في خضم عملية ضخّ الدماء التي شهدتها المؤسسات الدستورية المَعنية بحقوق الإنسان، بعد تعيين كل من أمينة بوعياش، رئيسة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وشوقي بنيوب، على رأس المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، وهما شخصيتان لديهما خلفية حقوقية، يتساءل المتابعون للشأن الحقوقي حول ما إنْ كانت الدولة تسيرُ نحوَ طيّ صفحة "سوء الفهم" مع الجمعيات الحقوقية، التي ازدادتْ قتامة خلال السنوات الأخيرة. خلال الكلمة التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية للجمع العام للائتلاف المغربية من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، حرصَ شوقي بنيوب، المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، على اغتنام فرصة الحديث أمام ثلة من الحقوقيين المغاربة ليؤكد أنَّ المندوبية "ستأخذ بعين الاعتبار التقارير التي تُصدرها جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان، سواء المغربية أو الدولية". إن ما يجعل رسالة شوقي بنيوب حاملة لأكثر من معنى هو أنه وجّه خطابه بالأساس إلى أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي طالها تضييق واسع من لدن السلطات خلال الآونة الأخيرة، وإلى أبو بكر لاركو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وهي من إحدى المنظمات العريقة في مجال حقوق الإنسان بالمغرب، ومن خلالهما إلى باقي مسؤولي الجمعيات والمنظمات الحقوقية بالمغرب. وكشف بنيوب أنّه شرع، منذ الأيام الأولى من تعيينه على رأس المندوبية الوزارية الحقوق الإنسان، في فحْص تقارير وبلاغات المنظمات والجمعيات الحقوقية المغربية والدولية، مضيفا "في برنامج خطة عملنا ستنصب أولى جلساتنا مع هذه التقارير، وسأكون عقلانيا وموضوعيا ومسؤولا في التعاطي معها"، كما دعا إلى تكثيف جلسات الحوار العمومي في مجال حقوق الإنسان. الفاعلون الحقوقيون، الذين تحدثت إليهم هسبريس، استقبلوا تصريحات شوقي بنيوب بترحيب مشوبٍ بالحذر، إذ قال أبو بكر لاركو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، "نثمن ما جاء في أول خرْجة للمندوب الوزاري لحقوق الإنسان؛ لكنّ الواقع هو الذي سيبيّن إلى أي حدّ ستمضي الدولة في التعاطي بإيجابية مع تقارير المنظمات والجمعيات الحقوقية". الموقف ذاتُه عبّر عنه أحمد الهايج، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بقوله إنّ تصريحات المندوب الوزاري لحقوق الإنسان "تَحتمل التأويل، فإذا كانت الغاية منها هي أنّ الدولة، عبر المندوبية الوزارية المكلف بحقوق الإنسان، ستهتمّ بتقارير الجمعيات والمنظمات الحقوقية، والنظر في ما تطرحه من توصيات ورصْد لانتهاكات حقوق الإنسان، من أجل تأهيل الوضع الحقوقي في المغرب، فهذا أمر إيجابي. أما إذا كانت الدولة تسعى إلى خلْق أسلوب جديد للالتفاف فهذا لن يكون في صالح أحد". الهايج قال إنَّ على الدولة، من خلال المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، أنْ تتعاطى مع تقارير المنظمات والجمعيات الحقوقية على أساس تطوير الوضع الحقوقي في البلاد "وليس الدخول في الردّ على تقاريرنا؛ لأنّ هذا لن يفيد في شيء، بل سيكون منعطفا خطيرا، لأنه سيجعل الحركة الحقوقية والدولة تدخلان في دوّامة الردود والردود المضادة، وهذا لا يخدم حقوق الإنسان في بلادنا، وغير مفيد للحركة الحقوقية وللدولة". وتتهم الدولة المغربية الجمعيات الحقوقية، الوطنية والدولية، ب"عدم موضوعية" تقاريرها؛ لكنّ أبو بكر لاركو، ينفي هذه "التهمة"، قائلا: "نحن، في المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، نحرص على أن تكون التقارير والبيانات التي نُصدرها في غاية الدقة، وإذا أخطأ فلا نجد حرجا في الاعتراف بخطئنا". واعتبر لاركو أنَّ الحلَّ، لتجاوُز الخلاف القائم بين الدولة والجمعيات الحقوقية، يكمن في أنْ تقبَل الدولة بالتقارير الحقوقية وفتْح نقاش بين الطرفيْن حولها، مضيفا "إذا لم نكن ما نرصده من انتهاكات لحقوق الإنسان صحيحا، فنحن مستعدون للاعتراف بخطئنا؛ لكن في المقابل على الدولة أنْ تعترف بالانتهاكات التي نسجّلها، وتعمل على وضع حدّ لها".