المغرب يقود معركة إفريقية لاقتلاع جذور تجنيد الأطفال من الجماعات المسلحة    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة        مؤتمر دولي بسلا يبحث رهانات وآفاق كأس العالم 2030    تفكيك شبكة لترويج المخدرات بطنجة وحجز أكثر من 4400 قرص مخدر    ملف "إسكوبار الصحراء" .. التزوير يلاحق الناصري وموثقة بجنايات البيضاء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    برلمانية تسائل وزير التجهيز والماء حول "سرقة المياه الجوفية" بتارودانت    فرنسا تعرض نشر قوة درك في غزة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    منظمة الصحة العالمية تحذر من الزيادة السريعة في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الرعاية الصحية    ناسا تكشف عن صور جديدة للمذنب 3I/Atlas القادم من خارج النظام الشمسي    بونو وحكيمي يجسدان المجد المغربي    غوغل تطلق أداة جديدة للبحث العلمي    الإنصاف أخيرا لأشرف حكيمي..    الأمن الوطني ينفي شائعة تعرض طفل للعنف داخل مدرسة بالمغرب ويؤكد تداول الفيديو وقع خارج البلاد    وزارة الاقتصاد والمالية تصدر ميزانية المواطن لسنة 2026    تدشين غرفة التجارة المغربية بإيطاليا في روما    مناورات مشتركة بين قوات المارينز الأميركية ونظيرتها المغربية تختتم في الحسيمة    المنتخب النسوي للفوتسال يجري آخر حصة تدريبية قبل لقاء الأرجنتين    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    مونديال 2026.. جزيرة كوراساو الضيف المفاجأة    المغرب ‬يعزز ‬ريادته ‬البنكية ‬في ‬إفريقيا ‬ويتقدم ‬التصنيف ‬القاري 3 ‬بنوك ‬مغربية ‬ضمن ‬أفضل ‬20 ‬بنكًا ‬    منشور جديد يوجّه النيابات العامة إلى تفعيل مستجدات المسطرة الجنائية وتقييد فتح أبحاث الجرائم المالية    نقابات التعليم ترفض الإقصاء وتلوّح بالعودة للاحتجاج في حال عدم وفاء الوزارة بالتزاماتها    الملك يبارك اليوم الوطني لسلطنة عمان    النموذج ‬المغربي ‬في ‬السياسة ‬الخارجية ‬يرتكز ‬على ‬بناء ‬الثقة ‬عوض ‬التوجس ‬التعاون ‬بدل ‬العزلة    وسط ‬تفاؤل ‬المغاربة... ‬مخزون ‬السدود ‬الوطني ‬يرتفع جهود ‬كبيرة ‬لتدارك ‬التآخر ‬الحاصل ‬في ‬إنجاز ‬المشاريع ‬المائية ‬الكبرى    منتخبات ‬وفرق ‬وطنية ‬تواصل ‬التألق ‬وتخطيط ‬متواصل ‬يجعل ‬من ‬كرة ‬القدم ‬رافعة ‬تنموية ‬كبيرة    مسيرة احتجاجية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمحمدية ضد إدارة فندق أفانتي    وسيط المملكة: شكايات المغاربة انتقلت من تظلمات بسيطة إلى تفاعلات اجتماعية    غرفة الصيد الأطلسية الشمالية تبحث تنظيم العلاقة التعاقدية بين المجهزين والبحارة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    تقرير: نصف عبء خدمة الدين الطاقي في إفريقيا تتحمله أربع دول بينها المغرب    ممرضو التخدير يراسلون الوسيط ويطالبون بإطار واضح للمهام والمسؤوليات داخل المستعجلات        كيوسك الخميس | العدالة المجالية قضية مركزية في مسار حماية حقوق الإنسان        أوكسفام: "ثروات الأثرياء" في ارتفاع    لفتيت: الدولة تقف على مسافة واحدة من الجميع والمنظومة الجديدة تحصّن الانتخابات    كأس ديفيس: المنتخب الايطالي يتأهل لنصف النهاية على حساب نظيره النمساوي    منظمة الصحة تحتاج إلى مليار دولار    معمار النص... نص المعمار    لوحة لغوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يباع في مزاد على الإطلاق    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يعلن عن تشكيلة لجنة التحكيم    "صوت هند رجب" يفتتح مهرجان الدوحة السينمائي2025    مهرجان الناظور للسينما والذاكرة المشتركة يخلد اسم نور الدين الصايل    الأكاديمية الفرنسية تمنح جائزة أفضل سيرة أدبية لعام 2025 إلى الباحث المغربي مهدي أغويركات لكتابه عن ابن خلدون    القصر الكبير تاريخ مجيد وواقع بئيس    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرى مبارك أولعربي .. صوت الهامش المنسي في "مغرب الأمازيغ"
نشر في هسبريس يوم 09 - 01 - 2019

ضَجَّت عليك المنابر وبكت عليك جبال صاغرو الصامدة، في يومٍ لم يشهد الجنوب الشرقي بعد وفاة أيقونة الغناء الثوري الملتزم مثله؛ ففي التاسع من يناير سنة 2011، استيقظت ساكنة درعة على خبر مفجع.. الخبر الأسوأ..مبارك أولعربي، صوت الهامش المنسي، لن يعود أبدا..رحَل تاركاً غُصّة في قلوب متتبعيه وحسرة في نفوس أصدقائه..منح الحركة الأمازيغية كل شيء ولم يأخذ منها شيئا.
لم يكتب نهايته بيده، فما ألّم به كان خارج السيطرة؛ مرض غير رحيم أجبره على الترجّل عن صهوة الحياة..كان دائم الابتسامة لداء لم يرأف به، إنه مرض "شيرغ ستروس" الذي كانت زيارته مزعجة، إذ لم يجد عدوا أكثر من صحته لثنيه عن الدفاع عن القضية الأمازيغية وإيصال صوت المُهمّشين في مختلف المناطق الأمازيغية عبر بقاع العالم.
"نْبَا"..رائد أسلوب "أمون" الغنائي
وُلد مبارك أولعربي، الشهير بلقب "نْبَا"، سنة 1982 بقرية "مْلعب" الواقعة في النفوذ الترابي لإقليم الرشيدية، عاش طفولته بالقرية ذاتها، كما درس فيها مرحلتي التعليم الابتدائي والإعدادي، قبل أن يشد الرحال صوب الجامعة بكلٍّ من الرشيدية ومكناس. حصل أيقونة الغناء الأكاديمي الملتزم على إجازتين: الأولى في العلوم السياسية سنة 2006، والثانية في شعبة الدراسات الفرنسية سنة 2009، ليشرع في تحضير ماستر بشعبة الأدب الفرنسي، لكن صحته المتدهورة دفعته إلى دخول المستشفى بشكل مفاجئ.
حصل "نْبَا" على جائزة أفضل مغن أمازيغي ملتزم سنة 2010، سُلمت له من قبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. كان أولعربي مُلِمًّا بمختلف جوانب الحضارة والثقافة الأمازيغيتين، ويعتبر مُؤسس وقائد المجموعة الغنائية الألمعية "صاغرو باند" (تأسست سنة 2005)، التي نجحت في بث نفس جديد داخل الأغنية الأمازيغية الملتزمة العصرية بالمغرب، عبر إرسائه "أسلوب أمون" ذي الطابع الثوري الحماسي.
في هذا الصدد، يقول موحى ملال، الذي يُعد من المؤسسين لهذا الفن الجديد في ثمانينيات القرن الماضي، حين بدأ بكتابة عدد من القصائد أيام النضال من أجل الاعتراف بالثقافة الأمازيغية، قبل أن يصدر أول ألبوم له سنة 1989 بعنوان "أسيف ن دادس" أو "نهر دادس": "مبارك أولعربي مناضل فذ أعطى الكثير للقضية الأمازيغية..اشتغلنا معا في سبيل إرساء أسلوب غنائي فريد من نوعه يخصّ منطقة الجنوب الشرقي، يدعى "أمون سْتَايْل"، لكنه غادرنا إلى دار البقاء بشكل مفاجئ".
ويضيف ملال في حقّ نْبَا، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية: "ساهم في الدفاع عن القضية الأمازيغية بشكل كبير للغاية، إلا أن المرض الذي عانى منه عجّل بوفاته، فترك مكانته الخاصة في الساحة الغنائية الأمازيغية؛ لكن رغم ذلك يوجد شباب جديد يحمل المشعل ويسير في دربه، مُتخذين من القيثارة وسيلة للتعريف بالقضية".
"صاغرو باند"..مزاوجة بين ماضي المقاومة وحاضر التهميش
فنّان متعدد المواهب، جمع بين الغناء والتلحين والعزف على مختلف الآلات الموسيقية (القيثارة والناي وآلة السكسفون...)، فضلا عن موهبته الفريدة في نسج الشعر باللغات الأمازيغية والفرنسية والإنجليزية، دون إغفال الأعمال التي أنتجها في الرسم التشكيلي، سواء تعلق الأمر بالوجوه البشرية أم معالِم الطبيعة، بالموازاة مع متابعة دراسته الجامعية. وقد تمكّن "نْبَا" من تحقيق شهرة واسعة في حيّز زمني وجيز، رفقة مجموعة "صاغرو باند" التي تُنسب إلى "جبل صاغرو" الذي احتضن معركة "بوكافر" التاريخية؛ الأمر الذي جعل أغاني الفرقة تمزج بين ماضي المقاومة وحاضر التهميش.
وجوده بالساحة لم تلتقطه الكاميرات كثيرا، وهو الموهوب الذي لم يعرفه الجمهور إلا عندما تغنّت أغانيه بالعمق الحضاري والهوياتي والتاريخي للأمازيغ.. كثيرا ما استثمر فصاحته العربية وإتقانه للغتين الفرنسية والإنجليزية، وكذلك حفظه لقصائد الشعر الأمازيغي القديم التي تفوح بعبق التاريخ الحضاري، من أجل تناول مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تشغل بَالَهُ.
محمد الناصري، مؤسس المجموعة الموسيقية "تَاوَرْكِيت" (الحلم)، قال لجريدة هسبريس الإلكترونية: "فقدنا إنسانا غاليا.. إنه شاب يحظى بشخصية قوية للغاية؛ لقد تمكّن من صنع الفارق وسط الساحة الفنية في ظرف وجيز، إذ تمت تأدية جميع أغانيه في مختلف البيوت الموجودة بالجنوب الشرقي، الأمر الذي ترتَّب عنه وعي هوياتي حول القضية الأمازيغية لدى جلّ الشباب"، وأردف: "كان لي شرف التمتع بصداقته ومعرفته خلال سنوات الدراسة الجامعية بمدينة الرشيدية..أحببت شخصيته وموسيقاه، وتعلمت الكثير منه أيضا..فَلترقد روحك في سلام يا صديقي".
آلة القيثارة..رفيقة الدرب في الغناء الملتزم
إن المتأمل جيدا لأغاني المجموعة الموسيقية سيجد أنها تشِي بما يعتمل داخله؛ ذلك أن اسمه طالما ارتبط بالغناء ذي الطابع الراديكالي، الذي ينطلق من وإلى هموم الإنسان الأمازيغي، إذ عمِل على تشريح أهم المفارقات التي تعتري الواقع السياسي المغربي المُعاصر، الأمر الذي تعكسه الألبومات الأربعة التي أصدرها؛ من قبيل "تيليلي" (الحرية) و"موحى" و"نو بوردرلاينز" (بلا حدود) و"أوسي إ تالا" (ساعدني على البكاء).
كان يعيش غناءً، ويحب الغناء ويسكن الغناء، بل إنه كان يعتبر الغناء علاجه الأمثل في وقت المرض، إلى أن صار من أعظم المغنين الذين قتلهم الغناء. وما أصعب أن تكتب "كان" مع مبارك أولعربي، فهو ال "كان" وال"الكائن" وال"سيكون"..جمع شتات التاريخ الأمازيغي الضائع، وحوّله إلى أيقونة أبدية المعنى، ليجعل المُنصت يواجه حتمية الاندهاش.. شخصية استثنائية تستحق لقب "مانديلا الأمازيغ"، بعدما نجحت في إيصال صوت المُهمّشين في جبال المغرب العميق إلى طاولة الحكومة المركزية.
حميد أيت علي، الناشط الأمازيغي، قال إن "المرحوم نْبَا كان مناضلا حقيقيا رغم قصر أمد حياته، إذ أعطى الكثير للقضية الأمازيغية في وقت وجيز"، وزاد: "يمكن وصف الفنان نْبَا بأول فنان في أسامر خالف المعتاد بأغانيه الثورية، الُمطالبة برد الاعتبار للإنسان الأمازيغي بصفة عامة، وللهوية الأمازيغية بشكل أخص..لقد رحل نْبَا وفقدت الساحة الأمازيغية صوتا مناضلا، فنانا".
فاجعة الموت..صدمة وحسرة
أبى الموت إلا أن يعانده قبل أن يُسدل الستار على مشواره الفني، ولم ينتظره في بلاده ريثما يُنهي ما بدأه في سبيل الدفاع عن القضية الأمازيغية، لتستيقظ الساكنة ذات يوم على وقع نبأ الوفاة الذي اعْتَصر قلوب كلّ الغيورين على الحركة الأمازيغية.. لكن النبأ المُفرح أن مبارك أولعربي نجح في المهمة التي حملها على عاتقه طيلة حياته، بعدما صار اسمه صدى يتردد وروحه نجما ثاقبا يتوهج في أغوار السماء، ليُضيء الطريق أمام كل إنسان أمازيغي.
حسن كوجوط، صديق مُقرّب من الراحل، قال لهسبريس إن "مبارك أولعربي فنان أمازيغي كسّر الصمت الذي خيّم على المنطقة منذ أن وضعت القبائل السلاح في منتصف الثلاثينيات، إذ فجر الصمت السائد آنذاك، الأمر الذي انبثقت منه ثورة فكرية نطقت لغة موسيقية دوّت أرجاء المنطقة لتصل إلى باقي المناطق على الصعيدين الوطني والدولي".
وأبرز كوجوط أن "مجموعة صاغرو باند أضفت نكهة خاصة على الفن الأمازيغي، من خلال تناول مواضيع اجتماعية، مثل الهجرة والبطالة وهموم الإنسان الأمازيغي؛ كما لم تفرط في الموروث التقليدي للفن الأمازيغي، ما جعلها تَسْتميل الأنظار في ظرف وجيز، وجذبت إليها جمهورا غفيرا من مختلف أنحاء البلاد".
وأورد الفاعل الإعلامي والجمعوي، الذي يشتغل على إعداد فيلم وثائقي وكتاب في آن واحد، سيُخصِّصهما للتعريف بحياة الراحل: "حياته تطرح الكثير من الأسئلة، لأنني قمت بزيارته خمسة عشر يوما قبل وفاته بقرية مْلعب، فوجدت صحته تتحسن شيئا فشيئا، لكن مفاصله قد تدهورت بشكل مهول للغاية، وبالتالي تسرّب إلي الشك حول أيام مرضه، لاسيما أن تلك الفترة تميزت بالاغتيالات وتصفية الحسابات السياسية".
وختم المتحدث تصريحه بالقول: "مازلت أتذكر السؤال الذي طرحه نْبَا في آخر مقال كتبه أيام مرضه وإحساسه بجرعات الألم: ما هدف من أراد أن يقتلني بهذه الطريقة؟..سؤال آلمني كثيرا وأنتظر الجواب إلى حدود الساعة، هل مات الرجل مسموما أو مات بشكل طبيعي؟".
وفي الختام، يحق للأغنية الأمازيغية أن يكون لها عيد سنوي يكون يومه يوم وفاة "نْبَا"، حتى يطمئن الجميع على مستقبل القضية الأمازيغية بهذا الميعاد السنوي، لأن البكاء أو الرثاء لا يكفيان في ذكرى وفاته، وإنما الوفاء لمبادئه أسمى منهما معا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.