بأي لغة ستتحدث الأحزاب السياسية مع المواطنين هذه الأيام، وبأي منطق ستقنع الناخبين بضرورة التوجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت على مرشحيها؟ إنها مهمة صعبة بالنسبة إلى كل الأحزاب، وتكاد تكون مستحيلة بالنسبة إلى بعض الأحزاب الأخرى.. لماذا؟ لأن علاقة الحزب بالمواطن مثل علاقة رجل وامرأة في زواج فاشل.. كلما طال عمر هذا الزواج كثرت مشاكله وقلت فرص نجاحه، لأن الثقة تنعدم فيه، والثقة هي أساس العقد الذي يربط الأحزاب بالشعب. الشعب يرى أن دستور 2011، الذي اعتبر «الحدث الأبرز» طيلة الأربع سنوات الماضية، جاء على يد شباب 20 فبراير الذين تجاوب الملك معهم، ولم يأت على يد الأحزاب التي نأت بنفسها عن الحركة وابتعدت عن صفوفها وكأنها شاة جرباء. الملفات الحساسة أكثرها أثير في الصحافة وليس في البرلمان، والصحافيون من دفعوا ثمن ذلك من جلودهم، أحزاب الحكومة تخدرت تحت خيمة عباس الفاسي الذي أرجع الممارسة الديمقراطية عقودا إلى الوراء. وأحزاب المعارضة شق فيها يعارض المعارضة وليس الحكومة (البام)، ونصفها الآخر لا يعرف من يعارض: الحكومة أم الحكم (PJD)... مهما وضعت الأحزاب من وعود وبرامج وأرقام وخطط وأماني في طبق الانتخابات القادمة، فإن الأغلبية الساحقة لن تصدقها، وحالها سيكون حال ذلك المواطن الذي ذهب إلى المستشفى وطلب رؤية طبيب مختص في أمراض العيون والآذان معا، فلما قيل له إن «ذلك مستحيل، فللعين طبيب مختص وللأذن طبيب آخر»، علق ساخرا: «إذن لا علاج لمرضي.. ما تسمعه أذني من السياسيين لا تراه عيني من أفعالهم!». لهذا، فإن جل من سيذهب يوم 25 نونبر إلى صناديق الاقتراع سيصوت على الأشخاص وعلى الوجوه، إما طمعا أو رجاء أو لبقية من أمل مازالت تراوده. أما الأحزاب فإنها الخاسر الأول من هذه الانتخابات حتى قبل أن تدخلها... هذا لا يعني أن المغاربة يكرهون الأحزاب ولا يؤمنون سوى بشرعية السلطة. أبدا، لقد كانت أحزاب الحركة الوطنية في عيون الناس وقلوبهم، عندما كانت أحزابا في المعارضة تقف شوكة في حلق السلطة، لكن عندما صارت جزءا من «آلة السلطة» فقدت بريقها وخسرت شعبيتها. وهذا الأمر طبيعي لو قبلت بقانون اللعبة، وخرجت من السلطة لإعادة تجديد نفسها وخطابها وعذريتها. المشكل أن هذه الأحزاب بدأت ترى في المعارضة كابوسا لا تستطيع مجرد تخيله، ولهذا فضلت أن تبقى محتمية ب«ظلال السلطة»، على أن تخرج إلى المعارضة لتجديد خطابها ونخبها وبرامجها. إن انتخابات تظهر فيها صور عبد الواحد الراضي وامحند العنصر وعباس الفاسي والتهامي الخياري ومحمد الأبيض والشيخ بيد الله ومحمود عرشان والكولونيل القادري، وبقية الفرقة الخالدة في السياسة، لهي انتخابات لا تبشر بالخير ولا تفتح الشهية على المشاركة، خصوصا إذا هيمنت عليها «كتائب الأعيان» دار دار، بيت بيت، زنكة زنكة.