زعماء مجموعة السبع يطالبون بتهدئة التوترات الإقليمية    ثنائية فلامنغو تهزم الترجي التونسي    توقعات طقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    طنجة.. الإطاحة بلص خطير متورط في 16 سرقة قرب الكورنيش    ترامب يضع إيران أمام خيارين أحلاهما مرّ    دعم إماراتي متجدد لوحدة المغرب الترابية    لجنة ال24/الصحراء.. غواتيمالا تجدد تأكيد دعمها لحل سياسي في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية    حزب الله يدين استهداف إعلام إيران    قائمة شركات طيران علقت رحلاتها جراء التصعيد بين إسرائيل وإيران    وزيرة السياحة: المغرب يتصدر مؤشرات التعافي السياحي بفضل دعم الدولة والرؤية الملكية    موعد مباراتي نصف نهائي كأس العرش    المغربي هاروان رِيد يعرض أعماله في دار سوذبيز ببروكسل ضمن مؤتمر المغرب: فرصة استثمارية استراتيجية وأسلوب حياة فريد    عامل إقليم الدريوش يقود اجتماعا موسع لتفعيل برنامج إنقاذ قطاع الماشية ودعم الكسابة    أكادير تحتضن أشغال المنتدى الدولي حول التدبير المستدام للمجال الغابوي    إحباط تهريب 13 سيارة مسروقة من الجزيرة الخضراء نحو ميناء طنجة المتوسط    النقابة الوطنية للصحافة تدعو لتسريع الإصلاحات وضمان حقوق العاملين في القطاع    السينما والتاريخ شعار الدورة الثانية لأيام وزان السينمائية    نادي برشلونة يقرر إلغاء المباراة الودية بالدار البيضاء قبل انطلاق الموسم    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    المدير العام لفرع بنك أفريقيا بمدينة شنغهاي: المغرب بات وجهة مفضلة بشكل متزايد لمصنعي السيارات الصينيين    وهبي: مصادرة الأصول الإجرامية أولوية    وزيرة المالية: لا غلاء في المغرب.. وملف التقاعد لا يحتمل المزايدة السياسية    توقيف مغني معروف للاشتباه في تورطه في قضية عنف تحت السكر    إسرائيل تستهدف مبنى تلفزيون إيران    نتنياهو: قتل خامنئي "سيضع حدا للنزاع"    "الجغرافيا الجديدة" بأكاديمية المملكة    "لارام" تطلق برنامج رحلات صيفي غير مسبوق    فريق الرجاء يؤجل انطلاق التداريب    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية ورياح بأقاليم الجهة الشرقية    435 سجينا يحصلون على شهادة البكالوريا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    قصة نجاح لمفخرة مغربية    3 مشاريع مراسيم على طاولة مجلس الحكومة    غزة تنعى قتلى قرب مركز مساعدات    جراحات جبل "طوبقال" القديمة    فرجة "دراغون" تلقى الإقبال في أمريكا الشمالية    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    أسبوع الفرس .. تنظيم الدورة الأربعين من 5 إلى 13 يوليوز المقبل بالرباط    بنما: مبادرة الحكم الذاتي تمثل الحل الواقعي الوحيد لقضية الصحراء        "أرواح غيوانية" يُكرّم رموز المجموعات الغيوانية ويُعيد أمجاد الأغنية الملتزمة    في أول لقاء مع جمهوره المغربي.. ديستانكت يكشف ألبومه العالمي وسط تفاعل صاخب    الذهب يقترب من أعلى مستوياته في شهرين    رسميا.. لا مباراة لبرشلونة في المغرب هذا الصيف لهذا السبب    بناصر رفيق: المرأة التجمعية شريك أساسي في بناء مغرب الديمقراطية والتنمية    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        الاتحاد الدولي لكرة القدم يرد على المشككين في "الموندياليتو"    24 قتيلا في إسرائيل جراء الضربات الصاروخية الإيرانية منذ الجمعة    توتنهام الإنجليزي يضم المهاجم الفرنسي ماتيس تيل بشكل نهائي    المهرجان الدولي للفيلم بالداخلة يحتفي بشخصيات بارزة من عالم الفن السابع    فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    ماذا يفعل تحطُّم الطائرة بجسم الإنسان؟    قصة "حصان طروادة" المعتمَد حديثاً في المملكة المتحدة لعلاج سرطان خلايا البلازما        السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إكراهات تسائل جودة وعدالة تجربة التعليم عن بعد خلال "الجائحة"
نشر في هسبريس يوم 14 - 10 - 2020

على الرغم من أنّه من "السابق لأوانه إجراء تقييم موضوعي لحصيلة التعليم عن بُعد يشمل مختلف الجوانب التقنية والبيداغوجية والقيمية للعملية"، فإن باحثا مغربيّا يسجّل أنّ "شريحة عريضة من المتعلمين لم يتمكنوا من متابعة هذه الدروس"، وأنّ سؤال "مردودية وأثر" هذا التعليم يبقى مطروحا مع صعوبة تقييمه.
جاء هذا في ورقة بحثيّة للباحث جمال والزين، أستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين درعة تافيلالت، فرع ورزازات، نُشرت ضمن كتاب جماعيّ معنون ب"جائحة كوفيد-19 وآثارها الاجتماعيّة والتّربويّة والنّفسيّة"، صدر عن "منشورات مركز تكامل للدراسات والأبحاث".
ويسجّل الباحث أنّ الحديث عن "التعليم أو التَّعَلُّم عن بُعد في المغرب" لَم يكن وليد جائحة "كورونا"، بل خيارا اعتمدته الدولة باعتباره مكملا للتعليم الحضوري؛ ولكنّه ظلَّ "حبيس الأوراق" و"لم يجد طريقه إلى التنزيل في ظل غياب الشروط الموضوعية المساعدة على ذلك، خصوصا ما يتعلق بالعدة البيداغوجية، وبتكوين الأطر في هذا المجال"، إلا من محاولات محتشمة من قبل بعض الجامعات، خاصة جامعة محمد الخامس بالرباط، التي خاضت التجربة منذ 2002، لكنها "ظلت تجربة محدودة، على مستوى عدد المستفيدين من العملية، وعلى مستوى المواد الدراسية التي وُظّفت فيها هذه التقنية".
ويُحيل الباحث على وثيقة الرؤية الإستراتيجية 2015-2030، حيث يرد ذكر التعلم عن بُعد ضمن المدخل الأول من المداخل الأربعة الواردة في الرافعة العشرين المعنونة ب"الانخراط الفاعل في اقتصاد ومجتمع المعرفة"، ويُتحدَّث عن "تنمية وتطوير التعلم عن بُعد، باعتباره مكملا للتعليم الحضوري، وعاملا في تنمية ثقافة العمل الجماعي والتشاركي".
ويستحضر جمال والزين أنّ القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين قد حافظ على هذا الخيار، حيث جاء في مادته 33 أنّه "يتعين على الحكومة أن تتخذ جميع التدابير اللازمة والمناسبة لتمكين مؤسسات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في القطاعين العام والخاص من تطوير موارد ووسائط التدريس والتعلم والبحث في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي"، ولا سيما من خلال آليات، من بينها: تعزيز إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النهوض بجودة التعلمات وتحسين مردوديتها، وإحداث مختبرات للابتكار وإنتاج الموارد الرقمية وتكوين مختصين في هذا المجال، وتنمية وتطوير التعلم عن بعد، باعتباره مكملا للتعليم الحضوري، وإدماج التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه.
وأمام مباغتة جائحة "كورونا" العالم بأسره، التي لَم تجد الدّول معها حلّا في البداية غير فرض الحجر الصحي حفاظا على سلامة مواطنيها، وتطويق انتشار الفيروس، يقول الباحث إنّ المغرب قد سارع إلى اتخاذ تدابير استباقية لمواجهة الجائحة، وكان قطاع التربية والتعليم واحدا من القطاعات الحيوية التي برزت فيه تداعيات المواجهة، حيث "أقدمت الوزارة الوصية على اتخاذ إجراء احترازي غير مسبوق تمثل في التوقف بشكل نهائي عن التعليم الحضوري، واعتماد التعليم عن بعد لضمان الاستمرارية البيداغوجية لأزيد من عشرة ملايين متمدرس".
في هذا السياق، يزيد الباحث أنّ عملية التحول الرقمي التي شهدها المغرب في قطاع التربية والتعليم "لم تَكن تنزيلا لخيار إستراتيجي برؤية واضحة وإجراءات دقيقة، بل كانت قرارا اضطراريا أملته تداعيات جائحة كوفيد 19"؛ وهو ما بدا جليّا في "تدبير الوزارة الوصية للعملية، حيث اتسم أحيانا بالارتباك، وبالتّدرّج في توسيع قاعدة الاستفادة من الموارد الرقمية المعدة لذلك وقنوات تصريفها".
على الرغم من هذه الأعطاب، يقول الباحثُ إنّ المتتبّع لسير عملية التعليم عن بُعد بالمغرب خلال مرحلة "كوفيد-19" "لا يسعه إلا أن يثمن الجهود المبذولة من قبل مختلف الفاعلين، وفي مقدمتهم الوزارة الوصية بكل مستوياتها الوطنية والإقليمية والمحلية، وبمختلف مكوناتها الإدارية والتربوية"؛ لأنّ وزارة التربية الوطنيّة قد عملت على "اتخاذ جملة من التدابير والإجراءات من أجل مواجهة تداعيات جائحة كورونا على منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي (...) منها (...) ما اصطُلح عليه ب"ضمان الاستمرارية البيداغوجية".
ويعدّد الباحث مجموعة من الإكراهات التي تواجه التعليم عن بُعد، ومن بينها "إكراهات تقنية وبيداغوجية"، حيث لَم يُلمَّ الأساتذة والمُتَمَدرسون، على حدّ سواء، ب"الجوانب التقنية" التي تعدّ "شرطا لازما لنجاح عملية التعليم عن بعد"، على الرغم من "بعض الجهود التي بُذلت من أجل إدماج التكنولوجية في التعليم"؛ وهو ما أكّدَتْه دراسة أجرتها جامعة محمد الخامس بالرباط خلال فترة الحجر الصحي، قالت إنّ "أكثر من 70 في المائة من الطلبة لم يسبق لهم أن استعملوا تقنيات التعليم عن بعد"، وهي النسبة نفسها بالنسبة للأساتذة المستجوَبين. ممّا يفسّر، وفق المصدر ذاته، "إقبال الأساتذة والمتمَدرسين، على السواء، على استعمال شبكات التواصل الاجتماعي".
ومن بين الإكراهات الحقيقيّة التي طُرحت على "التعليم عن بعد"، حَسَبَ الورقة البحثيّة، إشكال "تكافؤ الفرص بين المتمَدرسين" بسبب التفاوت المجالي بين مناطق الوطن؛ ف"نجد مناطق عديدة تحسب على الوسط القروي، غير مرتبطة بشبكة الأنترنيت، مما يعزلها كليا عما يجري في دواليب الوزارة وتدابيرها ويحرم أبناءها من الاستمرارية البيداغوجية"، أو ما يخلّفه الفقر والهشاشة الاجتماعية "من تفاوت طبقي يحرم عددا من المتمدرسين من متابعة الدروس عن بعد".
في هذا السياق، يسجّل الباحث أنّ استشعار الوزارة الوصيّة ل"التفاوت المجالي والاجتماعي الحاصل بين الأسر" جعلها تعمد إلى بث الدروس عبر القنوات التلفزيونية الوطنية، وتوزيع كراسات للمراجعة والدعم التربوي والتعلم الذاتي في مواد اللغة العربية والرياضيات واللغة الفرنسية، بشكل مجاني، على مليون تلميذ يتابعون دراستهم بالسلك الابتدائي بالمناطق النائية بالوسط القروي والمناطق ذات الخصاص بجميع أنحاء البلاد.
ومن بين الإشكالات التي واجهت هذا الاختيار، وفق المصدر نفسه، أنّ الأسر قد وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع ما يقتضيه التعليم عن بعد من مواكبة مستمرة لأبنائها، علما أنّ العديد منها "ليس في مقدورها أن تقوم به نظرا لمستواها التعليمي المتدني أو المنعدم أحيانا".
ومن إكراهات التعليم عن بعد، أيضا، إكراهات "قيمية"؛ ف"التعليم الحضوري لازمته مجموعة من القيم من قبيل الانضباط والتفاعل الصَفّيّين، وحضور الأستاذ بصفته قدوة"، وهو ما تلاشى أو تضاءل في ظل التباعد المفروض؛ حيث "من الصعب، مثلا، التأكد من مدى متابعة المتعلم وانضباطه في حصة التعليم عن بعد"، على الرغم من أنّ هذا التّعليم يُحَمّل المتعلم "مسؤولية التعلم الذاتي، وينقل توظيفه السلبي لتقنيات التواصل إلى ممارسة إيجابية باعتبارها حاملا رقميا للمعرفة".
وعن سؤال الجودة في التعليم عن بعد، يكتب الباحث، أنّ من المتابعين من سجّل أنّ "هم إكمال المقرر الدراسي أو هاجس الاستمرارية البيداغوجية كما سهرت على تنزيله الوزارة الوصية قد أثر سلبا في جودة المنتج التربوي"، ويزيد: "معظم الموارد الرقمية التي تُبَثّ عبر المنصات والقنوات التلفزيونية لا تخرج عن كونها معلومات ومعارف، وليست أنشطة تعليمية تعلمية تم الاشتغال عليها بطرائق بيداغوجية حديثة باستثمار التكنولوجية، مما يجعلها تفتقد إلى الجاذبية والتفاعلية.
ومن بين الإكراهات المطروحة مع خيار اللجوء إلى التعليم عن بعد، إكراهات نفسية؛ فيقول الباحث إنّ "ظروف الحجر الصحي" كان لها أثر نفسي على المتمَدرسين والأساتذة، وأصابت الجميع بإرهاق نفسي وجسدي، فضلا عن المخاوف التي انتابت المتعلمين حول مصير السنة الدراسية، والتّخوُّف من حصول سنة بيضاء، والقلق حول سير الامتحانات، خاصة الإشهادية منها.
وتقول الورقة إنّه على الرغم من الملاحظات المُسجَّلَة فإن عملية التّعليم عن بعد تبقى "تجربة مفيدة وجديرة بالتطوير (...) لا تزال في طفولتها، وتحتاج إسنادا قانونيا وبيداغوجيّا حتى يشتدَّ عودُها، وتُصبح فعلا رافعة من رافعات الإصلاح وآلية مُعينَة على تحقيق مجتمع المعرفة".
ويتطلّب هذا المقصد الرّفيع، حَسَبَ المصدر ذاته، "مأسسة التعليم عن بعد في الأطر التنظيمية والتشريعية، وإعداد الترسانة القانونية والتشريعية من مراسيم ومذكرات توجيهية تجعل من التعليم عن بعد جزءا أساسيا في منظومة التربية والتكوين إلى جانب التعليم الحضوري، بما في ذلك الاعتراف بالشهادات التي يمكن للمتعلمين تحصيلها عن طريق التعليم عن بعد".
كما يتطلّب الوصول إلى هذا الهدف إعداد الوزارة الوصيّة المادة البيداغوجية الرقمية التفاعلية، وتكوين المدرّسين في تقنيات وأساليب التعليم عن بعد، مع ضرورة إدراج المراكز الجهوية للتكوين "مجزوءات خاصة بتقنيات التعليم عن بعد"، لتكوين المدرّس "بمواصفات حاجيات مدرسة المستقبل"، و"تشجيع البحوث العلمية والدراسات الهادفة في مجال تكنولوجيا التعليم والبيداغوجيات الرقمية، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال"، مع "تقليص الفوارق الاجتماعية بين الأسر (...) والعمل على تحقيق العدالة المجالية بين مختلف مناطق المغرب"؛ ف"مغرب القرن الحادي والعشرين يعيبُهُ أن تظَلَّ عدد من مناطقه معزولة عن العالَم بسبب عدم ربطها بشبكة الأنترنيت".
ويشدّد جمال والزين، في ورقته البحثيّة، على ضرورة أن يستفيد المغرب من تجربة "زمن كورونا"، وهو بصدد إعداد نموذجه التنموي، ليستَثمرها "فيما بعد (...) ويخرج من التفكير بمنطق الأزمة الذي فرضه الوباء المفاجئ، إلى التفكير الإستراتيجي الذي يضع في الحسبان حاجيات المتعلم المعاصر، وشروط مدرسة المستقبل؛ لوضع رؤية جديدة ومتجددة لمدرسة بلا أسوار".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.