مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون متعلق بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض قدمه الوزير آيت الطالب    على غرار الأشهر الماضية.. لا زيادة في سعر "البوطا"    وزارة الفلاحة تتوّج أجود منتجي زيوت الزيتون البكر    المغرب يعرب عن استنكاره الشديد لاقتحام متطرفين لباحات المسجد الأقصى    بايتاس: الحكومة تثمن التعاطي الإيجابي للنقابات.. والنقاش يشمل جميع الملفات    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    وضع اتحاد كرة القدم الإسباني تحت الوصاية    الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي : إصدار 2905 تراخيص إلى غاية 23 أبريل الجاري    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    الجماعات الترابية تحقق 7,9 مليار درهم من الضرائب    تشافي لن يرحل عن برشلونة قبل نهاية 2025    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    عدد زبناء مجموعة (اتصالات المغرب) تجاوز 77 مليون زبون عند متم مارس 2024    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    رسميا.. الجزائر تنسحب من منافسات بطولة اليد العربية    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    مدريد جاهزة لفتح المعابر الجمركية بانتظار موافقة المغرب    الرباط.. ندوة علمية تناقش النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة (صور)    من بينها رحلات للمغرب.. إلغاء آلاف الرحلات في فرنسا بسبب إضراب للمراقبين الجويين    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معراج العباد إلى ربهم: (لا إله إلا الله)، وقفة على معانيها، واقتباس من أنوارها
نشر في هوية بريس يوم 08 - 10 - 2020

أوَّلُ كلمةٍ يدخلُ بها الإنسان بوّابةَ الإسلامِ، ويصلُ إلى مدارجِ التوحيد، ويرتقي في مراقي العبودية، هي كلمةُ (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله)، التي بموجبها يعترفُ العبدُ للهِ عزّ وجلّ وحدَه بالربوبية والألوهية، ولمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بالرسالةِ. أنْ يشهدَ العبدُ أنَّ الله هوَ المستحقُّ للعبادةِ، وأنْ تنصَرفَ قواه -قوى عقلِهِ وقلبِهِ وبدنهِ وجوارحِه- في التسبيح، والتهليلِ، والتمجيد، والعبودية لهذا الإله العظيم، الذي أنتَ أيُّها الإنسان من بعضِ فضلِه، ومن بعضِ خلقِه، فكلُّ ذرَّاتِ كيانك الداخلية تعترِفُ به، وتمجِّده، وتسبِّحه، شئتَ أم أبيتَ، غفلتَ أم انتبهت، حَيِيْتَ أم مِتَّ، آمنتَ أم كفرتَ، فيبقى اختيارُ الإنسان أن يعبدَ ربَّه سبحانه وتعالى طَوْعاً بما أمره الله تعالى، وبما جاء على ألسنةِ رسلِهِ المكرّمين عليهم الصلاة والسلام، وأن يشهدَ أنَّ محمَّداً صلى الله عليه وسلم الخاتمَ للرسل هو عبدُ اللهِ ورسولُه، أرسلَه ربُّنا إلى الخَلْقِ أجمعين، من الإنس والجن، وذلك إقراراً باللسانِ، وإيماناً بالقلب، بأنَّه رحمةٌ مهداةٌ للعالمين.
أولاً: معنى: لا إله إلا الله محمد رسول الله:
إن معنى كلمة لا إله إلا الله أنَّه لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فهو وحدَه سبحانه المستحقُّ بأنْ تصرفَ له جميعُ العباداتِ، وتكونَ خالصةً له دون سواه، قال تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة البقرة: 163].
وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ۝ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ۝ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾
[سورة الزخرف: 26-28]. وقال تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [سورة آل عمران: 2].
ومعنى شهادةِ (أنَّ محمداً رسول الله): الإقرارُ باللسانِ، والإيمان بالقلبِ، بأنَّ محمَّد بنَ عبد الله القرشيَّ الهاشميَّ رسولُ اللهِ إلى جميعِ الخلقِ من الجنِّ والإنسِ، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [سورة الأعراف: 158] .
وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾
[سورة الفرقان: 1].
فكلمة لا إله إلا الله تشمل جزأين؛ النفي والإثبات:
أما "لا إله": فنافيةٌ لجميعِ ما يُعْبَدُ منْ دونِ الله تعالى، فلا يستحقُّ أنْ يُعْبَدَ أحدٌ سواه، و"النكرةُ في سياق النفي تفيدُ العمومَ"؛ فهي تشملُ كلَّ ما يمكِنُ أنْ يُتوجَّه إليه بالعبادةِ، وكلَّ مَنْ تُصْرَفُ إليه غير الله تعالى.
أما "إلا الله": فَمُثْبِتَةٌ العبادةَ للهِ تعالى، فهو الإله الحقُّ، المستحقُّ للعبادة، فإنَّ خبر "لا" المحذوفَ "بحق" هو الذي جاءت به نصوصُ الكتاب المبين، فمعنى "لا إله بحق إلا الله": أي لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فكما تفرَّد سبحانه وتعالى بالخَلْقِ، والرزق، والإحياءِ، والإماتةِ، والإيجاد والإعدامِ، والنفعِ، والضّرِ، وغير ذلك من معاني ربوبيته، ولم يشارِكْه أحدٌ في خلقِ المخلوقات، ولا في التصرّفِ في شيءٍ منها، فكذلك تفرُّدُه سبحانه بالألوهيةِ حقٌّ لا شريكَ له، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ [سورة لقمان: 30].
أما لفظ الجلالة في كلمة الشهادة "الله" عزَّ وجلَّ:
فهو اسمٌ من أسمائه جلَّ وعلا، وهو اسمه الأعظم عندَ قومٍ.
وهو أكثرُ الأسماءِ تردُّداً في القرآن والسنة.
و"الله" هو أكثرُ الأسماءِ اشتهاراً وترديداً على ألسنةِ المخلوقين كلّهم بمختلف ألسنتهم.
و"الله" هو الاسم الدالُّ على الذاتِ العظيمةِ الجامعةِ لصفاتِ الألوهية والربوبية.
وهو اسمٌ له وحدَه، لا يتعلّق به أحدٌ سواه، ولا يُطْلَقُ على غيره، ولا يدّعيه أحدٌ مِنْ خلقه.
و"الله" اسمٌ للربِّ المعبودِ المحمودِ، الذي يمجِّده الخلقُ، ويسبّحونه، ويحمَدونه، وتسبّحُ له السماواتُ السبعُ، والأرضونَ السبعُ، ومن فيهنّ، والليل والنهار، والإنس والجن، والبَرُّ والبحر، قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [سورة الإسراء: 44].
و"الله" هو الربُّ الذي تألَهُهُ القلوبُ، وتحنُّ إليه النفوسُ، وتتطلَّعُ إليه الأشواقُ، وتحِبُّ وتأنَسُ بذكره وقربِهِ، وتشتاقُ إليه، وتفتقر إليه المخلوقاتُ كلُّها في كلِّ لحظةٍ وومضةٍ، وخطرةٍ وفكرةٍ، في أمورِها الخاصّةِ والعامّةِ، والكبيرةِ والصغيرةِ، والحاضرةِ والمستقبليةِ، فهو مبديها ومعيدُها، ومُنْشىِئُها وباريها، وهي تدينُ له سبحانه وتُقِرُّ، وتفتقِرُ إليه في كلِّ شؤونها وأمورِها، فما مِنْ مخلوق إلا ويشعرُ بأنَّ الله تعالى طوّقه مِنَناً ونعماً، وأفاضَ عليه من آلائه وكرمه وإفضاله وإنعامه الشيء الكثير، فجديرٌ إذاً أنْ يتوجَّه قلبُ الإنسان إلى الله تبارك وتعالى بالحبِّ والتعظيم والحنين.
"الله" عظيمٌ في ذاته، وصفاته، وأسمائه، وجلاله، ومجده، لا تحيطُ به العقولُ، ولا تدرِكُه الأفهام، ولا تَصِلُ إلى عظمته الظُّنون، فالعقولُ تحارُ في عظمته، وإن كانت تستطيع بما مُنِحَتْ من الطّوْقِ والقدرةِ أن تدرِكَ جانباً من هذه العظمةِ يمنحُها محبةَ اللهِ، والخوفَ منه، والرجاءَ فيه، والتعبُّدَ له بكلِّ ما تستطيع. قال الشاعر:
لله في الآفاق آيات لعلَّ أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكا
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيراً لها أعياكا
"الله" هو الإله المعبود، الذي يُخْلِصُ له المؤمنون قلوبَهم، وعبادتهم، وصلاتَهم، وحَجَّهم، وأنساكَهم، وحياتَهم، وآخرتَهم، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [سورة الأنعام: 162-163]. وروحُ لا إله إلا الله وسرُّها: إفرادُ الربِّ جلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه، وتباركَ اسمُه، وتعالى جَدُّه، ولا إله غيرُه؛ بالمحبةِ، والإجلالِ، والتعظيمِ، والخوفِ، والرجاءِ، وتوابعِ ذلك من التوكلِ، والإنابةِ، والرّغبة، والرّهبةِ، فلا يُحَبُّ سواه، بل كلُّ من كان يحِبُّ غيره فإنما يحبُّه تبعاً لمحبته، ولأنّه وسيلةٌ إلى زيادةِ محبته، ولا يُخَاف ولا يُرْجَى سواه، ولا يُتَوَكَّلُ إلَّا عليه، ولا يُرْغَبُ إلَّا إليه، ولا يُرْهَبُ إلَّا منه، ولا يُحْلَفُ إلَّا باسمِهِ، ولا يُنْذَرُ إلَّا له، ولا يُتَابُ إلَّا إليه، ولا يُطَاعُ إلَّا بأمرِه، ولا يُحْتَسَبُ إلَّا له، ولا يُسْتَعَانُ في الشدائِد إلَّا به، ولا يُلْتَجَأُ إلَّا إليه، ولا يُسْجَدُ إلَّا له، ولا يُذْبَحُ إلَّا له وباسمِهِ، يجتمع ذلك في حرفٍ واحدٍ؛ هو أنْ لا يُعْبَدَ بجميع أنواعِ العباداتِ إلَّا هو. فهذا هو تحقيقُ شهادةِ "أن لا إله إلَّا الله"، ولهذا حرَّمَ الله على النارِ مَنْ شهدَ "أنْ لا إله إلا الله" حقيقةً، ومحالٌ أن يدخل النارَ مَنْ تحقَّقَ بحقيقةِ هذه الشهادة، وقامَ بها كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾
[سورة المعارج: 33]. فيكونُ قائماً بشهادتهِ في باطنهِ وظاهره، وفي قلبه وقالبه.
ومقتضى هذه الشهادة أنْ تصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخبرَ، وأن تمتثل أمرَه فيما أمر، وأنْ تتَجَنَّبَ ما عنه نهى وزجر، وأنْ لا تعبدَ الله إلا بما شرع، وأنْ لا تعتقد أنَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقّاً في الربوبية، وتصريفِ الكون، أو حقّاً في العبادةِ، بل هو صلى الله عليه وسلم عبدٌ لا يُعْبَدُ، ورسولٌ لا يكذَّبُ، ولا يملِكُ لنفسِهِ ولا لغيره شيئاً منَ النفع أو الضرِّ إلا ما شاء الله.
لقد عُرِفَتْ لا إله إلا الله لدى المسلمين "بكلمة التوحيد"، و"كلمة الإخلاص"، و"كلمة التقوى"، وكانت لا إله إلا الله إعلانَ ثورةٍ على جبابرةِ الأرض وطواغيتِ الجاهلية، ثورة على كل الأصنام والآلهة المزعومة من دون الله، سواء كانت شجراً أم حجراً أم بشراً. وكانت لا إله إلا الله نداءً عالمياً لتحريرِ الإنسان من عبوديةِ الإنسان والطبيعة وكلّ مَنْ خُلِق، وكانت لا إله إلا الله عنوانَ منهجِ اللهِ الذي لا تعنو الوجوهُ إلا له، ولا تنقادُ القلوبُ إلَّا لحكمه، ولا تخضعُ إلَّا لسلطانه.
ثانياً: فضل كلمة "لا إله إلا الله":
لقد ورد في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من الفضائل الجمّة لهذه الكلمة، والخصالِ العديدة، والأوصافِ الحميدةِ، ما يَصْعبُ استقصاؤه في هذا الموضع، فهي كلمةٌ قامت بها الأرضُ والسماوات، وخُلِقَتْ لأجلها جميعُ المخلوقاتِ، وبها أَرسلَ الله تعالى رسلَه، وأنزلَ كتبَه، وشرعَ شرائعَه، ولأجلِها نُصِبَتِ الموازينُ، ووضعت الدواوينُ، وقام سوقُ الجنّة والنار، وبها انقسمتِ الخليقةُ إلى المؤمنين والكفار، والأبرار والفجّار، فهي منشأُ الخلقِ والأمر، والثوابِ والعقابِ، وهي الحقُّ الذي خُلِقَتْ له الخليقةُ، وعنها وعن حقوقها السؤالُ والحسابُ، وعليها يقعُ الثوابُ والعقابُ، وعليها نُصِبَتِ القبلةُ، وعليها أُسِّسَتِ الملّةُ ولأجلِها جُرِّدتْ سيوفُ الجهادِ، وهي حقُّ اللهِ على جميعِ العبادِ، فهي كلمةُ الإسلام، ومفتاحُ دارِ السلامِ، وعنها يُسْألُ الأولون والآخرون، فلا تزولُ قدما العبد بين يدي الله حتى يُسْأَل عن مسألتين: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ فجوابُ الأولى: بتحقيق لا إله إلا الله معرفةً، وإقراراً، وعملاً. وجواب الثانية: بتحقيق "أن محمداً رسول الله" معرفةً، وإقراراً، وانقياداً وطاعةً.
ومما ورد في فضل هذه الكلمة في القرآن الكريم أنّها وُصِفَتْ بالكلمة الطيبة، والقولِ الثابتِ، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ۝ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [سورة إبراهيم: 24-25]. وأنها العروة الوثقى، كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ [سورة البقرة: 256]. ومن فضائلها أنّ الرسل جميعَهم أُرسلوا بها مبشِّرين ومنذرين، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [سورة الأنبياء: 25]. إلى غير ذلك من الفضائل التي ذُكِرتْ في القرآن الكريم.
وأما ما ورد في فضلها في السنة المشرفة فكثيرٌ جدّاً؛ نذكرُ منه بعضها:
فمن ذلك أنها أفضل شعب الإيمان، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإيمانُ بِضْعٌ وسبعونَ، أو بِضْعٌ وستون شُعْبَةً، أفضلُها: قولُ لا إله إلا الله، وأَدْناها: إمَاطَةُ الأذى عن الطريق).
ومن فضائلها أن الجهاد أُقِيْمَ من أجل إعلائها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتّى يَشْهَدوا أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّداً رسولُ اللهِ، ويقيموا الصلاةَ، ويؤتوا الزكاةَ، فإذا فعلوا ذلك عَصَمُوا منّي دماءَهم وأموالَهم، إلَّا بحقِّ الإسلامِ، وحسابُهم على اللهِ).
ومن فضائلها أنّها ترجُحُ بصحائفِ الذنوب، كما جاء في حديث البطاقة، فعن عبد الله بن عَمْرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رجلاً مِنْ أُمَّتي على رؤوس الخلائق يومَ القيامةِ، فَيَنْشُرُ عليه تسعةً وتسعينَ سِجِلّاً، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يقولُ: أتُنْكِرُ مِنْ هذا شيئاً، أظلمَك كَتَبتي الحافظونَ؟ فيقولُ: لا يا ربِّ، فيقولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فيقولُ: لا يا ربِّ. فيقولُ: بلى إنَّ لك عِنْدَنَا حسنةً، فإنه لا ظُلمَ عليكَ اليومَ، فتُخْرَجُ بطاقةٌ فيها: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسولُه، فيقول: احْضُرْ وزنَكَ. فيقول: يا ربِّ ما هذهِ البطاقةُ مَعَ هذهِ السجّلاتِ؟ فقال: إنّك لا تُظْلَمُ. قال: فتوضع السجّلاتُ في كِفّةٍ، والبطاقةُ في كِفّةٍ، فطاشتِ السجلّاتُ، وَثَقُلَتِ البطاقةُ، فلا يَثْقُلُ مَعَ اسمِ اللهِ شيءٌ.
المصادر والمراجع:
* البخاري، الجامع الصحيح، رقم: (25).
* الترمذي، الجامع، رقم: (2639).
* سلمان بن فهد العودة مع الله، دار الإسلام اليوم ص36-39.
* سيد سعيد عبد الغني، العقيدة الصافية، ص 260.
* عبد الله بن عبد الرحمن الجربوع، الأمثال القرآنية القياسية المضروبة للإيمان بالله، 1/233.
* علي الصلابي، قصة بدء الخلق وخلقُ آدم عليه السلام، ص 30-37.
* محمد بن أبي بكر بن القيم، الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص 139.
* مسلم، الجامع الصحيح، رقم: (35).
* يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، ص 31.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.