العالم يسجل ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة خلال أبريل    كأس العرش لكرة القدم.. الجيش الملكي يبلغ ربع النهائي بفوزه على نهضة الزمامرة 2-1    وهبي.. المغرب على استعداد تام لدعم إحداث الشبكة الدولية للآليات الوطنية للتنفيذ وإعداد التقارير والتتبع في مجال حقوق الإنسان    رئيس مجلس النواب يجري مباحثات بالرباط مع المدير العام لمنظمة العمل الدولية    المعارضة البرلمانية تعدد "إخفاقات" الحكومة وتشتكي "التضييق والتغول"    توقيف خمسة أشخاص للاشتباه في تورطهم بترويج الأقراص المهلوسة في كل من القنيطرة وطنجة    الأمثال العامية بتطوان... (593)    الأغلبية البرلمانية تنعت حكومة أخنوش ب"الصمود" وتنوّه بمنجزات نصف الولاية    الزمالك يعترض على حكام مباراتهم أمام نهضة بركان    منظمة العمل تشيد بالحماية الاجتماعية    ارتفاع حصيلة وفيات التسمم الغذائي بمراكش    الفيلم الأمازيغي "قارب الحب" يحصد جائزتين بمهرجان الدراما بمكناس    الإضراب يصيب مستشفيات المملكة بالشلل.. والنقابات تستعد لتصعيد أكبر    "إذا هوجمت رفح، لن يكون لدى نتنياهو ما يقدمه في إدارته للحرب" – الإندبندنت    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    في كلمة مثيرة للجدل.. الرميلي تدافع عن موظفة رفض امهيدية تزكيتها    إيقاف سائق "تريبورتور" متهور عرّض حياة الناس للخطر بالبيضاء    زياش يقرر رسميا البقاء في نادي غلطة سراي التركي    زمن الجراح.. من الريف السامق إلى الحوز الباسق    الذكرى 21 لميلاد مولاي الحسن.. مسار أصغر ولي عهد في العالم من المدرسة المولوية إلى الأنشطة الملكية    دالاس.. تسليط الضوء على مؤهلات المغرب، القطب الاستراتيجي للاستثمار في إفريقيا    أسترازينيكا تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    جلالة الملك يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبد العزيز آل سعود مبعوث خادم الحرمين الشريفين حاملا رسالة لجلالته    حقيقة انفصال صفاء حبيركو عن زوجها    اكتشاف مقبرة جماعية ثالثة وانتشال 49 جثة من مجمع الشفاء في غزة    المغرب يزيد من طاقة إيواء السجون ب 5212 سريرا في إطار أنسنة ظروف الاعتقال    1.5 مليون شاب مغربي لا يعملون ولا يدرسون.. الشامي: رقم مقلق    بورصة البيضاء تستهل التداول بأداء إيجابي    منصة "إفريقيا 50" تشيد بالتزام المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس لفائدة التنمية بإفريقيا    برنامج متنوع للنيابة العامة بمعرض الكتاب    توقيع اتفاق تعاون بين الإيسيسكو وليبيا في المجالات التربوية    الحرارة تتجاوز المعدل الموسمي بالمغرب    محاضر جرائم الأموال تؤرق مسؤولين ومنتخبين بتطوان    الرياض توافق على مذكرة تفاهم مع الرباط    طنجة.. ربيع جاكاراندا للمسرح المتوسطي يحتفي بتنوع الثقافات    الرباط: يوم تواصلي تحسيسي لفائدة مرضى التهاب المفاصل الروماتويدي    السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية    وسط استمرار القلق من الآثار الجانبية للقاح «أسترازينيكا»..    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    لوحة الجمال والعار    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    تشكل موردا ماليا ل 13 مليون فرد وتشغل 40% من اليد العاملة.. الفلاحة في المغرب أمام تحديات كبيرة    2026 هو موعد تشغيل محطة تحلية المياه بالدارالبيضاء    مشاركة البطل الطنجاوي نزار بليل في بطولة العالم للقوة البدنية بهيوستن الأمريكية    الركراكي مدربا جديدا لسريع واد زم    منتخب الصغار يواجه كرواتيا وإنجلترا وأمريكا    ياسمين عبد العزيز تصدم الجميع بحديثها عن طليقها أحمد العوضي (فيديو)    بعد ضجة آثاره المميتة.. "أسترازينيكا" تعلن سحب لقاح كورونا من الأسواق    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    "من المهم أن تفهم أن آخر شيء أريد فعله هو وضعك في السجن"    نور الدين مفتاح يكتب: ثورة الجامعات    بطولة انجلترا: رفض استئناف نوتنغهام بشأن عقوبة خصم 4 نقاط من رصيده    بطولة انجلترا: ثياغو سيلفا ينضم إلى نادي بداياته فلومينينسي في نهاية الموسم    وقفة تضامن في الرباط تحذر من إبادة إسرائيلية جديدة متربصة بمدينة رفح    غلاء دواء سرطان الثدي يجر "السخط" على الحكومة    وفد من حركة "حماس" في "القاهرة"    وزارة الداخلية السعودية تعلن تطبيق عقوبة مخالفة أنظمة وتعليمات الحج    الأمثال العامية بتطوان... (591)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البورغواطيون الجدد
نشر في هوية بريس يوم 24 - 04 - 2020

مناسبة هذا المقال، دعوة علماني عنصري مغربي متطرف، المغاربة المسلمين إلى الفطر في نهار رمضان، بزعم أن الصوم قد يتسبب في جفاف حلوقهم، فينتهي الأمر بهم إلى الإصابة بوباء كورونا، علما بأن صاحبنا ليس من أهل الفتوى، ولا يتوفر فيه شرط واحد من شروطها، وليس – في العلم الشرعي – لا في العير ولا في النفير، بل علما بأنه لا يؤمن بالصوم عبادة، ولا يعرف لرمضان حرمة، ولا يخفي عداءه للإسلام، ولا يكف عن غمزه والانتقاص منه، بمناسبة وبغير مناسبة.
ومع يقيني بأن دعوة صاحبنا، لا تعدو أن تكون صيحة في واد أو نفخة في رماد، وأن التجاهل أولى بالمشاغبين والسفهاء، فقد تذكرت آلاف الشباب الأغرار، الذين يقلدونه وأمثاله ويتأثرون بهم، ويرون فيهم رموزا للتنوير، وأقطابا للتحرير، وأساطين للحداثة وما بعد الحداثة، وغيرها من المصطلحات الرنانة الفارغة، ومن الشعارات الزائفة، فقررت التعليق ولو بمقال قصير، وذلك أضعف الإيمان.
ذكرتني "فتوى" صاحبنا العلماني المشاغب، بصنيع قوم عرفهم تاريخ المغرب، بعد الفتح الإسلامي المجيد، عرفوا بالبورغواطيين، أسسوا إمارة في منطقة تامسنا، على الساحل الأطلسي، ما بين نهري أبي رقراق وأم الربيع، استمرت لأزيد من ثلاثة قرون، من سنة 740م إلى 1058م، إلى أن هزمهم بنو قومهم المرابطون، قبل أن يقضي عليهم الأمازيغ الموحدون قضاء نهائيا.
والبورغواطيون، حسب ما نقله المؤرخون، أمثال: البكري وابن حزم وابن خلدون، عن سفيرهم لدى قرطبة – في منتصف القرن 10م– أبي صالح زمور، الذي يعتبر أهم مدون لتاريخهم، هم أتباع صالح بن طريف المطغري، ادعى النبوة، وزعم أنه المهدي المنتظر، وأنه سيرافق عيسى – عليه السلام – في النبوة، وزعم أنه تلقى من الله قرآنا بالأمازيغية، وأنه يوحى إليه في كل خطبه وأقواله، وأن من شك في ذلك فهو كافر، وذكر البكري، بأن "البورغواطيين يقدمون مع الإقرار بالنبيين، الإقرار بنبوة صالح بن طريف وبنيه، ومن تولى الأمر من بعده من ولده، وأن الكلام الذي ألف لهم وحي من الله تعالى لا يشكون فيه، تعالى الله عن ذلك".
ويذكر المؤرخون، بأن صالح بن طريف وضع للبورغواطيين قرآنا بالأمازيغية، يقرؤونه في صلواتهم، ويتلونه في مساجدهم، يتكون من ثمانين سورة، سمي أكثرها بأسماء الأنبياء من لدن آدم، أولها سورة أيوب، وآخرها سورة يونس، ومنها سور: فرعون، قارون، هامان، يأجوج ومأجوج، الدجال، العجل، هاروت، ماروت، طالوت، نمرود، الديك، الجمل، الجراد، الحنش، غرائب الدنيا والعلم العظيم، وأضاف ابن خلدون أسماء سور أخرى مثل: نوح، وإبليس، وقال عن سورة غرائب الدنيا: "إنه حرم فيها وحلل، وشرع وقص، وكانوا يقرأونها في صلواتهم".
أجاز صالح للبورغواطيين الفطر في رمضان، وفرض عليهم صوم رجب، وشرع لهم عشر صلوات في اليوم، خمس بالنهار وخمس بالليل، وأباح لهم الصلاة بالجنابة إلا من حرام، وحرم عليهم أكل البيض والسمك ما لم يذك، وكره لهم أكل الدجاج إلا للضرورة، وحكم على السارق بالقتل لا بقطع اليد، وأسقط عنهم فريضة الحج، وأباح لهم تعدد الزوجات بلا حد، حتى أن أحد ملوكهم اسمه أبو غافر محمد– حكم في الفترة من 888م– 917م – كان متزوجا من أربع وأربعين زوجة، كما يذكر ابن خلدون، والطلاق والرجعة في شريعتهم بلا حد، كما حرم عليهم "نبيهم" رأس كل حيوان، وجعل الدية من البقر عوض الإبل، وغير ذلك من الشرائع البعيدة عن الإسلام بعدا بينا.
والذي يتأمل ديانة البورغواطيين الخوارج، يجد فيها تحريفا واضحا للإسلام عقيدة وشريعة، وهو تحريف مقصود الغرض منه كما يظهر، إيجاد نموذج"إسلام"محلي خارجي مختلف، وممايز للإسلام "الأموي" "العربي"، ولو اقتضى الأمر تحريف قطعيات الإسلام، والتصرف في أحكامه المعلومة من الدين بالضرورة، مستغلين في ذلك أخطاء ومظالم بعض ولاة بني أمية، في بلاد المغرب والأندلس. هذا النموذج الديني المحلي، سيمثل غطاء ثقافياإيديولوجيا "مقدسا"، لمشروع "الخروج" السياسي، المتمثل في إنشاء إمارة بورغواطة المستقلة والخارجة عن حوزة الخلافة الإسلامية الأموية.
اليوم، يأبى التاريخ إلا أن يعيد نفسه، فيظهر قوم من بني جلدتنا، أكثرهم من فراخ اليسار الجذري، المتشبعين بالمقولات الماركسية الإلحادية، مثل "لا إله والحياة مادة"، و"الدين أفيون الشعوب"، و"الحقد الطبقي"، و"ديكتاتورية البروليتاريا"، وغيرها، كانوا ماركسيين وفرنكفونيين لعقود من الزمان، وقضوا سنوات في كنف المنظمات اليسارية المتطرفة، مثل "23 مارس" و"إلى الأمام" وغيرها، لكنهم تعرضوا لصدمة إيديولوجية تاريخية، بسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، فوجدوا أنفسهم بلا إيديولوجية ولا مشروع سياسي، فغيروا المعطف الماركسي الإلحادي بمعطف عرقي محلي، ومن يومها وهم يحاولون –بوعي أو بغير وعي–إحياء النموذج التاريخي البورغواطي، وعادة إنتاج تجربة "الخروج" و"الانفصال" البورغواطية، في أبعادها اللغوية والثقافية والسياسة، فرفعوا شعارات: الأرض، واللغة، والثقافة، والهوية، وتعصبوا لها، وبالغوا فيها، فأعلنوا العداء للإسلام، والحرب على اللغة العربية، وكفروا بكل ما هو "عروبي" "شرقي"، فأنتجوا خطابا انفصاليا متشددا، ينطوي على غير قليل من التعصب العرقي، والهوس الهوياتي، والحرص المرضي على التميز اللغوي والاختلاف الثقافي، في مجتمع مغربي متعدد الروافد والأعراق، حصل بين مكوناته من التماهي والانصهار، ما حكم على الخصوصيات والتمايزات بالذوبان والانصهار، وما صنع من المغاربة شعبا واحدا وموحدا، ولو كره المتعصبون.
وفي ختام هذا المقال، وبمقارنة سريعة بين البورغواطيين القدامى والجدد، يتبين أن السلف كانوا أذكى بكثير منخلفهم الأغبياء، لأنهم – على ضلالهم وكثرة تحريفاتهم – كانوا حريصين على الحفاظ على نوع من الانتماء الشكلي للإسلام، وعلى تحقيق طموحاتهم السياسية من خلاله، بصفته مرجعية عليا للأمة المغربية. وأما البورغواطيين الجدد، فقد حجبت المقولات الماركسية البالية عقولهم، وأعمى التعصب العرقي بصائرهم، فحملهم الحقد والغباء على إعلان الحرب على الإسلام من أول يوم، فدخلوا في صدام مع الشعب، وتحولوا إلى نخبة معزولة مكروهة، لا هي حققت طموحا سياسيا، ولا هي كسبت شيئا يذكر في معركة الهوية والقيم، ولذلك فهي تحاول – الآن – مراجعة خطابها العلماني المتطرف الفاشل، وتسعى إلى مخاطبة المغاربة من خلال مرجعيتهم الإسلامية، كما فعل صاحب "فتوى" إباحة الفطر في رمضان، لكن هيهات هيهات، لقد فاتهم القطار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.