إعلان نواكشوط.. المغرب وموريتانيا يستعرضان آفاق التعاون الواعدة في مختلف المجالات    زيارة استثنائية وإنسانية للزفزافي تنعش آمال الحل في ملف حراك الريف    في يومها العالمي.. شجرة الأركان تتوّج رمزًا للتراث المغربي والصمود البيئي    بعد هجمات.. وساطة أمريكية توقف الحرب بين الهند وباكستان    البطولة.. الكوكب المراكشي على بعد نقطة من العودة إلى القسم الأول بتعادله مع رجاء بني ملال    الناظور غائبة.. المدن المغربية الكبرى تشارك في منتدى "حوار المدن العربية الأوروبية" بالرياض    ترامب يعلن موافقة باكستان والهند على وقف "فوري" لإطلاق النار    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يستعد للإعلان عن اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية خلال جولته الشرق أوسطية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الارتفاع    العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تستنكر حرمانها من وصل الإيداع القانوني    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    سحابة كلور سامة في إسبانيا ترغم 160 ألف شخص على ملازمة منازلهم    إسبانيا تُطلق دراسة جديدة لمشروع النفق مع طنجة بميزانية 1.6 مليون أورو    بعد واقعة انهيار عمارة بفاس..التامني تسائل الداخلية عن نجاعة مشاريع تأهيل المباني الآيلة للسقوط    مهرجان مغربي في تاراغونا يبرز عمق العلاقات بين المغرب وإسبانيا    أنشيلوتي يفتح الباب أمام شابي ألونسو لخلافته في ريال مدريد: "أثبت أنه من أفضل المدربين في العالم"    الأوروبيون يسعون لهدنة مع موسكو    ديستانكت ومراد يرويان خيبة الحب بثلاث لغات    من الرباط إلى طنجة.. جولة كلاسيكية تحتفي بعبقرية موزارت    مهرجان "كان" يبرز مأساة غزة ويبعث برسائل احتجاجية    نهضة بركان يستعد لنهائي الكونفدرالية وسط ترتيبات مكثفة بملعب بنيامين    وكالة الحوض المائي اللكوس تطلق حملة تحسيسية للتوعية بمخاطر السباحة في حقينات السدود    طنجة تستقبل العالم وشوارعها ما زالت تبحث عن التهيئة    تنظيم استثنائي لعيد الأضحى بالمجازر.. هل يتجه الناظور لتطبيق النموذج المعتمد وطنياً؟    "كان أقل من 20 سنة".. المنتخب المغربي يواجه سيراليون وعينه على مونديال قطر    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    تقارير.. ليفربول وآرسنال يتنافسان على ضم رودريغو    الفيفا يرفع عدد منتخبات كأس العالم للسيدات إلى 48 بدءاً من 2031    بالقرعة وطوابير الانتظار.. الجزائريون يتسابقون للحصول على الخراف المستوردة في ظل أزمة اقتصادية خانقة بالبلاد (فيديوهات)    المدير العام لمجموعة الوكالة الفرنسية للتنمية في مهمة ميدانية بالصحراء المغربية    القضاء الأمريكي يجمد تسريح موظفين    "لجنة طلبة الطب" تتوصل إلى تفاهمات جديدة مع التهراوي وميداوي    حمد الله يكشف المستور.. رفضت التنازل لبنزيما وهددت بالرحيل    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    إمبراطور اليابان الفخري يغادر المشفى بعد فحوص ناجحة    غزة تموت جوعا... كيلو الدقيق ب10 دولارات ولتر الوقود ب27    المغرب يدفع بصغار التجار نحو الرقمنة لتقليص الاقتصاد غير المهيكل    النصيري يستعيد بوصلة التسجيل بتوقيع هدف في مرمى باشاك شهير    زلزال بقوة 5,3 درجات يضرب العاصمة الباكستانية    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    إيران وأمريكا تستأنفان المحادثات النووية يوم الأحد    بوزنيقة تستقبل زوار الصيف بالأزبال.. ومطالب للداخلية بصفقة النظافة    "أسبوع القفطان" يكشف المستجدات    البعوض يسرح ويمرح في طنجة.. والجماعة تبحث عن بخّاخ مفقود!    أسود الأطلس... فخر المغرب الذي لم ينقرض بعد    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    النظام الجزائري يمنع أساتذة التاريخ من التصريح للإعلام الأجنبي دون إذن مسبق: الخوف من الماضي؟    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكرى المولد النبوي بزوايا الجنوب الشرقي..ابتهال وأطعمة وتآخٍ
نشر في هسبريس يوم 25 - 01 - 2013

بحلولِ اليومِ الثاني عشر من ربيع الأول من كل سنة هجرية، الذِي يُصادفُ ذكرى مولد الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، يحيي المغاربة مناسبةً لها مكانة خاصة في قلوب ملايين المسلمين بمختلف بقاع العالم، ويكتسي إحياء الذكرى لدى المغاربة طابعا خاصاً، ممتدا في الزمان والمكان، فإذا كانت تقاليد احتفال المغاربة بالمولد العظيم تختلف من مدينة إلَى أخرى ومن هذه المنطقة إلَى تلك، فإنَّ القاسم المشترك في مظاهرها حرصهم على استحضار أبرز وصايا النبي (ص) وتبادل الزيارات، ومرافقة الأطفال عبر الخروج للتنزه، وشراء هدايا لهم لتربيتهم على الارتباط بالنبي الكريم وبيوم مولده.
وبالرغم من غزوِ مظاهرِ التحديث لجزءٍ غير يسير من البلاد، غيبت معه مظاهر عدة من الاحتفال، إلا أن زوايا الجنوب الشرقي مازالت تخلد الذكرى كل سنة بطقوس خاصة، قد تتعارض في أحيان كثيرة مع ما يدعوا إليه شيوخ القنوات الفضائية التي تبثُّ من الشرق، وما يطرح الموضوع من جدلية بدعة الاحتفاء بمولده صلى الله عليه وسلم وشرعيته.
تتنوع مظاهر الاحتفال في منطقة الجنوب الشرقي للمملكة، ما بين الليالي الدينية القائمة على قراءة القرآن وتلاوة الأذكار والصلوات، والأمداح النبوية، وسرد السيرة النبوية والشمائل المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام، ومجالس العلم والمواكب الدينية.
هسبريس ترصدُ أهم مظاهر الاحتفال في إحدى زوايا الجنوب الشرقي للمملكة وهي زاوية الشيخ سيدي صالح.
في زاوية سيدي صالح
لزاوية الشيخ سيدي صالح المنتصبة على كتف وادي درعة، والتي تبعدُ عن مدينة زاكورة بحوالي 68 كيلومتراً، والمؤسسة بظهير شريف للمولى إسماعيل بقوله: "وزاوية شيخنا سيدي صالح هي نصيبنا من سائر زوايا الصحراء"، حسب ما صرح به أحد قاطنيها، طقوسها الخاصة في الاحتفاء بمولد النبي الأعظم.
إنها قرية تكره الإيجاز في كل شيء، فاحتفال سكانها يبدأ بعودة أبنائها المشتتين في جل المدن، لمشاركة ذويهم فرح تلك المناسبة العظيمة، وأطفالها يصرون على صنع ألعابهم التقليدية البسيطة بسعف النخيل، والأوراق ويجوبون أزقة البلدة في فرح طفولي مرددين أهازيج من التراث الشعبي للمنطقة.
طعام ومديح
مع إشراقة يوم 12 من ربيع الأول من كل سنة هجرية، تصدح الزاوية بمديح يعظم قدره صلى الله عليه وسلم ويربط أجيالَ المستقبل بسيرته العطرة، حيث تجتمع النسوة في البيوت المكلفة بإعداد الطعام ليلة عيد المولد بعد أن يتفرقن إلى فئات تراعي النسب الذِي تنتمي إليه، إذ إِن حفدة كل ابن من أبناء الشيخ ملزمون بتقديم الطعام في صبيحة يوم المولد، ويسهرن الليل كله في ترديد الأمداح والصلاة على سيد الخلق وأهل بيته مثل، "لالة فاطمة لالة يا مينة يا الحرة يا بنت النبي" كما يتعاونَّ فيما بينهن مجسداتٍ بذلك خلقه صلى الله عليه وسلم في التآخي والتعاون حتى في أبسط الأشياء، من غسل الأواني وإعداد الشاي وجلب الحطب لطهي الكسكس، موزعاتٍ الأدوار فيما بينهن، وقدْ زيَّنَّ أياديَهنَّ بالحناء فرحا، ويقمن بإشعال البخور. بينمَا لا تخلُو مجالسهن من نميمة بين الفينة والأخرى، رغم قدسية الليلة ينتصرن بها على الليل وسأمه ويتحلقن في حلقات قرب مكان النار في انتظار أن ينضج الكسكس.
القدسية تعم أرجاء البلدة
ما إن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الصباح، ويفرغ السكان من الصلاة وتلاوة حزب الراتب حتى يجتمع حفدة أبناء الشيخ سيدي صالح في حلقة تتوسط البلدة، ويبدؤون في ترديد الأمداح من الضروع لمؤلفه أبي العباس سيدي أحمد بن صالح، الحفيد السابع للشيخ سيدي صالح، التي تقول في مطلعها
نحمدك اللهم يا ذا البر -- حمد المحلى بحلل البر
ونصل الصلاه بالسلام -- على النبي سيد الأنام
يا من له ملك السما والأرض-- والطول منها وبساط العرض
يا ملك الملوك يا جبار-- يا بارئ الأنفاس يا قهار
حلقات الذكر هذه تنقسم بين حفدة الشيخ في أكثر من نقطة في البلدة الصغيرة، ويختم الجمع بالدعاء والصلاة على سيد البرية، ويتناولون الطعام الذي أعدته النساء وتزغرد إحداهن أثناء تقديم الطعام.
ساحة المسجد قبلة الزوار
يحرص سكان البلدة على التزين بالجلابيب التقليدية، أثناء توجههم إلى ساحة الاحتفال والتي لن تكون إلا ساحة المسجد، بعد أن يزول من أوجههم عبوس قساوة الزمن وشظف العيش، لتحل محلها موجة فرح وابتسامة سعادة، وهم يتبادلون التهاني فيما بينهم في لقاءات لا تتكرر إلا في مثل هذه المناسبات، وعندما يلتئم الجمع ويحضر الشيوخ من حملة كتاب الله ويصطفون جنبا إلى جنب في ساحة المسجد الكبير، ويشرعون في ترديد أيات من البردة للبوصيري في مشهد جلل يضفي على صمت الزاوية، هالة من القداسة التي تخشع لها القلوب بكلمات خالدات، والتي يقول في بعض أبياتها رحمة الله عليه :
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا
على حبيبك خير الخلق كلهم
محمد سيد الكونين والثقلين
والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ
أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته
لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمتمسكون به
مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ
ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم.
لا يقطع صوتهم الموحد ذاك، الذي يجد طريقه إلى آذان الحاضرين من الساكنة، الذين يتفاعلون معهم بالصلاة والتسليم وتحريك الشفاه، إلا صياح الأطفال بين الفينة والأخرى، وهم يلعبون أمام باب المسجد بألعاب تقليدية الصنع عوض المفرقعات التي تنتشر في المدن في هذه المناسبة، وما تخلفه من أضرار للأطفال وغيرهم، ويكفي وعيد من شيخ البلدة أو نظرة منه ليبتعدوا عن باب المسجد.
يختم سكان الزاوية صباحهم في أجواء من الاحتفالية تكريما وتعظيما للمصطفى، وتعلقا بالرسول الكريم وتفانيهم في حبه، وتذكيرا منهم بالمثل العليا للإسلام ومعانيه السامية، والحث على مراجعة الأمة الإسلامية لسيرتها الذاتية، وسلوكها في التربية على التآخي والمودة.
اجتماع سكان الزاوية فيما يشبه العائلة الواحدة، في شكل تضامني وتآزر يعكس عظمة الدين، وَكما وحدهم مدح خير البرية توحدهم وجبة واحدة يصبح معها الجميع إخوة صغارا وكبارا، هي واحدة من القيم التي يحاول البعض جرنا للتخلي عنها" يقول أحد أبناء المنطقة، "لكننا سنظل أوفياء لعادات ديننا، ولتقاليده الأصيلة ولعادات وطننا الذي تميزنا عن الآخرين لأنني لا يمكنني أن أجد الكسكس في غير بلدي".
إسدال الستار "جلالة" أو "حضرة" الرجال
عندما ينتهي مجلس المديح الصباحي يتفرق الناس لتبادل التهاني والزيارات بينَ بعضهم البعض، والتحلق حول مجالس الشاي، فيما توزع العائلات المكلفة بإعداد الكسكس الذي يصبح مباركا بعضا منه عَلى باقي الأسر، يسدلُ الستار بعدهَا عل صبحِ عيد المولد النبوي الشريف، ليعود الناس مباشرة بعد صلاة العصر إلَى أداء طقس من طقوس الصوفية التي توارثوها أب عن جد، هي "جلالة" أو الحضرة.
يتحلق فيهَا ذكور البلدة بأيادٍ متماسكة في شكل دائري، يتوسطهم شيخ "جلال"، وَثلاثة مساعدين ممن يحفظون الأهازيج الشعبية في مدح سيد البرية وترديد أذكار ذات صبغة دينية، فيما تبدأ الحلقة الدائرية المشكلة من الساكنة في الدوران من حولهم ويرددون لازمة "لا إله إلا الله كلمة عظيمة".
تجتمع النساء غير بعيد منهم لمتابعة ذاك الشكل التعبدي ويحرصن على حضوره كل سنة، وكأنهن يجددن علاقاتهن الاجتماعية وإيمانهن من خلال تمتين الروابط القبلية المبنية على التكافل والتضامن القبلي، ويختتم ذلك الطقس بإحضار الطعام للساكنة جميعا، وتمسي القبيلة كعائلة ممتدة وينتهي اليوم كما بدأ بالدعاء والصلاة على النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.