مداخل تنزيل مبادرة الحكم الذاتي المغربية بالصحراء    مكونات المعارضة النيابية تنادي بتحرير الجماعات الترابية من "سلطة الوصاية"    تقرير: المغرب يحافظ على المركز 120 عالميا في مؤشر التنمية البشرية 2025    دوري أبطال أوروبا (إياب نصف النهائي).. لويس إنريكي يؤكد جاهزية ديمبيلي للمشاركة ضد أرسنال    المنتخب المغربي يختتم تحضيراته استعدادا لمواجهة تونس    توقيف خليفة قائد بعمالة مقاطعات عين السبع الحي المحمدي للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    ابتداءً من 8 ماي خط بحري جديد يربط المغرب بإسبانيا في أقل من ساعة    العثور على جثة "غريق" في شاطئ رأس الماء بعد يوم من البحث    فوضى الملك العمومي تساءل مسؤولي جماعة الدشيرة الجهادية    جناح المغرب في معرض باريس يشهد اقبالا كبيرا!    متى كانت الجزائر صوتا للشرعية البرلمانية العربية؟ بقلم // عبده حقي    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    ارتفاع أسعار الذهب إلى أعلى مستوى    تفاصيل الهزة االأرضية بثلاث نيعقوب    موسم طانطان ينطلق في 14 ماي.. احتفاء بتقاليد الرحل وبالثقافة الحسانية    "قفطان المغرب" يكرم التراث الصحراوي    وزير إسرائيلي: "غزة ستدمر بالكامل"    بحث وطني يشمل 14 ألف أسرة لفهم تحولات العائلة المغربية    افتتاح فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة    وجهة غير متوقعة تُهدد انتقال سفيان أمرابط إلى الدوري السعودي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    رونار يكشف: هكذا تصالحت مع زياش في 5 دقائق    الفريق الاستقلالي يطالب بإحالة محمد أوزين على لجنة الأخلاقيات    حادث اختناق جماعي في مصنع "كابلاج" بالقنيطرة بسبب تسرب غاز    منطقة الغرب.. توقع إنتاج 691 ألف طن من الزراعات السكرية    العزيز: الحكم الذاتي في الصحراء لن ينجح دون إرساء ديمقراطية حقيقية    قمة الأبطال.. حلم النهائي يشعل مواجهة برشلونة وإنتر ميلان فى إياب دوري أبطال أوروبا    اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر: لا أحد فوق أخلاقيات المهنة    استراتيجية حكومية لضمان تكاثر القطيع الحيواني تغني عن اللجوء للاستيراد    طانطان تحتضن ندوة الاستثمار الأخضر على هامش موسمها ال18    صادرات المغرب من الحوامض.. إجراءات حكومية جديدة لتعزيز التنافسية في السوق الأوروبية    العصبة تلزم فرق البطولة بحذف جميع إشهارات الشركات المتخصصة في نقل الأشخاص والوساطة في النقل    جمهور فنربخشة يطلق صافرات استهجان ضد يوسف النصيري    "أونروا": مئات الآلاف في غزة يعيشون على وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة    زوربا اليوناني    الرجاء يحتج على التحكيم في مواجهة اتحاد تواركة ويطالب بفتح تحقيق    المغرب ‬ضمن ‬نادي ‬الدول ‬المنتجة ‬لتقنيات ‬الطيران ‬الحربي ‬المتقدم ‬    وزير العدل الفرنسي: السلطات الجزائرية أطلقت تحذيراً كاذبا بوجود قنبلة على متن طائرة متجهة من فرنسا إلى موريتانيا    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    الجنون الاستبدادي لقيس سعيّد: رئيس يقوّض أسس الديمقراطية التونسية    المعارضة البرلمانية تؤجل إجراءات حجب الثقة عن حكومة أخنوش    اتفاق مغربي-مصري لرفع وتيرة التبادل التجاري وتعزيز الصادرات الصناعية    مايكروسوفت توقف تطبيق الاتصال عبر الإنترنت "سكايب"    بحث وطني جديد لرصد تحولات الأسرة المغربية بعد ثلاثة عقود    الرباط تحتضن ملتقىً دولي حول آلة القانون بمشاركة فنانين وأكاديميين من المغرب والعراق ومصر    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    الأميرة للا حسناء تلتقي بباكو السيدة الأولى لجمهورية أذربيجان ورئيسة مؤسسة حيدر علييف    نقابة تعليمية تحشد لعودة التصعيد    هكذا يستغل بنكيران القضايا العادلة لتلميع صورته وإعادة بناء شعبية حزبه المتهالكة    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كازاخستان والزعيم الأوحد .. البيت الذي بناه نزارباييف
نشر في هسبريس يوم 31 - 07 - 2013

على شاكلة دول آسيا الوسطى الأخرى، فإن على كازاخستان أن تواجه عاجلاً أم آجلاً موضوع تغيير الرئيس.
تولى نورسلطان نزارباييف زمام السلطة عام 1989، وينص الدستور على فترتي حكم كحد أقصى لرؤساء كازاخستان، لكن التعديلات الدستورية التي أدخلها نزارباييف عام 2010 تمكّنه من تولي الرئاسة إلى أجل غير مسمى وأن يمارس حقه بعد أن ينصّب نفسه "كرئيس أول وزعيم للأمة". ويندرج في أجندته السلطوية ترسيخ حصانة الرئيس وأفراد أسرته ضد أية مساءلة جنائية وذلك ضمن قانون العقوبات. وتنص النسخة الجديدة من هذا القانون على أن الإساءة إلى صورة زعيم الأمة أو إهانته أو أحد أفراد أسرته أو إعاقة نشاطاتهم الشرعية (بغض النظر عما يعنيه ذلك) سيكون عرضة للمساءلة القانونية.
والغريب في الأمر أن هذا التعديل التشريعي تم إدخاله بدون جلبة بعد شهرين من ثورة 2010 في قرغيزستان. لم يكن الرئيس القرغيزستاني كرمان بيك باكييف يتمتع بما يكفي من بُعد النظر لحماية نفسه واضطر لمغادرة البلاد بعد أن خسر ثروته وإمبراطورية الأعمال التي كانت أسرته تديرها. أما بالنسبة لنزارباييف، فإن إعادة صياغة القوانين التي دخلت حيز التنفيذ مؤخرًا وإدخال التعديلات الدستورية قد "رفعته على العرش" فعليًا ومنحته سلطات مطلقة فيما يشبه أنظمة "الرؤساء الملكيين" التي سادت في الشرق الأوسط ذات حقبة.
وقد فاز في انتخابات 2011 الرئاسية بهامش كبير محققًا 95 بالمئة من أصوات الناخبين، وربما يفسر ذلك الدافع الذي جعل المعارضة تقاطع الانتخابات. وبالرغم من الإقبال الواسع على الانتخابات الذي حطم الأرقام القياسية، إلا أن المراقبين الدوليين سجلوا ضغوطًا إدارية على الناخبين لكي يشاركوا في الاقتراع وتهديدات لممثلي الأحزاب وإعاقة لعمل المراقبين. وجوهريًا تشير النقاشات العامة حول الانتخابات المقررة عام 2016 إلى أنه لن يكون هناك منافسون له في الاقتراع العام، بل إن هناك أدلة متزايدة على وجود منافسة داخل المؤسسة الحاكمة وإشارات إلى تفكك ضمن سلطة نزارباييف العشائرية.
سوف يضطر نزارباييف الذي يبلغ 73 عامًا أن يتخلى عن عرشه الرئاسي عاجلاً أم آجلاً. ولكن لا يوجد إشارات في السنوات الأخيرة على وجود هذا الميل عنده أو اتخاذه لأية خطوات لتحضير البلاد "لتنازله عن العرش". وتشير النقاشات حول نقل السلطة في كازاخستان إلى تجذر عبادة الفرد؛ مما يعني تقريبًا استثناء أية سيناريوهات قريبة لنقل السلطة أو حتى البحث عن قيادات بديلة. ومع ذلك فإن ما حدث من تغييرات في المواقع العسكرية والقضائية العليا في السنوات الأخيرة يتطلب دراسة متخصصة لتحديد بعض ملامح نظام الحكم في كازاخستان. ولهذه الغاية تصف هذه الورقة الجهاز الحاكم في البلاد مع التركيز على طبيعة شبكة الشركات والمصالح التابعة لنزارباييف.
سياسات الأعمال العائلية
في معرض رده على انتقادات تتحدث عن سياسة محسوبيات وتحديدًا تولي أقارب الرئيس لمناصب عليا وامتلاكه لمصالح أعمال واسعة في كازاخستان على أساس القرابة العائلية، علّق نزارباييف بما يلي:
"فيما يتعلق بأفراد أسرتي، فهم، شأنهم شأن بقية المواطنين، يملكون الحق في القيام بأعمالهم وتولي مناصب عامة وممارسة الأعمال التجارية. ولكن كما هو الحال بالنسبة لكل مواطني كازاخستان، يجب ألا يخالفوا القانون لأن الجميع سواسية أمام القانون".
ولهذا السبب، أي المساواة بين مواطني كازاخستان، وكما تشير تسريبات ويكيليكس، فإن صهر "زعيم الأمة"، تيمور كوليباييف، الذي يتحكم بنسبة 90 بالمئة من اقتصاد كازاخستان المزدهر، قد خسر منصبه المرموق كرئيس مجلس إدارة شركة سامروك كازينا. وهذه الشركة التي كانت ذات يوم صندوق رفاه وطنيًا وأصبحت اليوم شركة مساهمة عامة، تمتلك 100 بالمئة من أصول مشاريع النفط والغاز "كاز موناي غاز"، وشركة سكك الحديد كازاخستان "تمير جولي"، وبنك تنمية كازاخستان، وشركات أخرى عديدة تساهم جميعًا بنسبة 23 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لكازاخستان.
وقد طرد نزارباييف كوليباييف من منصبه على إثر الاضطرابات التي حصلت في مدينة جاناوزين الواقعة في مقاطعة مانغيستاو الغنية بالنفط. وكان عمال الصناعة النفطية في البلاد قد أضربوا احتجاجًا على الأجور المنخفضة وسوء ظروف العمل منذ مايو/أيار 2011. وخلال تلك الفترة الحرجة، تم في ديسمبر/كانون الأول 2011 قطع الاتصالات الهاتفية وحجب الإنترنت لفترة وجيزة، بحيث أصبح من الصعب بعد ذلك تحديد من كان وراء الإجراءات القاسية التي اتُخذت ضد المدنيين. وقد استخدمت القوات الأمنية القوة المفرطة التي أدت إلى مقتل 16 شخصًا في أعمال الشغب التي حصلت في ديسمبر/كانون الأول 2011.
وإلى جانب كوليباييف، تم طرد حاكم مقاطعة مانغيستاو كريم بيك كوشيرباييف ورئيس شركة كاز موناي غاز بولات اكتشولاكوف. وقد كان الهدف من هذه الحملة ضد المسؤولين إظهار أنه لا يوجد من يتمتع بالحصانة المطلقة في زمرة الرئيس.
ومع ذلك لم يُسجن أي مسؤول ممن وجّه إليه اللوم بالفساد وانتهاك القانون، ولم يعاقب أي منهم في أعقاب الحوادث التي أسيء التعامل معها. واليوم نجد أن كل من ذُكر أعلاه يحتل مركزًا مرموقًا في الحكومة، فاكتشولاكوف يعتلي منصب نائب وزير النفط والغاز، ونجح كوشيرباييف في التنقل بين المواقع، من مستشار نزارباييف إلى حاكم مقاطعة كيزيلوردا عام 2013. وبدلاً من ذلك صدر حكم بحق المعارضة باعتبارها مسؤولة جنائيًا عن إثارة الاضطرابات غير القانونية. وفي معرض تعليق نزارباييف على الحكم، زعم أن ما حصل من شغب إنما كان "نزاعًا تافهًا بين العمال وأصحاب العمل"، وأنه "كان يمكن حله وديًا لولا أفعال المجرمين الذين حولوه إلى صراع دموي خدمة لمصالحهم".
أما بالنسبة لكوليباييف صاحب إمبراطورية الأعمال الممتدة والمتنوعة فقد أعلنته مجلة فوربس عام 2013 في المرتبة 1107 على قائمة أغنى أغنياء العالم، والشخص الثاني في كازاخستان من حيث النفوذ بثروة مقدارها 1,3 بليون دولار. ويليه على نفس القائمة زوجته ابنة نزارباييف، دينارا، والتي يصل مجموع رأسمالها إلى 1,3 بليون دولار حسب تقدير المجلة.
وفي تصنيف لأغنى أغنياء كازاخستان جاءت ابنة نزارباييف الثانية، داريغا نزارباييف، في المرتبة 13 وابنها نورعلي علييف، حفيد الرئيس في المرتبة 32، وكلاهما يملك حصصًا كبيرة في قطاعات الاتصالات والإعلام والتمويل في كازاخستان. وفي مايو/أيار 2010 تخلى الاثنان عن عضويتهما كحملة أسهم في مصرف نوربانك.
وقد حصل ذلك في أعقاب ثورة إبريل/نيسان في دولة قيرغيزستان المجاورة؛ حيث خسر مكسيم ابن الرئيس المخلوع بنك آزيا يونيفرسال الذي كان يملكه. والآن ترد أسماء مكسيم ووالديه وشركائه على لائحة المطلوبين للإنتربول حيث يُتهمون بعمليات نصب واحتيال مالي من خلال البنك المذكور.
أما الابن الأصغر لداريغا نزارباييف، أيسلطان، فهو خريج كلية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية الشهيرة بتعليم أبناء الذوات وكبار الشخصيات. وسوف يتزوج أيسلطان من ابنة أحد أساطين النفط في كازاخستان وهو قيراط بورانباييف، الرئيس التنفيذي لشركة "كاز روس غاز ذ.م.م" والشريكة لعملاق النفط الروسي غازبروم.
ويتصادف أن تيمور كوليباييف المذكور سابقًا عضو في مجلس إدارة غازبروم. ومع ذلك فإنه من غير المحتمل أن يحضر والد العريس، راخات علييف، مراسم الزفاف، ذلك أن الصهر السابق لنزارباييف، والذي أصبح خارجًا عن القانون عام 2007، يعيش الآن في المنفى وقد حُكم عليه غيابيًا بالسجن لمدة 40 عامًا بتهمة قتل مصرفيين ومحاولة الانقلاب على الحكم. إضافة إلى ذلك، واجه علييف عام 2013 تهمًا في قضايا رفعها محامون مالطيون ونمساويون اتهموه فيها بعملية غسيل أموال تصل قيمتها إلى 100 مليون يورو. وقد أصدرت محاكم مالطا قرارًا بتجميد حساباته البنكية ومصادرة ممتلكاته. وقبل أن تسوء علاقته بزعيم الأمة، احتل علييف منصب نائب وزير الخارجية وممثل كازاخستان في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وفي عام 2006، وكان لا يزال صهر الرئيس حينئذ، اقترح علييف التخلص من النظام الجمهوري في كازاخستان واستبداله بنظام ملكي.
أما أصغر بنات نزارباييف، عالية، فقد كانت متزوجة ذات يوم من حيدر أكاييف، نجل الرئيس القيرغزستاني السابق عسكر أكاييف الذي أُطيح به من الحكم عام 2005. وتحافظ عالية على صورتها كشخصية اجتماعية معروفة في الوسط الاجتماعي الراقي في البلاد، تتملق الأغنياء والمشهورين. وهي تمتلك منتجعًا علاجيًا راقيًا في مركز مدينة ألما آتا وتصمم المجوهرات الراقية، وتتعاون في هذا المجال مع شركة دامياني الإيطالية.
وقد شهدت بداية عام 2013 جولة جديدة من تغيير المواقع العليا في صفوف النخبة، والتي كانت قد بدأت في سبتمبر 2012. ومن المتوقع أن يؤدي هذا التغيير إلى تركيز السلطة بيد نزارباييف؛ وذلك من خلال تحقيق الأهداف التالية:
• تجريد الحكام الإداريين (المحافظين ورؤساء البلديات ورؤساء الإدارات الإقليمية) من السلطات الإضافية.
• الحد من اعتماد النخب على ذاتها، وحصر السلطة في المركز.
• المزيد من السيطرة الأمنية وتعزيز قوة جهاز إنفاذ القانون.
أما القيادة الفعلية فلم تشهد تغييرًا جوهريًا، وبقي المسؤولون المقربون من الرئيس في مواقعهم سنوات. والواقع أن عملية التغيير رسخت التوازن بين السلطات المختلفة بحيث لا يستطيع أي طرف اتخاذ القرار بشكل مستقل. وقد جاءت هذه الترتيبات في أعقاب الانتفاضة الشعبية في جاناوزن وسلسلة من الهجمات الإرهابية 2010–2011. وعلى الرغم من أن الأحداث المذكورة لم تنجم عنها خسائر كبيرة في الأرواح، إلا أن الموقف أبرز بوضوح وجود هوة واسعة في الأمن وتراجعًا في مستوى الطاعة لدى القوى الأمنية. وقد استدعى ذلك إعادة ترتيب الصفوف بين الأجهزة غير العسكرية والقوى الأمنية. وسوف ندرج أدناه أهم التعيينات التي تمت؛ وذلك لهدفين: إبراز أهم الأسماء من بين رفاق نزارباييف، وتحديد ملامح البيروقراطية في كازاخستان.
وعليه أصدر نزارباييف في وقت سابق من هذا العام مرسومًا يقضي بإنشاء وزارة لتنمية الأقاليم وتعيين باكتيجان ساغينتاييف وزيرًا ونائبًا أول لرئيس الوزراء، مع صلاحيات كاسحة للسيطرة على السلطات الإقليمية. ويُعتقد أن الاختيار قد وقع عليه لهذا الموقع نظرًا لخبرته كوزير تنمية اقتصادية وحاكم لمقاطعة بافلودار. وتأكيدًا لهذه النظرية، أعلن الموقع الإلكتروني لرئيس الوزراء في الأول من يوليو/تموز أنه سيعاد انتخاب 90 بالمئة من حكام ومسؤولي المقاطعات في أغسطس.
وقد حصل اثنان من الشخصيات المتنفذة من حاشية نزارباييف على مناصب جديدة بقرب زعيم الأمة ليوازنا بعضهما البعض؛ حيث أصبح مارات تاجين وزيرًا للدولة يقدم تقاريره مباشرة للرئيس، بينما تم في وقت سابق وتحديدًا في سبتمبر/أيلول تعيين رئيس الوزراء السابق كريم ماسيموف رئيسًا للإدارة الرئاسية. لأكثر من عشرين عامًا منذ استقلال كازاخستان لم يحدث مرة أن تغير الرئيس، ولكن بالمقابل تم استبدال ثمانية رؤساء وزراء، أحدهم، وهو أكيجان كاجيغلدين، يعيش في المنفى؛ وآخر، قاسم جومارت توكاييف، يحتل منصب المدير العام لمكتب الأمم المتحدة في جنيف. وقد وضع تاجين في منصبه، وكان قد اكتسب خبراته لدى توليه منصبي وزير الخارجية وسكرتير مجلس الأمن في كازاخستان من بين أمور أخرى، بهدف الإشراف على العمليات السياسية داخل وخارج الدولة. من ناحية أخرى له دور يتمثل في موازنة ثقل ماسيموف. وكان الرئيس السابق لمكتب الرئاسة، أصلان موسين، قد أفرط في حشد النفوذ السياسي بين يديه، فكان أن خُفّضت رتبته إلى رئيس لجنة الحسابات في كازاخستان، وهي وظيفة متواضعة بالنسبة لمناصبه السابقة.
وفي 30 يناير من هذا العام أجرى الرئيس تغييرات بين كبار الضباط، متهمًا، أثناء عرض عسكري، بعض كبار العسكر باستغلال السلطة وإهمال واجبهم تجاه الأمن.
وأعقب التوبيخ إصلاح قانون وكالات إنفاذ القانون لاستكمال الترتيبات التي أجراها في المؤسسات المدنية. وكان البرلمان قد وافق في أواخر عام 2012 على إدخال تعديلات على التشريعات الموجهة لتوحيد القوات الأمنية الداخلية في كازاخستان والاستفادة المثلى من إدارة الداخلية(24). وفي يونيو/حزيران 2013 أقر المجلس، أي مجلس النواب، مشروع قانون بشأن أداء هيئات الشؤون الداخلية. ومشروع القانون هذا، إلى جانب تعديلات تشريعية سابقة تسمح بإطلاق النار على المواطنين من دون سابق إنذار، يمنع بيع المواطنين أسلحة غير قاتلة، في حين يسمح للقوات الداخلية باستخدام أسلحة الخدمة بالإضافة إلى الأسلحة النارية. ويعني هذا كله إضفاء الشرعية على إطلاق النار على المواطنين من أسلحة الخدمة في حالة وجود تهديد لحياة عناصر الأمن.
وعمومًا، فإن إعادة ترتيب الأمور الموصوفة أعلاه استهدفت تحقيق استقرار مصالح أعضاء النخبة الحاكمة وتوطيد سلطة زعيم الأمة.
ويرى محللون أن تعزيز نزارباييف لحكمه يتزامن مع تزايد مشاعر الناس السلبية تجاه الحكومة وسياساتها الاجتماعية والاقتصادية التي لا تحظى بشعبية. ومع ذلك، فإن المعارضة هزيلة ومتشرذمة لدرجة أنها لا تستطيع تعبئة الجماهير. ومما لا شك فيه أن فريق نزارباييف يمحّص عن كثب الأمزجة الشعبية المضادة؛ وبالتالي فإن بعض التحسين في سياسة الرفاه سيكون أولوية بالنسبة لحكام كازاخستان الغنية بالنفط. فعلى سبيل المثال، أدخل نزارباييف في ديسمبر/كانون الأول 2012 استراتيجية جديدة أطلق عليها: رؤية كازاخستان-2050. ومن المفترض أن توفر هذه الاستراتيجية المسار السياسي الجديد للدولة التي يسيطر عليها النظام بحزم. وبلا شك، فإن المعارضة مطلوبة أيضًا، حيث من المتوقع أن نشهد نشوء معارضة ضعيفة تربت على أيدي النظام، أي معارضين دمى يستطيعون إثارة سخط الشعب ضد بعض السلطات التي تسرقهم، ليأتي نزارباييف القاهر وحامي الشعب ويصد عنهم اللصوص، وهي نفس الطريقة التي تعمل بها معارضة بوتين الداجنة.
خلاصة
الواضح وضوح الشمس على علم كازاخستان، أن زعيم الأمة يلقي بظلال حكمه على كل المشهد السياسي في البلاد. وليس هناك من دلائل على أن نزارباييف سيتقاعد قريبًا؛ بل على العكس، فإن الهدف من إعادة تنظيم الجهاز البيروقراطي وعمل وكالات إنفاذ القانون هو بناء نظام من الضوابط والتوازنات التي تجمع كل مفاتيح النفوذ السياسي في يد نزارباييف وحده. ومن المتوقع أن تسمح انتخابات الإدارات الإقليمية عام 2013 باحتفاظ المخلصين فقط من المحافظين ورؤساء البلديات بمواقعهم الحالية. جزئيًا، كانت بعض الإصلاحات ردة فعل مدفوعة بالسخط الشعبي المتزايد بسبب تفاقم الفساد العام والمحسوبية والتوزيع غير المتساوي للدخل من النفط. أما الإصلاحات القانونية الرئيسية حتى الآن فهي تهدف إلى تعزيز القبضة الأمنية لمنع احتمالية المشاركة المدنية في العمليات السياسية من خلال أعمال الشغب والاحتجاج.
حتى الآن، هناك نقص واضح في الموارد البشرية في المستويات العليا من السلطة. إن اختيار المخلصين من أتباع الرئيس عملية انتقائية محدودة للغاية؛ حيث لم يتم تغيير طاقم مساعدي الرئيس منذ سنوات، وكلهم قابلون للتبديل فيما بينهم بشكل كامل. فبدلاً من ضخ دماء جديدة، يتم التناوب على المناصب في المستويات العليا من الدولة ضمن نظام لا يسمح إلا بتغيير اسمي على شكل تبادل المواقع، وهو الأمر الذي يتكرر باستمرار.
وتقع التدفقات المالية والاقتصاد القائم إلى حد كبير على قطاعي النفط والغاز، تحت سيطرة عائلة نزارباييف. لكن الرئيس لا يُبقي على أقاربه مفرطي الطموح، فاسم راخات علييف، صهر الرئيس السابق، قد ورد ذات مرة باعتباره المرشح الأوفر حظًا للرئاسة بعد نزارباييف، ومن بين أعضاء النخبة السابقين الذين يعيشون في المنفى مختارت أبليازوف وفيكتور خرابونوف.
وتعد كازاخستان اليوم منارة للاستقرار في آسيا الوسطى؛ فاقتصادها سريع النمو يخلق بيئة جذابة للمستثمرين الأجانب، فيما تتخلف وراءها بمراحل أوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان المجاورة. وتمكن الفطنة السياسية للحاكم الأعلى كازاخستان من تجنب أخطاء الدول المجاورة. وفي نفس الوقت يشتهر نزارباييف بأنه زعيم صلب بين نظرائه في الشرق وفي الغرب، لكن قد يتبين في نهاية المطاف أن ترتيب القطع بشكل معقد على رقعة الشطرنج السياسية الكازاخستانية ليس سوى لعبة قد تنتهي ب"كش ملك"، رغم قوة الملك.
* باحثة روسية متخصصة في العلاقات الدولية.
(هذه الورقة أعدتها الباحثة باللغة الإنجليزية وتمت ترجمتها إلى العربية) مركز الجزيرة للدراسات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.