هجرت عائلات أفغانية بأكملها منازلها بينما يستمر القصف الجوي على الأحياء وتملأ الجثث الأزقة مع نقل طالبان معاركها إلى المدن خلال عطلة نهاية الأسبوع، آذنة بفصل جديد دام. وقال سكان في مدينة لشكر قاه (جنوب) إن طالبان تخوض حرب "شوارع" شرسة ضد قوات الأمن الأفغانية، فيما حاصر عناصرها مقار للشرطة ومكتب الحاكم المحلي. وقال أحد سكان لشكر قاه، عاصمة ولاية هلمند، ويدعى بادشاه خان، لفرانس برس، عبر الهاتف: "تقصف الطائرات المدينة كل دقيقة. تعرّض كل شبر من المدينة للقصف"، وأضاف: "يمكن رؤية الجثث في الشوارع. هناك جثث في الساحة الرئيسية". وبقيت الحكومة مسيطرة على لشكر قاه حتى وقت متأخر الأحد جراء القصف الجوي المتواصل، لكن مستقبل عاصمة الولاية يبدو على المحك مع دخول حشد تلو آخر من المتمرّدين إلى المدينة. وتصاعد العنف في أنحاء أفغانستان منذ مطلع ماي، عندما أطلقت طالبان عملية في أجزاء واسعة من البلاد تزامنا مع بدء الجيش الأمريكي آخر مراحل انسحابه، مسدلا الستار على حرب استمرت 20 عاما. وسيطرت طالبان على المناطق الريفية بشكل سريع، من دون مقاومة في كثير من الأحيان. لكن الجيش كثّف عملياته للدفاع عن مجموعة من عواصمالولايات الموزعة في أنحاء أفغانستان، بينها لشكر قاه وقندهار وهرات. وبعد توقف القتال لفترة وجيزة خلال عطلة عيد الأضحى أواخر الشهر الماضي، توجهت طالبان نحو السيطرة على المدن، فشنت هجمات على عواصم ولايات عدة. "الوضع يتدهور" لم يخف هزرات عمر شيرزاد غضبه بعدما أجبرته عناصر طالبان على مغادرة منزله في لشكر قاه لتتحصن فيه من الضربات الجوية، وقال: "أضرمت الإمارة الإسلامية النيران في الأرض وأشعلت الجمهورية (الدولة) النار في السماء. لا أحد يهتم بالأمة". وسجّلت معارك أيضا في هرات قرب الحدود مع إيران غربا لليوم الثالث على التوالي، حيث احتشد المسلّحون المتمرّدون على أطراف المدينة. وقال رجل الأعمال في هرات آغا رضا: "يتدهور الوضع الأمني مع مرور كل يوم"، وحذّر: "هناك احتمال بنسبة 90 في المائة أن تخضع مدينة هرات لطالبان"، مشيرا إلى غياب إمدادات الطاقة وإغلاق الطرق الرئيسية جرّاء الاشتباكات. وقالت أستاذة مدرسة في هرات، طلبت عدم الكشف عن هويتها لفرانس برس، إن العديد من المدارس أغلقت أبوابها، إذ فضل الأطفال ملازمة منازلهم، وأكدت: "سمعنا الليلة الماضية الكثير من الطائرات تحلّق فوق المدينة.. توجّهت إلى المدرسة اليوم ولم يتجرّأ سوى الفتية على الحضور". وتحرّك مقاتلون موالون لأمير الحرب المخضرم إسماعيل خان، الذي ساعدت الميليشيا التي يقودها القوات الأجنبية بقيادة الولاياتالمتحدة على الإطاحة بنظام طالبان في 2001 لإنقاذ المدينة، إذ باتوا في الصفوف الأمامية إلى جانب القوات الحكومية الأفغانية. أما في قندهار فأدت أيام من المعارك إلى نزوح آلاف من السكان الذين تجمّعوا وسط المدينة هربا من تبادل إطلاق النار على أطراف عاصمة الولاية. وقال أحد سكان قندهار، ويسمى خليل هيوادمال، إن عناصر طالبان تجبر الأهالي على مغادرة منازلهم مع دخولها المدينة، وصرّح: "حذّروا السكان الجمعة بوجوب مغادرة منازلهم". وكانت قندهار مهد حركة طالبان، ومن شأن سقوطها أن يشكل ضربة كبيرة للحكومة، إذ سيؤدي إلى تقسيم البلاد إلى شطرين قبل حلول فصل الشتاء، حيث ستزداد استعادة الأراضي صعوبة. وبينما قللت الحكومة مرارا على مدى الصيف من أهمية المكاسب المتتالية التي حققها المتمرّدون، باعتبارها لا تنطوي على قيمة إستراتيجية، فإنها فشلت بدرجة كبيرة في مواجهة الزخم الذي يتمتعون به في ساحات القتال.