إعدام ثلاثة صحراويين بتندوف.. الجزائر و"البوليساريو" في قفص الاتهام    إعادة انتخاب نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    مؤتمر الاستقلال.. اختلاف على اللائحة أجل انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    هل تصدر الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنياهو؟    ثورة الجامعات الأمريكية.. غزة تحرر العالم    ميسي كيحطم الرقم القياسي ديال الدوري الأميركي بعد سحق نيو إنغلاند برباعية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    ليفار: قرارات الرداد أثرت فخسارتنا لماتش الحسنية وغانشكيو به للجنة التحكيم باش ياخد الجزاء ديالو    بسبب خريطة المغرب.. إتحاد العاصمة الجزائري يتجه نحو تكرار سيناريو الذهاب    الملياردير ماسك يبدأ زيارة مفاجئة إلى بكين    تعيين حكم مثير للجدل لقيادة مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان "مالمو"    محمد صلاح عن أزمته مع كلوب: إذا تحدثت سوف تشتعل النيران!    الحسنية يلحق الهزيمة الأولى بالجيش الملكي في البطولة    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    الحرب في غزة محور مناقشات قمة اقتصادية عالمية في المملكة السعودية    ساعة جيب لأغنى ركاب "تايتانيك" بيعت في مزاد لقاء 1,46 مليون دولار    السلطات المغربية تتعقب صاحب صفحة "لفرشة"    محاولة الهجرة إلى سبتة تؤدي إلى مصرع شاب وظهور جثته في الحسيمة    ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق "تيك توك"؟    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    افتتاح مهرجان تطوان المتوسطي ب"بنات ألفة"    توقيف سارق ظهر في شريط فيديو يعتدي على شخص بالسلاح الأبيض في طنجة    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    "دكاترة التربية الوطنية" يطالبون بتعويض المتضررين من عدم تنفيذ اتفاق 2010    عاجل.. مؤتمر "الاستقلال" يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    الأمثال العامية بتطوان... (584)    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعارضة البهلوانية وعرقلة الجلسات البرلمانية
نشر في هسبريس يوم 19 - 10 - 2013

لم تعرف الحياة البرلمانية بالمغرب على مر التاريخ مثل هذه المهزلة التي أصبحت تجسدها المعارضة البرلمانية التي ابتلانا بها المشهد الحزبي الحالي، خاصة بعد انضمام نواب حميد شباط متزعم تظاهرة الحمير لهذه الجوقة البهلوانية.
ولم يسبق أن كانت المعارضة مصرة على خرق الدستور وعلى عرقلة عمل المؤسسات الدستورية مثلما هو الحال مع المعارضة الحالية، وبقيت مصرة على التمسك بالضجيج الذي اعتادت على إثارته بشكل مستمر، في انتظار ان يصفعها المجلس الدستوري كما يحدث كل مرة.
فلم تعد المعارضة البرلمانية الحالية تحرص على ممارسة مهامها الدستورية وأدوارها السياسية، وإنما استعاضت عن ذلك بممارسات هستيرية غريبة، وبمحاولة إرباك العمل البرلماني وعرقلة ممارسة المؤسسة التشريعية لمهامها الدستورية.
وكانت دورة أبريل الأخيرة قد شهدت فصلا مطولا ومملا تجلى في مقاطعة المعرضة لجلسات دستورية لمساءلة رئيس الحكومة، وفي نهاية المطاف بت المجلس الدستوري في الأمر بشكل قاطع صفع المعارضة بقراره رقم 924.
وبعد خروج حزب الاستقلال من الحكومة وتعويضه بحزب التجمع الوطني للأحرار، وبعيد افتتاح دورة أكتوبر البرلمانية، بدأت المعارضة جولة جديدة من هستيرية مثيرة للسخرية، عبر إثارة دفوعات غريبة تدعي ان الأمر يتعلق بحكومة جديدة تتطلب برنامجا جديدا وتحتاج لتنصيب برلماني.
وحاولت جاهدة عرقلة الجلسة الدستورية الأولى في هذه الدورة، والمتعلقة بمساءلة أعضاء الحكومة، مستعينة في ذلك بدفوعات أبعد ما تكون عن الدستور وعن المنطق القانوني، وكأننا أمام دستور دولة أخرى لا علاقة لها بالمغرب.
ولم تكلف هذه المعارضة نفسها مراجعة فصول الدستور وبلاغ الديوان الملكي وظهير تعيين الوزراء في التعديل الحكومي ليوم 10 أكتوبر 2013 لتتأكد من فشلها في استيعاب المعطيات الدستورية والقانونية، ولتستمر في بهلوانيتها البئيسة التي تثير استهجان الرأي العام.
كما أنها لم تنتبه إلى أن انعقاد المجلس الوزاري يوم 15 أكتوبر يتناقض مع ما تدعيه هذه المعارضة، ولم تنتبه إلى أن المؤسسات الدستورية الرئيسية في الدولة تحرص على احترام الدستور وعلى رأس هذه المؤسسات الملك بصفته رئيس الدولة.
المعارضة بين الاحتجاج والعرقلة والانسحاب:
من غرائب البرلمان المغربي أن المعارضة أصبحت ترفض ممارسة مهامها الدستورية، وتتحجج بأغرب الحجج لعرقلة الجلسات الدستورية أو مقاطعتها أو الانسحاب منها.
فبعد الاحتجاج الفارغ الذي مارسه جزء من فرق المعارضة بمجلس النواب (خاصة فريق البام وأتباع حميد شباط بمجلس النواب) حول مدى دستورية جلسة الأسئلة الشفوية، بادرت فرق المعارضة بمجلس المستشارين للانسحاب من الجلسة المخصصة للأسئلة بالغرفة الثانية.
فأغرب ما شهده البرلمان المغربي في تاريخه تمثَّل في احتجاج نواب من المعارضة على تنظيم جلسة دستورية واجب تنظيمها وفق أحكام الدستور ومواد النظام الداخلي، وكانت دفوعات نواب المعارضة غريبة ومستهجنة، وتقدم خليطا عجيبا من الحيثيات حتى تعرقل تنظيم هذه الجلسة الدستورية.
فقد خلطت بعض فرق المعارضة بين تشكيل الأغلبية الجديدة بالبرلمان، وبين التعديل الحكومي الذي تم يوم 10 أكتوبر الأخير، وطالب أعضاؤها بضرورة تقديم تصريح حكومي جديد للتصويت عليه بالبرلمان وفقا للفصل 88 من الدستور.
وبالموازاة مع ذلك خرج أحد أساتذة الجامعة المغمورين والمقربين من الأصالة والمعاصرة بتصريحات غريبة خلط فيه السياسي بالقانوني رغم أن ذلك لا يستقيم، وطالب مرة بضرورة قيام الفريق الاستقلالي بسحب تصويته السابق على البرنامج الحكومي الذي تم أواخر يناير 2012؟؟؟
وعاد مرة أخرى ليطالب بضرورة تقديم برنامج حكومي جديد للتصويت عليه وتنصيب الحكومة من جديد أمام البرلمان، رغم أن ذلك يتناقض مع صريح أحكام الفصل 47 من الدستور، وكأن هذا الأستاذ لم يطلع على ظهير تعيين الوزراء في التعديل الحكومي قبل أن يتخذ موقفه الغريب البعيد كل البعد عن المنطق القانوني والدستوري؟ !!!
فالأسس الدستورية للتعديل الحكومي جلية بهذا الخصوص، وظهير إعفاء الوزراء السابقين وتعيين الوزراء الجدد واضح وصريح، ويحيل بشكل قاطع على الفصل 47 من الدستور وليس على الفصل 88 الذي لا علاقة لأحكامه بالتعديل الحكومي كما يدعي "بعض زعماء المعارضة".
كما أن انعقاد المجلس الوزاري برئاسة الملك بعد التعديل الحكومي الأخير يندرج في هذا الإطار ويؤكد بدوره بوضوح على أن الأمر يتعلق بحكومة قائمة دستوريا، وتمارس مهامها بشكل قانوني، دون الحاجة لشكليات أخرى لا أساس لها، خلافا لما تدعيه المعارضة البهلوانية.
الأساس الدستوري للتعديل الحكومي:
كثر الضجيج الصادر عن بعض زعماء المعارضة هذه الأيام بخصوص شكل الحكومة وآثار التعديل الوزاري الموسع الذي حدث يوم الخميس 10 أكتوبر الأخير، وذهب بعضهم إلى ضرورة تقديم رئيس الحكومة لتصريح أمام البرلمان، في حين أصر آخرون وعلى رأسهم رئيس فريق الأصالة والمعاصرة على ضرورة إعادة التنصيب البرلماني، وكأننا أمام حكومة جديدة وليس أمام تعديل حكومي نتيجة خروج حزب ودخول آخر.
فالفصل 47 من دستور 2011 واضح في هذا الصدد، ويمنح للملك حق إعفاء الوزراء، كما يتيح لرئيس الحكومة اقتراح إعفاء الوزراء وتعيين آخرين، وذلك دون أي تحديد للعدد أو للمناصب الوزارية المعنية، لذا لا يمكن لأي كان أن يضع شروطا من هذا القبيل أو يزيد في النص الدستوري بغير أساس، عبر ادعاء أن الأمر يتعلق بإعادة هيكلة الحكومة، لأن النص الدستوري جاء بصيغة مطلقة تتيح التصرف في كامل الهيكلة الحكومية وليس فقط في جزء منها، كما لا يضح حدا عدديا للمناصب الوزارية المعنية ولا أية حدود للتعديل الحكومي.
والمسطرة الدستورية هنا واضحة ولا يمكن إضافة أية مسطرة أخرى لا علاقة لها بالتعديل الحكومي، خاصة وأن الفصل 88 الذي يدفع بعض "الزعماء" به لا علاقة له بالتعديل الوزاري، ولا يمكن تطبيقه في هذه الحالة، لأنه يتحدث حصريا عن الحالة التي يتم فيها تشكيل حكومة جديدة إما عقب انتخابات برلمانية أو استقالة رئيس الحكومة وتعيين رئيس حكومة جديد.
وإذا كانت هاتين الحالتين لا علاقة لهما بما تم يوم 10 أكتوبر الأخير، فإن التعديل الحكومي الذي تم وفق أحكام الفصل 47 من الدستور لا يمكن مبدئيا أن يكون متبوعا بأي تصريح أو تصويت أمام البرلمان، ما عدا في الحالات التي يتم فيها تعديل البرنامج الحكومي الذي تم التصويت على تصريحه سابقا بالبرلمان، أو إذا ارتأى رئيس الحكومة استعمال الإمكانية التي يتيحها له الفصل 68 من الدستور وتقديم تصريح أمام مجلسي البرلمان نظرا لأهمية هذا التعديل الحكومي.
وقد عرفت الحكومات السابقة بشكل متكرر مثل هذه الممارسات الدستورية العادية، بحيث عرفت حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي تعديلا موسعا وإعادة هيكلة كبرى سنة 2000، وانتقل عدد الوزراء آنذاك من 33 وزيرا إلى 41 منصبا حكوميا، وعرفت أيضا تغييرات كبرى على مستوى الهيكلة ودخول وخروج عدة وزراء وتفتيت قطاعات وزارية وتجميع أخرى، بشكل يشابه إلى حد كبير ما تم يوم 10 أكتوبر 2013.
وعرفت حكومة عباس الفاسي أيضا انسحاب حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2009 وانتقاله للمعارضة ودخول حزب الحركة الشعبية مكانه، وتم إجراء تعديل حكومي كبير بمناسبة ترميم الأغلبية، وهو ما يماثل أيضا الوضع الحالي لحكومة الأستاذ بنكيران، ولم تثر المعرضة آنذاك مثل هذا الضجيج الذي ينم عن جهل مطبق بقواعد العمل الدستوري.
ولا يمكن هنا الاحتجاج بأحكام الدستور الجديد لمطالبة رئيس الحكومة بنكيران باعتماد مسطرة مغايرة وغير دستورية، لأن دستور 1996 يتضمن تقريبا نفس الأحكام الواردة في الدستور الجديد والمتعلقة بتعيين رئيس الحكومة وتقديم التصريح الحكومي (الفصل 60 من دستور 1996) ويختلف عنه فقط في طريقة التصويت على التصريح الحكومي، كما أن دستور 2011 يتضمن من جانبه أحكاما تتعلق بالتعديل الحكومي مشابهة لتلك الواردة في الدستور السابق (الفصل 24 الشهير)، مع إضافات تتعلق بحق رئيس الحكومة في الاقتراح إضافة إلى مبادرة الملك.
وعلى هذا الأساس لا يمكن الاحتجاج بالدستور الجديد لإضافة مسطرة دستورية وهمية لا أساس لها بخصوص التعديل الحكومي سواء كان محدودا أو موسعا، وسواء هم وزيرا أو أكثر أو ترتب عنه إعادة هيكلة جزئية للحكومة، لأن أساس التنصيب الحكومي قد تم فعلا أوائل سنة 2012 على إثر تعيين الحكومة الجديدة، أما التعديل الحكومي فلا يمكن أن يترتب عنه دستوريا إاعدة التنصيب البرلماني من جديد، وهو ما أكدته الصيغة المعتمدة في الظهير المتعلق بالتعديل الحكومي.
ظهير تعيين الوزراء في التعديل الحكومي:
أن يكون المرء "زعيما مفترضا" لفريق معارض للحكومة لا يعطيه الحق في التفوه بكلام وبتصريحات بهلوانية ومناقضة لأبسط قواعد المنطق القانوني والدستوري، وبشكل يفضح جهله بالدستور وبقواعده الأساسية.
فقد كثر ضجيج بعض "هؤلاء الزعماء" بالبرلمان، وهددوا بمقاطعة جلسة برلمانية دستورية لسبب غريب كعادتهم منذ أزيد من سنة، خاصة وأنهم لم يبادروا للاطلاع على ظهير تعيين أعضاء الحكومة في التعديل الوزاري ليوم 10 أكتوبر الأخير، ولو اطلعوا على فصول هذا الظهير وفهموا أحكامه لما استمروا في جهالتهم لغاية اليوم.
فقد صدر الظهير الشريف رقم 1.13.105 المتعلق بالتعديل الحكومي، وهو ظهير يعدل ويتمم الظهير رقم 1.12.01 الذي صدر يوم 3 يناير 2012 والذي تم بموجبه تعيين حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران، والتي احتاجت آنذاك للتنصيب البرلماني وفق أحكام الفصل 88 من الدستور.
وأول قاعدة هنا، لمن يستوعب الأسس القانونية لظهائر التعيين، تكمن في أن ظهير التعديل الحكومي جاء معدِّلا ومغيِّرا لظهير تعيين الحكومة التي تشكلت أول الأمر في يناير 2012، لذا لو كان الأمر يتعلق الأسبوع الماضي بحكومة جديدة لكان تعيينها قد تم بظهير جديد كليا وليس بتعديل ظهير 2012، وهي قاعدة قانونية واضحة ولا يمكن الاختلاف حولها.
وفي ديباجة ظهير التعديل الحكومي تمت الإحالة بشكل جليّ على الفصل 47 من الدستور، الذي ينظم مسطرة التعديل الوزاري، ولم يشر بتاتا لوجود أية حكومة جديدة ولم يحل على الفصل 88 الذي يتعلق بتشكيل الحكومة من أساسها.
ثانيا، صيغة أحكام ظهير التعديل الحكومي جاءت واضحة في أحكامه وفصوله، بحيث تنص المادة الأولى من الظهير على إعفاء 11 وزيرا من مهامهم بناء على اقتراح رئيس الحكومة، وذلك وفقا لأحكام الفصل 47 من الدستور.
في حين تنص المادة الثانية على تعيين وزراء جدد وبعض الوزراء الذين تم إعفاؤهم في المناصب التي تقدم بها رئيس الحكومة في إطار إعادة هيكلة جزئية للمناصب الوزارية، وبالتالي فقد تم تعيين 20 وزيرا بعد توسيع عدد القطاعات الوزارية، وهي العملية التي لا يضع الدستور لها أية حدود، ولا يمكن لأحد أن يدعي خلاف ذلك.
أما المادة الثالثة من ظهير التعديل الحكومي فقد قضت بتغيير تسمية قطاعين وزاريين، والمادة الرابعة جاءت بصيغة دستورية تجمع أسماء أعضاء الحكومة جميعهم بعد التعديل الحكومي، ولا تتكلم بتاتا عن وجود حكومة جديدة كما يدعي "زعماء فرق المعارضة"، وهي مسألة محورية هنا ولا يمكن الاحتجاج بما يخالفها، على اعتبار أن ظهير التعديل الحكومي كان واضحا وصدر وتم نشره بالجريدة الرسمية.
وعلى هذا الأساس يكون أساس وجود الحكومة واضح دستوريا، فهي حكومة تشكلت يوم 3 يناير 2012، وحازت على التنصيب البرلماني آنذاك وفق أحكام الفصل 88 من الدستور، وعرفت يوم 10 أكتوبر 2013 تعديلا هم جزءا كبيرا من أعضائها لكنه لم يعطها صفة الحكومة الجديدة بأي حال من الأحوال، وذلك تأسيسا على صريح مواد ظهير التعديل الحكومي، وعلى استمرارها بشكل عادي رغم استقالة وزراء الاستقلال من بضعة أشهر.
وبمقابل ذلك لا يمكن اعتبار حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران خلال الثلاثة أشهر الماضية حكومة تصريف أعمال، لأن بلاغ الديوان الملكي عقب خروج حميد شباط للمعارضة كان واضحا وحاسما، بحيث طلب من الوزراء الذين قدموا استقالاتهم الاستمرار في أداء مهامهم لحين تعيين من يخلفونهم، وبالتالي كانت الحكومة قائمة كمؤسسة دستورية كاملة ولم تكن حكومة تصريف أعمال، لأن ذلك كان يحتاج أولا لاستقالة رئيس الحكومة شخصيا وإصدار الملك لظهير يكلفها بتصريف الأعمال الجارية لحين تشكيل الحكومة الجديدة.
ويتأكد هذا الطرح الدستوري عبر أساس آخر يتعلق بوتيرة انعقاد المجالس الوزارية، وهي مؤسسة دستورية قائمة الذات وتشتغل وفق أحكام الدستور ولا يمكننا أن نتصور أن هذه المؤسسة بدورها تقوم بخرق الدستور في موضوع التعديل الوزاري الأخير.
انعقاد المجالس الوزارية:
وفقا لأحكام الفصل 48 من دستور 2011، يرأس الملك المجلس الوزاري، والذي يضم رئيس الحكومة والوزراء، وهذا يعني بالضرورة أن تكون الحكومة قائمة ومشكلة دستوريا وقانونيا وحائزة فعليا على التنصيب البرلماني.
ويتأكد هذا المعطى بالرجوع لتواريخ انعقاد المجالس الوزارية في ظل الولاية التشريعية الحالية، بحيث نجد أن أول مجلس وزاري قد انعقد يوم 7 فبراير 2012، أي بعد التنصيب البرلماني لحكومة الأستاذ بنكيران، ولم ينعقد بتاتا في ظل حكومة غير مكتملة أو في ظل حكومة تصريف الأعمال بعد انتخابات 25 نونبر 2011، بحيث انعقد آخر مجلس وزاري يوم 3 أكتوبر 2011، أي أسابيع قبل الانتخابات البرلمانية السابقة لأوانها.
وسارت وتيرة انعقاد المجلس الوزاري بشكل عادي إلى غاية انسحاب وزراء الاستقلال من الحكومة، ليعود المجلس الوزاري للانعقاد يوم الثلاثاء 15 أكتوبر 2013، أي بعد أيام من التعديل الحكومي ليوم 10 أكتوبر.
فلو كان الأمر يتعلق بحكومة جديدة تحتاج لتنصيب برلماني جديد لتم احترام هذه المسطرة لغاية هذا التنصيب ليتم بعدها عقد المجلس الوزاري، لأن المؤسسات الدستورية الرئيسية بالمغرب تحترم المساطر القانونية والدستورية.
فهذه الحكومة تعتبر منصبة بشكل نهائي منذ يناير 2012، ولا يحتاج التعديل الوزاري لأية إجراءات دستورية أخرى باستثناء ما تنص عليه أحكام الفصل 47 من الدستور، وانعقاد المجلس الوزاري الأخير كان بالتالي سليما ودستوريا وتم بشكل عادي، خلافا لما يحاول "زعماء" المعارضة الترويج له.
إن المعارضة البرلمانية يجبب أن تمارس مهامها المحددة في الدستور، لا أن تحشر نفسها في متاهات الجدل العقيم الذي ينم عن جهلها المطبق، وهو أكده المجلس الدستوري في أربع قرارات منذ بداية 2012، ووجه لها صفعة أخيرة خلال دراسته للنظام الداخلي للبرلمان، لكنها للأسف لم تستفد من أخطائها ولا زالت وفية لجهالتها ولمحاولات عرقلتها لدلسات دستورية للبرلمان.
الجلسات الدستورية للبرلمان:
إن محاولات عرقلة جلسات دستورية للبرلمان يعتبر بحد ذاته ضربا في العمق للدستور الجديد، واستخفافا بذكاء المواطنين، ومحاولة لإيهامهم بأن الحكومة تخرق الدستور، مع أن المؤسسات الدستورية تسير بشكل طبيعي على مستوى المجالس الحكومية أو المجلس الوزاري الأخير الذي أكد دستورية الوجود الحالي لهذه الحكومة وعدم الحاجة لأية شكليات أو مساطر دستورية أخرى.
كما أن ظهير تعيين الوزراء في التعديل الحكومي الأخير كان واضحا ولم يتحدث عن وجود حكومة جديدة، وأعطى حكومة الأستاذ بنكيران صفة الاستمرارية وفق الظهير الأصلي الذي تم بموجبه تعيين الحكومة بتاريخ 3 يناير 2012، وذلك انسجاما مع البلاغ الملكي الذي دعا وزراء الاستقلال للبقاء في مناصبهم لحين تعيين من يخلفونهم فيها، وهو ما تم فعلا، وكانت مناسبة تشكيل الأغلبية الجديدة تسمح بإجراء تعديل حكومي موسع يهم عددا كبيرا من القطاعات.
فالتعديل الحكومي الأخير يتعلق أساسا بمراجعة منهجية اشتغال الحكومة بمناسبة دخول حزب جديد بمرجعية جديدة، ولم يعني بأي حال من الأحوال أن الأمر يتعلق بحكومة جديدة، فهي نفس الحكومة التي تم تعيينها أوائل يناير 2012، وشملها التعديل بموجب ظهير 14 أكتوبر 2013.
وعلى هذا الأساس فإن جميع التصرفات الدستورية لهذه الحكومة سليمة وقانونية، وتكون جلسات البرلمان المرتبطة بها أيضا دستورية وسليمة من الناحية القانونية، سواء تعلق الأمر بالجلسات التشريعية المقبلة، أو بجلسات الأسئلة الشفوية الموجهة لأعضاء الحكومة أو الجلسات الشهرية المخصصة لمساءلة رئيس الحكومة.
أما المعرضة البرلمانية التي أصبح عملها ضجيجا وتحركها هستيريا بهلوانية، سواء تعلق الأمر بمن دعا للاحتجاج بمجلس النواب، أو من حرض على الانسحاب من جلسة مجلس المستشارين، فقد تركت مهامها المحددة في الفصل العاشر من الدستور وحشرت نفسها مجددا في جدل مستهجن حول ضرورة تقديم تصريح حكومي قبل عقد الجلسات الدستورية للبرلمان.
وعوض أن تلتفت هذه المعارضة لما يهم المواطنين، بقيت مصرة على إثارة توافه الأمور ظنا منها أنها تضعف الحكومة، في حين أنها تمعن في إضعاف نفسها وتعرض فرقها البرلمانية لسخرية الرأي العام منها، خاصة أن جميع الإشكالات التي أثارتها منذ سنة ونصف وملأت الدنيا ضجيجا فارغا بها أثبت المجلس الدستوري فراغ حججها ووجه لها الصفعة تلو الأخرى، آخرها مهزلة مقاطعتها لجلسات مساءلة رئيس الحكومة.
إن العمل البرلماني له أسسه ومبادئه وأخلاقه، وإذا كانت المعارضة البرلمانية عاجزة حاليا عن ممارسة مهامها فيتعين عليها أن تبادر لتقييم أدائها خلال السنة الماضية، حتى تتمكن مستقبلا من تجاوز المهازل التي وضعت نفسها فيها، وحتى تخرج من منطق تظاهرات الحمير التي ترأسها حميد شباط مزهوا بها.
دكتور في القانون
متخصص في العلوم الإدارية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.