مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    هلال: ترامب مهد لقرار مجلس الأمن.. ونأمل زيارته إلى الصحراء المغربية    مغاربة فرنسا يحتفلون بذكرى المسيرة    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    نفاد تذاكر مباراة المغرب وموزمبيق الودية بطنجة قبل أيام من انطلاقها    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    الشرع يصل إلى أمريكا في زيارة رسمية    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    توقيف التجمعي يوسف مراد في المطار بشبهة التهريب الدولي للمخدرات    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    مقتل فلسطيني في قصف إسرائيلي    فلوريدا.. الجالية المغربية بالولايات المتحدة تخلد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    طقس الأحد: ضباب وسحب منخفضة بعدة مناطق بالمملكة    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية تسلم رفات رهينة من غزة في إطار اتفاق وقف إطلاق النار    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروعية المغرب في الصحراء
نشر في هسبريس يوم 15 - 08 - 2019

إن القول بأن الصحراء مغربية هو اقتناع بأنها تشكل إقليما من أقاليم بلادنا، فالتاريخ يؤكد أنها لا تقل مغربية عن باقي المدن المغربية، وهذا الطابع يتضح من خلال منظور جغرافي ولغوي وثقافي وديني وعرقي، ويتأكد أيضا من خلال ما كتبه العديد من الرحالة والجغرافيين والمؤرخين الأوروبيين الذين جالوا عبر هذه المنطقة في بداية القرن الماضي، ولا حظوا إلى أي حد كان المواطنون الصحراويون متشبثين بمغربيتهم.
وأحقية ومشروعية المغرب في الصحراء مؤسسة على العديد من الحجج التاريخية والقانونية والسياسية، فالدول التي تعاقبت على حكم المغرب من القرن الحادي عشر إلى القرن العشرين لها أصول صحراوية وانطلقت من الصحراء، فقد خلصت بعض الدراسات حول تاريخ المغرب إلى تميزه بتتابع مجموعة من الدول على الحكم، إلا أن "الدول" التي انطلقت من الجنوب المغربي أو قامت بمساعدة الجنوب المغربي كانت فترة حكمها طويلة، وخير دليل على تلك الفترة الزمنية التي عاشها المرابطون والمرينيون والسعديون والدولة العلوية.
لذلك، فالصحراء المغربية هي جزء لا يتجزأ من خطوط طول وعرض الدولة المغربية، ومن خارطة المملكة، ولا يمكن لأي كان أي يدعي بأن أقاليمنا الصحراوية هي ملك لشخص آخر أو كيان آخر مجهول الهوية والتاريخ، فالكل يؤكد هذا الطرح، سواء التاريخ، أو المستعمر، أو حتى السكان الأولون وعشائر تلك الأقاليم المغربية، فكيف حاول إذن التاريخ أن يرصد المحطات الكبرى التي تؤكد مغربية الصحراء؟ وكيف استطاعت الخطب الملكية المتتالية ترسيخ وتوجيه الرأي العام الوطني والدولي نحو قضية المغرب الأولى؟
أولا: الجذور التاريخية لمشكلة الصحراء المغربية
بداية هذا المشكل ستكون مع استقلال المغرب سنة 1956، فقد حرصت إسبانيا على تعزيز تواجدها بالأقاليم الصحراوية، إذ بعد أن أعادت منطقة طرفاية الواقعة على الحدود إلى المغرب، أعادت التقسيم الإداري للإقليم ووضعت برنامجا لتهجير الإسبان على نطاق واسع إلى الصحراء لتذويب قيم وثقافات سكان الإقليم، وتبع ذلك وضع اليد على الثروات الطبيعية في المنطقة وتعزز التواجد السياسي بتواجد عسكري بلغ في مجمله ضعف عدد السكان المدنيين آنذاك. وعندما استشعرت إسبانيا خطر المطالب المغربية القائمة على الوحدة الجغرافية والاقتصادية والبشرية التي تجمعها بإقليم الصحراء، ذهبت إلى حد اعتبار الإقليم في حكم المناطق الإسبانية وعينت ممثلين له في البرلمان الإسباني، وبدأت تستغل الخلافات بين المغرب وموريتانيا للاحتفاظ بسيادتها على الإقليم.
عندها ظهرت المقاومة الوطنية في الصحراء تحت قيادة جيش التحرير المغربي الذي استمد عناصر قوته من قبائل الصحراء، ونمت الحركة الوطنية الصحراوية في أحضان الحركة الوطنية المغربية، وقدمت فرنسا لإسبانيا من خلال قواعدها في موريتانيا والجزائر مساعدات وإمدادات عسكرية بهدف إيقاف زحف جيش التحرير المغربي نحو تحرير الصحراء الذي أنزل بالقوات الإسبانية خسائر كبيرة.
وفي عام 1957 أرسلت الحكومة المغربية بعض وحدات جيش التحرير المغربي لقتال القوات الإسبانية والفرنسية المتمركزة في "طرفايا" و"الساقية الحمراء" و"ريودو اورو" والجزء الشمالي من موريتانيا بهدف تحرير هذه الأراضي من الاحتلال الأجنبي، وبفضل المساعدة التي تلقاها جيش التحرير من القبائل الصحراوية تمكن من الحاق الهزائم بالقوات الإسبانية التي اضطرت إلى التراجع ونتيجة لهذه الخسائر وقعت إسبانيا اتفاقية مع فرنسا عام 1958 لتولي حملة مشتركة تقوم فيها إسبانيا بشن عملياتها العسكرية من طرفايا بينما تتحرك فرنسا من شمال موريتانيا لتطويق جيش التحرير.
وهكذا، أعلن الملك الحسن الثاني عن تنظيم مسيرة خضراء سلمية لاسترجاع أقاليمه الجنوبية، بداية من 6 تشرين الثاني/نوفمبر 1975، أربكت حسابات مدريد، الشيء الذي جعل مدريد تقبل مفاوضة الرباط ونواكشوط، ووقعت معهما اتفاقا ثلاثيا في 14 نونير 1975 يقضي بانسحابها في 28 فبراير 1976، وهو الاتفاق الذي صادقت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في الشهر الموالي. وقبل أن تصادق عليها "الجماعة الصحراوية" التي تمثل سكان الإقليم في 27 فبراير 1976، كانت إسبانيا قد انسحبت قبل الموعد المحدد لذلك بيومين.
وقد شكلت المسيرة الخضراء صفعة قوية لإسبانيا، التي أصبحت بحكم أوضاعها الداخلية لا تقدر على مواصلة مخططها الاستعماري بالإقليم، نتيجة احتضار رئيسها "الجنرال فرانكو" وبداية دخولها مرحلة تحول سياسي على إثر وفاته، واستعادة الأمير "خوان كارلوس" العرش الإسبان.
لذلك، فقد كانت إسبانيا السباقة بعدة محاولات للدخول والسيطرة على المنطقة الساحلية بعد سقوط الأندلس عام 1492. وحققت في ذلك مكاسب متواضعة، إلا أنها في عام 1900 تمكنت من عقد اتفاقية مع فرنسا وهي القوة الاستعمارية المسيطرة على الجزائر وأجزاء من المغرب وموريتانيا بموجبها تم إنشاء حدود فاصلة بين وادي الذهب والحدود الحالية لموريتانيا. وفي عام 1912 قامت إسبانيا من جانبها بتحديد منطقتي طرفايا وايغني لتكون حدودا لها في الجزء الجنوبي من المغرب.
فالاستعمار الإسباني هو سبب نشأة مشكلة الصحراء المغربية، وترجع الاهتمامات الإسبانية بالمغرب وصحرائه إلى السبعينيات من القرن الخامس عشر. فقد أبرمت إسبانيا معاهدة "الكوسوماس" مع البرتغال عام 1479 التي تخول لها احتلال جزر الكناري "الخالدات" والوجود بسبتة ومليلية والصحراء المغربية، وتسمح للبرتغال باحتلال مملكة فاس والشواطئ الغينية من جهة أخرى، إلا أن الاحتلال الفعلي الإسباني للصحراء المغربية بدأ عام 1844 حينما احتلت إسبانيا وادي الذهب المعروف ب "ري ودي أورو"، إذ أقامت في ما بعد مدينة "فيلا سيزنيروس" وهي جزء مما كان معروفا بالصحراء.
ثانيا: الجذور التاريخية لمغربية الصحراء
إن الدلالة التاريخية الأولى أن الصحراء مغربية، وأن المغرب كان دائما عازما على مواصلة استرجاع أراضيه الصحراوية، هي أنه عندما اكتشفت إسبانيا، منذ عام 1963، الأهمية الاقتصادية الكبرى للمنطقة، ومن أجل كسب الوقت لإبقاء نفوذها على الصحراء المغربية، أوعزت إلى بعض عملائها في الأمم المتحدة فكرة تنظيم استفتاء في الصحراء تحت مراقبة الأمم المتحدة وذلك عام 1966. وعلى الرغم من ذلك، واصل المغرب تحركاته السياسية والدبلوماسية على الصعيد الدولي والقاري، وداخل المنظمات الدولية للمطالبة بتحرير صحرائه. وفي هذا السياق، طلب المغرب من الأمم المتحدة تسجيل قضية احتلال الأراضي المغربية من جهة إسبانيا، وبدأت تصدر سنويا توصيات حول قضية احتلال الأراضي المغربية.
كما أثبتت الوقائع التاريخية أن القبائل الصحراوية كانت تطلب يد المساعدة من السلطان المغربي في كل مرة كانت تهددها القوات الأجنبية وكان سلاطين المغرب يعتبرون هذه المناطق مغربية وجزء لا يتجزأ من المغرب، لذلك كانوا يبعثون للقبائل الجنوبية بالأسلحة والعتاد بواسطة ممثليهم هناك، وكانوا يساندون كفاح الشيخ "ماء العينين" ضد الاحتلال الفرنسي الإسباني، وبالنسبة إلى ماء العينين، اعتبر العديد من الباحثين أن بفضله تمكن السلطان من تدعيم سلطته جنوب وادي درعة، وأنه مقرب كثيرا من السلطان ويتلقى منه التعليمات بصفة منتظمة، وقد انتقل الشيخ ماء العينين سنة 1897 إلى مراكش وكان في استقباله العاهل الشريف، وطلب من هذا الأخير الترخيص له بإعلان الحرب على الفرنسيين والإسبان، ومن أجل هذا الهدف زوده السلطان بالمال والأسلحة وعهد إليه بمهمة تهدئة أمور الصحراء المغربية.
وقد ناقش المؤرخ "برنار لوغان Bernard Lugan" قضية الصحراء المغربية في كتابه تحت عنوان "تاريخ المغرب من جذوره إلى اليوم Histoire du Maroc des origines à nos jours"، فبتفحصه لتاريخ المغرب من القديم إلى الحقبة الحالية، أراد المؤرخ أن يبين تاريخيا، سياسيا، لغويا، ثقافيا، دينيا وعرقيا أنه لا يوجد على الإطلاق ما يسمى ب "الشعب الصحراوي"، ويؤكد هذا الطرح–حسب هذا الاختصاصي في شؤون إفريقيا-من خلال الاتفاقية السرية الفرنسية–البريطانية المؤرخة في 5 غشت 1890 التي تنص على الاعتراف بالحماية البريطانية على جزر "زنجبار" و"بومبا" في المحيط الهندي، مقابل الاعتراف لفرنسا بإمكانية احتلال الصحراء الوسطى الغربية للحصول على ممر في اتجاه الجنوب، أي نحو النيجر وبحيرة تشاد، وكان يتحتم على فرنسا أن تحترم الحدود المغربية الممتدة من فكيك إلى الرأس الأبيض (نواديبو في موريطانيا)، وهذا يعني أن الصحراء "الإسبانية سابقا" كانت حكما أرضا مغربية.
ثالثا: الخطب الملكية ومغربية الصحراء
إن أهمية الصحراء المغربية تبرز بشكل واضح من خلال الخطب الملكية التي لا تخلو من الإشارة إلى أهمية القضية الأولى للمغاربة (الصحراء المغربية)، فالأهمية الاستراتيجية للصحراء في بناء الدولة المغربية أكدها الملك الراحل الحسن الثاني من خلال قوله: "هذه الصحراء هي التي أعطتنا دولة المرابطين الصحراويين، وجدتي خناثة زوجة المولى إسماعيل صحراوية، وأم سيدي محمد بن عبد الله صحراوية، وثلاثة من أجدادي صحراويون من قبائل جنوب الصحراء عن طريق السلالة النسوية، فليست الصحراء مغربية بالأمس فقط ولا المغرب صحراوي بالأمس. وفي الحقيقة هل نحن الذين سنرجع الصحراء أم إن الصحراء هي التي سترجع إلى المغرب: من أجل هذا أنا مطمئن وآمل أن تحل هذه المشكلة بأسرع ما يمكن بين إسبانيا والمغرب عن طريق الحوار".
حتى عندما أراد الملك الراحل الحسن الثاني التواجه مع المحتل والمستعمر، فقد لجأ إلى خطاب قانوني، واع ومسؤول، فبكل رزانة وحكمة أطلق الملك ديبلوماسيته في اتجاه استرجاع الصحراء من الاستعمار الإسباني باختيار استراتيجي للحوار واختيار "تكتيكي" لوسائل فرضه. فمطالبة المغرب بالأراضي المستعمرة من قبل إسبانيا ظلت في جميع مراحلها مطالبة قانونية، سالكة طرق التسوية السلمية، وهذا ما أكده الملك الراحل الحسن الثاني بقوله: "إن المغرب لم يفتأ منذ حصوله على الاستقلال سنة 1956 يطالب بحقوقه في الصحراء، وقد التزم وهو واع كل الوعي اجتناب اللجوء إلى التهديد أو استعمال القوة قصد الظفر بهذه الحقوق، وذلك لتمسكه الصادق الشديد بمبادئ العدل وشريعة القانون الدولي، فناضل نضاله السلمي بصبر مقرون بإصرار حكيم".
وجاء في خطاب آخر للملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء: "وبغية إيجاد مخرج لهذا الخلاف، أبان المغرب عن إرادته الصادقة في الفصل بين النزاع الإقليمي حول الصحراء وبين التطور المنشود للعلاقات الثنائية مع الجزائر. وللأسف، فإن موقفها الرسمي يسعى لعرقلة الدينامية الفاضلة التي أطلقتها المبادرة المغربية، مسخرة طاقاتها لتكريس الوضع الراهن، المشحون ببلقنة المنطقة المغاربية والساحلية، في الوقت الذي تفرض عليها التحولات الإقليمية والعالمية التكتل لرفع ما يواجهها من تحديات تنموية مصيرية. ومخاطر أمني".
وشدد الملك محمد السادس من خلال مبادرة الحكم الذاتي التي أعلن عنها المغرب، وذلك في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية، فهي مبادرة توافقية وخلاقة، مسؤولة ومنفتحة، ستمكن، بالنظر لمضمونها وغايتها، جميع الصحراويين، سواء منهم المقيمون داخل المملكة أو الموجودون بالخارج، من التدبير الديمقراطي لشؤونهم المحلية من خلال هيئات تمثيلية، تشريعية وتنفيذية، وقضائية. كما تتيح هذه المبادرة تجسيد مبدأ تقرير المصير، من خلال تعبير حر ديمقراطي وعصري، بشأن نظام الحكم الذاتي. وهي بذلك مطابقة للشرعية الدولية، مستوعبة للقواعد والمعايير العالمية المعمول بها في مجال الحكم الذاتي، فضلا عن كونها تكفل احترام حقوق الإنسان وتعزيزها، كما هي متعارف عليها عالميا، ويكرسها دستور المملكة.
لذلك، دعا عاهل البلاد إلى العمل في هذا الاتجاه، مذكرا بشأن قضية الصحراء أنه:" يعد تحصين الإجماع حول وحدتنا الترابية، القضية المصيرية الأولى للوطن والأمة، يتعين مواصلة العمل على حشد المزيد من الدعم لمبادرتنا، المقدامة وذات المصداقية، للحكم الذاتي، بغية الحسم الدولي النهائي للمنازعة المفتعلة حول مغربية صحرائنا".
ففي جميع خطبه كما رأيانا ذلك سابقا، لم يعترف ولم يذكر سواء الملك الراحل الحسن الثاني أو الملك محمد السادس الكيان الوهمي "البوليساريو" المدعومة ماديا ولوجستيكيا من قبل الجيش الجزائري. واعتبرا قضية الصحراء قضية ثنائية بين المغرب والجزائر رغم تنكر الجزائر لذلك في جل الأوقات. وعبر جلالته عن استعداد المغرب للتعاون مع الأمم المتحدة من أجل إيجاد تسوية سياسية ونهائية للنزاع في الصحراء، على أن يكون حكما ذاتيا ضمن سيادة المملكة المغربية الكاملة.
في الأخير، وبعد ما وجدناه من خلال بحثنا عن الجذور التاريخية لمشكل الصحراء المغربية، ومرورنا أيضا وبحثنا عن الدلالات التاريخية التي تؤكد مغربية الصحراء من خلال العديد من المؤسسات الدولية، سواء منظمة الأمم المتحدة أو محكمة العدل الدولية، يجعلنا نؤكد بما لا يجعل مجالا للشك أن الادعاءات التي يلوح بها أعداء الوحدة الترابية للمملكة ما هي إلا أوهام ومحض صدف لا أساس لها تاريخيا ولا مؤسسا، وبذلك نكون أمام مجموعة من الذين يهدفون إلى خلق جو مشحون في الحدود مع الصحراء المغربية، والذين يرجون من ورائها زعزعة استقرار المملكة وضرب ثوابتها ومؤسساتها، وزرع الفتنة، من أجل الوصول إلى غاياتهم وأطماعهم الاقتصادية المحضة من وراء هذه الأكاذيب والمناورات المخادعة.
لذلك، فالمغرب رغم كل هذه العراقيل التي وضعها أعداء الوحدة، فإنه ماض بكل قوة في شق طريقه نحو بلورة نموذج تنموي حقيقي لأقاليمنا الصحراوية، هذا النموذج التنموي الذي أعطى انطلاقته الملك محمد السادس بمدينة العيون، بمناسبة الذكرى الأربعين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، آلية مثلى لتسريع الجهوية المتقدمة بجهات الصحراء، كما سيمكن تفعيل هذا النموذج من فتح آفاق واعدة لكافة المناطق الجنوبية للمملكة، سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي، بالنظر لما يتضمنه من مشاريع ضخمة في مجال البنيات التحتية والصحة والتكوين والصناعة والفلاحة والصيد البحري وغيرها من القطاعات، وقد بلغ الغلاف المالي المقترح لإنجاز برنامج النموذج التنموي للأقاليم الصحراوية 77 مليار درهم، مع توقع مضاعفة الناتج الإجمالي المحلي وخلق 120 ألف فرصة عمل.
فالمغرب، بهذه المشاريع الموجهة خصوصا لأقاليمنا الجنوبية يستفز أعداء الوحدة الترابية، زيادة على أن المغرب أصبح في الآونة الأخيرة يستهدف القارة الإفريقية بشكل خاص من خلال خلق مشاريع تنموية بعدة دول، أو من خلال خلق شراكات والتوقيع على مئات الاتفاقيات بينه وبين دول إفريقية، سواء على المستوى الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي وحتى السياسي.
وخير ما نختم به هذا الموضوع هو قول الملك محمد السادس في خطابه بمجلس النواب: "وأستحضر هنا قول جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم كثر حسادنا. لأن كثرة الحساد تعني كثرة المنجزات والخيرات. أما من لا يملك شيئا، فليس له ما يحسد عليه".
*باحث في العلوم السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.