تغير مفاجئ.. هكذا نشرت قناة "فرنسا 3" خريطة المغرب    فلقاء الخطاط مع وزير الدفاع البريطاني السابق.. قدم ليه شروحات على التنمية وفرص الاستثمار بالأقاليم الجنوبية والحكم الذاتي    مجلس المنافسة كيحقق فوجود اتفاق حول تحديد الأسعار بين عدد من الفاعلين الاقتصاديين فسوق توريد السردين    برنامج "فرصة".. عمور: 50 ألف حامل مشروع استفادوا من التكوينات وهاد البرنامج مكن بزاف ديال الشباب من تحويل الفكرة لمشروع    الغالبية الساحقة من المقاولات راضية عن استقرارها بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    أول تعليق من الاتحاد الجزائري على رفض "الطاس" طعن اتحاد العاصمة    جنايات الحسيمة تدين "مشرمل" قاصر بخمس سنوات سجنا نافذا    خلال أسبوع.. 17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة بتطوان    طابع تذكاري يحتفي بستينية السكك الحديدية    مقتل فتى يبلغ 14 عاماً في هجوم بسيف في لندن    الأمثال العامية بتطوان... (586)    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام السياسي -1-
نشر في هسبريس يوم 07 - 03 - 2008

بداية لابد من توضيح بعض الغموض الذي يكتنف بعض التسميات التي يطلقها الغرب على هذه الجماعات مثل تسمية " الحركات الأصولية " ، " السلفية " ، ثم الهدف الذي ترمي تلك الجماعات الوصول إليه ،الاستيلاء على الحكم سواء بالانقلابات الفوقية ، أو بالثورة الإسلامية . ان هذه التسميات والاوصاف تبقى اما وصفية وفي احيان كثيرة قدحية ، الهدف منها في التحليل الغربي المخدوم ، ابراز التمايز والاختلافات المجتمعية العميقة بين المعسكرين الغربي والاسلامي ، وهو ما ذهب اليه مفكرو الغرب بعد افول الاتحاد السوفياتي السا بق ، عندما نظروا ومن منطلقات صهيونية مسيحية لما اسموه بصراع الحضارات . ان رفض تلك التسميات التي دأب الغرب على اطلاقها على تلك الحركات ،نرجعه الى ان ظروف تكوين تلك الجمعيات وايديولوجياتها النصية ، والمشروع المجتمعي العام الذي تجتهد في تحقيقه ، لا يسمح بتسميتها بالحركات " الاصولية " او " السلفية " ، او"بحركة النهضة"أو ان نسمي مشروعها ب " الثورة الاسلامية" . ""
1 – حركة النهضة : يرتبط التاريخ العربي الاسلامي بالدور العظيم للإسلام ، وبالأثر العظيم الذي تركه في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية ، وياتي في مقدمة هذا الاثر العظيم للاسلام النضال ضد الغزو الاجنبي . فتحت راية الاسلام تم صد الغزوات الاجنبية الصليبية الاروبية ، وفي ظله تصاعدت المقاومة المغربية ضد الاحتلال الكلونيالي الفرنسي ، كما نهض الوهابيون باسم الاسلام وبخلفية عربية عشائرية وقبلية للنضال ضد الاستبداد العثماني الذي استخدم الإسلام أيضا للسيطرة على الشعوب واستثمار الجماهير لمصلحة أقلية إقطاعية حاكمة . وباسم الإسلام اندفعت جموع المهديين في السودان للنضال ضد المستعمر البريطاني ، كما تحرك عمر المختار ضد جحافل الطليان بليبيا . وقبل هذا التاريخ بزمن تنادت الجماهير المضطهدة المظلومة والمستثمرة للنضال الاجتماعي تحت راية الاسلام ضد الاقلية الحاكمة باسم الاسلام ايضا، التي فسرت نصوصه بما يخدم طبيعتها الطبقية الاستبدادية و يتلاءم مع مراميها ومشاريعها الاستغلالية .
في ذلك الوقت كان لابد لزعماء الحركات الاجتماعية في العالم العربي والشرق المسلم ، كما هو الحال في الغرب المسيحي اليهودي ،من الالتجاء الى الدين والاحتماء به من اجل الهجوم على السلطة الاقطاعية الاستبدادية المتسترة برداء الدين ايضا . وقد كانت سيطرة الايديولوجية الدينية في حياة المجتمع الفكرية في الشرق وفي اروبة العصر الوسيط لا تتجلى في تكريس الاوضاع القائمة فحسب ، بل في واقع ان الهجوم على الاقطاعية او على مؤسساتها كان يتخد شكلا دينيا . لقد كان الدين شرطا ايديولوجيا ضروريا لعملية التطور التاريخي . وانطلاقا من ذلك الواقع كانت الفئات الدينية المعارضة والمضطهدة تسعى الى تضييق نفود الطبقة الحاكمة الروحي عن طريق الدين ايضا . هكذا تم في مجرى التطور التاريخي و في خضم احتدام التناقضات بين الحاكمين والمحكومين ، استخدام الدين من كلا طرفي الصراع الاجتماعي لحشد الجماهير المؤمنة ، اما في طريق الثورة ضد الاستغلال والاضطهاد ، او في سبيل تخدير الجماهير وتحويلها الى كتل تنتج الخيرات لمصلحة الفئات الحاكمة المتربعة على ارائك الخلافة وسدة الحكم . وقد استمر الوضع على هذا المنوال حتى مجيء عصر النهضة وحركة التجديد والتنوير الاسلامي في القرن التاسع عشر وتحديدا في اواخره . ففي ظل تاثير الانتشار النسبي للعلاقات الراسمالية في معظم الاقطار العربية المتزامن مع ضغط الراسمالية الاروبية والغزو الكلونيالي ، ومن ثم الامبريالي لمغرب ومشرق الوطن العربي ، ومع الإرهاصات الأولى لظهور الافكار البرجوازية المبكرة ...بدات تظهر تدريجيا في مصر وفي العديد من الاقطار العربية ، اتجاهات ايديولوجية جديدة عرفت بحركات" التجديد الاسلامي " و " حركة الجامعة الاسلامية "، بتعريف الافغاني ومحمد عبدو . ولا يخفى ان " حركة التجديد الاسلامي "شانها شان حركة " النهضة العربية "، كانت ثمرة البدايات الاولى لنمو علاقات انتاج جديدة راسمالية ، وقد عبرت افكار " التجديد الاسلامي "و " حركة النهضة العربية "عن تطلعات الطبقة البرجوازية الجديدة السائرة في طريق التكوين في المنطقة العربية .
معنى ذلك ان " حركة النهضة العربية " و " حركة التجديد الاسلامي "في عصر النهضة العربية كانت كما ذكرنا حركة ثورية حضارية تسير مع مجرى التطور التاريخي في اواخر القرن التاسع عشر المتسم بعملية الانتقال من الاقطاعية الى الراسمالية من جهة ، وتحول الراسمالية الى امبريالية تستثمر وتستغل الشعوب وتستعبدها من جهة اخرى . وقد وقفت " حركة التجديد " في عصر النهضة ضد الامبريالية في عدوانها على الشعوب الاسلامية ، ووقفت ضد الاستبداد المتمثل في الاقطاعية الشرقية والعثمانية . وهذا الموقف يتعارض طبعا مع المشروع العام الذي تريد منظمات الاسلام السياسي تحقيقه في المجتمع ، والذي ليس في الحقيقة اكثر من محاولة بائسة ويائسة لبعث السلطة العثمانية الاستبدادية خلف اقنعة مختلفة ، وقتل المشروع العربي المعاصر ، وليس الحداثي التغريبي الاباحي ،الذي يخوض النضال ضد كل المخزون الثقافي السلبي المعشعش في البنية العربية على مدى مئات السنين ، والذي يلتمس لنفسه البراءة في اقاصيص وحكايات ونصوص تاريخية استهدفت قتل روح المبادرة في العقل العربي المأزوم أصلأ خدمة للنظم الاستبدادية القامعة ، ومن جهة اخرى محاولات الرجعية في ان تستغل الدين ضد طبيعته وروحه لعرقلة التقدم ، وذلك بافتعال تفسيرات له تتصادم مع حكمته الإلهية السامية .
2 – الحركة السلفية : يعد مفهوم السلفية من اهم المفاهيم المتداولة اليوم في الساحة السياسية والثقافية عربية او غربية ، غير ان استعماله يتم عبر منظورات متفاوتة حيث ينزاح من معنى الى اخر ، فيتضمن لذلك مقاصد مختلفة ومتناقضة في كثير من الحالات ، الامر الذي يدفع الى طرح السؤال التالي : هل تعتبر السلفية حركة تجديد ديني وسياسي ، ام انها تعد بمثابة التعبير الصحيح عن الدين الالهي في معناه الشمولي ؟. بمعنى اخر هل ينبغي النظر الى السلفية كرؤية استشرافية للمستقبل ، ام ينبغي النظر اليها كتراث ديني لابد من الحفاظ عليه في مواجهة التهديد الخارجي المسيحي اليهودي ؟. ثم هل يصح فعلا نعت منظمات الاسلام السياسي بالحركات السلفية ، كما درج على ذلك الكتاب الاروبيون والغربيون بوجه عام ؟.
اعتقد انه برجوعنا الى بعض المفكرين المغاربة الذين اهتموا بهذه الاشكالية في الوصف والتي احتلت معان مختلفة في مختلف الخطابات بين مؤيد ومعارض او محايد ، ونخص بالذكر منهم الاستاذ محمد عزيز لحبابي رحمه الله ، سنجد ان مدلول السلفية هو تعبير واصطلاح عن فترة النهضة العربية ، في مواجهة تقدم العالم الحر بنمطيه الشرقي والغربي . فبعد اندثار الامبراطورية العثمانية التي جسدت اخر مظهر من مظاهر الخلافة الاسلامية ، وشعور العالم العربي والاسلامي بتراجعه امام الاخر الذي بدا يعد عدته ومخططاته لتبشيره المسيحي الكلونيالي ، ظهرت مجموعة من الرواد المسلمين الذين تحملوا هم وعبء محاولات الكشف عن الذات ونواقصها ، ثم البحث في سبل الانعتاق لارجاع عظمة ومجد التاريخ العربي الاسلامي . ان هذه المجموعة التي مثلها كل من الافغاني وعبده والكواكبي .. هو ما اطلق عليه الاستاذ عزيز لحبابي اسم السلفية . واذ نتفق مع وجهة النظر هذه ، فاننا نختلف مع كل من يصف الفترة التي استغرقت تجربة حسن البنا مع حسن الهضيبي والسيد قطب بفترة السلفية . ان الفرق بين الفترتين اوالمرحلتين ، هو ان الفترة الاولى ،أي فترة عصر النهضة اراد المصلحون منها ، تطوير العالم العربي والاسلامي بما يحقق التقارب مع العالم المتقدم . اما الفترة الثانية فهي بخلاف الاولى ، تعتبر ارتدادا ونكوصا ورجوعا الى الخلف نحو خلق قيم غارقة في الاساطير والرجعية . ومن هنا يمكن لنا فهم اسباب تراجع محمد رشيد رضا عن افكار الافغاني وافكار محمد عبده، وكانت افكار حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين وطروحاته نقلة الى الخلف بالقياس الى محمد رشيد رضا ، وجاء السيد قطب ليدفن ما تبقى من معالم التجديد الاسلامي عندما اعتبر في كتابه " معالم الطريق " الصادر عام 1964، ان الحضارة الحديثة شكل اخر من اشكال العصر الجاهلي .
اذا كان الاستاذ محمد عزيز لحبابي اعتبر السلفية كايديولوجية دالة على الفكر الاسلامي النقدي ، كما مثله السلف في عصور الازدهار لما مارسوا الاجتهاد وحرية التاويل ، فحاربوا كل الطفيليات والاسرائيليات والشعودات المضرة بالدين ، التي تراكمت على التراث الاسلامي عبر العصور ، فان الاستاذ علال الفاسي اعتبر بدوره السلفية بمثابة الفكر الاصلاحي المناهض للطرقية ، حيث قال بصددها : "كانت سلفيتنا تمردا على الاستعمار الذي هاجمنا في عقر دارنا واحتقر مقدساتنا " وانها " سلفية متحررة من الجمود والجحود وثائرة ضد الواقع وعاملة على تغييره لبناء وحدة وطنية سليمة " منبثقة عن " الفكر الاسلامي المؤمن بالدين والمتحرر من اثقال عصور الانحطاط ".
اذن يتبين من هذا انه في مرحلة النضال ضد النظام الكلونيالي ، تبلور وعي البرجوازية الوطنية والميركانتيلية ، فيما جرت معظم الكتابات على نعته ب " الحركة السلفية "، وهي تلك الحركة التي يرجع لجامعة القرويين في المغرب فضل كبير في بلورتها على يد المرحوم علال الفاسي وبلعربي العلوي ، فكانت بذلك ، أي السلفية باعتبارها " دفاعا عن الدين وقد تم تطهيره " حافزا وطنيا اعتمدته البرجوازية الوطنية الميركانتيلية في تعبئتها للجماهير وحشدها ضد المحتل الاجنبي الفرنسي . وطيلة الفترة التي تلت سنة 1956، استمر الحضور الوازن للإيديولوجية الدينية بمدلولاته المختلفة . فكان( حزب الاستقلال) الذي كان يمثل اهم الاحزاب البرجوازية الوطنية يمحور توجهه النظري والسياسي حول " الاسلام وعدالته الاجتماعية "، بينما كان( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) ، الذي كان يضم تيارا شعبويا قويا ، يستخدم فهما خاصا للدين في صراعه ضد الحكم وضد الطبقة المحيطة به ، فكان بذلك يدعو الى اشتراكية مثالية معتبرا اياها تجسيدا للاسلام الحقيقي ، وهي نفس الشعارات رددها الضباط الوطنيون الاحرار غداة انقضاضهم على الحكم في مصر ، كما انها تجسد نفس اشتراكية الحركة القومية العربية ،واحزاب البعث العربي الاشتراكي في العراق سابق وسورية اليوم .
ومنذ النصف الثاني من السبعينات ، بدات الظروف تنضج بشكل يسمح بنشوء حركات اسلامية رجعية ، لايمكن ان ننعتها هنا بالحركات السلفية ، كما درج على تعريفه كل من الاستاذين محمد عزيز لحبابي وعلال الفاسي ، وذلك نظرا لما ينتج عن ذلك من خلط في المشاريع العامة التي كانت تلك الحركات تصبو للوصول اليها . فالسلفية في المغرب هي اشارة الى ايديولوجية البرجوازية الوطنية في مواجهتها الطرقية و الاستعمارين الفرنسي والاسباني . اما في الشرق العربي ، فان السلفية تعني تلك الحركة التي حاولت تطوير العالم العربي والاسلامي ، للدفع به الى مصاف الدول المتقدمة عن طريق التصنيع والتحديث ومحاربة الاقطاع والاستبداد والفساد .
3 – الحركة الاصولية : لفظ الاصولية بالرغم من اصله العربي من الناحية الاشتقاقية ، الاا نه ترجمة للفظ اجنبي هو
fondamentalismeويشير به الدارسون الغربيون المحدثون الى النهضة الاسلامية او الصحوة الاسلامية le réveil de l’islam كما مثلتها اخيرا الحركات الاصلاحية في عصر النهضة ايام الافغاني ومحمد عبدو ورشيد رضا ...الامر الذي يعني ان نعت الاصولية لايجب اطلاقه على الحركات الدينية التي من الافضل تسميتها ب ( منظمات الاسلام السياسي )، وذلك لسبب ان هذه المنظمات اثارت ولا تزال تثير من المشاكل ما ارهق المجهود العربي ،ودفع الحكومات الى التركيز على الاعتبارات الامنية الضيقة اكثر من التركيز على المجالات الاخرى .ان مشاكل منظمات الاسلام السياسي تطرح على مستوى سياسي ايديولوجي ، اكثر مما تطرح على مستوى عقلاني ثقافي وتاريخي كما كان يفعل السلفيون الحقيقيون . ان محمد عبدو مثلا كان اكثر عقلانية بكثير من الذين يتحدثون اليوم عن الصحوة الاسلامية . ان الذين يتحدثون عن الصحوة الاسلامية اوالاصولية ، انما يتحدثون عن خطاب سياسي مغلف بعبارات دينية هدفه الاساسي اغتصاب الحكم اما بالانقلاب من فوق أي من أعلى ، واما بثورة شعبية ،لذا فان هذه الجماعات ليس لها من السلفية التجديدية غير الاسم .
4 – الثورة الاسلامية : في هذا الباب نتفق مع الاستاذ محمد أراغون الذي ينفي عن منظمات الاسلام السياسي صفتها الثورية ويصفها بدل ذلك ب " مستغلي الدين وتحريفه عن صوبه الصحيح "، كما يرفض استعمال مصطلح " الثورة الاسلامية " ويعتبرها فقط حركات سياسية تستهدف بالدرجة الاولى السلطة . ان استعمال مصطلح الثورة الاسلامية في نظر محمد اراغون يدل على حادث واحد هو " ظهور الوحي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم "، فما قام به النبي يعتبر "ثورة فكرية عقلية ورمزية "، وقد فاتني من قبل ان اذكر ان الدين خلق نظاما من الرموز يغدي الروح والمخيلة ويغدي العقل والقران الكريم احدث هذا كله ،لذلك يمكن ان نقول ان القران ثورة إنسانية لأنه غير نظرة الإنسان الى الانسان ، ونظرة الانسان الى العالم ، وفوق ذلك جاء القران بأطر تفكيرية جديدة . هذه ثورة ".
يتضح من هذا انه بدل ان تسير حركة التجديد الاسلامي التي تدعيها حركات الاسلام السياسي الى الامام ، انكفات الى الوراء ، وبدلا من تطوير افكار الافغاني ومحمد عبده ، تم التراجع عنها ، وعوضا عن البحث عن حلول جدية لمشكلات الامة ، جرى الهروب من تلك المشكلات نحو التقوقع في احضان الماضي ، وبدلا من دفع تقاليد الاتجاه التقدمي تاريخيا في حركة التجديد والتطوير في مجالي التفكير والحياة ، جرى ترسيخ الاتجاه المحافظ والتقاليد الجامدة التي تجاوزها الزمن ، وبعبارة اخرى انتصر خط التاكيد على البنى الفوقية لما قبل الراسمالية ، واستمرت السيادة للغيبة ، فتراجعت العقلانية ، واختفى الخط الثوري تاريخيا للأفغاني ومحمد عبده .
ان قيادات الاسلام السياسي تتحاشى طرح برامج سياسية واجتماعية واقتصادية محددة وواضحة ، فتكتفي بالغموض وبدغدغة المشاعر والعواطف الدينية بطرح شعارات براقة مجردة ومبهمة حول حكم الاسلام وتطبيق الشريعة الاسلامية .اي يسيطر على خطابها الميول النرجسية ليس الا .
لقد تساءل احد المفكرين الناصريين الاستاذ عصمت سيف الدولة قائلا " كيف نعود للسلف الصالح تاريخيا ؟. مستحيل " ثم قال " يستحيل علينا الان ان نكون على مذهب سيدنا مالك الذي قال ان الشريعة هي ما طبقه اهل المدينة . من الذي يريد البيعة على الطريقة التي تمت بها بيعة ابي بكر ؟. من الذي يريد الخلافة على طريقة عثمان ؟. من الذي يريد الصراع بين المسلمين على طريقة معاوية ؟. وعلي ؟. من الذي يريد هذا؟..". –
يتبع...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.