هل التصوير أثناء العبادة مثل العمرة و غيرها. يُعد من الرياء؟ أو لنطرح السؤال بشكل أوضح، هل تجوز العمرة بدون "سناب شات"؟ هل عدم التصوير في رحلة العمرة يبطلها؟ هل التصوير في رحلة العمرة أصبح أحد مناسكها؟ من الواضح أن التصوير داخل الكعبة المكرمة خلال أداء مناسك العمرة و حتى الحج بات أهم من أركان العبادات لدى البعض، لذلك تزايدت ظاهرة غريبة وعجيبة هذه الأيام لدى بعض زوار الحرم الشريف، وهي تصوير كل تفاصيل مناسك العمرة بدءا من الوصول إلى الفندق وإلى غاية دخول الحرم مع الحرص على تصوير كل شيء و قضاء الوقت بكامله في نقل كل صغيرة وكبيرة داخل الحرم بأدق التفاصيل والتباهي بالتواجد في أطهر بقعة على الأرض. ومع استفحال الظاهرة ذهب بعض أساتذة التوعية والإفتاء في المسجد الحرام إلى انتهاج الصرامة في التعامل مع هواة تصوير كل شيء بالقول إن استخدام التصوير وتوثيق المناسك في العمرة أو الحج هما من الرياء الذي يدخل في الشرك الأصغر، مطالبين زوار البيت الحرام بإغلاق أجهزتهم الذكية والانشغال بالعبادات داخل المسجد، ليستشعروا العبادة و ينشغلوا بالطاعة و التقرب إلى الله، ويكون لهم الأجر والثوبة، كما وصفوا التصوير على طريقة السيلفي وخلافه من توثيق للمناسك ب"التصرفات التي لا تليق بالحرم الشريف". من المؤكد أن كثيرا من الناس أساؤوا استخدام الهواتف في الحرم، فبدلا من خشوع الإنسان، والطمع بما عند الله من الثواب، أضحى منشغلا بهاتفه الذكي و ما فيه من تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي، و كأن همه الأول التواصل مع الآخرين و نقل تفاصيل لحظاته لهم عبر تطبيق "السناب شات" أو غيره من التطبيقات المشابهة لحظة بلحظة، إلى أن باتت العبادة بوجود هذه الأجهزة تمريرا، بمعنى أنها باتت شيئا ثانويا، ما دامت القلوب مشغولة بردود الفعل على الشبكات الاجتماعية من لايكات وتعليقات. الرافضون لتصوير كل تفاصيل العبادة يعللون ذلك بالقول إن الإخلاص مطلوب في العبادات ومن استخدم هذه الأجهزة في أماكن العبادة بالنظر إليها عارض الخشوع والإخلاص، وقصر في عبادته، معتبرين وجهة نظرهم هذه تنبيها لكثير من المسلمين الذين يزورون مكة والمدينة، من أجل أداء فريضة الحج أو مناسك العمرة. غير أن المدافعين عن الظاهرة لهم رأي مخالف، فهم ينصحون المعتمرين بالإكثار من التصوير و التفنن فيه، ويشجعونهم على نشر الصور والمقاطع على أوسع نطاق، حجتهم في ذلك أنهم يمكن أن يشوقون باقي المسلمين ممن لم يزوروا الحرمين بالسعي إلى ذلك، معللين وجهة نظرهم هذه بالقول إن من يصور تفاصيل عمرته، قد يكون سببا في اعتمار غيرهم، و بالتالي ينالون الأجر و التواب عن ما قدمت أيديهم عبر الهاتف الذكي و تطبيقات التواصل الاجتماعي. من المجحف القول إن الموضوع له علاقة بالرياء، لكن تصوير العبادات و أماكنها و تفاصيلها يبقى كأي تصوير آخر، يحاول المعني بالأمر من خلاله أن يوصل للآخرين أنه يعيش لحظات جميلة، لعل ذلك يحسن من صورته الاجتماعية في نظر متابعيه.. الأمر بالتأكيد ليس رياء، و لكن نحتاج فقط أن نقلل من التصوير داخل الأماكن الدينية المقدسة أثناء ممارسة العبادات، لتعظيم شعائر الله، و أيضا لإعطاء المكان قدسيته و احترام هيبته قبل أي شيء آخر.. المطلوب كحل وسط التقليل من التصوير و الإكثار من العبادات.. لا عيب في توثيق بعض اللحظات التي ربما لن تتكرر ونحن نزور مقاما مقدسا، شرط أن لا يكون ذلك على حساب العبادات نفسها الهدف الأسمى من الزيارة أو التقصير فيها. صحيح أن الناضج جدا في هذا العصر، هو النادر في زمن برامج التواصل الاجتماعي، لكن تصوير العبادات في هذا العصر هو بالتأكيد ممارسة مماثلة لتصوير الأكل والسفريات والأولاد و أهم لحظات الحياة اليومية، بمعنى أن الأمر لا يغدو أن يكون نتيجة طبيعية لتطور أدوات التصوير وسهولة النشر.. التوثيق أصبح الآن ممارسة يومية بغض النظر عن المكان والزمان، في مكةالمكرمة كما في أي بقعة أخرى في العالم.. شخصيا لست ضد التصوير في أماكن العبادات، شرط استحضار النية أولاً للعبادة بحيث تكون مقدمة على كل شيء والباقي يتبعها، بمعنى من أراد العمرة لتكن نيته لأداء العمرة، ولا تكن نية تصوير السناب مقدمة على العمرة، فقد يبلغ الإنسان بنيته مالم يبلغه بعمله.. المؤكد بخصوص هذه الظاهرة سواء دافعنا عليها أو اختلفنا معها أنه في هذا العصر الرقمي، تلاشت الحدود بين الحيز الخاص و الفضاء العام.. والأمر ببساطة يتطلب أن يكون المرء ناضجا جدا في التعامل مع عباداته كما مع حياته اليومية حتى يعيد رسم الحدود بين شؤونه الخاصة و العامة.. فذلك وحده كفيل بوضع الحدود بين ما يجوز و لا يجوز نشره.. نسأل الله أن يصلح الحال...