بإقليم تزنيت، وبالضبط على بعد 7 كيلومترات عن مركز الجماعة الترابية تيغمي، تقع منطقة "أفاوْزُور" التي تعد من أقدم الأماكن والتجمعات السكانية بجهة سوس ماسة، وأكثرها اشتهارا بصنع وتسويق الأواني الفخارية. يقصد بكلمة أفاوْزُور الأمازيغية "فوق السطح"، نظرا لوجود المنطقة بمكان مرتفع بتراب أدرار، وتضم على نفوذها "أسلو، إباليلن، إزوظن، أزروموس، تاغزوت، تاكازيرت، تيزي"، وهي كلها دواوير يمتهن عامة سكانها حرفة صناعة الخزف. تميُّز المنطقة المذكورة بصنع الأواني الفخارية ليس وليد اليوم، بل هو امتداد وتراكم لتجارب وممارسات يومية استمرت لمئات السنين، مشكلة بذلك استثناء نوعيا أكسبها لقب عاصمة "إدْقي" بالجنوب المغربي. وعن هذا الموضوع يقول المدني بلعروس، وهو حرفي فخار ويشغل في الوقت نفسه رئيس تعاونية إدقي وأفاوْزُور، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: "صنع الأواني الفخارية حرفة قديمة توارثها جيل عن جيل بهذه المنطقة، وهي أيضا أمانة من السلف يعمل الخلف جاهدا لكي يحافظ عليها من الاندثار". "دوار إباليلن هو مسقط رأسي ومقر سكني إلى حدود اليوم، وهو مصطلح يعني بالأمازيغية الرجل الذي يمتهن حرفة الفخار، ما يؤكد حقا أن تاريخ ظهور هذه الصنعة بأفاوْزُور يعود إلى أزمنة غابرة مقارنة مع عدد من المناطق، سواء بتيغمي أو الجماعات المجاورة"، يوضِّح بلعروس، وأضاف: "أنا واحد من بين أزيد من 90 حرفي فخار بالمنطقة، نشترك جميعنا الهدف نفسه، وهو تطوير هذه الصنعة وتجويدها وتلقينها لأبنائنا مخافة انقراضها. لكن جيل اليوم للأسف أضحى ضعيف الإقبال على تعلم صنع الأواني الفخارية مقارنة مع الأجيال السابقة". أما بالنسبة لدواعي تأسيس تعاونية إدقي وأفاوْزُور فقال المدني بلعروس: "الفكرة جاءت بعد عدة تكوينات استفدنا منها نحن مجموعة من الحرفيين على يد منظمة هجرة وتنمية في ما يخص العمل التعاوني وسبل تطوير الإنتاج والمنتوج..ارتأينا تأسيس هذه التعاونية التي كان له وقع إيجابي على عملنا كصانعي فخار". وزاد المتحدث ذاته: "قبل انخراطنا في مجال الاقتصاد التضامني كان تسويق منتجنا لا يتعدى نفوذ جماعة تيغمي أو إقليمتزنيت على أبعد تقدير، أما اليوم فسلعنا تغطي جميع أنحاء المغرب، خصوصا المدن الكبرى، وفي أحيان أخرى تصلنا طلبات من خارج الوطن، وهي كلها أمور تجعلنا نفتخر بهذه الحرفة الشريفة وبأفاوْزُور كمعقل لها". وفي ما يخص المشاكل التي تعيق نشاط التعاونية التي يرأسها بلعروس، ذكر أنها تنحصر على الخصوص في الجانب المتعلق بالنقل، نظرا للتكلفة الباهظة التي يكلفها للحرفيين من جهة، واضطرارهم إلى التعامل مع تجار وسطاء من جهة ثانية، وما لهذا الأمر من تأثير سلبي على هامش الربح، وواصل: "نعاني أيضا من انعدام مقر خاص بتعاونيتنا، رغم أننا راسلنا الجهات المسؤولة قصد دعمنا في الموضوع، لكن للأسف لم نجد بعد محتضنا رسميا لمبادرتنا.. إضافة إلى افتقار مشروع دار الطاجين المنجز مؤخرا بمركز تيغمي إلى آلات جيدة، بما فيها الأفران، وهو ما يوثر على عملية الإنتاج". وطالب المدني بلعروس، في ختام تصريحه لهسبريس، بضرورة التدخل من جميع المسؤولين، كل من موقعه، "قصد حفظ صناعة الفخار من الضياع والاندثار باعتبارها تراثا ماديا يشهد على التاريخ العريق لمنطقة أفاوزور". وعن المبادرات الداعمة لتسويق الأواني الفخارية، أسوة بباقي المنتجات التقليدية بدائرة أنزي، باعتبارها قطبا حرفيا يبرز غنى ثقافة المنطقة، اطلعت هسبريس على ورقة تقنية لمشروع طريق الحرف الذي تشرف عليه جمعية أدرار للتنمية والسياحة الجبلية والبيئية. ويعتبر طريق الحرف بمثابة مدار مميز يمر عبر المواقع التاريخية بالمنطقة ومراكز الصناعة التقليدية والحرفية، بغرض تنشيط الحركة الاقتصادية لدى التعاونيات الفلاحية والصناع التقليديين والحرفيين، وتشجيع الإنتاج وترويج وبيع المنتجات المحلية. ومن أجل هذا المشروع، قامت جمعية أدرار للتنمية والسياحة الجبلية والبيئية ب"دراسة ميدانية لجرد الصناع التقليديين والحرفيين والمواقع التاريخية والثقافية بمنطقة أنزي، حيث قام فريق عمل متخصص بزيارات ميدانية إلى ورشات الصناع التقليديين، بما فيها صناعة الفخار، قصد جمع المعلومات التقنية والاستماع إلى مشاكل الحرفيين لتشخيص احتياجاتهم في ميدان التكوين والمواكبة. كما تم التعريف بمدار طريق الحرف لدى الحرفيين وإشراكهم فيه".