إحداث مرافق صحية ب10 وحدات مدرسية، وربط 10 مؤسسات أخرى بالماء الصالح للشرب والكهرباء. وشدد المصدر ذاته على أن البنية التحتية للمؤسسات التعليمية ستتعزز بإحداث جيل جديدة من المؤسسات التعليمية يشكل صرحا معماريا، ذكر منها مدرسة جماعاتية بزومي، وثانوية تأهيلية بازغيرة، وثانوية تأهيلية بعين بيضاء، وثانوية وإعدادية بأمزفرون، إلى جانب إحداث مدرسة ابتدائية بالمجاعرة، وأخرى بسيدي رضوان، وغيرها من الأوراش التي ستصبح جاهزة في الأشهر القليلة القادمة.