انعقاد مجلس الحكومة بعد غد الخميس لتدارس مجموعة من مشاريع القوانين        قبل النطق بالحكم الاستئنافي.. النيابة الجزائرية تُصعّد وتلتمس 10 سنوات سجنًا في حق بوعلام صنصال        قطر توجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الهجوم الإيراني ضد قاعدة العديد    مدرب المنتخب النسوي يكشف لائحة "لبؤات الأطلس" لنهائيات كأس أمم إفريقيا    أشرف حكيمي يتوج بجائزة أفضل لاعب في مباراة باريس سان جيرمان وسياتل ساوندرز الأمريكي        ترامب يطالب إسرائيل بعدم إلقاء المزيد من القنابل على إيران    نادر السيد يهاجم أشرف داري: "إنه أقل بكتير جدًا من مستوى نادي الأهلي"    زغنون: في غضون شهرين ستتحول قناة 2m إلى شركة تابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة    لفتيت مطلوب في البرلمان بسبب تصاعد ظاهرة "السياقة الاستعراضية" بالشواطئ المغربية    الهولوغرام يعيد عبد الحليم حافظ إلى الحياة في مهرجان موازين 2025    في مهرجان موازين.. هكذا استخفت نانسي عجرم بقميص المنتخب!    الهولوغرام يُعيد أنغام عبد الحليم حافظ إلى الحياة في مهرجان موازين    الوداد يطمئن أنصاره عن الحالة الصحية لبنهاشم وهيفتي    بوغبا يترقب فرصة ثمينة في 2026    العراق يعيد فتح مجاله الجوي بعد هدنة إيران وإسرائيل    إسرائيل تعلن رصد إطلاق صواريخ إيرانية بعد إعلان وقف إطلاق النار وطهران تنفي    المغرب وتركيا يتفقان على تعزيز التبادل التجاري وتوسيع التعاون الاقتصادي في ختام اجتماعات رفيعة المستوى بأنقرة    بلكوش: المنتدى العربي الإفريقي للمقاولة وحقوق الإنسان تعزيز لمواصلة الشراكة والتعاون بين المنطقة العربية وعمقها الإفريقي    مشروع ضخم لطاقة الرياح يرى النور في العيون بشراكة مغربية إماراتية    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    كأس العالم للأندية .. الأهلي خارج المنافسة وإنتر ميامي يصطدم بباريس    ترامب يعلن التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    بورصة الدار البيضاء تفتتح تداولاتها على وقع الأخضر    بعد تداول أنباء إعفائها.. مديرة "أنابيك" توقع اتفاقية شراكة مع وزارة الشباب والثقافة    ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها    رغم الخسائر الثقيلة.. إيران استسلمت والتزمت بوقف إطلاق النار أولًا قبل إسرائيل    وفد من مؤسسة دار الصانع في مهمة استكشافية إلى أستراليا لتعزيز صادرات الصناعة التقليدية المغربية على الصعيد الدولي    "بي واي دي" الصينية تسرّع خطواتها نحو الريادة العالمية في تصدير المركبات الكهربائية    رمسيس بولعيون يكتب... البرلماني أبرشان... عاد إليكم من جديد.. تشاطاراا، برويطة، اسعادات الوزاااار    توقعات حالة الطقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    النسخة السادسة والثلاثون من عرض الموضة Révélations صُنع في المغرب: تكريم للتميز في الإبداع المغربي    بركة: 300 كيلومتر من الطرق السريعة قيد الإنجاز وبرمجة 900 كيلومتر إضافية    ميناء الحسيمة يستقبل أول رحلة في إطار عملية مرحبا 2025    الدرك يقتحم "فيلا الماحيا" في الجديدة    بين الآلي والإنساني .. "إيسيسكو" تناقش الجامعة في زمن الذكاء الاصطناعي    الهلال السعودي يتواصل مع النصيري    بركة: انقطاعات مياه الشرب محدودة .. وعملية التحلية غير مضرة بالصحة    إيران ترد بقوة على اغتيال عالمها النووي    الحسيمة تترقب زيارة ملكية خلال الأيام المقبلة    الذهب يرتفع وسط الإقبال على أصول الملاذ الآمن مع ترقب رد إيران    ياسين بونو يتوج بجائزة رجل المباراة أمام سالزبورج    مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج تنظم المعرض الفوتوغرافي "أتيت من نظرة تَعْبُرُ" للفنان المصور مصطفى البصري    رأي اللّغة الصّامتة – إدوارد هارت    "تالويكاند" في دورته الرابعة.. تظاهرة فنيّة تحتفي بتراث أكادير وذاكرتها    هذه تدابير مفيدة لتبريد المنزل بفعالية في الصيف    موازين 2025.. الفنانة اللبنانية نانسي عجرم تمتع جمهورها بسهرة متميزة على منصة النهضة    موازين 2025 .. الجمهور يستمتع بموسيقى السول في حفل المغني مايكل كيوانواكا    موجة الحر في المغرب تثير تحذيرات طبية من التعرض لمضاعفات خطيرة    دراسة تكشف وجود علاقة بين التعرض للضوء الاصطناعي ليلا والاكتئاب    ضمنها الرياضة.. هذه أسرار الحصول على نوم جيد ليلا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقف الشعوب و موقف الحكام والحكومات من التطبيع
نشر في هوية بريس يوم 07 - 01 - 2021


مقدمة
من الثابت في واقعنا أن شعوبنا لا تعيش حالة من عدم الوفاق وعدم الرضا عن حكامها وحكوماتها وحسب، بل تعيش حالة من الخصومة والاشتباك والنزاع. شعوب ترفض تدبير حكامها وحكوماتها لشأنها الداخلي وترفض تمثيلها الخارجي، وحكام وحكومات تسعى بالقوة لإخضاع شعوبها واستتباع مواقفها لموقفها. حتى و إن كانت هاته المواقف تناقض إرادة الشعوب وتزيّف تاريخا وتمسح ذاكرتها وتتنكر لهويتها وتهدد مصالحها العامة وتعرقل تنميتها الحقيقية.
1- ظهور الفكر الصهيوني في المغرب
تعود البدايات الأولىلظهور الفكر الصهيوني في الشمال الإفريقي عموما وفي المغرب خصوصا، إلى أوائل القرن العشرين، حيث توجهت الحركة الصهيونية العالمية نحو يهود المغرب قصد الحصول على المساعدات المالية والتأييد المعنوي. ولم يكن لهؤلاء اليهود أية معرفة بالفكر الصهيوني وبأهدافه الاستيطانية وطابعه الاستغلالي، إلا ما كان يراودهم من انبعاث الشعب اليهودي وتحقق الحلم التوراتي !
و جاء انحياز اليهود المغاربة لمضامين المؤتمرات الصهيونية التي عقدت في بازل ولندن من منطلق العاطفة الدينية، وبعدها توسع النشاط الصهيوني في المدن والقرى، وتم تأسيس روابط، منها:
أ- رابطة "شعاري تسيون = أبواب صهيون" في موغادور(الصويرة حاليا) سنة 1900، كان يرأسها تاجر مشهور يدعى "دافيد بوحبوط"، وهي أول من روج الشيكل(1) الصهيونيفي الشمال الإفريقي .
ب- رابطة "شيفاتتسيون= العودة إلى صهيون"في تطوان سنة 1900، وكان يرأسها الحاخام لجالية تطوان والمنطقة الإسبانية "ليئونخلفون"
ج- رابطة "أهافت تسيون= حب صهيون" في أسفي سنة 1903، وكان يرأسها الحاخام"مائيربرشيشات"، تركز نشاطها على جمع التبرعات والترويج للشيكل الصهيوني في أوساط الجاليات اليهودية في المغرب.
د- رابطة "حيبتتسيون= محبة صهيون" في فاس سنة 1909، نشطت هذه الرابطة في فاس وصفرو ومكناس، وروجت للاستيطان اليهودي في أرض فلسطين…وغيرهامن الروابط الصهيونية الكثيرة التي تأسست تباعا إلى منتصف القرن العشرين.
كان صعف التواصل بين الروابط الصهيونية المغربية وبين الحركة الصهيونية العالمية سببا في عدم وضوح أفكار و ومفاهيم و أراء وأهداف هاته الحركة، ولذلك تعذر عليهم في البداية الفهم العميق والصحيح للفكر الصهيوني. لقد كان أغلب هؤلاء من بسطاء اليهود وعوّامهم، قد كانت هذه الحركة تقدم نفسها على أنها تسعى للتقدم الإنساني اليهودي وتوحيد البيت الطائفي، وأن ذلك لا علاقة باحتلال أرض فلسطين وطرد أهلها وتشريد سكانها!
لقد كان هذا التمويه حيلة لكسب تعاطف اليهود المغاربة قبل إدماجهم في تحقيق خطة البرنامج الاستيطاني، ولم تكن حينها سياسة الحركة الصهيونية تهدف إلى تهجيرهم إلى أرض فلسطين، بل كانت أولويتها جمع التبرعات، وكان ذلك مقياس الإخلاص والوفاء للنشاط الصهيوني…
بعدها سعت الحركة الصهيونية العالمية في توسيع نشاطها في المغرب من خلال إيفاد مبعوثين تابعين للصناديق القومية الصهيونية، وعرض الأفلام والأشرطة السينمائية و إصدار الصحف ك : المستقبل المصور= L'avenir illustre'الصادرة بالفرنسية،و نهضة إسرائيل= Renacimiento de israelالصادرة بالإسبانية، وغيرها من وسائل الدعاية …
في هذه الفترة قامت فرنسا بإعادة تنظيم الطوائف اليهودية، فأبعدت الحاخامات ودفعت بالمثقفين العلمانيين المخلصين للسلطة الفرنسية في المغرب إلى قيادة النشاط الصهيوني، وشرعت هذه الفئة في وضع أسس للأطر التنظيمية وصياغة برامج إيديولوجية للنشاط الصهيوني المحلي. نشط بعدها التعليم العبري وتدريس اللغة العبرية، و بدأت المحاضرات عن تاريخ الاستيطان والفكر الصهيوني، وبدأت الأمسيات الشعرية والحفلات الاجتماعية في فاس والدار البيضاء وغيرهما…
أدت الأحداث التي تعرض لها "اليهود" على يد "النازية" إلى إحداث نهضة قومية، و إعادة تنظيم النشاط الصهيوني وظهور الاتحادات والمراكز الثقافية العبرية. فبعد الحرب (العالمية) الثانية توسع النشاط الصهيوني في المغرب، ولم يعد الأمر يقتصر على جمع التبرعات والترويج للشيكل، بل اتجه نحو تأهيل اليهود و إعدادهم للهجرة. وكانت فكرة (الخلاص المسيحاني) تسيطر على معظم الفقراء منهم، ولذلك أدى الإعلان عن تأسيس (إسرائيل)إلى تدفقهم وتهجيرهم، امتثالا للنص الديني التوراتي الذي يأمر بالعودة إلى (أرض الميعاد) !
هذا ما كان في الظاهر، بينما كان يحدوهم الأمل في الباطن لحياة أفضل ورغد العيش على أرض (مملكة الخلاص المسيحاني) /(2)
يظهر أن العلاقة الصهيونية المغربية ليست وليدة اليوم، بل إنها تتتجاوز قرنا من الزمان، عرَفت هاته العلاقة خلاله مسارا مرتبكا، تارة تطفو على السطح لتظهر للعلن وتارة تختفي، غير أنها بقيت مستمرة سرا..إلى أن ظهرت مؤخرا في شكلها الفضيع.
2- موقف الحكام والحكومات من التطبيع
ماالتطبيع؟التطبيعهوإضفاءصفةالمشروعيةعلىكيانغيرمشروعوغيرطبيعي،وسحبحقوقٍمنأهلها،استعطافا لهذا الكيان وطلب الحمايته،وعشق اللذات (الإسرائيلية) أو وشعورا بالدونية أمامها.
ماالمطبِّع؟هوكلمنسعىفيرفعالقدسيةعنبيتالمقدس،ومستعدّلرفعهاعنبيتالكعبة،وكلمنباركمحتلاعلىاحتلاله،وشجّعمجرماعلىإجرامه،إرضاءًله،وتأثرا بسياسته.
و(التطبيع) فيمعناهالحقيقي،هوإزالةالوصفالطبيعيعنالارتباطبالكيانالإسرائيلي،حتىلوأُقيمتعلاقاتمعهفيالسرّوالعلن…والدولالمطبّعةهيالدولالتيارتبطتبالكيانالإسرائيليبعلاقاتغيرطبيعية. إذلوكانهذاالكيانطبيعيا،وكانتالعلاقةطبيعية،لمااحتاجالأمرإلىتطبيع.(3)
إذا كانت الصهيونية العالمية لا تتحكم فيها القيم الإنسانية، ولا تأبه بمبادئ العدالة، ولا تخضع للمطلقات المعرفية، ولا تُقدّر الحقائق التاريخية. فإنها في مقابل ذلك تتحكم فيها أفكار ومعتقدات وتصورات يتم توليدها من الداخل، ثم تتضخم شيئا فشيئا إلى أن تصبح واقعا يجب الدفاع عنه بالقوة والسلاح والاقتصاد والسياسة و الإعلام …
لقد أدركت الحركة الصهيونية العالمية أن المقاومات الشعبية المدافعة عن أرضها ومقدساتها وتاريخها وهويتها عبر التاريخ، لا يمكن إخضاعها كليا، ولا يمكن إبادتها جميعها، ولا يمكن محاصرتها كاملة. ولذلك ركزت نشاطها على "الصهيونية الديبلوماسية" و"الصهيونية الثقافية"و"الصهيونية الاقتصادية"، وهذا يضمن استمرار(إسرائيل) على أرض فلسطين لبضع سنوات ويؤجل زوالها المحتوم.
وفي وقتنا الحاضر انحصرت كل جهود الصهيونية العالمية في غاية واحد، وهي إنقاذ (إسرائيل)من قضائها الذي تخشاه، ولا سبيل إلى ذلك في تقديرها، إلا بوسيلتين:
الأولى: هي التطبيع مع العرب/ المسلمين؛ فالتطبيع السياسي مع العرب يوفر لها ما يضفي عليها نسبة من الشرعية، والتطبيع الاقتصادي يضمن لها أسواقا واسعة عند شعوب تعرف الاستهلاك فقط ولا تفكر في الانتاج، والتطبيع الثقافي يسهل اختراق الحاجز النفسي و اختفاء حالة الغضب والكراهة تجاه (إسرائيل).
والثانية:استبقاء نفوذها في الولايات المتحدة الأمريكية و أوربا؛ من خلال السعي إلى الوصول دائما إلى مراكز القرار السياسي، أو وصول المتعاطفين معها، و ضخ الأموال في مؤسسات الإعلام ودور النشر والصحافة والمراكز الثقافية والدعائية، و إغراء الأحزاب والمؤسسات التشريعية والقانونية بالمال.(4)
في هذا السياق بالتحديد، ترد علينا الأسئلة التالية: كيف استطاعت (إسرائيل)أن تفرض التطبيع على الدول العربية/الأمازيغية/ الإسلامية، بعد العداء الذي كان بينهما؟ وكيف استطاعت اختراق هؤلاء الحكام والحكومات والتحكم في قراراتهم تجاه فلسطين؟ ولماذا اكتفت الدول المطبعة بدور المفعول، بينما كانت (إسرائيل) فاعلة في هذا التطبيع؟
لقد أدركت (إسرائيل) منذ البداية أن هؤلاء الحكام والحكومات لا يمثلون شعوبهم ولا يكتسبون شرعية شعبية، ولا يعبرون عن آفاق شعوبهم في التحرر والنمو والازدهار، ولذلك تسللت إلى هذا الشرخ و قامت بتوظيفه للتلاعب بالحكام والحكومات العربية و استغلالها. ولأجل تحقيق ذلك نجدها سلكت مسلكين:
الأول: مسلك الترهيب والابتزاز والتهديد؛ لما وصل أغلب الحكام إلى الحكم عن طريق انقلابات عسكرية أو انتخابات مزورة أو عن طريق توارث السلطة، وهي أشكال لا تضفي شرعية دينية أو قانونية أو فلسفية أو منطقية أو أخلاقية على حكمهم. ولذلك كانت(إسرائيل)تعمد إلى تهديدهم بانقلابات على انقلابهم، أو بإثارة الشعوب ونشرالفوضى ضدهم، أو بتحريك الثورات وتوجيهها بما يؤدي إلى إزاحتهم عن عروشهم. والحكام العرب يدركون جيدا أن(إسرائيل) لها قدرة على ذلك، و إن كانت هاته القدرة نسبية.
كما أن فضائحهم الجنسية و الأخلاقية تعتبر نقط ضعفهم، وأن جرائهم ضد الإنسانية تُعدّ مصدر خوف وقلق من المحاكم الدولية، كما أن ثرواتهم غير المشروعة التي راكموها في البنوك الدولية وسيلة ناجعة للابتزاز. و (إسرائيل) عندها من المقاطع والمحادثات المتعلقة بفضائحهم الجنسية والأخلاقية، عندها ما يكفي من ذلك للتشهير بهم و إثارة السخرية منهم في العالم كله، وعندها من اليد الطولى في المحاكم الدولية ما يمكنها من تحريك المتابعات القانونية، بتهم الجرائم ضد الإنسانية، وعندها من السلطة والمِلكية على البنوك الدولية ما يكون مصدرا للتهديد ومصادرة تلك الأموال بذرائع مختلفة …
وعرفت (إسرائيل) كيف تخترق المجموعات والأقليات العرقيةواللسنية والدينية وتجعلها في صفها، وتُحركها لمصلحتها بما هي قوة بشرية ضاغطة داخل هذا البلد أو ذاك. فأصبحت هذه المجموعات و الأقليات مادة استعمالية توظف للتهديد بالانفصال والضغط على الحكومات. ولذلك فإن الحاكم إذا لم يجد حلا لقضاياه المصيرية في الداخل، فإنه يلجأ إلى استيراد حلول خارجية و إن كانت على حساب التاريخ والهوية والمصير نفسه.
ونظرا لهشاشة أسس الحكم عندنا، واستعداد الشعوب للثورة والاحتجاج،فإن حكامنا أول من يستجيب لتأثير الدعاية الإسرائيلية ويخشى غضبها، وقد صرح المعلق السياسي الإسرائيلي يوئيل ماركوس في جريدة هآرتس(31دحنبر 1993) بأن كثيرا من الدول تغازل إسرائيل وتخطب ودّها، نظرا لأن حكام هذه الدول يؤمنون بأن البرتوكولات وثيقة صحيحة، وأن ما جاء فيها هو المخطط الذي يتحقق في العالم والذي سيؤدي إلى سيطرة اليهود، وأنهم يتحكمون بالفعل في رأس المال العالمي وفي حكومة الولايات المتحدة الأمريكية !(5)
فبحسب هذا المعلق السياسي، تستطيع وثيقة لا تثُبت صحتها ولا تثبت نسبتها لِ(حكماء صهيون) (6)أن تثير الرعب في قلوب حكامنا وتكون مصدر قلق، يخطبون معها ودّ (إسرائيل) ويرجون حمايتها.
إن أسس الفكر الصهيوني قائم على الاستغلال؛ استغلال النزاعات الداخلية للدول، واستغلال الاختلافات اللغوية والدينية للشعوب، واستغلال سوء تدبير الحكام لبلدانهم .
الثاني: مسلك الترغيب والتقريب والتحبيب؛ فالاستثمار وتأسيس الشركات والتعاون العلمي وتشجيع السياحة وغيرها، من أساليب الإغراء التي تنهجها(إسرائيل) مع حكامنا. ونظرا لضعف الاستثمار وتعقيد مساطره القانونية، ونظرا للتخلف الحاصل عندنا في مختلف التخصصات العلمية، يعتبر هؤلاء الحكام أن إغراءات (إسرائيل) مشروعا لتنشيط الاستثمار وتنمية الاقتصاد وتطوير البحث العلمي، بما يفتح آفاق التقدم لبلدانهم ويساهم في تدفق العملة الصعبة .
يكفي أن تعد (إسرائيل)بتأسيس شركة أو بتصدير بعض المنتجات، أو أن تفتح قنصلية في منطقة متوترة، حتى يتنكر هؤلاء الحكام للذاكرة والتاريخ والهوية والذات و الموضوعوغيره، فيباشروا تنفيذ ما تمليه عليهم. كما أن الدعم المالي المباشر من (إسرائيل) أو غير المباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، للدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية من جرّاء سوء توزيع الموارد وسوء تدبيرها وفشل سياستها الداخلية، يُعدّ أداة جيدة للتقريب وللتطبيع، ولو كان ذلك على حساب القضية الفلسطينية العادلة والشعب الفلسطيني وثوابت الأمة …وإن كانت هذه الأموال في أصلها عربية، خرجت من خزائنها وصناديقها، ليتم (تدويرها) في الولايات المتحدة الأمريكية على شكل صفقات لشراء الأسلحة.
وتشكل المخاوف الأمنية هاجسا كبير لدى هؤلاء الحكام والحكومات، ولذك نراهم يسارعون إلى شراء برامج الاختراق والتجسس. و إذا كانت (إسرائيل) متقدمة في الأمن الإلكتروني، فإن حكامنا سارعوا لشراء برامجها المصنعة المخصصة للاختراق والتجسس وتتبع النشاء الحقوقيين و المعارضين السياسيين وغيرهم في الداخل والخارج.
ويعد برنامج "بيغاسوسPegasus" الذي طورته شركة (NSO)الأغلى والأكثر تعقيدا، الأخطر والأقدر على اختراق الهواتف من دون آثار، جعلته الشركة الإسرائيلية – بعد موافقة وزارة الدفاع- في خدمة الحكومات لتتبع واستهداف هواتف الأشخاص والشركات والمؤسسات، مصدر الإزعاج أو الخطورة والتهديد.
وقد رصد الباحثون في مختبرات" سيتيزن لاب Citizen Lab" التابعة لجامعة تورنتو الكندية، رصدوا نشاط هذا البرنامج في العديد من الدول منها: السعودية والإمارات والمغرب ومصر وفلسطين(7)
تبقى عبارة: (التطبيع من أجل مصلحة الوطن) عبارة غير صحيحة وخالية من مضمونها، ولا تُعبر عن حقيقة الخضوع للتطبيعوالرضا بدور المفعول به في السياسة والاقتصاد وغيره. ولا يحتاج الأمر إلى جهد كبير لتفسير وفهم دوافع هذا التطبيع، فقد يكفي أن يشعر(الشخص) في قرارات نفسه أنه صهيوني، ويجعل قبلته (إسرائيل) ليتقرّب إليها بالتطبيع!
3- موقف الشعوب من التطبيع
إذا كانت آهات المريض لا يشعر بها إلا من فتك بجسده المرض، وعذابات اليتيم لا يشعر بها إلا من ذاق مرارة اليتم، ومعاناة السجين لا يشعر بها إلا من حُرم حريته، وشعور المضطهد والمُهجّر والمظلوم لا يعرفه إلا من عاش ذلك، فإن هموم الشعب – أي شعب- لا يمكن أن يشعر بها إلا شعب مثله. ولذلك كانت شعوبنا – نظرا لماضيها القريب مع الاحتلال- أخلص في التعبير عن التضامن مع بعضها، و أصدق في الدفاع عن بعضها، و أكثر استعدادا لنصرة الحق والدفاع عن المظلوم.
و إن لم تكن كل شعوبنا تعيش بفطرتها وتاريخها وواقعها و آمالها مع مصيرها، فإن أكثرها كذلك؛ لازالت تسمع صوت الحق وتفهم معنى العدالة رغم ما طرأ على سلوكها وفكرها وفطرتها من التشويه المُمنهج والمتعمد.
ومن ههنا نجد تلك الفجوة العميقة بين مصالح الحكام والحكومات وبين آمال معظم شعوبنا، سواء تعلق الأمر بقضايا الداخل أو بقضايا الخارج. فهم بحكم – مصالحهم الشخصية – يثبتون ولاءهم للمعسكرات والقوى المعادية للحق للعدالة، حماية لهم وضمانا لاستمرار عروشهم. بينما شعوبنا التواقة للحرية والعدالة والحقوق، تجعل من نفسها نسخا لأي شعب هُجّر من أرضه أو حُرم من وطنه، أو تعرض للتعذيب و مورس عليه الاضطهاد…
إن المبادئ المختلفة والآمال المختلفة والأهداف المختلفة والولاءات المختلفة، تقتضي أن تكون القضايا العادلة عند هؤلاء غير القضايا العادلة عند هؤلاء، وتكون المصالح الكبرى عند هؤلاء عكسها عند هؤلاء، فعلى سبيل المثال " تعد الثورة ضد نظام مستبد عملا بطوليا من منظور الثوار، لكنها تعد جريمة ضد أمن الدولة يعاقب عليها القانون من منظور القائمين على النظام، والعكس صحيح، فدعم نظام ظالم جريمة من منظور المدافعين عن العدالة، لكنه واجب وطني من منظور القائمين على النظام"(8).
ولذلك كان منظور الشعب للتطبيع يختلف تماما عن منظور الحكام والحكومات؛ فالشعوب ترى التطبيع تعدٍّ على حقوق شعب في أرضه وتشريد له بقوة السلاح وقوة السياسة والإعلام والاقتصاد، بينما الحكومات لا يهمها شأن هذا الشعب أو ذاك، ما دام القائم بأعمال التهجير والاستيطان والتنكيل والسجن والتعذيب يضمن شرعيتها ويساند استمرارها.
ولا يمكن أن يتطابق الموقفان حول (التطبيع) إلا إذا كان هؤلاء الحكام و الحكومات يمثلون شعوبهم ويعبرون عن إرادتهم في الاختيار. فشعوبنا أو معظمها ترفض التطبيع وتستنكره بقلوبها وعقولها وكل جوارحها، وتعدُّه خيانة عظمى لمقدساتها وتاريخها وهويتها وقضيتها. بينما تتدخل في توجيه قرارات الساسة اعتبارات أخرى مفصولة كليا عن كل المفاهيم الأخلاقية والحقوقيةكالعدالة والحق والقانون.
لا يُفهم من ذلك أن شعبنا كله كان عصياّ عن الاختراق الصهيوني، بل إن هناك فئة قليلة تم اختراقها وتطويعها وتحريكها، من خلال تكريس المصلحة الضيقة، وتقسيم المنطقة على أساس طوائف وأجناس و أصول قومية ومذاهب، يستمر بينها قدر من الصراع المعقول الذي يمكن التحكم فيه. وقد كشفت دراسة صهيونية صدرت عن (مركز موشي دايان) التابع لجامعة تل الربيع، عن مخطط صهيوني لاختراق الحركة الأمازيغية و استثمارها لتسريع عملية التطبيع، و أن الاستراتيجية الصهيونية لمواجهة الحركات الإسلامية والقومية، هو اختراق وتطويع فاعل غير عربي، ومواجهة الخطاب الإسلامي بخطاب منافس. وكمُّ الاختراق الحاصل في صفوف هذه الفئة يبدو واضحا ولا يحتاج إلى نقاش. غير أنها فئة تبقى قليلة ومحدودة تمثل داعميها ومُحركيها ولا تمثل الأمازيغ من قريب أو بعيد.
خاتمة
تقول إحدى الحكم: كما أنه يوجد ذئب مستعد لأن يفترس خراف من حوله، فكذلك يوجد قرد مستعد لأن يقلد من يضربه أو ينتصر عليه.وكذلكغفلةالأمم (العربية) وخيانتهالنفسها، مطلوبتانلاستمرار (إسرائيل) وتقليلمتاعبهاوتأجيلنهايتها، وهيفيالوقتنفسهخيانة تظهر حقائقالأمور وتميّزالأبيضعنالأسود،ليتحققوعدالله،وكانوعداللهمفعولا…والله أعلم
1- الشيكل الصهيوني: بطاقة عضوية في المنظمة الصهيونية، تدل على أن العضو قد دفع رسوم العضوية السنوية…وسميت بهذا الاسم نسبة إلى العملة العبرية القديمة !
2-للمزيد حول هذا الموضوع، أنظر:
أ- تسفييهودا: النشاطالصهيونيفيالمغربقبيلالحمايةالفرنسية
ب-ميخائيلأبوطبول: النشاطالصهيونيفيشمالإفريقيا
ج- تسفي يهودا: يهودالمغربوالتنظيماتالصهيونيةخلالالأعوام1900-1948
د- أحمدالشحاتهيكل: يهودالمغرب: تاريخهموعلاقتهمبالحركةالصهيونية
3- أنظر كتاب: ثغور المرابطة، طه عبد الرحمان
4- الصهيونية العالمية، ص 69
5- عبد الوهاب المسيري، اليد الخفية، ص 8
6- أنظر كتاب "البروتوكولات واليهودية والصهيونية" لعبد الوهاب المسيري رحمه الله، فقد أثبت فيه زيف هذه الوثيقة ،استنادا إلى بعض الحقائق التي نُشرت عن أصولها ومن خلال تحليل النص من الداخل.
7- https://citizenlab.ca/2018/09/hide-and-seek-tracking-nso-groups-pegasus-spyware-to-operations-in-45-countries
8- اليد الخفية، ص195
9- عبد الوهاب المسيري، تاريخ الفكر الصهيوني، ص 535


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.