بمناسبة الأعياد الوطنية الخالدة.. مؤسسة تاوريرت بهولندا تنظم ندوة علمية    هناك سوء فهم ومعطيات مغلوطة بخصوص تنفيذ مقتضيات القانون المتعلق بالعقوبات البديلة (مندوبية السجون)    بنكيران: صورة المغرب في عهد هذه الحكومة "مزعجة وغير مشرفة".. والدفاع عن الملكية لا يكون بالمجاملة    صاحب الجلالة: سياسة المملكة الخارجية ظلت تسير وفق مقاربة قانونية قائمة على احترام القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة    المغرب المستهدف: حين تكشف ردود الأفعال زيف بروباغندا "لوموند" وتفضح روايات الغرف المظلمة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الإثنين    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    انخفاض طفيف في أسعار المواد الغذائية وارتفاع متواصل في أسعار المحروقات خلال شهر يوليوز 2025    بينهم 4 صحفيين.. إسرائيل تقتل 14 فلسطينيا    ‬كيف ‬ينوب ‬المغرب ‬عن ‬العالم ‬الإسلامي ‬في ‬تقديم ‬المساعدات ‬الإنسانية ‬العاجلة ‬لغزة ‬؟    اتهامات السفير الأميركي لماكرون تشعل توتراً دبلوماسياً بين باريس وواشنطن    زلزال بقوة 6.3 يضرب قبالة جزر الكوريل الروسية    مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى    مدرب رينجرز: إيغامان رفض المشاركة كبديل بداعي الإصابة    فيديو يقود لتوقيف مختل بالدار البيضاء    العدل والإحسان تدين منع احتجاجات تاونات بسبب نقص الماء والخدمات    الإعلامي محمد الوالي الملقب بعلي حسن نجم برنامج "سينما الخميس" في ذمة الله    أمر فرنسي بترحيل ثلاثيني مغربي لقيامه بفعل خطير    دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان    فؤاد عبد المومني: "لاعبين ولاّ حرّامين"...    أموريم يكشف أسباب تعثر مانشستر يونايتد بالتعادل أمام فولهام بالدوري الإنجليزي    مبابي يسجل هدفين ويهدي ريال مدريد فوزه الثاني في الدوري الإسباني    الذهب يهبط من أعلى مستوى خلال أسبوعين في ظل ارتفاع الدولار            كيوسك الإثنين | الحكومة تعبئ 550 مليار درهم وخلق 500 ألف منصب شغل                        توقيف تركي مبحوث عنه دولياً في قضايا الكوكايين    إسبانيا تسجل أشد موجة حر في تاريخها.. أكثر من ألف وفاة وحرائق تأتي على مئات آلاف الهكتارات    "رحلتي إلى كوريا الشمالية: زيارة محاطة بالحرس ومليئة بالقواعد"    إسرائيل تقصف الضواحي الشرقية والشمالية لمدينة غزة، وارتفاع حصيلة القتلى قرب مراكز المساعدات إلى ألفين    لمسة مغربية تصنع فوز ريال مدريد بثلاثية نظيفة    "مهرجان الشواطئ اتصالات المغرب" يضيء سماء المدن الساحلية في دورته ال21    شقيق شيرين عبد الوهاب يثير الجدل برسالة غامضة عن "لوسي"    المنتخب المغربي يتوجه إلى أوغندا لخوض نصف نهائي "الشان"    افتتاح الدورة 82 لمعهد القانون الدولي بالرباط برئاسة مغربية    "أسيست دياز" يسهم في فوز الريال    تجارب علمية تبعث الأمل في علاج نهائي لمرض السكري من النوع الأول    المغرب بحاجة إلى "عشرات العزوزي" .. والعالم لا يرحم المتأخرين    إختتام مهرجان نجوم كناوة على إيقاع عروض فنية ساحرة    عادل الميلودي يدافع عن الريف ويرد بقوة على منتقدي العرس الباذخ    القناة الأمازيغية تواكب مهرجان الشاطئ السينمائي وتبرز إشعاع نادي سينما الريف بالناظور    حكمة العمران وفلسفة النجاح    بعد الهزيمة.. جمال بنصديق يتعهد بالعودة في أكتوبر ويكشف عن سبب الخسارة    العيناوي يؤكد الجاهزية لتمثيل المغرب    الملك محمد السادس يبعث رسالة إلى زيلينسكي    سابقة علمية.. الدكتور المغربي يوسف العزوزي يخترع أول جهاز لتوجيه الخلايا داخل الدم    طفل بلجيكي من أصول مغربية يُشخص بمرض جيني نادر ليس له علاج    المغرب ضيف شرف الدورة ال19 للمعرض الوطني للصناعة التقليدية ببنين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل فعلا السياسة قذرة؟
نشر في هسبريس يوم 09 - 08 - 2012

معظم الناس وفي معظم الدول سواء أكانت ديمقراطية أو في طريق الديمقراطية، متخلفة أو متقدمة، لا يميلون كثيرا إلى ممارسة السياسة أو حتى الحديث عنها. كما أن عالم السياسة ارتبط في أذهان الناس بالمكر و الدهاء و النفاق و الفساد. و هكذا السياسي يعيش تناقضا صارخا في مجتمعه. فبقدر ما يتمتع بالمكانة المرموقة و السلطة و المهابة في الظاهر بقدر ما يتعرض للنقد اللاذع و الاتهامات الباطلة و المس بسمعته و شرفه و إنسانيته في العمق.
ربما هذه الوضعية المتناقضة تحول السياسي إلى كائن شرس في معاركه لأنه يدرك أنه لو فقد موقعه فالمجتمع لن يرحمه و سيعمل على الانتقام و النيل منه بدون شفقة ولا رحمة لإشباع حقده الدفين و الغير المبرر ضد السياسة و السياسيين.
شخصيا كانت لي و إلى وقت قريب نفس النظرة على السياسة و السياسيين مع فارق بسيط أن السياسة كانت تستهويني و تثيرني لأنها كانت تبدو لي عالما مليئا بالأسرار.
و لكن و مع بعض الممارسة و بعد تحليل و أخذ و رد و محاولة فهم، اقتنعت أنه من بين الأسباب التي تجعلنا ننفر من السياسة هو أننا نأخذها بكثير من الاستخفاف و نعتقد أنها سهلة بينما السياسة هي الفعل الأكثر جدية و الأكثر تعقيدا في نفس الوقت و لممارسته أو فهمه نحتاج إلى مهارات كثيرة و نحتاج خاصة إلى مرونة فكرية قادرة على الخروج من الأنا و الذاتية لقراءة الأحداث بتجرد و من فوق، أي باستعمال الإحداثيات الثلاث و بدون تجاهل البعد الزمني أي التاريخ و المستقبل.
فعندما كنت أصادف في بعض الملتقيات النخبة المثقفة سواء التي مارست السياسة و فضلت الانسحاب بعدها أو التي عزفت عن ممارسة السياسة كنت أصاب بالإحباط فأتساءل بين نفسي هل سأعرف نفس القناعة و المصير و هل أنا فقط أكابر و أني أبدا لن أصمد أمام الحيتان.
كما أنني عندما كنت أسمع من بعض المسيسين و المحزبين و ما أكثرهم أن السياسة بلا أخلاق و أن من يريد الأخلاق فليمارس الدين كانت تجتاحني موجة من اليأس و الضيق و خاصة أن هؤلاء كانت لهم قاعدة شعبية و مد و دعم جماهيري و كنت أتساءل بين نفسي هل أستطيع التأثير بموقعي و حفظ روحي أم سيبتلعني الواقع السياسي الموبوء و ينتهي بي الأمر إلى خسران ذاتي.
إن هذا الأمر الأخير ظل يؤرقني طويلا و ولد بداخلي تساؤلات عدة خاصة أنني كنت ضد الفساد و الرذيلة إلى حد التطرف، و في أحد الأيام تأملت رقعة الشطرنج الموضوعة أمامي دون أن ألعب فألهمتني أجوبة لأسئلة عدة كانت عالقة في مخيلتي.
فالشطرنج يتكون من قطع بيضاء و أخرى سوداء. فالقطع البيضاء يمكن أن ترمز إلى الخير كما أنها يمكنها أن ترمز إلى الأسياد و أصحاب القرار، و معلوم أن القطع البيضاء هي من تبادر أولا. أما القطع السوداء فيمكن أن ترمز إلى الشر أو أن ترمز كذلك إلى العبيد أو إلى الطبقة المسحوقة و المقهورة و لهذا فالقطع السوداء دائما في ردة فعل. اللاعب لا يختار اللون الذي سيلعب به أو معسكره فهو يعتمد على الحظ و لكن متى تم الإعلان على اللون الذي سيلعب به فإنه يرتبط به و يدافع عنه باستماتة و شراسة. و كذا نحن لا نختار الوطن و لا الأرض و لا الطبقة الاجتماعية التي سنعيش و نناضل فيها و من أجلها .
يصعب تخيل مباراة شطرنج تدور خارج الرقعة، ففي رقعة الشطرنج تظهر حدة الصراع و كذا تبرز حرب التموقعات و كذلك يصعب تخيل ممارسة السياسة خارج الأحزاب أو النقابات أو المؤسسات أو التنسيقيات عموما لأنها الإطار الذي يعكس و يبلور أصل الصراعات و عمق الاضطرابات و طريقة تدبيرها و خير دليل على ذلك هي الثورات الشعبية التي في نهاية المطاف ركبت عليها الأحزاب لأنها ما كان يمكنها أن تستمر باللعب خارج الرقعة و إلا الإنسانية كانت ستعاني من الفتنة و الفوضى. و من هذا المنطلق يصعب تخيل مجتمع لا يمارس السياسة و لا يملك أحزابا أو منظمات تمثله لأن دورها الحقيقي ليس مص الاضطرابات الاجتماعية وتهدئة الغضب الجماهيري -لأن الصراعات في المجتمع ستستمر إلى أن يرث الله الأرض و من عليها- ولكن دورها هو جذب كل هذه الصراعات والاضطرابات الاجتماعية والتطاحنات إلى إطار محدد يمثل بؤرة الصراع و التوتر.
كما أن لعبة الشطرنج ليست لعبة دموية، فالقطع في حقيقة الأمر لا يتم إبادتها أو إعدامها بل فقط يتم إزاحتها و إبعادها من حلبة الصراع. كما أنه الفرق بين لاعب الشطرنج المبتدئ و لاعب الشطرنج المحترف هو في طريقة تعامله مع قطعه و قطع خصمه. فلاعب الشطرنج المبتدئ يكون غير قادر على فهم خصمه أو قراءة الرقعة و لهذا ستجده منشغلا في إزاحة قطع خصمه و إبعادهم من الحلبة بوحشية لأنه يعتقد أنه بهذه الطريقة سيضعفه. أما اللاعب المحترف فإنه لا يدخل في صراعات جانبية بدون معنى و يفضل أن يتقدم على خصمه بدل أن يتلهى في إزاحة قطع لا تهدده.
فلو افترضنا أن السياسي الاستراتيجي هو لاعب الشطرنج و الفاعل السياسي أو الذي يدفع به في الواجهة هو قطعة من قطع الشطرنج، و لو افترضنا أنه في السياسة توجد عدة مستويات في اللعب حيث يمكن للسياسي أن يكون فاعلا في محطة ما و الفاعل السياسي قد يصبح سياسيا استراتيجيا في محطة أخرى، فإننا يمكن أن نستنتج أن السياسي المحنك هو الذي يحترم خصومه و منافسيه و لا يعمل على إزاحتهم و إبعادهم إلا إذا كانت تنحيتهم تشكل إضافة و ربح حقيقي له. أما السياسي المبتدئ الغير الواثق من نفسه فإنه يشن حرب إبادة لكل خصومه معتقدا أنه بهذا يحمي نفسه و لا يدرك أنه فقط يدخل في صراعات جانبية لا طائل منها و يضيع وقته و طاقته.
لاعب الشطرنج في كل مباراة يربط علاقة متينة مع قطعه، و هكذا سيعمل جاهدا على الدفاع عنها و لكن معلوم أيضا أن ليس كل قطع الشطرنج لها نفس المكانة فذلك يختلف حسب طبيعتها و أيضا حسب الموقع الذي استطاعت أن تحتله في الرقعة.
فالبيدق أو الجندي يمثل نصف قطع الشطرنج، و غالبا ما يتم التضحية به بسهولة و دفعه نحو المقدمة، و لكن الطريف أن الجندي وحده القادر على أن يختار و يقرر مصيره، فالجندي في الشطرنج بفضل نضاله و مثابرته يمكنه أن يختار أن يكون أي قطعة يشاء باستثناء الشاه. فالجندي يمكنه أن يصبح وزيرا أو قلعة أو حصانا أو فيلا. فالجندي في الشطرنج هو القطعة الوحيدة القادرة على الحلم و الطموح.
و الفاعل السياسي بمرتبة جندي يمكن اعتباره هي القاعدة الشعبية و بعض القواعد الشعبية كثيرا ما استطاعت أن تزعزع ميزان القوى و انبثق منها زعماء سياسيين حقيقيين.
الحصان هي القطعة الوحيدة القادرة على القفز فوق خصومها و حلفائها في آن واحد. فهو يمثل دور الفاعل السياسي الذي يتميز بالانتهازية. و الحصان له دوره في الرقعة و يصعب الاستغناء عنه و هو من حيث المكانة يتساوى بالفيل و لكن هناك من يفضل الفيل بدل الحصان و هناك من يفضل العكس. و كذا الفاعل السياسي الانتهازي يصعب الاستغناء عنه في الرقعة السياسية لأنه يقوم بأدوار لا يجيدها إلا هو.
الفيل دائما يمشي مترنحا و مائلا، فهو يمثل الفاعل السياسي المراوغ و الجريئ و الأحمق. الفاعل السياسي القادر على الإدلاء بتصريحات جريئة ثم تكذيبها في آن واحد.
القلعة هذه القطعة التي كثيرا ما تظل في الظل، فهي لا تتحرك كثيرا و لكن مكانتها أكثر بكثير من الحصان و الفيل. فهذه القطعة تتحرك دائما باستقامة. و هي تمثل الفاعل السياسي المفعم بالمبادئ و القيم، الذي يتميز بالثبات و الانضباط و الذي لا يغير أفكاره و لا ينافق و القادر على مواجهة خصومه.
الوزير قطعة تتحرك في جميع الاتجاهات باستثناء القفز، فهي تجمع بين استقامة القلعة و مراوغة الفيل. فهي تمثل الفاعل السياسي الناضج و المتوازن و المرن المؤمن بالتوازنات و التوافقات. و إذا كان يوجد حصانين و فيلين و قلعتين فإنه يوجد وزير واحد كما أنه الأقرب إلى الشاه.
و هكذا لو دققنا في قيادة معظم الأحزاب السياسية فإننا سنجدها تتضمن الانتهازي و المراوغ و المتهور و المستقيم و المرن و كل هؤلاء الفاعلين لهم دورهم لإنجاح اللعبة السياسية لأن هذه الأخيرة فوق الأشخاص لأن هدفها الحقيقي هو ضمان استقرار و توازن المجتمعات و أمام هذا الهدف الأسمى يصبح الفاعلون السياسيون باختلاف طبائعهم فقط مفعول بهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.