في غمرة الإقبال المتنامي للمغاربة على الإعلام الرقمي ووسائط التواصل الحديثة، ارتأى محمد نبيل ملين، الأستاذ الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي، سبْر أغوار تاريخ المغرب الحديث وتقديمه إلى المتلقي في حُلّة رقمية تجمع بين ثقل المحتوى وبساطة العرْض. ملين الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون، وعلى دكتوراه في العلوم السياسية من معهد الدراسات السياسية بباريس، خصّص الحلقة الأولى من سلسلة "يُقال إن"، التي يقدمها على منصة "يوتيوب"، لتسليط الضوء على انتفاضة الريف، التي دارت رحاها بين نهاية 1958 وبداية 1959، تزامنا مع حلول ذكراها الستّين. بدأ ملين في التحضير لسلسة "يقال إنّ" منذ سنوات، ولم ينطلق تنفيذ هذا العمل إلا مع نهاية سنة 2017، وبُثت أولى حلقاته بحر الأسبوع الجاري، ويصبو من خلال سرد أبرز المحطات التي وسَمت تاريخ المغرب الحديث عبر الحوامل الرقمية، إلى إيصال المعلومة التاريخية الدقيقة إلى أوسع شريحة. وقال ملين، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، إنه يصبو إلى تقديم مختلف جوانب تاريخ المغرب إلى أكبر عدد من الناس بطريقة علمية وسلسة، "لأنني على يقين أن الوسائل التقليدية، لا سيما الكتابة، لم تعد كافية لإيصال المعلومة الدقيقة والتحليل الرصين بشكل معاصر لعموم المواطنين، وخصوصا الشباب، في محيط متحول". تغيّر وسائل تلقي المعلومة في العصر الحالي جعل ملين يلجأ إلى العالم الافتراضي واستعمال جميع الإمكانيات التي تتيحها التقنيات الحديثة لتقريب المعرفة، لا سيما التاريخية، من عموم المواطنين ونشر الوعي وقيم المواطنة بينهم. وحرص صاحب "يقال إنّ" على إيصال المعلومة التاريخية إلى الجمهور بطريقة مبسطة، حيث تجمع كلّ حلقة من السلسلة بين الرسوم والوثائق والسرد ولائحة من المصادر والمراجع، "بُغية إمداد جمهور المواطنين بالعناصر التي لا غنى عنها لتفكيك أمثل وفهم أشمل للماضي والحاضر ورهاناتهما". وسبق لملين أنّ أصدر عددا من المؤلفات في ميدان التاريخ، من بينها "علماء الإسلام: تاريخ وبنية المؤسسة الدينية في السعودية بين القرنين الثامن عشر والحادي والعشرين"، و"السلطان الشريف: الجذور الدينية والسياسية للدولة المخزنية في المغرب"، و"الخلافة: التاريخ السياسي للإسلام"، و"فكرة الدستور في المغرب: وثائق ونصوص (1901-2011)، و"أطياف الإسلام السياسي: التيارات والعقائد والإيديولوجيات". وتُعدّ سلسلة "يُقال إن" امتدادا للمُنجز الورقي الذي راكمه ملين، ويرمي مشروع التاريخ الافتراضي للمغرب الذي يقدمه من خلال هذه السلسلة إلى ضمان الولوج إلى المعلومة الموثقة والتحليل العلمي لأكبر عدد من الناس، "حتى يكون بداية للمجتهد ونهاية للمقتصد". وأوضح ملين أنّ كل حلقة ستتناول حدثا أو شخصية أو مؤسسة أو طقوسا شكّلت تاريخ البلاد أو ما زالت تُؤثّر على حاضرها بشكل من الأشكال، مضيفا أنّ الهدف "ليس هو فرض سردية كبرى على الجمهور، التي ستكون بالضرورة سطحية وخطية واقصائية، بل تزويده بتاريخ علمي يظهر بطريقة غير مُقيّدة تنوعَ المشارب وتعدد المسارات وتعقيدات الوقائع".