لقد أثارت الجائحة الصحية العالمية إعادة بروز موضوع قديم جديد على السطح، والمتمثل أساسا في الصراع والجدال بين الأخلاق والسياسة، فمع ظهور هذا الوباء في دولة الصين كبؤرة، ثم انتشاره في باقي أنحاء العالم ومع تسجيل حالات لإصابات ووفيات كبيرة جدا، بدأت تطفو على السطح بوادر لإمكانية ربط علاقات جديدة بين دولة الصين الشعبية بدول أخرى، هذه العلاقات هي نتيجة لمتغيرات سياسية، تنحو منحى توافق الأخلاق والسياسة وتلازمهما. فالواقع الحالي يكشف لنا أن الممارسة السياسية في الغالب تتجه نحو الرأي الذي يعتبر أن اللاعلاقة بين الأخلاق والسياسة، سواء على مستوى الدولة الواحدة أو على مستوى العلاقات بين الدول، فمنطق القوة والخداع والسعي نحو المصلحة بكل الوسائل هو السائد. فمن هنا يمكن طرح التساؤل التالي: ما مدى توافق الأخلاق مع السياسة وتعارضهما؟ وأي منهما ملائم في الممارسة السياسية؟ يرى بعض الفلاسفة، كميكيافيللي وتوماس هوبز ونيتشه، أن الممارسة السياسية تقتضي استبعاد كل ما له علاقة بالدين أو بالأخلاق؛ لأن ذلك من شأنه أن يضعف الدولة. وبالتالي، يرون أنه لا علاقة بين الأخلاق والسياسة كل حسب وجهة نظره؛ لكن يتفقون على فكرة واحدة هذا من جهة. نقيضا لذلك، يعتقد البعض، من جهة أخرى، أنه من الضروري مراعاة القيم الأخلاقية في الممارسة السياسية، سواء تعلق الأمر بالعلاقة التي تربط الحاكم بالمحكومين على مستوى الدولة الواحدة أو على مستوى العلاقات بين الدول. ومعنى ذلك أن على السياسي أن يستبعد كل الوسائل اللاأخلاقية من العمل السياسي، وأن يسعى إلى تحقيق العدالة والأمن وضمان حقوق الإنسان الطبيعية والاجتماعية. وهذا ما دعا إليه العديد من المفكرين؛ كأرسطو الذي يعتبر السياسة فرعا من الأخلاق، وكانط الذي يدعو إلى معاملة الإنسان كغاية في حد ذاته وليس كمجرد وسيلة، كما أكد ابن خلدون أن القائد السياسي يلزم أن يكون قدوة للآخرين، وذلك باحترامه للأخلاق الفاضلة ودفاعه عن الحق، وعليه أيضا أن يتعامل بحكمة واعتدال مع الغير. فعلى الصعيد الداخلي، فالمغرب اعتمد مقاربة أخلاقية في سياسته مع المواطنين؛ وذلك عند إعلانه عن عدة إجراءات وتدابير استباقية بعد ظهور الحالات الأولى المصابة، مفضلا بذلك صحة المواطن على الاقتصاد الوطني، إضافة إلى اعتماد الدولة لإجراءات وقرارات متلاحقة تعكس درجة الحرص والحكمة التي تندرج ضمن قيم الأخلاق في تدبير الظرفية الراهنة. أما خارجيا، وفي ظل هذه الأزمة، قامت دولة الصين بإمداد المغرب بمساعدات تتمثل في اللوازم الطبية والمعدات، مما يعكس البعد الأخلاقي في سياسة الصين اتجاه المغرب، خاصة في هذه الظرفية الصعبة فهذه الحمولة ستؤدي لا محالة نحو توطيد العلاقة أكثر. على المستوى الدولي، برز البعد الأخلاقي في سياسة الصين، حيث ساعدت دولة إيطاليا بإرسالها لأطباء ومعدات طبية، باعتبارها نموذجا ناجحا لاحتواء الفيروس والقضاء عليه. كما نجد أيضا دولة كوبا التي قامت هي الأخرى بدعمها لإيطاليا، عن طريق إرسال أطر طبية عالية الكفاءة في هذه الفترة العصيبة. ومما زاد الطين بلة في المشهد السياسي العالمي قيام بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإيقاف تصدير الأقنعة الطبية لكي تحقق اكتفاءها الذاتي، فرؤية فصل الأخلاق عن السياسة في هذه الظرفية التي نعيشها أكيد سيكون له انعكاسات كبيرة، خاصة على مستوى العلاقات بين الدول؛ فالممارسات اللاأخلاقية في السياسة من المنتظر أن تقلب منطق العلاقات بين الدول، وستساهم في تغيير الخريطة السياسية الحالية. على العموم، يمكن القول إن الأزمة الصحية التي يشهدها العالم سلطت الضوء من جديد على موضوع جدلية الأخلاق والسياسة، والملاحظ أن الكفة اليوم مالت لصالح الأنصار المنادين بأهمية ارتباط هذين الأخيرين وتلازمهما، بالتالي فهما معا يحققان مكاسب ويمهدان لعلاقات وطيدة بين الحكام والمحكومين وبين الدول فيما بينها. لذا، ينبغي في العمل السياسي أن يجسد لنا القيم الأخلاقية ويرتقي بالمواطن ويحافظ على حقوق الإنسان ويصبو نحو تحقيق المصالح المشروعة. *باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية