من قلب الجزائر.. كبير مستشاري ترامب للشؤون الأفريقية يكرّس الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ويدعو لمفاوضات على أساس الحكم الذاتي    المندوبية السامية للتخطيط: جهة الشمال تسجل أدنى معدل في البطالة بالمغرب    القروض الاستهلاكية.. جاري القروض يرتفع ب7,9 في المائة خلال سنة 2024    حادث مميت بين تازكان والسطيحة يخلف قتيلين وثلاثة جرحى    الانتخابات التشريعية في خطاب العرش: رؤية ملكية لاستكمال البناء الديمقراطي وترسيخ الثقة    منصة تيك توك تزيل أكثر من مليون فيديو لمغاربة خلال 2025    العرائش… تدشين فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير    شخصيات فلسطينية تشيد بالمبادرة الإنسانية التي أطلقها الملك محمد السادس    الممثلة الخاصة للأمم المتحدة في ليبيا تشيد بالتزام المغرب وتعرب عن تقديرها العميق للمملكة لتيسير الحوار الليبي-الليبي    النقص الحاد في المياه يفاقم مآسي الجوع والنزوح في قطاع غزة    غينيا تهزم النيجر بهدف في "الشان"    أولمبيك آسفي يتعاقد رسميا مع الإيفواري "أبو بكر سيلا"    قضية حكيمي تثير جدلًا حقوقيا وقانونيا.. ونشطاء فرنسيون يطالبون بإنصافه    الانخفاض ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    رابطة الكتبيين بالمغرب تحذر من أساليب تجارية «مضلّلة» وتدعو لحوار وطني حول مستقبل الكتاب المدرسي    قارب "فانتوم" ينفذ ثالث عملية تهريب مهاجرين بين شمال المغرب وإسبانيا خلال أسابيع    توقيف مروجين للمخدرات والقرقوبي بأكادير    اختتام الدورة الثالثة لمهرجان "ولاد المدينة" بالعرائش    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    موجة حرّ قياسية تصل إلى 47 درجة وأمطار رعدية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة هذا الأسبوع    "فدرالية ناشري الصحف" تدعو الحكومة لمراجعة موقفها من قانون مجلس الصحافة    رد واضح لا غبار عليه من مستشار ترامب مسعد بولوس خاصة أنه موجّه لوسيلة إعلام جزائرية: الصحراء مغربية والحل أساسه الوحيد مبادرة المغرب للحكم الذاتي    بنكيران يدخل على خط مهاجمة الريسوني للتوفيق ويعتبر أنه من غير "اللائق أن ينعت وزارة الأوقاف بتشويه الإسلام"        كوندوري تلتقي بوفد من المستشارين    الدار البيضاء تستضيف الدورة الأولى من مهرجان "عيطة دْ بلادي"    باحث يناقش رسالة ماستر حول الحكامة المائية في ضوء التجارب الدولية بكلية الحقوق بالدار البيضاء    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    غامبيا تبحث تعزيز التعاون القضائي مع المغرب    حملة "التعمير والإسكان" تخدم الجالية    ضربات إسرائيلية تخلف قتلى في غزة    فنادق أوروبا تلاحق "بوكينغ" قضائياً    إسبانيا تنفي إنزال علمها من جزيرتي الحسيمة    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    دعوات لاحتجاجات أمام ميناء الدار البيضاء رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    مقاومة الأداء الإلكتروني بالمغرب تعرقل جهود الدولة نحو الشمول المالي    كأس أمم إفريقيا للاعبين للمحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    إنتر ميامي يعلن غياب ميسي لأجل غير مسمى    ريال مدريد يحصن نجمه المغربي إبراهيم دياز بعقد جديد    الدخول المكثف للجالية يدفع الدرهم المغربي للارتفاع أمام الأورو    ارتفاع في أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى سبتة ومليلية المحتلتين خلال 2025    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين        بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    فرنسا ترحل طالبة فلسطينية إلى قطر بعد اتهامها بكتابة منشورات "معادية للسامية"    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش على كتاب "أسئلة دولة الربيع العربي"
نشر في هسبريس يوم 02 - 06 - 2013

"أي نموذج حضاري مأمول لدولة الربيع العربي؟ ما هي ملامحه ومحدداته؟ وأية جدليات تؤطر بناء الدولة العربية الحديثة في الوضع الحضاري الراهن؟ وما هي طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع في سياق التحول الثوري؟ وكيف يمكن ترويض وحش الدولة المستبدة؟".
بهذه الأسئلة المقلقة صاغ الكاتب المغربي الشاب سلمان بونعمان الإشكالية العامة لكتابه الأخير، الموسوم ب"أسئلة دولة الربيع العربي – نحو نموذج لاستعادة نهضة أمة-"، الصادر بداية العام الجاري (2013) عن مركز نماء للبحوث والدراسات. وهو كتاب من الحجم المتوسط يتكون من ثلاث مائة وأربعة صفحات، تتوزعها فصول أربعة، وهي بالتتابع: سؤال العلاقة بين المجتمع والدولة (ص33-102)، سؤال العلاقة بين الدولة والدين: نحو مقاربة تجاوزية (ص 103-135)، أي نموذج بديل لدولة الربيع العربي؟
(ص137-186)، دولة الربيع العربي: نزعة التسيد وآليات الترويض (ص 187- 256)، بالإضافة إلى خاتمة ومقدمة وصفها كاتبها بأنها "غير ذاتية وغير موضوعية" !.
لا يعكس الكتاب هما فكريا مجردا، يطرح السؤال من أجل الفهم والمعرفة أولا وأخيرا، وإنما يكفي التمعن في عنوانه لإدراك أنه يحمل بالدرجة الأولى هما سياسيا وإيديولوجيا لن تخطئه عين القارئ، أو بتعبير الكاتب نفسه يعكس الكتاب رغبة في بناء نموذج فكري وسياسي "نهضوي حضاري" ينقد الأمة من تحالف الاستبداد والفساد.
وبيان ذلك أن سلمان بونعمان لم يقتصر فقط في عنونة كتابه على عبارة "أسئلة دولة الربيع العربي" وإنما أضاف إليها عبارة ثانية مكملة وموضحة، وهي "نحو نموذج لاستعادة نهضة الأمة". فالغرض من طرح الأسئلة ليس فتح ورش التفكير في الدولة العربية إلى حدوده القصوى، وإنما سقف هذه الأسئلة محدد بقصد قبلي وغاية سابقة على كل تفكير أو تساؤل، وهي الرغبة في تحقيق حلم "نهضة الأمة" الذي طال زمنه، إلى درجة أن الكاتب لم يعد قادرا على صبر الانتظار في غرفة الأسئلة الحارقة التي تطرحها أوضاعنا السياسية والفكرية الراهنة، وهو صبر لابد منه، خاصة وأن الكثير من القضايا التي طرق بابها تحتاج إلى المزيد من التأمل والتأني في المقاربة والتحليل، وهو يملك كل المؤهلات الكافية لذلك خصوصا وأن توقيت تأليف الكتاب تزامن عند بونعمان مع مرض خطير ألم به، كاد يضع نقطة نهاية لحياة قصيرة، لكنها حافلة بالبذل والعطاء العملي والعلمي، تحدته روحه الطيبة بصبر جميل وإيمان عميق.
وإذا كان الكتاب يسعى إلى غاية واضحة ومعلنة سلفا وهي، كما تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه، تحقيق "نهضة الأمة"، فإن نموذج هذه النهضة لا يوجد في المستقبل، الأمر الذي يقتضي مكابدة قلق السؤال أيما مكابدة، وإنما هو نموذج جاهز في لا وعي الكاتب، يسعى لاستعادته، من خلال تنشيط الذاكرة الحضارية للأمة، تنشيطا "تحكمه ثنائية الاتصال/الانفصال؛ أي: اتصال بالهوية والذاكرة والقيم النبيلة، وانفصال عن قيم الاستبداد والظلم".
يعكس الكتاب شوقا إلى ماضي الأمة الذهبي المفقود وحنينا إلى نموذج دولة النبي وخلفائه الأربعة ومجتمعها القرآني الفريد، كما ترتسم صورته المشرقة والميثالية في المخيال السياسي والفكري عند معظم حركات المد الإسلامي المعاصر؛ الذي ينتمي بونعمان إلى جيله الثالث مغربيا، حيث نشأ وترعرع بين أحضان حركة التوحيد والإصلاح المغربية.
ولعل هذا الانتماء الحركي للكاتب يفسر لم وجه أسئلته نحو هدف متحكم فيه وهو "ترويض وحش الدولة المستبدة"، وليس نحو هدف جدري يذهب إلى حد الرغبة في هدم أسسها وتحطيم أركانها واستبدالها بدولة جديدة جدة كاملة. وبذلك يعكس الكتاب حاجة فكرية للتأصيل النظري لأطروحة "جدل الإصلاح والاستقرار"، التي ظهرت كعرض سياسي أولا، تلته محاولات قعدته فقهيا و"شرعيا"، وهي محاولات لم تشف بما فيه الكفاية غليل أنصار هذه الأطروحة، خاصة فئاتها الشبابية المتحمسة للنهضة والتغيير، فضلا عن الخصوم والمناوئين، طالما أن الحاجة ملحة إلى "مراجعة (...) تراث الفكر السياسي العربي والفقه السياسي الإسلامي؛ مراجعة مبدعة، نقوم بها نموذجها المعرفي، ونصحح منطقها الداخلي، وننتقد تراكمها التاريخي"(ص12)، وهو الأمر الذي تنبه إليه سلمان بونعمان وسعى قدر ما استطاع إلى ذلك سبيلا أن يكون واحدا من الأذرع الفكرية الواقفة على ثغوره المختلفة، مستلهما منهجه العام وخلفيته الفكرية من كتابات أحمد الريسوني وعبد الوهاب المسيري ومالك بن نبي، التي وصفها مجتمعة ب"مدرسة إعادة تشكيل العقل المسلم"، بالإضافة استفادته الكبيرة مما سماه ب"مدرسة التجديد الحضاري" التي جمع في خندقها أسماء مفكرين متعددين ومختلفين مثل حامد ربيع وسيف الدين عبد الفتاح وهبة رؤوف عزة ورفيق حبيب.
هكذا نجد الكتاب يشكل امتدادا لكتابين سابقين وهما "التجربة اليابانية، دراسة في أسس النموذج النهضوي" و"فلسفة الثورات العربية، مقاربة تفسيرية لنموذج انتفاضي جديد"، وإذا كانت العلاقة بين هذا الكتاب الأخير والكتاب، الذي نحن بصدد دراسته وتحليله واضحة، وقد أعلن عن ذلك الكاتب نفسه، باعتبار أن أسئلة دولة الربيع العربي نتيجة منطقية لمآلات ثورات الربيع العربي؛ فإن تخصيص قول للتجربة اليابانية يعكس هما إيديولوجيا واضحا، لا يقطع اتصاله بالماضي لكنه يسعى بكل قوة إلى الانفصال على الحاضر الاستبدادي ويتطلع إلى بناء نموذج نهضوي مستقبلي، وهي المعادلة التي نجح فيها اليابانيون في العصر الحالي، فقد حققوا نهضتهم من دون القطيعة مع تراثهم وماضيهم الحضاري، ومعلوم أن "مشروع النهضة" هو الاسم المفضل الذي اختاره الإسلاميون شعارا للمرحلة في جل بلدان الربيع العربي.
تتحكم إذن في المؤلفات الثلاث مقاربة قائمة على ثنائية الاتصال/الانفصال، " اتصال بالهوية والذاكرة والقيم النبيلة، وانفصال عن قيم الاستبداد والظلم"(ص15). فلا عجب أن يبدي الكاتب إعجابه الشديد بالتجربة الديمقراطية اليابانية، وأن لا يتردد في إظهار انبهاره الكبير بثورات الربيع العربي، التي قام بنحت "نموذج تفسيري مركب" أطلق عليه: "نموذج "التغيير الثوري الانتفاضي المقاوم".
وتتمثل هذه المقاربة في الكتاب، الذي بين أيدينا، في "الاتصال بنموذج الأمة هي الأصل" و"الانفصال عن نموذج الدولة ضد الأمة" (ص24)، ففي البدء كانت الأمة التي انبثقت منها الدولة ممثلة لإرادتها ومجسدة لمشروعها الحضاري، إلى أن جاءت دولة الاستعمار وما بعد الاستعمار التي اغتصبت إرادة الأمة بالعنف والقوة، وذلك ما يسميه بونعمان، سيرا على نهج برهان غليون، نموذج الدولة ضد الأمة.
يسعى سلمان بونعمان إلى استعادة ذلك النموذج التاريخي الذي تكون فيه الأمة هي الأصل والدولة فرع منبثق عن هذا الأصل، كما قعد له فقهيا أحمد الريسوني في كتابه "الأمة هي الأصل: مقاربة تأصيلية لقضايا الديمقراطية". ومن دون الدخول في جدال لا ينتهي حول أسبقية الأمة أم الإمامة النبوية، وهل في البدء كان النبي كزعيم للدين وللدولة أم الأمة، أم أن نبي الإسلام كان على غرار إبراهيم الخليل أمة لوحده، بصرف النظر عن ذلك وغيره من التساؤلات التي تثيرها علاقة الانفصام والتضاد بين الدولة والأمة وهل بدأت هذه العلاقة مع دولة الاستعمار ودولة الاستقلال أم ظهرت في العصور الأولى من التاريخ الإسلامي. بصرف النظر عن كل ذلك فإن القدر المتيقن أن المؤلف ينطلق من تابث مركزي يتمثل في حلمه باستعادة نموذج من الزمن الماضي: نموذج الأمة هي الأصل باعتباره حلا للحاضر والمستقبل معا.
وإذا كانت الأمة المحمدية قد قامت على أساس ديني بالدرجة الأولى، فإن سؤال العلاقة بين الدين والدولة يفرض نفسه كسؤال مركزي من بين "أسئلة دولة الربيع العربي"، لذلك خصص بونعمان الفصل الثاني من كتابه لمقاربة هذه المسألة في عدد قليل من الصفحات، بالمقارنة مع أعداد صفحات الفصول الأخرى من نفس الكتاب، وربما يرجع ذلك في اعتقادنا، إلى أن حل هذا الإشكال يتمثل، في نظر سلمان، في معادلة بسيطة جدا وهي تحرير الملة من احتكار الدولة واستعادتها للأمة، فقد اغتصبت الدولة القهرية إرادة الأمة وطمست هويتها واحتكرت الديانة الإسلامية، ووظفتها لتبرير استبدادها وفسادها، ويتعين على زمن الربيع العربي أن يشكل منعطفا لتحرير الدين من الدولة واسترجاعه لأصله الأصيل: الأمة.
من هذه الأمة سينبثق فجر نموذج جديد للدولة، ""الدولة العادلة، الفاعلة، والقادرة"، وهي ليست بالدولة الدينية ولا هي بالدولة العلمانية ( ! ) وإنما هي نموذج دولتي جديد يتجاوز النموذجان معا. هذا النموذج استوجب من بونعمان كفاحا نظريا ومنهجيا، بالإضافة إلى التدافع القيمي والديمقراطي، بغية التمكين له في دولة الربيع العربي. الأمر الذي يتطلب أولا وقبل كل شيء أمة حية وقوية وفاعلة، وتتميز بالحرية المنضبطة والمسؤولة، والمقيدة بحدود "شرع الله". لكن من يمثل شرع الله في هذه الحال؟
لا يحيب السيد بونعمان عن هذا السؤال مباشرة وإنما ينتقل إلى التأكيد على أن الأمة هي حارسة الحرية، ومهمة الدولة تجسيد إرادة هذه الأمة في تحقيق العدل بين الناس في الأرض، حيث لا يفوته تسجيل رفضه لمفهوم العادل المستبد، لأنه "لا عدل بدون حرية، والحرية بدون عدل فوضى" (ص158 و159).
إن بناء هذه الدولة المجسدة لإرادة الأمة يقتضي انفصالا ثوريا عن نموذج "الدولة ضد الأمة" واتصالا ثوريا بنموذج "الأمة هي الأصل"، كما تم بيان ذلك سابقا، وهي مهمة مزدوجة تقتضي استكمال "معركة الثورة ونقل روحها إلى الدولة" (ص192)، من خلال مجموعة من التدابير الاستعجالية يحددها الكاتب في:
1) تقوية الدولة العربية قطريا: تحصينها ضد التجزئة والانقسام
2) إضعافها سياسيا عبر تقوى قوى المجتمع. ص (إنتاج سلط مراقبة لسلطة الدولة)
3) تجاوز الدولة القطرية نحو دولة عابرة للأقطار: التكامل بين العرب.
لا شك أن قارئ هذه الثلاثية التدبيرية سيجد صعوبة في فهم الصيغة التي يمكن بها الجمع بينها، إذ كيف يمكن الجمع بين تقوية الدولة القطرية وإضعافها وتجاوزها في الآن ذاته؟ وكيف بإمكانها أن تساهم مجتمعة في تحقيق الهدف الأسمى لكتاب سلمان بونعمان وهو ترويض وحش الدولة العربية المستبدة؟
يقترح الكاتب آليات ثلاث لإنجاز هذه المهمة التاريخية، وهي آلية التأنيس، أي رفع هالة القداسة عن الدولة العربية المعاصرة والتعامل معها باعتبارها فعلا إنسانيا ونسبيا؛ وآلية التأسيس، أي تحرير الدولة من طابع "شخصنة الدولة في الحاكم الفرد أو الأسرة أو الحزب أو الطائفة" (ص202)؛ وآلية الدمقرطة، باعتبارها مدخلا أساسيا لتفكيك البنية الاستبدادية للدولة، يقطع مع النزعة الشمولية والأحادية، ويقر بالتدبير التعددي الحر وفق آليات التداول السلمي للسلطة.
حاصل القول في هذه الهوامش هو أنه إذا كانت هذه الآليات وتلك التدابير تؤكد الشق الأول من مقاربة بونعمان التجاوزية لنموذج الدولة الدينية، فإنها، وعلى خلاف ما أعلن عنه في بداية بحثه، لا تتجاوز نموذج الدولة العلمانية، إذ لم يعمل الكاتب إلا على تأكيد ما تشترك فيه العلمانيات المختلفة وهو بشرية الدولة، أي زمنيتها ونسبيتها، ومن ثم حاجتها إلى العقلنة المستمرة لنظمها والدمقرطة الدائمة لممارساتها. وتلك في اعتقادنا، فلته لاواعية من الكاتب، على طريق التفاعل الفكري والنظري مع العلمانية باعتبارها حلا إنسانيا ينتصر للعدل والحرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.