حموشي يتقلد وساما إسبانيا رفيعا    والآن سؤال الكيفية والتنفيذ .. بعد التسليم بالحكم الذاتي كحل وحيد    المنتخب الوطني يجري حصة تدريبية مفتوحة امام وسائل الاعلام المعتمدة بملعب طنجة الكبير    وسط مطالب بحريتهم.. أحكام الإدانة في حق شباب "جيل زد" متواصلة وصدور عقوبات بديلة في تازة    عبدالله العماني يطرح أغنيته الجديدة «عرمرم» باللهجة الخليجية    نوري... فنان يعزف على أوتار الوطن والإنسان    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة يستأنف تداريبه استعدادا لسدس عشر كأس العالم    انطلاق لقاءات التشاور حول الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية المندمجة بولاية طنجة    (فيديو) بنسعيد يبرر تعين لطيفة أحرار: "كانت أستاذة وهل لأن اسمها أحرار اختلط على البعض مع حزب سياسي معين"    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    الكشف عن الكرة الرسمية لكأس أمم إفريقيا المغرب 2025    الدون "كريستيانو رونالدو" يعلن عن موعد اعتزاله    كيف أصبح صنصال عبئاً على الديبلوماسية الجزائرية؟    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    كريم زيدان يعلن عن تفاصيل وشروط استفادة المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة من دعم المشاريع    اقتراب منخفض جوي يجلب أمطارًا وثلوجًا إلى المغرب    لتعزيز جاذبية طنجة السياحية.. توقيع مذكرة تفاهم لتطوير مشروع "المدينة المتوسطية"    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    مجلس القضاء يستعرض حصيلة 2024    الحكم الذاتي في الصحراء.. هل يكون مدخلاً لإطلاق مشروع ديمقراطي يواكب التنمية الاقتصادية والتحديات التي يخوضها المغرب؟    تقرير: التغيرات المناخية والاستغلال المفرط يفاقمان أزمة الماء والجفاف عرى هشاشة بعض منظومات التزوّد    المغرب يطلق تكوين 15 ألف متطوع استعدادا ل"كان 2025″    "واتساب" يطلق ميزة جديدة تتيح للمستخدمين الوصول إلى جميع الوسائط الحديثة المشتركة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعرض تجربة الذكاء الاصطناعي في منصة "SNRTnews" بمعرض كتاب الطفل والشباب    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    تفجير انتحاري يوقع 12 قتيلا بإسلام أباد    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    رصاص الأمن يشل حركة مروج مخدرات    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    منيب تتقدم بمقترح قانون للعفو العام    خط جوي جديد بين البيضاء والسمارة    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يكشف عن قائمة المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معراج العباد إلى ربهم: (لا إله إلا الله)، وقفة على معانيها، واقتباس من أنوارها
نشر في هوية بريس يوم 08 - 10 - 2020

أوَّلُ كلمةٍ يدخلُ بها الإنسان بوّابةَ الإسلامِ، ويصلُ إلى مدارجِ التوحيد، ويرتقي في مراقي العبودية، هي كلمةُ (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله)، التي بموجبها يعترفُ العبدُ للهِ عزّ وجلّ وحدَه بالربوبية والألوهية، ولمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بالرسالةِ. أنْ يشهدَ العبدُ أنَّ الله هوَ المستحقُّ للعبادةِ، وأنْ تنصَرفَ قواه -قوى عقلِهِ وقلبِهِ وبدنهِ وجوارحِه- في التسبيح، والتهليلِ، والتمجيد، والعبودية لهذا الإله العظيم، الذي أنتَ أيُّها الإنسان من بعضِ فضلِه، ومن بعضِ خلقِه، فكلُّ ذرَّاتِ كيانك الداخلية تعترِفُ به، وتمجِّده، وتسبِّحه، شئتَ أم أبيتَ، غفلتَ أم انتبهت، حَيِيْتَ أم مِتَّ، آمنتَ أم كفرتَ، فيبقى اختيارُ الإنسان أن يعبدَ ربَّه سبحانه وتعالى طَوْعاً بما أمره الله تعالى، وبما جاء على ألسنةِ رسلِهِ المكرّمين عليهم الصلاة والسلام، وأن يشهدَ أنَّ محمَّداً صلى الله عليه وسلم الخاتمَ للرسل هو عبدُ اللهِ ورسولُه، أرسلَه ربُّنا إلى الخَلْقِ أجمعين، من الإنس والجن، وذلك إقراراً باللسانِ، وإيماناً بالقلب، بأنَّه رحمةٌ مهداةٌ للعالمين.
أولاً: معنى: لا إله إلا الله محمد رسول الله:
إن معنى كلمة لا إله إلا الله أنَّه لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فهو وحدَه سبحانه المستحقُّ بأنْ تصرفَ له جميعُ العباداتِ، وتكونَ خالصةً له دون سواه، قال تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة البقرة: 163].
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ۝ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ۝ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
[سورة الزخرف: 26-28]. وقال تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [سورة آل عمران: 2].
ومعنى شهادةِ (أنَّ محمداً رسول الله): الإقرارُ باللسانِ، والإيمان بالقلبِ، بأنَّ محمَّد بنَ عبد الله القرشيَّ الهاشميَّ رسولُ اللهِ إلى جميعِ الخلقِ من الجنِّ والإنسِ، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [سورة الأعراف: 158] .
وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾
[سورة الفرقان: 1].
فكلمة لا إله إلا الله تشمل جزأين؛ النفي والإثبات:
أما "لا إله": فنافيةٌ لجميعِ ما يُعْبَدُ منْ دونِ الله تعالى، فلا يستحقُّ أنْ يُعْبَدَ أحدٌ سواه، و"النكرةُ في سياق النفي تفيدُ العمومَ"؛ فهي تشملُ كلَّ ما يمكِنُ أنْ يُتوجَّه إليه بالعبادةِ، وكلَّ مَنْ تُصْرَفُ إليه غير الله تعالى.
أما "إلا الله": فَمُثْبِتَةٌ العبادةَ للهِ تعالى، فهو الإله الحقُّ، المستحقُّ للعبادة، فإنَّ خبر "لا" المحذوفَ "بحق" هو الذي جاءت به نصوصُ الكتاب المبين، فمعنى "لا إله بحق إلا الله": أي لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فكما تفرَّد سبحانه وتعالى بالخَلْقِ، والرزق، والإحياءِ، والإماتةِ، والإيجاد والإعدامِ، والنفعِ، والضّرِ، وغير ذلك من معاني ربوبيته، ولم يشارِكْه أحدٌ في خلقِ المخلوقات، ولا في التصرّفِ في شيءٍ منها، فكذلك تفرُّدُه سبحانه بالألوهيةِ حقٌّ لا شريكَ له، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سورة لقمان: 30].
أما لفظ الجلالة في كلمة الشهادة "الله" عزَّ وجلَّ:
فهو اسمٌ من أسمائه جلَّ وعلا، وهو اسمه الأعظم عندَ قومٍ.
وهو أكثرُ الأسماءِ تردُّداً في القرآن والسنة.
و"الله" هو أكثرُ الأسماءِ اشتهاراً وترديداً على ألسنةِ المخلوقين كلّهم بمختلف ألسنتهم.
و"الله" هو الاسم الدالُّ على الذاتِ العظيمةِ الجامعةِ لصفاتِ الألوهية والربوبية.
وهو اسمٌ له وحدَه، لا يتعلّق به أحدٌ سواه، ولا يُطْلَقُ على غيره، ولا يدّعيه أحدٌ مِنْ خلقه.
و"الله" اسمٌ للربِّ المعبودِ المحمودِ، الذي يمجِّده الخلقُ، ويسبّحونه، ويحمَدونه، وتسبّحُ له السماواتُ السبعُ، والأرضونَ السبعُ، ومن فيهنّ، والليل والنهار، والإنس والجن، والبَرُّ والبحر، قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [سورة الإسراء: 44].
و"الله" هو الربُّ الذي تألَهُهُ القلوبُ، وتحنُّ إليه النفوسُ، وتتطلَّعُ إليه الأشواقُ، وتحِبُّ وتأنَسُ بذكره وقربِهِ، وتشتاقُ إليه، وتفتقر إليه المخلوقاتُ كلُّها في كلِّ لحظةٍ وومضةٍ، وخطرةٍ وفكرةٍ، في أمورِها الخاصّةِ والعامّةِ، والكبيرةِ والصغيرةِ، والحاضرةِ والمستقبليةِ، فهو مبديها ومعيدُها، ومُنْشىِئُها وباريها، وهي تدينُ له سبحانه وتُقِرُّ، وتفتقِرُ إليه في كلِّ شؤونها وأمورِها، فما مِنْ مخلوق إلا ويشعرُ بأنَّ الله تعالى طوّقه مِنَناً ونعماً، وأفاضَ عليه من آلائه وكرمه وإفضاله وإنعامه الشيء الكثير، فجديرٌ إذاً أنْ يتوجَّه قلبُ الإنسان إلى الله تبارك وتعالى بالحبِّ والتعظيم والحنين.
"الله" عظيمٌ في ذاته، وصفاته، وأسمائه، وجلاله، ومجده، لا تحيطُ به العقولُ، ولا تدرِكُه الأفهام، ولا تَصِلُ إلى عظمته الظُّنون، فالعقولُ تحارُ في عظمته، وإن كانت تستطيع بما مُنِحَتْ من الطّوْقِ والقدرةِ أن تدرِكَ جانباً من هذه العظمةِ يمنحُها محبةَ اللهِ، والخوفَ منه، والرجاءَ فيه، والتعبُّدَ له بكلِّ ما تستطيع. قال الشاعر:
لله في الآفاق آيات لعلَّ أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيراً لها أعياكا
"الله" هو الإله المعبود، الذي يُخْلِصُ له المؤمنون قلوبَهم، وعبادتهم، وصلاتَهم، وحَجَّهم، وأنساكَهم، وحياتَهم، وآخرتَهم، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [سورة الأنعام: 162-163]. وروحُ لا إله إلا الله وسرُّها: إفرادُ الربِّ جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه، وتباركَ اسمُه، وتعالى جَدُّه، ولا إله غيرُه؛ بالمحبةِ، والإجلالِ، والتعظيمِ، والخوفِ، والرجاءِ، وتوابعِ ذلك من التوكلِ، والإنابةِ، والرّغبة، والرّهبةِ، فلا يُحَبُّ سواه، بل كلُّ من كان يحِبُّ غيره فإنما يحبُّه تبعاً لمحبته، ولأنّه وسيلةٌ إلى زيادةِ محبته، ولا يُخَاف ولا يُرْجَى سواه، ولا يُتَوَكَّلُ إلَّا عليه، ولا يُرْغَبُ إلَّا إليه، ولا يُرْهَبُ إلَّا منه، ولا يُحْلَفُ إلَّا باسمِهِ، ولا يُنْذَرُ إلَّا له، ولا يُتَابُ إلَّا إليه، ولا يُطَاعُ إلَّا بأمرِه، ولا يُحْتَسَبُ إلَّا له، ولا يُسْتَعَانُ في الشدائِد إلَّا به، ولا يُلْتَجَأُ إلَّا إليه، ولا يُسْجَدُ إلَّا له، ولا يُذْبَحُ إلَّا له وباسمِهِ، يجتمع ذلك في حرفٍ واحدٍ؛ هو أنْ لا يُعْبَدَ بجميع أنواعِ العباداتِ إلَّا هو. فهذا هو تحقيقُ شهادةِ "أن لا إله إلَّا الله"، ولهذا حرَّمَ الله على النارِ مَنْ شهدَ "أنْ لا إله إلا الله" حقيقةً، ومحالٌ أن يدخل النارَ مَنْ تحقَّقَ بحقيقةِ هذه الشهادة، وقامَ بها كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾
[سورة المعارج: 33]. فيكونُ قائماً بشهادتهِ في باطنهِ وظاهره، وفي قلبه وقالبه.
ومقتضى هذه الشهادة أنْ تصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرَ، وأن تمتثل أمرَه فيما أمر، وأنْ تتَجَنَّبَ ما عنه نهى وزجر، وأنْ لا تعبدَ الله إلا بما شرع، وأنْ لا تعتقد أنَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقّاً في الربوبية، وتصريفِ الكون، أو حقّاً في العبادةِ، بل هو صلى الله عليه وسلم عبدٌ لا يُعْبَدُ، ورسولٌ لا يكذَّبُ، ولا يملِكُ لنفسِهِ ولا لغيره شيئاً منَ النفع أو الضرِّ إلا ما شاء الله.
لقد عُرِفَتْ لا إله إلا الله لدى المسلمين "بكلمة التوحيد"، و"كلمة الإخلاص"، و"كلمة التقوى"، وكانت لا إله إلا الله إعلانَ ثورةٍ على جبابرةِ الأرض وطواغيتِ الجاهلية، ثورة على كل الأصنام والآلهة المزعومة من دون الله، سواء كانت شجراً أم حجراً أم بشراً. وكانت لا إله إلا الله نداءً عالمياً لتحريرِ الإنسان من عبوديةِ الإنسان والطبيعة وكلّ مَنْ خُلِق، وكانت لا إله إلا الله عنوانَ منهجِ اللهِ الذي لا تعنو الوجوهُ إلا له، ولا تنقادُ القلوبُ إلَّا لحكمه، ولا تخضعُ إلَّا لسلطانه.
ثانياً: فضل كلمة "لا إله إلا الله":
لقد ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من الفضائل الجمّة لهذه الكلمة، والخصالِ العديدة، والأوصافِ الحميدةِ، ما يَصْعبُ استقصاؤه في هذا الموضع، فهي كلمةٌ قامت بها الأرضُ والسماوات، وخُلِقَتْ لأجلها جميعُ المخلوقاتِ، وبها أَرسلَ الله تعالى رسلَه، وأنزلَ كتبَه، وشرعَ شرائعَه، ولأجلِها نُصِبَتِ الموازينُ، ووضعت الدواوينُ، وقام سوقُ الجنّة والنار، وبها انقسمتِ الخليقةُ إلى المؤمنين والكفار، والأبرار والفجّار، فهي منشأُ الخلقِ والأمر، والثوابِ والعقابِ، وهي الحقُّ الذي خُلِقَتْ له الخليقةُ، وعنها وعن حقوقها السؤالُ والحسابُ، وعليها يقعُ الثوابُ والعقابُ، وعليها نُصِبَتِ القبلةُ، وعليها أُسِّسَتِ الملّةُ ولأجلِها جُرِّدتْ سيوفُ الجهادِ، وهي حقُّ اللهِ على جميعِ العبادِ، فهي كلمةُ الإسلام، ومفتاحُ دارِ السلامِ، وعنها يُسْألُ الأولون والآخرون، فلا تزولُ قدما العبد بين يدي الله حتى يُسْأَل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ فجوابُ الأولى: بتحقيق لا إله إلا الله معرفةً، وإقراراً، وعملاً. وجواب الثانية: بتحقيق "أن محمداً رسول الله" معرفةً، وإقراراً، وانقياداً وطاعةً.
ومما ورد في فضل هذه الكلمة في القرآن الكريم أنّها وُصِفَتْ بالكلمة الطيبة، والقولِ الثابتِ، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ۝ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [سورة إبراهيم: 24-25]. وأنها العروة الوثقى، كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ [سورة البقرة: 256]. ومن فضائلها أنّ الرسل جميعَهم أُرسلوا بها مبشِّرين ومنذرين، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [سورة الأنبياء: 25]. إلى غير ذلك من الفضائل التي ذُكِرتْ في القرآن الكريم.
وأما ما ورد في فضلها في السنة المشرفة فكثيرٌ جدّاً؛ نذكرُ منه بعضها:
فمن ذلك أنها أفضل شعب الإيمان، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ، أو بِضْعٌ وستون شُعْبَةً، أفضلُها: قولُ لا إله إلا الله، وأَدْناها: إمَاطَةُ الأذى عن الطريق).
ومن فضائلها أن الجهاد أُقِيْمَ من أجل إعلائها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتّى يَشْهَدوا أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّداً رسولُ اللهِ، ويقيموا الصلاةَ، ويؤتوا الزكاةَ، فإذا فعلوا ذلك عَصَمُوا منّي دماءَهم وأموالَهم، إلَّا بحقِّ الإسلامِ، وحسابُهم على اللهِ).
ومن فضائلها أنّها ترجُحُ بصحائفِ الذنوب، كما جاء في حديث البطاقة، فعن عبد الله بن عَمْرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رجلاً مِنْ أُمَّتي على رؤوس الخلائق يومَ القيامةِ، فَيَنْشُرُ عليه تسعةً وتسعينَ سِجِلّاً، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يقولُ: أتُنْكِرُ مِنْ هذا شيئاً، أظلمَك كَتَبتي الحافظونَ؟ فيقولُ: لا يا ربِّ، فيقولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فيقولُ: لا يا ربِّ. فيقولُ: بلى إنَّ لك عِنْدَنَا حسنةً، فإنه لا ظُلمَ عليكَ اليومَ، فتُخْرَجُ بطاقةٌ فيها: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسولُه، فيقول: احْضُرْ وزنَكَ. فيقول: يا ربِّ ما هذهِ البطاقةُ مَعَ هذهِ السجّلاتِ؟ فقال: إنّك لا تُظْلَمُ. قال: فتوضع السجّلاتُ في كِفّةٍ، والبطاقةُ في كِفّةٍ، فطاشتِ السجلّاتُ، وَثَقُلَتِ البطاقةُ، فلا يَثْقُلُ مَعَ اسمِ اللهِ شيءٌ.
المصادر والمراجع:
* البخاري، الجامع الصحيح، رقم: (25).
* الترمذي، الجامع، رقم: (2639).
* سلمان بن فهد العودة مع الله، دار الإسلام اليوم ص36-39.
* سيد سعيد عبد الغني، العقيدة الصافية، ص 260.
* عبد الله بن عبد الرحمن الجربوع، الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله، 1/233.
* علي الصلابي، قصة بدء الخلق وخلقُ آدم عليه السلام، ص 30-37.
* محمد بن أبي بكر بن القيم، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص 139.
* مسلم، الجامع الصحيح، رقم: (35).
* يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، ص 31.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.