تحدث خالد حمص، عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، عن "الأساليب الكمية والنمذجة الاقتصادية تحت اختبار كوفيد 19"، متسائلا: "كيف يمكننا التظاهر بالقياس في علم الاقتصاد، وهو علم اجتماعي، وهو متغير خارجي غير اقتصادي؟ .. فالوباء لا تستطيع منظمة الصحة العالمية فهمه يجب دمجه في التحليل لاستنتاج العلاقات أو الاتجاهات المحتملة". مداخلة حمص خلال ندوة افتراضية، بصفته الإدارية بالكلية التابعة لجامعة محمد الخامس وخبيرا اقتصاديا، أوردت أن الأمر يتعلق ب"وضع غير عاديّ، حيث نتعلم كل يوم شيئًا جديدا وأحيانًا عكس المعلومات المتوفرة، من جانب أطباء أمراض الرئة وعلم الأوبئة..الحقيقة الوحيدة هي: حالة عدم اليقين". وأكد عميد الكلية أنه "لا يمكن لأحد أن ينكر مساهمة الرياضيات والإحصاء في تطوير العلوم الفيزياء، الكيمياء، الطب، علم الأحياء، الاقتصاد، التمويل، وغيرها.."، قائلا إن "هذا هو الخط الفاصل بين العلم والميتافيزيقيا، فبفضل الرياضيات والإحصاءات يحاول الاقتصاد الاقتراب من العلوم الصعبة، ولكن دون أن ينسى أنه يبقى علمًا اجتماعيًا"؛ كما تحدث عن "طريقة لإضفاء الطابع الرسمي على العلاقات بين متغيرات الظاهرة المدروسة، ومن ثم فهي وسيلة اختبار تجريبي، وأخيرًا هي وسيلة لإعطاء أرقام دقيقة يطلبها العلماء لإجراء البحث من خلال الجهات الفاعلة المختلفة لاتخاذ الخيارات المثلى العقلانية والمبررة". وقال حمص إن أدوات نمذجة الاقتصاد القياسي وتحليل البيانات شهدت تطوراً هاماً للغاية يسمح للاقتصاديين بإجراء بحث تجريبي أكثر ثراءً وتعقيدًا، "لكن تعقيد الأدوات واختلافها لا يسهل المهمة دائمًا عندما تكون النتائج مختلفة أو حتى متناقضة"، يضيف مستدركا، وتابع: "على سبيل المثال، في الحالات العادية معدل توقعات النمو الاقتصادي من قبل مختلف الهيئات في المغرب سواء من قبيل المندوبية السامية للتخطيط أو الحكومة، أو بنك المغرب وغيره، ليس دائمًا هو نفسه.. وتفسر ذلك الافتراضات المستخدمة من قبل كل هيئة، وكذلك الأدوات المستخدمة، ومع ذلك فهو متغير أساسي في الاقتصاد ومتغير يحدد المؤشرات والخيارات الاقتصادية الكافية". من جانبه، يقدّر أكاديمي مغربي أنّ بُعدَ وضعية المغرب خلال أزمة جائحة "كورونا المستمرّة" عن أعداد الإصابات في مجموعة من الدول الأوروبي لم يكن فقط نتيجة للإجراءات الوقائية المتّخذة. وفي النشاط العلمي المنعقد عن بعد بالفيديو، نظّم حول المناهج الكمية والنمذجة الاقتصادية خلال تحدّي جائحة "كوفيد -19"، قال عادل المرحوم، أستاذ بكلية أكدال في الرباط، إنّه "لا يمكن الارتهان للإحصاءات فقط"؛ لأنّ الجائحة "ليست هي نفسها في كلّ مناطق العالم، في إفريقيا والمغرب"، وبعد هذه القارّة عن السيناريو الأوروبي لا يدخل فيه عامل الإجراءات الوقائية المتّخذة، بل "سؤال المناخ أيضا". وقارب المتحدث في مداخلته "النّمذجة، والنّمذجة الاقتصادية"، موضّحا أنّ النماذج "تشكّل مختبرات للاقتصاد، مثل مختبرات باقي العلوم"، ومذكّرا بوجوب استحضار أنّ النماذج في الاقتصاد ليست مثلها في الفيزياء، لأن "الاقتصاد من العلوم الإنسانية، التي تتعامل دائما مع سلوك غير متوقّع للعملاء؛ إضافة إلى عدم استطاعة النماذج استبطان كافّة تعقيدات الظّاهرة المدروسة، ومحدوديّتها التي تفترض أنّ المحيط غير فعّال، في حين إنّه يمكن أن يدخل ضمن الإعدادات". وتناول الأكاديميّ مجموعة من المشاكل التي واجهت النماذج التي اعتمدتها دراسات قاربت الجائحة، قائلا إنّ من بينها "مشاكل حتى في التّأويل"، و"انزياح في بعض الأحيان بين الدلالة الإحصائية والدّلالة الفعلية (الحقيقية أو الواقعيّة)"، دون أن يعني هذا جدالا حول "أهمية النّماذج الرياضية"، بل هو إشارة إلى أنّ "تجميع المقاربات الكمية والكيفية يمكن أن يسهِم بشكل أفضل في فهم الظّاهرة المدروسة"؛ إلى جانب استحضار أنّ النماذج مهمّة، و"التحليل الاقتصادي مهمّ جدا، ولا يجب أن ننساه"، وهو ما يستوجب أن تكون في التّكوين "موازنة بينهما". من جهته يذكر زكرياء فيرانو، أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، أنّ "الحَجر" كان "الوسيلة الأمثل؛ لأنّه إلى جانب تخفيض الاستهلاك بعشرين في المائة، وساعات العمل بأزيد من عشرين في المائة، كانت له فوائد أيضا تظهر في نسبة الوفيات المنخفض جدا". وفي استعراض لنتيجة دراسة شارك فيها، ذكر الأكاديميّ أنّ الحَجر الصحي "كان إستراتيجية مثالية للمغرب". ويرفض الأكاديميّ اعتبار الجائحة تحديا خارجيا، وزاد: "اعتبار ظواهر تمسّ الإنسان خارجية عندي معه مشكل في الاقتصاد القياسي الحالي (...) ويجب اعتبار المنطق الداخلي لنموّ الأزمة العالمية، مثل ما حدث مع دراسات الأزمة العالمية المالية في 2008. وصدمني وجود الكثير من الأعمال حول هذا السؤال، التي اشتغلت على دمج السلوك الإنساني في وضعية وبائية، في النّمذجة الماكرو اقتصادية". ويضيف المتحدّث ذاته: "اعتبار الوباء عاملا داخليا يعني استدخال إمكان تخفيض الفاعلين عملهم وعرضهم في العمل ورأسمالهم واستهلاكهم من أجل الوقاية خلال الوضعية الوبائية"؛ كما يزيد قائلا: "يجب نذهب أبعد في نماذجنا بأخذ الحَجر بعين الاعتبار، لإمكان نمذجة سياسة مالية، وإمكان إدارة فعل الفاعلين الاقتصاديين وماهية الحَجر الذي سيُعمَل به". ويرى كريم محمد، أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا، أنّ "كوفيد 19" أثّر أكثر على الأغنياء، في ما يتعلّق بالتّفاوتات؛ لأنّهم أسهموا في تمويل صندوق الجائحة، فيما بقي مستوى الفقراء هو نفسه، مع انخفاض مدخولهم بشكل كبير. وبعد حديث عن تأثير الجائحة "الماكرو اقتصادي، والبَي قطاعي، وتأثيره على الثمن بالزيادة في الطّلب أو خفضه"، اقترح الأكاديمي نموذجا للأثمان المتغيّرة التي يحكمها العرض والطلب، يمكن من خلاله أن يختار السياسي نوع "الصدمة المقترحة" من سيناريوهات متعدّدة يمكن الاختيار بينها، وفق ما يلائمه، وما تكون فيه "أكبر فعاليّة ومردودية"، ويؤدّي إلى "فقر وتفاوتات اجتماعية أقلّ"، وهو ما سيكون أسلم من "الاختيار العشوائيّ". من جهته يذكر عبد حميد نشاد، أستاذ بالمدرسة الوطنية للتجارة والتّسيير بطنجة، أنّ هناك دراسات حول الجائحة يغيب فيها التّنسيب، وتتناسى أنّ "ما نتعامل معه بالتوقّع ليس جائحة، بل تصرّفا إنسانيا، لا يمكن نمذجته"، وهو ما يرى معه أنّ "بؤرة لالة ميمونة" قد أتت "لتسائل توقّعات مجموعة من المحلّلين الذين لم يعتبروا -مثل- هذا –الأمر-". ويشدّد الجامعيّ على ضرورة استحضار بعد "الفعل الإنساني"، مع العلم أنّ "الدول التي تخرج بشكل غير سيء من الأزمة، حاليا، مثل: نيوزيلندا واليابان ورواندا، كانت لكلّ منها رؤية خاصة، مع عامل مشترك هو جعل السّاكنة مسؤولة"، وبالتالي فإنّ المتحدّث يرى أنّ "الإيمان بحلّ ونمذجة سحريين في الجائحة (...) سخافة علميّة". من جهته تحدّث أستاذ مادة الاقتصاد محمد بوزحزاح، في ورقة قرأها كريم محمد، عن عدم إمكان مقارنة الجوائح ببعضها البعض، علما أنّ هناك اختلافا بين الماضي واليوم في الصحة العمومية، والمناهج التدبيرية المعتمدة مثل التباعد الاجتماعي، علما أنّ العالم قد تغيّر، وسلاسل التنقل البشرية والارتباطات بين البلدان زادت. وذكر الباحث هذا في سياق حديثه عن المقاربات المتعدّدة للدراسات المنشورة حول الجائحة، معلّقا على منهج الاقتصاد الكلّيّ "La méthode Macroéconométrique"،التي توجّه فيها باحثون إلى الماضي من أجل تعبئة المعطيات حول الكوارث التاريخية، واستعادوا معلومات تعود إلى القرن التاسع عشر، من واحد وأربعين بلدا، وأزمة أنفلونزا 1918 - 1920 باعتبارها أسوأ سيناريو، وقدّروا الخسارات في الناتج الداخلي الخامّ والاستهلاك خلال هذه الأزمة، واضعين إيّاها موضع الأزمة الرّاهنة. ومن بين المقاربات التي ورد ذكرها في ورقة المتخصّص "آراء الخبراء والمناهج التقريبية" التي تعمل بحسابات سريعة لخبراء ترتبط بمدّة الحَجر، مثل حديث وزير المالية المغربيّ عن خسارة مليار درهم كلّ يوم من الحَجر، وهي مناهج "تفيد في سرعتها، لكن فائدتها محدودة". ورغم فائدة التوقّع اقتصاديا ولعبه "دورا أساسيا في اتّخاذ القرار"، يقدّر الأكاديميّ أنّنا "في حاجة إلى وقت، من أجل وضع سياسة اقتصادية، ووقت أطول ليرى أثر هذه السياسات"، علما أنّ "وضع سياسات للاستقرار الآن يمكن أن يكون سببا في عدم الاستقرار"؛ لأنّها "يمكن أن تنعش اقتصادا في حالة صدمة، أو تثبّط اقتصادا يوجد في حالة ركود"، وبالتالي ينبغي الانتباه وفق المتحدّث إلى ما قد تحمله من "نتائج عكسيّة".